الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشُّهود= كانت العبارة في مرتبة العلم والمعرفة، والإشارة في مرتبة الشُّهود، فإذا وصل إلى مرتبة الوجود انقطعت الإشارات، واضمحلَّت العبارات، فإنّ صاحب الوجود في حضرة الوجود، فما له وما للإشارة؟ إذ الإشارة
(1)
في هذا الباب إنّما تكون إلى غائبٍ بوجهٍ ما.
قوله: (و
الثالث: وجود مقام اضمحلال رسمِ الوجود فيه
بالاستغراق في الأوَّليَّة
(2)
).
هذا كلامٌ فيه قلقٌ وتعقيدٌ، وهو باللُّغز
(3)
أشبه منه بالبيان.
وحقيقة هذه الدّرجة: أنّها تَشْغَل صاحبَها بموجوده عن إدراك كونه واجدًا، فلم تبقَ فيه بقيّةٌ يتفطّن بها لكونه مُدرِكًا لموجوده، لاستيلائه على قلبه، فقد قهَرَه ومحَقَه عن شعوره بكونه واجدًا لموجوده، فهو حاضرٌ مع الحقِّ، غائبٌ عن كلِّ ما سواه.
فالدرجة الأولى وجود علمٍ، والثانية وجود عيانٍ، والثالثة وجود مقامٍ اضمحلّ فيه ما سوى الموجود، وهذا معنى (اضمحلال رسم الوجود فيه)، ولهذا قال: (بالاستغراق في الأوَّليَّة
(4)
)، فإنّه إذا استغرق في شهود الأوَّليَّة اضمحلَّ في هذا الشُّهود كلُّ حادثٍ، والله أعلم.
* * * *
(1)
«إذ الإشارة» ليست في ش.
(2)
د: «الأزلية» .
(3)
ت: «بالكفر» ، تحريف.
(4)
ش، د:«الأزلية» هنا وفيما يلي.
فصل
قال
(1)
: (باب التجريد. قال الله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12]. التجريد: انخلاعٌ عن شهود الشّواهد، وهو على ثلاث درجاتٍ، الدرجة الأولى: تجريد عين الكشف عن كسب اليقين، والدرجة الثانية: تجريد عين الجمع عن درك العلم، والدرجة الثالثة: تجريد الخلاص من شهود التجريد).
وجه الإشارة بالآية ــ وليس هو تفسيرها ولا المراد بها ــ أنه سبحانه أمره أن يخلع نعليه عند دخوله ذلك الوادي المقدَّس، إمَّا لينال أخمصُ قدميه بركةَ الوادي، وإمّا لأنّهما كانتا ممَّا لا يصلُح أن يباشر ذلك المكان بهما، كما قيل: كانتا من جلد حمارٍ غير ذكيٍّ
(2)
، وعلى كلِّ حالٍ فهو أمرٌ بالتجرُّد من النعلين في ذلك المكان وتلك الحال.
وموضع الإشارة: أنّه أُمر بالتجرُّد من نعليه عند دخول الوادي، فعلم أنّ التجرُّد شرطٌ للدخول فيما لا يصلح الدُّخول فيه إلّا بالتجرُّد.
وعلى هذا، فيقال لمن أراد الوصول إلى الله سبحانه والدُّخول عليه: اخلَعْ من قلبك ما سواه، وادخُلْ عليه، وأوّلُ قدمٍ تدخل بها في الإسلام: أن تخلع الأنداد والأوثان التي تُعبد من دون الله، وتتجرَّد منها، فكأنّه قيل له: اطرَحْ عنك ما لا يكون صالحًا للوطء به على هذا البساط. أو لأنَّ ذلك الوادي لمَّا كان من أشرف الأودية وأطهرها، ولذلك اختاره سبحانه على غيره من الأودية لتكليم نبيِّه وكليمه، فأمره سبحانه أن يُعظِّم ذلك الوادي بالوطء فيه حافيًا، كما يُوطَأ
(1)
«المنازل» (ص 108).
(2)
روي ذلك عن علي والحسن البصري وغيرهما. انظر: «الدر المنثور» (10/ 171).