الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلحظ ما بين المشهد الذي احتوته الآية [69] وما اعتاده الناس في الدنيا من مجالس القضاء لإحقاق الحق والعدل. حيث يتسق هذا مع حكمة التنزيل التي نوهنا بها في تعليقاتنا على الحياة الأخروية بوصف مشاهد هذه الحياة بأوصاف مألوفة للناس على سبيل التقريب والتمثيل والتأثير مع التنبيه على واجب الإيمان بحقيقة المشهد المذكور في الآية.
وقد يكون في الآيتين [69 و 70] تعليم رباني للناس وبخاصة للحكام بوجوب حرصهم على إظهار الحق والعدل بالبينات بقطع النظر عن ما يمكن أن يكون لهم علم بحقيقة وواقع القضايا المعروضة عليهم، مما عبر عنه بالقاعدة المشهورة (الحاكم لا يحكم بعلمه) .
[سورة الزمر (39) : الآيات 71 الى 75]
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
. (1) زمرا: جمع زمرة، والكلمة هنا كناية عن الأفواج أو الجماعات بعضها وراء بعض.
الآيات استمرار للسياق، وتتمة لما سبقها من مشاهد المحاسبة والقضاء.
وعبارتها واضحة.
والصورة التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على الجنة وعلى النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أوصاف المشاهد الأخروية مع مألوفات الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة «1» وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. منها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان
(1) انظر تعليقنا على الجنات الأخروية في سورة القلم وتفسير الآية [85] من سورة مريم.
من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الرّيان. فقال أبو بكر: يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلّها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم» «1» . وحديث رواه مسلم عن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله إلّا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها شاء» . وحديث روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه: «يقول الله تعالى يا محمّد أدخل من لا حساب عليه من أمّتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر. والذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكّة وهجر وفي رواية مكة وبصرى» . وحديث روي عن سهل بن سعد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمّى الرّيان لا يدخله إلّا الصائمون» . وواضح من روح الأحاديث أنها تنطوي على البشرى للمؤمنين وإثارة الغبطة في قلوبهم مع الرغبة في الاستكثار من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى والمؤدية إلى الجنة الموعودة مما هو متساوق مع الهدف القرآني العام.
ولقد ذكر في الآية [44] من سورة الحجر أن لجهنم سبعة أبواب. فاكتفى المفسرون بالإشارة إلى ذلك في سياق الآيات. ولقد أوردنا ما روي في صدد أبواب جهنم السبعة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.
(1) ذكر ابن كثير أن هذا الحديث رواه البخاري ومسلم أيضا. [.....]