الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستمتع به غافلا عن المصير، فلم يلبثوا أن اصطدموا جميعا بالحقيقة ورأوا حقيقة الموعد الذي وعدهم الله به، والأجل الذي عينه لهم وحيث يجابون حينئذ أن مثواهم النار بسبب ذلك خالدين فيها إلّا ما شاء الله.
وحيث يوجه الخطاب إلى الإنس والجن ثانية بصيغة السؤال الإنكاري والتنديدي عما إذا لم يكن قد جاءهم رسل منهم يتلون عليهم آيات الله وينذرونهم لقاء هذا اليوم فيجيبون بالإيجاب مقررين وشاهدين على أنفسهم بالكفر والاغترار بالحياة الدنيا.
أما الآيات الثانية والرابعة والخامسة ففيها تعقيب على الحوار المحكي تنطوي فيه العبرة والموعظة، حيث قررت الثانية أن الظالمين إنما يتولى بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا لاتحادهم في الصفات والأفعال. وحيث نبهت الآيتان الرابعة والخامسة إلى أن الله تعالى لم يكن ليهلك القرى ويعذب أهلها ظلما وهم غافلون متروكون في عماء وجهالة وغير منبهين بالدعوة إلى الحق والهدى، وإنما يستحقون ذلك لكفرهم وإثمهم عن بينة وبعد أن يكونوا قد أنذروا بلسان رسل الله.
وإلى أن كل امرئ إنما ينال الدرجة والمنزلة التي يستحقها حسب عمله، وأن الله تعالى غير غافل عما يفعله الناس. ولم يرو المفسرون رواية ما كمناسبة لنزول الآيات. والصلة بينها وبين سابقاتها ملموحة. ومع واجب الإيمان بما جاء فيها من خبر المشهد الأخروي فالمتبادر أن من حكمته العظة والتنبيه وإثارة الرعب والخوف والندم في نفوس الكفار أيضا.
تعليق على الآية وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ والآيات الأربع التالية لها
لقد أوّل المؤولون والمفسرون على ما جاء في كتب التفسير (استمتاع الإنس والجن بعضهم بعضا) الذي حكى عن لسان الإنس في الآية الأولى بأن استمتاع الإنس بالجن هو ما كان العرب يعتقدونه من آثار الجن في نوابغ الشعراء والكهان
السحرة وباستجابة الجن لهم حينما كانوا يستعيذون بهم في الوديان أثناء الليل.
وبأن استمتاع الجن بالإنس هو ما كان من تعظيم العرب لشأن الجن والعياذ بهم والتعبد لهم. وهذا التأويل وجيه متسق مع ما أشارت إليه بعض الآيات القرآنية صراحة وضمنا مثل آيات الشعراء [221- 223] وآية الجن [6] وآية الأنعام [100] وقد مرّ تفسير ذلك بحيث يصح أن يقال إن في هذه الإشارة توكيدا جديدا للصور التي كانت في أذهان العرب عن الجن والتي شرحناها في سياق تفسير سورتي الناس والجن.
ومن المؤولين والمفسرين على ما جاء في كتبهم من قال إن في الآية [130] دليلا على أن الله يرسل رسلا إلى الجن كما يرسل إلى الإنس. ودعم قائلو ذلك ببعض الآيات العامة مثل آية فاطر [24] التي مر تفسيرها: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24) ومثل آية النحل هذه: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [36] ومنهم من قال إن جميع رسل الله وأنبيائه من الإنس وأن الله أرسلهم للإنس والجن معا، وإن كلمة (منكم) في الآية يصح أن تكون للإنس وحدهم وإنه ليس في آيات القرآن صراحة بأن الله أرسل من الجن رسلا. ودعم هؤلاء قولهم بآيات سورة الجن [1 و 2 و 13 و 14] وآيات سورة الأحقاف [29- 31] التي يخبر الله فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأن طوائف من الجن استمعوا للقرآن وآمنوا وأنذروا قومهم ودعوهم إلى الإيمان بالنبي والقرآن. حيث ينطوي في الآيات أن الجن اعتبروا أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن موجهان إليهم. ويتبادر لنا أن هذه النصوص لا تحتوي صراحة قطعية تثبت أو تنفي الرسل إلى الجن من الجن ولم نطلع على حديث نبوي صحيح في ذلك. وأن الأولى الوقوف في هذه المسألة عند ما اقتضته حكمة التنزيل الإيحاء به وتفويض حقيقة الأمر وتأويله إلى الله تعالى. مع ملاحظة أن هدف الآيات الجوهري المتبادر منها هو التنديد بالكفار وإلزامهم وإنذارهم وحملهم على الارعواء والندم والله تعالى أعلم.