الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآيات قوية نافذة، ومع واجب الإيمان بما حكته من مشهد أخروي فإن من الحكمة المتبادرة فيها إثارة الخوف والرهبة في السامع وحمله على التراجع إن كان جاحدا.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الذين يؤمر بحشرهم مع الظالمين من الآلهة هم الأصنام أو الشياطين أو غير عباد الله الصالحين الذين اتخذهم الناس آلهة ومعبودات وشركاء مثل الملائكة والعزير والمسيح على اعتبار أن هؤلاء غير مسؤولين عن فعل المشركين. وقد حكت بعض الآيات تنصلهم منهم ما مرّ مثاله في الآيات [16- 17] من سورة الفرقان.
ولقد روى الترمذي في سياق الآية وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ الصافات: [24] حديثا عن أنس بن مالك قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من داع دعا إلى شيء إلّا كان موقوفا يوم القيامة لازما به لا يفارقه. وإن دعا رجل رجلا ثم قرأ قول الله تعالى وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» «1» ويلحظ أن الضمير في الآية عائد بصراحة حاسمة للظالمين المشركين خاصة. فإن صح الحديث فيكون النبي صلى الله عليه وسلم هدف إلى استلهام الآية لوعظ المسلمين وتحذيرهم من أي قول أو عمل فيه انحراف وضلال.
هذا، وللشيعة تأويل غريب على عادتهم للآية، حيث قالوا إنها في حق الذين أنكروا ولاية عليّ ومنعوها عنه، بل لقد رووا في ذلك حديثا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم «2» لم يرد في أي كتاب من كتب الأحاديث المعتبرة وتغافلوا عن أن الآية مكية وأنها في سياق التنديد بالمشركين الظالمين وإنذارهم.
[سورة الصافات (37) : الآيات 25 الى 33]
ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
(1) التاج ج 4 ص 195.
(2)
ترجمة مختصر التحفة الإثني عشرية ص 157.
(1)
لا تناصرون: لا تتناصرون أي لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم تفعلون في الدنيا.
(2)
تأتوننا عن اليمين: أوّلها بعضهم بأن الذين أضلوا الناس كانوا يحلفون لهم بأنهم على هدى ويحولون بينهم وبين الإيمان بالله والاستجابة لدعوته. وأوّلها بعضهم بأنها كناية عن الوسوسة والتزيين من جهة يمينهم لأن هذه الجهة هي الميمونة المأمونة والتي اعتاد الناس أن يسروا إلى بعضهم بما يريدون من ناحيتها.
الآيات استمرار لحكاية ما سوف يكون من أمر الكفار يوم البعث، فسيسألون سؤال التهكم والتحدي عن سبب عدم تناصرهم كما كانوا يفعلون في الدنيا فلا يكون جوابهم إلّا الاستكانة والاستسلام. ولسوف يقبل بعضهم على بعض يتعاتبون ويتخاصمون. فيقول التابعون للمتبوعين وهم الزعماء: إنكم كنتم تزينون لنا الجحود والغواية وتصدوننا عن الهدى فيجيبهم هؤلاء: إنكم كنتم ضالين طغاة غير مصدقين في قرارة نفوسكم ولم يكن لنا عليكم سلطان قاهر لو استجبتم. ولم نكد نقف موقف الصد والغواية حتى تابعتمونا. ولقد حق علينا حكم الله ووعيده فنحن جميعا ذائقون مرارة أعمالنا وضلالنا. وقد عقبت الآية الأخيرة على هذه المحاورة بتقرير أنهم سيكونون جميعا في العذاب مشتركين ولن يغني الاعتذار والتنصل والتلاوم أحدهم شيئا.
والآيات كسابقاتها قوية التصوير ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الذي حكته فإن من حكمة الأسلوب المتبادرة الذي جاءت عليه إثارة الخوف والرعب والارعواء في قلوب الكفار تابعين ومتبوعين. ولعل مما استهدفته تنبيه التابعين الذين كانوا الأكثر إلى أن الزعماء الذين يتبعونهم لن ينفعوهم في الآخرة شيئا.