الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدأت السورة بحروف الألف، واللام، والميم، لاسترعاء السمع والذهن لما بعدها. وأعقبها إشارة تنويهية إلى آيات الكتاب المحكم في أسلوبه وأهدافه وعظاته، الذي فيه الهدى والرحمة لمن حسنت نيتهم وأعمالهم، التي منها إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان اليقيني بحقيقة الحياة الأخروية وما وعد الله فيها.
فهؤلاء هم على هدى الله وهم الناجحون الفائزون.
وصيغة الآية الخامسة تنطوي كما هو المتبادر على التنويه بشأن الذين تحققوا بالصفات الثلاثة التي جمعت الآية الرابعة بينها، وينطوي فيها بطبيعة الحال حثّ على التحقق بها. وروح الآية الثالثة ومضمونها يلهمان تقرير كون الذين ينتفعون بآيات الكتاب ويكون لهم فيها هدى ورحمة هم ذوي القلوب السليمة والروح الطيبة الراغبة في الحق والخير والهدى. ولقد نبهنا إلى ما في التنويه بالمحسنين من مقصد جليل في تعليق كتبناه على الكلمة في سورة المرسلات التي سبق تفسيرها. وهذا المقصد الجليل بارز في هذه الآيات بروزا قويا كما هو المتبادر.
[سورة لقمان (31) : الآيات 6 الى 11]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)
. (1) لهو الحديث: الباطل من الحديث الذي يلهي عن الحقيقة.
(2)
وقر: صمم.
الجزء الرابع من التفسير الحديث 16
(3)
عمد: جمع عمود أو عماد أي سند.
(4)
تميد بكم: تتحرك بكم.
(5)
من كل دابة: من كل نوع من أنواع الحيوان.
(6)
زوج: بمعنى صنف.
في الآيات تنديد بفريق من الناس يتمسكون بالأحاديث الباطلة ليضلوا بها سامعيها عن سبيل الله دون علم. وحينما تتلى عليهم آيات الله استكبروا وولوا كأنهم لم يسمعوها أو كأن في آذانهم صمما يحول دون سماعها. وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بإنذار هؤلاء وتبشيرهم بعذاب الله المهين الأليم. وهناك مقابلهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقد وعدهم الله جنات النعيم وعدا حقا وهو العزيز القادر على تحقيق وعده الحكيم الذي يفعل كل شيء بحكمة وإتقان، والذي من آياته الباهرة خلق السموات وإمساكها بدون سند يراه الناس، وإرساء الجبال فوق الأرض لئلا تتحرك من تحتهم وتكبهم، وبثّه فيها من كل نوع من أنواع الدواب وإنزاله الماء من السماء وإنباته به من كل صنف كريم من صنوف النبات.
وقد انتهت الآيات بالهتاف بالسامعين وتحديهم: فهذا ما خلق الله وأبدع فما الذي خلقه غيره من الآلهة التي يشركها الناس معه بالعبادة والاتجاه. ثم قررت حقيقة أمر الظالمين الذين يدعون غير الله فهم في ضلال ليس بعده ضلال.
وقد روى بعض المفسرين «1» أن الآية الأولى عنت النضر بن الحرث الذي كان يرحل إلى بلاد فارس ويعود منها فيقول للناس إن محمدا يحدثكم عن عاد وثمود وأنا أستطيع أن أحدثكم عن رستم وإسفنديار وإن حديثي لأشهى من حديثه. والرواية محتملة مع التنبيه على أنها تكررت في مناسبات عديدة ومع التنبيه كذلك على أن الآيات وحدة منسجمة بحيث يمكن القول إنها نزلت جميعها- وليست الآية الأولى فقط- في صدد الموقف الذي ذكرته الرواية أو موقف مماثل له فيه تشويش من بعض نبهاء الكفار على القرآن. ومقابلته ما يتلى عليه منه بالاستهزاء
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الخازن.