الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فُرُطاً (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [28- 29] مما يدل على أن هذا الموضوع كان مما يكثر الأخذ والرد فيه بين النبي وزعماء الكفار أو كانت صوره تتكرر فتقتضي حكمة التنزيل موالاة التنبيه والتحذير والتعليم للنبي صلى الله عليه وسلم.
على أنه يتبادر لنا من روح الآيات وعطفها على ما سبقها، ومن روح الآيات التالية لها أنها لم تنزل بمناسبة موقف من مثل هذه المواقف مباشرة، وإنما نزلت استمرارا واستئنافا للسياق الذي فيه حكاية مواقف الكفار وتعجيزاتهم، وإن كان من المحتمل أن يكون حدث حادث من نوع ما ذكرته الروايات والحديث الصحيح في ظروف نزولها أو قبله فأشير إليه.
وإنعام النظر في مدى الآيات ومضمونها يجعل الناظر يرى فيها صورة رائعة من سمو الأهداف القرآنية في إعلاء شأن المؤمن الصالح مهما كان فقيرا أو متخلفا في السلّم الاجتماعي وفي تقرير حق تقدمه على الكافر الشرير مهما كان غنيا عالي الدرجة، كما يجعله يرى فيها مبادئ جليلة الشأن حيث يؤذن القرآن عدم إقرار التمايز العلني وتفاضل الناس على أساسه بل ويقضي عليه، ويقرر الأفضلية للعمل الصالح والنية الحسنة وطهارة القلب، ويفتح الباب للمسيء عن جهل للدخول في حظيرة الصلاح بتوبته عن الفساد وبعمله الصالح، ويندد بمن يتبجح بعلوّ طبقته ويحتقر ما دونه.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)
(1)
يقصّ الحق: قال المفسرون معنى يقص هنا يقول. وروى الطبري أن
كلمة (يقص) قرئت (يقضي) ورأى في ذلك وجاهة أكثر لأنها تتسق بذلك مع الجملة التالية لها.
(2)
الفاصلين: من الفصل بمعنى القضاء بين الناس.
(3)
الظالمين: هنا بمعنى الطاغين المنحرفين المجرمين.
في الآيات أمر رباني للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلن للكفار أن الله تعالى نهاه عن عبادة ما يدعون من دونه من اتباع أهوائهم، لأنه يكون حينئذ ضالا غير مهتد في حين أنه غدا على بينة من ربّه بالرغم من تكذيبهم وجحودهم، وبأن يعلن لهم كذلك أن ما يستعجلونه ليس في يده ولو كان في يده لكان الأمر قد انقضى بينه وبينهم، ولكنه بيد الله الذي يقول الحق ويقضي به وهو خير الفاصلين، وهو الأعلم بالظالمين الباغين.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بالسياق المستأنف فيه حكاية ما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار من حجاج ونقاش.
ومن المحتمل أن تكون جملة لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ ردا على ما كان زعماء الكفار يطالبون النبي صلى الله عليه وسلم به من إقصاء فقراء المسلمين عنه مما تضمنته الآيات السابقة، كما أن من المحتمل أن يكون في صدد ما طالبوا به من التساهل معهم في بعض الشؤون مما تضمنته آيات أخرى مرّ بعضها منها في آيات سورة الإسراء [73- 74] وآيات سورة القلم [9- 10] أما جملة ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ فالجمهور على أنها تعني العذاب الذي أوعد القرآن الكفار به وكان الكفار يتحدون النبي صلى الله عليه وسلم بالتعجيل به استخفافا وإنكارا وهو وجيه. وقد حكته عنهم آيات عديدة مرّ بعضها، مثل آيات سورة يونس [48- 50] وآية سورة هود [8] وآيات سورة الشعراء [202- 208] .
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا عن عائشة جاء فيه: «إنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد، فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة. إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل