الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التلقين المنطوي في الآية قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ.. إلخ
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) وآية سورة النساء هذه: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) .
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.
[سورة الزمر (39) : الآيات 16 الى 20]
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20)
. (1) ظلل: جمع ظلة وهي ما يخيم فوق الرأس ويحيط فوق الشيء.
وهي هنا بمعنى إحاطة النار بهم من فوقهم ومن تحتهم.
(2)
الطاغوت: الراجح أنها صيغة مبالغة من الطغيان على وزن جبروت وملكوت. واستعملت في القرآن في معان متعددة متقاربة حيث استعملت في معنى الأصنام وفي معنى الشرك وفي معنى الشيطان وإبليس وفي معنى الشخص الشديد الكفر والبغي. والجامع في هذه المعاني شدة الطغيان والبغي والشر وأسبابها.
(3)
غرف: جمع غرفة. وأصل معناها العلية أو المسكن العالي، والقصد هنا بيان أن أصحاب الجنة يسكنون القصور العالية المشرفة.
في الآيات:
1-
بيان لمصير الخاسرين الذين ذكروا في الآية السابقة لها، فالنار ستحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم.
2-
ولفت نظر عباد الله الصالحين إلى ما في هذا المصير من هون.
3-
وتقرير كون الله إنما يوحي بذلك ليحذرهم منه ويدعوهم إلى اتقائه بالإيمان وصالح الأعمال.
4-
وثناء وتنويه بالذين يجتنبون عبادة الأصنام ويخلصون في الاتجاه إلى الله وحده. فلهؤلاء البشرى وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشر عباد الله الذين يتروون فيما يسمعون ثم يتبعون أحسن ما فيه وهو دعوة الخير والهدى. فهم الذين يكون الله قد هداهم وهم ذوو العقول السليمة.
5-
وتساؤل في معنى المقايسة بين من استحق العذاب بالكفر وبين المؤمنين المتقين. فإن مصير الأولين النار في حين أن الآخرين يحلون في الغرف العالية التي تجري من تحتها الأنهار.
6-
وتقرير بكون هذا هو وعد الله الحق وأن الله لن يخلف الوعد.
7-
وسؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان مستطيعا إنقاذ من في النار كأنما أريد بهذا السؤال تقرير كون الكافرين الذين استحقوا النار قد بيتوا الجحود والعناد فهم بمثابة
من ألقى نفسه في النار، وإفهام النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التطمين والتسلية أنه ليس من مهمته إرغام هؤلاء على الإيمان ولا هو بمستطيع ذلك.
ويلفت النظر إلى الآية [18] وما في شطرها الأول بخاصة من قوة التنويه والتلقين والمدى. فذو العقل السليم واللب الطيب هو الذي يتروى في كل ما يسمعه ثم يتبع ما يكون فيه من الصواب والهدى دون أن يؤثر فيه غرض وهوى.
ولذلك فإنه يصح أن يكون من تلقينات القرآن العامة المدى والاستمرار في صدد من يتروى فيما يسمع ويتبع الصواب منه وفي وجوب ذلك.
ولقد روي «1» أن الآية [17] نزلت في إسلام عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد الذي تمّ على يد أبي بكر، كما روي أنها نزلت في زيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعا، ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق قبلها وبعدها انسجاما تاما وأن معظم الذين ذكرت الرواية أسماءهم أسلموا منذ عهد مبكر، ومنهم من أسلم في العهد المدني مثل أبي ذر وسلمان في بعض الروايات. على أن هناك من قال إنها بقصد التنويه بالمؤمنين بصورة عامة «2» . وهو الأوجه لا سيما أنه لم يرو أحد أنها نزلت لحدتها وإنما هي من سلسلة تامة متصلة السياق بما قبلها وما بعدها على ما هو المتبادر.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة حديثا عن أبي سعيد الخدري قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم إنّ أهل الجنّة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» . وأورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن علي قال: «قال رسول الله: إنّ في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي والخازن وابن كثير. [.....]
(2)
المصدر نفسه.