المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق - مدارج السالكين - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ الدّرجة الأولى: سرورُ ذوقٍ ذهبَ بثلاثة أحزانٍ:

- ‌الحزن الأوّل: حزنٌ أورثَه خوفُ الانقطاع

- ‌الحزن الثّالث: (حزنٌ بعثَتْه وحشةُ التّفرُّق)

- ‌(الدّرجة الثّانية: سرورُ شهودٍ، كشَفَ حجابَ العلم

- ‌(الدّرجة الثّالثة: سرورُ سماع الإجابة

- ‌ منزلة(1)السِّرِّ

- ‌ الثانية: صفاء القصد

- ‌ الثّالثة: صحّة السُّلوك

- ‌الطّبقة الثّالثة: طائفةٌ أسرَهم الحقُّ عنهم

- ‌النّفَس الثاني: نفَسٌ في حين التجلِّي

- ‌النّفَس الثّالث: نفَسٌ مطهّرٌ بماء القدس

- ‌ الدّرجة الأولى: الغربة عن الأوطان

- ‌(الدّرجة الثّانية: غُربة الحال

- ‌(الدّرجة الثّالثة: غُربة الهمّة

- ‌ الدّرجة الأولى: استغراق العلم في عين الحال

- ‌(الدّرجة الثّانية: استغراق الإشارة في الكشف

- ‌(الدّرجة الثّالثة: استغراق الشّواهد في الجمع

- ‌(الدّرجة الثّانية:

- ‌(الدّرجة الثّالثة:

- ‌ الدّرجة الأولى: تمكُّن المريد

- ‌(الدّرجة الثّانية: تمكُّن السّالك

- ‌(الدّرجة الثّالثة: تمكُّن العارف

- ‌ الدّرجة الأولى: مكاشفةٌ تدلُّ على التّحقيق الصّحيح

- ‌ الدّرجة الأولى: مشاهدة معرفةٍ

- ‌(الدرجة الثانية: مشاهدة معاينةٍ

- ‌(الدّرجة الثّالثة: مشاهدة جَمْعٍ

- ‌ الحياة الأولى: حياة العلم من موت الجهل

- ‌المرتبة الأولى: حياة(2)الأرض بالنّبات

- ‌المرتبة الثانية: حياة النُّموِّ والاغتذاء

- ‌المرتبة السّادسة: حياة الإرادة والهمّة والمحبة

- ‌ سببُ تخلُّفِ النّفس عن طلب هذه الحياة

- ‌(الحياة الثّانية: حياة الجمع من موت التّفرقة

- ‌(الحياة الثّالثة: حياة الوجود. وهي حياةٌ بالحقِّ

- ‌(الدرجة الثانية: اتِّصال الشُّهود

- ‌(الدرجة الثالثة: اتِّصال الوجود

- ‌(الثاني: انفصالٌ عن رؤية الانفصال

- ‌(الثالث: انفصالٌ عن اتِّصال

- ‌ الدرجة الأولى: معرفة الصِّفات والنُّعوت

- ‌ الفرق بين الصِّفة والنّعت

- ‌ كلُّ شركٍ في العالم فأصله التعطيل

- ‌القاعدة الثالثة: تعريف الحال بعد الوصول

- ‌الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق

- ‌(الدرجة الثانية: معرفة الذات، مع إسقاط التفريق بين الصِّفات والذات

- ‌(الدرجة الثالثة: معرفةٌ مستغرقةٌ في محض التعريف

- ‌ الدرجة الأولى:

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌(الدّرجة الثّالثة: أن لا يُناسِمَ رسمُك سبْقَه)

- ‌الثاني: وجود الحقِّ وجود عينٍ»

- ‌الثالث: وجود مقام اضمحلال رسمِ الوجود فيه

- ‌(الدّرجة الأولى: تجريد عين الكشف عن كسب اليقين)

- ‌(الدرجة الثانية: تجريد عين الجمع عن درك العلم)

- ‌(الدرجة الثالثة: تجريد الخلاص من شهود التجريد)

- ‌ تفريد الإشارة بالحقِّ

- ‌«الجمع» ينقسم إلى صحيح وباطل

- ‌المسألة الثّانية: قوله: (ويوجد بتبصير الحقِّ)

- ‌المسألة الثّالثة: قوله: (وينمو على مشاهدة الشّواهد)

- ‌الالتفاتُ إلى الأسباب ضربان: أحدهما شركٌ، والآخر عبوديّةٌ وتوحيدٌ

- ‌فصلقوله: (والصُّعود عن منازعات العقول)

الفصل: ‌الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق

على نفي صفاته وحقائق أسمائه.

‌الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق

، فإنَّ الله سبحانه ليس كمثله شيء

(1)

في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله؛ فالعارفون به، المصدِّقون لرسله، المقرُّون بكماله يثبتون له الأسماء والصِّفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنةٌ بين سيِّئتين، وهدًى بين ضلالتين، فصراطهم صراط المنعم عليهم، وصراط غيرهم صراط المغضوب عليهم والضّالِّين.

قال الإمام أحمد: لا نزيل عن الله صفةً من صفاته، لأجل شناعة المشنِّعين. وقال: التشبيه: أن تقول يدٌ كيدي ووجه كوجهي، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا

(2)

.

قوله: (والإياس من إدراك كنهها، وابتغاء تأويلها)، يعني: أن العقل قد يئس من معرفة كنه الصِّفة وكيفيَّتها، فإنَّه لا يعلم كيف الله إلَّا الله، وهذا معنى قول السلف: بلا كيفٍ

(3)

، أي بلا كيفٍ يعقله البشر، فإنَّ من لا تُعلَم حقيقةُ

(1)

في ر زيادة: «لا» .

(2)

كلا القولين جزء من كلامٍ جامعٍ للإمام أحمد في الإيمان بالأسماء والصفات، أسنده غلام الخلال في «السنة» (1/ 303 ــ مع زاد المسافر) وابن بطَّة في «الإبانة الكبرى» (2/ 527 - نشرة آل حمدان) من رواية حنبل عنه.

(3)

أطبق أئمة السلف على هذا القول. ومِن أقدم مَن أُثر عنه ذلك: كبار أئمة أتباع التابعين في الأمصار: مالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والليث بن سعد؛ فقد روى الدارقطني في «الصفات» (67) وهبة الله الطبري في «شرح السنة» (875، 930) والبيهقي في «الصفات» (955) وغيرهم من طرق عن الهيثم بن خارجة عن الوليد بن مسلم أنه سألهم عن أحاديث الصفات فقالوا: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف.

ص: 314

ذاته وماهيَّتُه، كيف تُعرف كيفيَّةُ نعوته وصفاته؟

ولا يقدح ذلك في الإيمانُ بها ومعرفةُ معانيها، فالكيفيَّة وراء ذلك، كما أنَّا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائقِ ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيَّته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزُنا عن معرفة كيفيَّة الخالق وصفاته أعظم وأعظم.

وكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفيَّة مَن له الكمالُ كلُّه، والجمال كلُّه، والعلم كلُّه، والقدرة كلُّها، والعظمة كلُّها، والكبرياء كلُّها؟! مَن لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبُحاتُه السَّماواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهما، وما وراء ذلك

(1)

؛ الذي يقبض سماواته بيده، فتغيب كما تغيب الخردلة في كفِّ أحدنا

(2)

؛ الذي نسبة علوم الخلائق كلِّهم إلى علمه أقلُّ من نسبة نَقْرةِ عصفورٍ من بحار العالم

(3)

؛ الذي لو أنَّ البحر ــ يمدُّه من بعده سبعة أبحرٍ ــ مدادٌ، وأشجارُ الأرض من حين خُلقت إلى قيام السَّاعة أقلامٌ= فني المدادُ وفنيت الأقلامُ ولم تنفَدْ كلماتُه؛

(1)

كما في حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم (179) بلفظ: «حجابه النور ــ وفي رواية: النار ــ لو كشفه لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» .

(2)

كما في أثر لابن عباس عند عبد الله في «السنة» (1068) والطبري في «تفسيره» (20/ 246). وروي ذلك أيضًا عن وهب بن منبه.

(3)

مقتبس من قول الخضر لموسى لمَّا كانا في السفينة فجاء عصفور، فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرةً أو نقرتين في البحر، فقال الخضر:«يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر» . أخرجه البخاري (122) ومسلم (2380) من حديث ابن عباس عن أبي بن كعب مرفوعًا.

ص: 315

الذي لو أنَّ الخلق من أوَّل الدُّنيا إلى آخرها إنسَهم وجنَّهم وناطقَهم وأعجمَهم جُعلوا صفًّا واحدًا ما أحاطوا به سبحانه

(1)

؛

الذي يضع السَّماواتِ على إصبعٍ من أصابعه، والأرض على إصبعٍ، والجبال على إصبعٍ، والأشجار على إصبعٍ، ثمَّ يهزُّهنَّ ثمَّ يقول: أنا المَلِك

(2)

.

فقاتل الله الجهميَّة والمعطِّلة! أين التشبيه هاهنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحلَّ هاهنا كلُّ موجودٍ سواه، فضلًا عن أن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه، فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولَّاها ما تولَّته مِن وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها والمعاني التي لا حقائق لها.

ولمَّا فهمت هذه الطائفة من الصِّفات الإلهيَّة ما تفهمه من صفات المخلوقين فرَّت إلى إنكار حقائقها وابتغاءِ تحريفها، وسمَّته تأويلًا، فشبَّهت أوَّلًا، وعطَّلت ثانيًا، وأساءت الظنَّ بربِّها وبكتابه وبنبيِّه وبأتباعه

(3)

.

أمَّا إساءة الظنِّ بالربِّ تعالى، فإنَّها عطَّلت صفاتِ كماله، ونسبَتْه إلى أنَّه أنزل كتابًا مشتملًا على ما ظاهرُه كفرٌ وباطلٌ، وأنَّ ظاهرَه وحقائقه غيرُ مرادةٍ.

(1)

لعله يشير إلى حديث عطية العوفي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} ، قال:«لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا الى أن فَنُوا صفُّوا صفًّا واحدًا لما أحاطوا بالله أبدًا» .. أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/ 1363) والعقيلي في «الضعفاء» (1/ 397) وابن عدي كذلك (2/ 399). وإسناده إلى عطية واه، فضلًا عن ضعفه هو.

(2)

كما في حديث ابن مسعود أن حبرًا من أحبار اليهود قال ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك صلى الله عليه وسلم تصديقًا لقوله. أخرجه البخاري (4811) ومسلم (2786).

(3)

في ت زيادة: «ثالثًا» .

ص: 316