الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخائضين وإنما تسامحت في نسيان أمر الله بذلك وأوجبته في حالة التذكر.
ولقد روى الطبري عن قتادة أن الآية قد نسخت بآيات القتال، وهذا صواب إذا كان الخوض طعنا في الدين وفي الله وكتابه ورسوله. فكل هذا صار من مستوجبات القتال بعد الهجرة على ما جاء في آية سورة التوبة هذه: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) وهذه الحالة هي غير حالة الأمر بالصبر على الكفار والإعراض عنهم الذي تكرر في سور مكية عديدة وقال بعض المفسرين إنه نسخ بعد الهجرة بآيات القتال. فإن هذا إنما يصح إذا رافق موقف الكفار طعن وأذى على ما شرحناه في تفسير سورة الكافرون.
ومع خصوصية الآيات وصلتها بظروف السيرة النبوية فإنها تضمنت تلقينا جليلا مستمر المدى في حظر مجالسة الهازئين الطاعنين في دين الله ورسله وكتبه والخائضين في مواضيع خارجة عن الأدب والحق كما هو المتبادر. فضلا عن كون الهزء والطعن في الدين من موجبات الجهاد على المسلمين على ما ذكرناه آنفا.
تعليق على جملة وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم
ولقد وقف بعض المفسرين «1» عند هذه الجملة وتساءلوا عن جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم ثم جواز تأثره بالشيطان. والآية صريحة بجواز النسيان عليه، وعلى غيره من الأنبياء. وفي القرآن آيات عديدة أخرى تؤيد ذلك. مثل آية الكهف هذه التي يخاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [24] وآية طه [115] بالنسبة لآدم وآية الكهف [62] بالنسبة لموسى. وقد أمر الله رسوله والمؤمنين بالدعاء لله بأن لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخطأوا في الآية الأخيرة من سورة البقرة.
(1) انظر تفسير الخازن.
وهو منبثق من طبيعة الأنبياء البشرية. وهناك أحاديث عديدة عن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث رواه الخمسة عن عبد الله «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة، فقال وما ذاك؟ قال صلّيت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلّم وفي رواية قال أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو» «1» .
ويتبادر لنا أن نسبة الإنساء للشيطان في الجملة هو تعبير أسلوبي أو هو وسوسة الشيطان التي تجوز على كل إنسان، وهي ليست من قبيل سلطان الشيطان الذي نبهت آيات عديدة على أن ذلك ليس واردا بالنسبة لعباد الله المخلصين الذين يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في مقدمتهم.
وإنساء الشيطان أيسر من نزغ الشيطان، ومع ذلك ففي آية سورة الأعراف التي سبق تفسيرها ما يجعل النزغ الشيطاني جائزا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم على ما شرحناه في سياقها. وجواز السهو والنسيان على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يحتمل في الشؤون البشرية والدنيوية. أما الشؤون الدينية والتبليغ عن الله تعالى فالمتفق عليه عند الجمهور أنه معصوم عنهما وهو الحق «2» .
وقد استنبط بعضهم «3» من الآية الأولى التي فيها هذه الجملة رفع مسؤولية ما يقع من الإنسان من أمور محظورة نسيانا وسهوا وخطأ غير متعمد. وأيدوا ذلك بالحديث النبوي الذي رواه ابن ماجه وأبو داود وجاء فيه: «إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» «4» . وفي سورة الأحزاب هذه الآية: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) وقد
(1) التاج ج 1 ص 197.
(2)
انظر تفسير الآيات في الطبرسي ومنار رشيد رضا.
(3)
انظر تفسير ابن كثير والمنار.
(4)
التاج ج 1 ص 29.