الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن تكون نزلت للرد على اليهود الذين آذنت أنهم يعرفون حقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم بصفتهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ البقرة: [146] وهذا وذاك يسوغ الشك في رواية الطبري، أما الرواية الأولى فإن شطرها الثاني مناقض للآية [20] كما هو واضح.
والذي يتبادر لنا من أسلوب الآية أنها استمرار في السياق وأن ضمير الجمع المخاطب الذي يعود إلى الكفار على الأرجح يربط بينها وبين موقف الجدل الوجاهي الذي حكته الآيات السابقة ثم أخذت ترد عليه ردا بعد رد منددة ومنذرة ومقرعة ومذكرة.
تعليق على الآية قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً
…
إلخ
وأسلوب الآية نافذ إلى الأعماق في صدد الدعوة إلى الله وحده. والجملة على أي مظهر من مظاهر الشرك ثم في جعل الله شهيدا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق ولا يبلغ إلّا الصدق. وأن القرآن هو من وحي الله وجملة وَمَنْ بَلَغَ تتضمن عموم الدعوة المحمدية وخلودها وشمولها لكل ظرف ومكان وجنس ونحلة كما هو المتبادر.
ولقد أورد المفسرون في سياق هذه الآية أحاديث نبوية وردت صيغ مقاربة لها في كتب الصحاح. منها حديث رواه الشيخان عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليبلغ الشاهد الغائب فإنّ الشاهد عسى أن يبلّغ من هو أوعى له منه» «1» .
وحديث رواه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«بلّغوا عنّي ولو آية» «2» . وحديث رواه الترمذي وأبو داود عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضّر الله امرأ سمع منا شيئا فبلّغه كما سمع فربّ مبلّغ أوعى من سامع» «3» .
(1) التاج ج 1 ص 58- 60.
(2)
التاج ج 1 ص 58- 60.
(3)
التاج ج 1 ص 58- 60.
وينطوي في الأحاديث إيجاب نبوي صريح على كل مسلم في كل زمن ومكان تبليغ شيء مما يعرف من آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم لأي كان لا يعرف ذلك. سواء أكان مسلما أم غير مسلم، فكأنما حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا ما أمر به في الآية من إنذار السامعين بالقرآن ومن يبلغه خبره من غيرهم على المسلمين استمرارا لتحقيق أمر الله تعالى له. وهذا يعني واجب الدعوة إلى الإسلام على كل مسلم في كل زمن ومكان. والمتبادر أن هذا الواجب أشد إيجابا على القادرين عليه علما وسلطانا واستطاعة. وبالدرجة الأولى على أولياء أمر المسلمين الذين هم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والإسلام. فالله سبحانه وتعالى أرسل رسوله مبشرا وداعيا ونذيرا لجميع البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم ونحلهم وأمر المسلمين أن يجعلوه أسوة وأن يستمروا على نهجه ولا ينقلبوا على أعقابهم بعده كما جاء في آية سورة آل عمران هذه: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [144] وكما جاء في آية سورة الأحزاب هذه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [21] فصار واجب التبليغ والدعوة واجبا لازما على كل مسلم وكل بحسب قدرته واستطاعته. مع شرط مهم هو أن يكون الصدق والإخلاص رائدهم في كل ما يبلغونه وأن يتحروا في ذلك أشد التحري وأن لا يكون فيه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حيث جاء في حديث رواه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو: «ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» «1» . وفي القرآن آيات عديدة فيها إنذار رهيب لمن يكذب على الله تعالى منها آية سورة الأعراف [27] التي سبق تفسيرها ومنها آية الزمر هذه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) .
(1) التاج ج 1 ص 58.