الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الحجر (15) : الآيات 10 الى 13]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
(1)
شيع الأولين: فرق الأولين المتنوعة، كناية عن الأقوام السابقة.
(2)
نسلكه: ندخله ونلقيه.
في الآيات خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قد أرسل من قبله رسلا إلى الأمم السابقة فكانوا يستهزئون بهم ويعجزونهم كما يفعل قومه معه. وتقرير رباني بأن هذا هو دأب المجرمين الذين فسدت أخلاقهم وخبثت سرائرهم فلا يؤمنون بما يأتيهم من ذكر من ربهم وقد مضت سنة الله في أمثالهم الأولين.
والآيات كذلك متصلة بالسياق، وقد استهدفت تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتقرير طبيعة الكفار الإجرامية، وتعليل عدم إيمانهم بذلك، والتنديد بهم وإنذارهم وسلكهم في سلك الأمم السابقة التي أهلكها الله بسبب إجرامها الذي أداها إلى عدم الإيمان بما أنزل الله من كتب وبينات.
تعليق على مدى الآية كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ والآية التالية لها
والآيتان [12- 13] شبيهتان بالآيتين [200 و 201] من سورة الشعراء. وقد جاء كل منهما بعد ذكر القرآن. ولذلك أولناهما هنا كما أولناهما هناك وصرفنا الضمير في نَسْلُكُهُ ولا يُؤْمِنُونَ بِهِ إلى القرآن الذي عبر عنه هنا بكلمة (الذكر) .
ولقد اختلف المؤولون والمفسرون في عائدية الضمير في الكلمتين كما
اختلفوا في ذلك سياق آيات سورة الشعراء ولكن بعضهم توسع في الشرح والتعليق حيث قال الذين حرفوا الضمير في نَسْلُكُهُ إلى الكفر والشرك والاستهزاء إن الجملة تعني أن الله سبحانه أدخل الكفر والشرك والاستهزاء في قلوبهم وحسّنه لهم وأنها أبين آية في ثبوت القدر لمن أذعن للحق ولم يعاند. وأنكروا صرف الضمير إلى الذكر الذي قاله فريق آخر. وقالوا إن هذا هو قول المعتزلة «1» . والحق الذي تبادر لنا أن صرف الضمير إلى القرآن هو الأولى المتسق مع نظم الآيات ومقامها وإن في صرفه إلى الاستهزاء والكفر لورود صيغة (يستهزئون) تكلفا. وليس من شأن نسبته القول إلى المعتزلة أن نتحاشى تأييده. ونحن نتحاشى كل التحاشي من تعبير (إن الله قد حسن الكفر للكافرين وأدخله في قلوبهم) لمجرد الرغبة في إثبات القدر من العبارات القرآنية ونرى فيه شيئا من البشاعة. وننزه الله تعالى عنه وهو الذي يقول: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ الزمر: [7] ويقول: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً [فاطر/ 39] . وفي القرآن مئات من الآيات التي تحمل الكفر والإجرام لأصحابهما وترتب عليهم عقابا بسببهما وحتى لو سلمنا جدلا أن صرف الضمير إلى الكفر والاستهزاء فلا يكون في ذلك الإثبات والبرهان اللذان التمسوهما من العبارة. لأنها تصف الكفار بالمجرمين وتكون من باب وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ إبراهيم: [27] ووَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ البقرة: [26] وكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يونس: [33] والله تعالى أعلم.
(1) هذا ما قاله الخازن، وقد صرف الطبري والبغوي وابن كثير الضمير إلى الكفر والاستهزاء أيضا. أما الذين صرفوا الضمير إلى القرآن فهم الزمخشري والطبرسي ممن اطلعنا على كتبهم.