الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
مستقيما: النصب في الكلمة على الحال.
(2)
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله: ولا تسيروا في طرق متعددة فتضلوا عن سبيل الله لأن طريق الله التي فيها الهدى واحدة.
الآيات واضحة العبارة، والمتبادر أنها متصلة بموقف المناظرة والمحاججة الذي حكته الآيات السابقة لها وتعقيب عليها. وأنها موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين الذين هم الطرف الثاني في المناظرة.
تعليق على آية قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ والآيتين التاليتين لها
ومع ما في توجيه الخطاب في الآيات من خصوصية زمنية وجدلية فإنها في حد ذاتها من جوامع الآيات القرآنية المشتملة على الأوامر والنواهي الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية العامة التي يمكن توجيهها لجميع الناس ولجميع المسلمين في كل زمن ومكان.
ولقد تكرر في القرآن هذا النوع من الجوامع، وقد مرّت اثنتان غير هذه، واحدة في سورة الفرقان وأخرى في سورة الإسراء. ويلحظ أن كلا من المجموعات الثلاث جاء بأسلوب خاص. مجموعة الفرقان جاءت وصفا لأخلاق وسيرة عباد الله
المخلصين المؤمنين ومجموعة الإسراء جاءت كوصايا ربانية مباشرة. وهذه المجموعة جاءت كبيان موجه إلى السامعين بما حرم الله وأمر في سياق مناظرة قائمة بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين مما فيه صور من النظم القرآني وتنوعه.
وهذه المجموعة أكثر تشابها وتساوقا مع مجموعة الإسراء، وقد علقنا على هذه المجموعة بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورة الإسراء، وجل ما قلناه ينسحب على هذه المجموعة فلا نرى حاجة إلى تكراره. غير أن في هذه المجموعة مبدأين لم يردا في تلك. أولهما: النهي عن محاباة ذوي القربى وقول الحق والعدل دون غيرهما. وثانيهما: إيجاب التزام سبيل الله الواضح الواحد الذي لا يتعدد وعدم التفرق مذاهب وشيعا.
والمبدأ الأول ينطوي على وجوب التزام المرء الحق والعدل والإنصاف في كل ظرف، وتجاه أي مؤثر داخلي وخارجي. وفي هذا من السموّ والقوة ما هو ظاهر ولا سيما إن عصبية القرابة من الأمور الراسخة في النفوس.
أما المبدأ الثاني فهو مزدوج المدى من حيث إن الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين تعقيبا على المناظرة وينطوي في ذلك تنبيه إلى أن سبيل الله واحدة لا تعدد فيها وواضحة لا عماء فيها وأن على المشركين الذين يعترفون بالله ويتحججون بمشيئته في ما هم عليه من تقاليد أن يلتزموا هذه السبيل ويدعوا المراوغة والأهواء التي تبعدهم عنها إذا كانوا حقا راغبين في الهدى ودين الله.
ومن حيث شمول الخطاب للمسلمين في كل زمان ومكان.
والمتبادر أنه ينطوي في هذا بالنسبة للمسلمين تقرير كون سبيل الله واحدة وواضحة فيما يقرره القرآن والرسول من المبادئ المحكمة وإيجاب التزام ذلك وعدم الحيدان عنه، لأن في هذا الضلال عن سبيل الله.
وخواتم الآيات الثلاث جديرة بالتنويه من حيث انطواؤها على التنبيه إلى أن هذه الآيات المتضمنة لوصايا الله وبيان ما حرمه إنما تتلى على الناس ليتدبروها ويعقلوها ويتفكروا بواجباتهم فيما يفعلون وليراقبوا الله ويتقوه في أعمالهم. ولقد
أورد ابن كثير في سياق هذه السلسلة أحاديث عديدة منها ما أورده في صدد المجموعة جملة ومنها ما أورده في صدد مفرداتها.
فما أورده في صدد المجموعة جملة حديث رواه الحاكم في مسنده عن عبادة بن الصامت قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم يبايعني على ثلاث. ثم تلا الآيات ثم قال فمن وفى فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته. ومن أخّر إلى الآخرة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه» ، حيث ينطوي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر هذه المجموعة جامعة لأمهات الأمور.
ومن ذلك حديث أخرجه الأودي عن ابن مسعود قال: «من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله التي عليها خاتمه فليقرأ هذه الآيات» . وحديث رواه الحاكم عن ابن عباس قال: «في الأنعام آيات هن أم الكتاب، وقرأ هذه الآيات» .
ولقد أوردنا بعض ما أورده في المفردات في سياق سلسلة الإسراء ونورد هنا بعض ما لم نورده. فمن ذلك حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي ذر الغفاري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فبشّرني أنه من مات من أمتك ولم يشرك بالله شيئا دخل الجنة» قلت: «الكلام لأبي ذر» وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق وكرّر السؤال فكرّر النبيّ الجواب وفي الرابعة قال على رغم أنف أبي ذرّ» «1» .
ومن ذلك حديث رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحد أغير من الله. من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» .
ومن ذلك حديث أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان إنكم ولّيتم أمرا هلكت فيه الأمم السابقة قبلكم» . ومن
(1) التاج ج 1 ص 26، ولقد أورد مؤلف التاج بعد هذا الحديث حديثا آخر رواه الشيخان والترمذي أيضا عن أنس (ص 27) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان» حيث يمكن أن يقال إن الله تعالى إذا لم يغفر للزاني والسارق اللذين يموتان ولا يشركان به شيئا فإنه يعذبهما ما شاء ثم يخرجهما من النار ويدخلهما الجنة. وبعبارة أخرى يكون في هذا الحديث توضيح لمدى الحديث الأول والله أعلم.