الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على الآية وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29)
ولقد قال واحد من الذين يحبون أن يستدلوا بالآيات على ما في الكون من أسرار وعوالم مغيبة إن في هذه الآية دليلا على أن الكواكب مأهولة بالأحياء. وأن القرآن بذلك يتطابق مع ما صار معلوما عند العلماء في هذه الأيام. والآية لا تثبت ذلك ولا تنفيه، وهذا أمر ما يزال قيد الظن والتخمين وقد يثبت وقد لا يثبت.
والآية لم تنزل بسبيل ذلك، وإنما كانت تتلى على أناس يرون ما في الأرض والسماء من مختلف الأحياء الدابة على الأرض والطائرة في السماء لتنبههم إلى ما في ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله وعظمته وكونه هو الأحق بالعبادة والاتجاه وحده. ولقد نبهنا على هذا في مناسبات سابقة مماثلة وقلنا إن في محاولة استنباط المعارف والأسرار والمغيبات الكونية من الآيات تكلفا لا طائل من ورائه وإخراجا للقرآن عن قدسيته وهدفه وتعريضا له للجدل والتكذيب بدون وجه ومبرر. وأن الواجب على المسلمين أن يقفوا من هذه الآية وأمثالها عند ما يقف عنده القرآن دون تزيد ولا تكلف مع ملاحظة الهدف الذي ترمي إليه والذي تخاطب في صدده السامعين خطابا متصلا بما يشاهدونه ويحسونه ويمارسونه.
[سورة الشورى (42) : الآيات 32 الى 36]
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
. (1) الجواري: جمع جارية وهي هنا كناية عن سفن البحر.
(2)
الأعلام: كناية عن ارتفاعها فوق سطح البحر كأنها جبال.
(3)
رواكد: جمع راكدة أي واقفة عن السير.
(4)
يوبقهن: يحطمهن.
في الآيات:
1-
تنبيه على ما في سير السفن في البحر من آيات قدرة الله ونواميسه.
فالسفن البارزة على ظهر البحر كالجبال تجري وفقا لنواميس الكون التي قدرها الله ومنها أن تتحرك الريح فتجري السفن أو تسكن فتقف راكدة. وأن تكون عاصفة شديدة فتحطمها عقوبة على ما كسبت أيدي الذين فيها، ومع ذلك فالله قادر على إنقاذهم من ذلك متجاوزا بذلك عن كثير من سيئاتهم وهفواتهم وفي كل هذا آيات ربانية جديرة بالتمعن لإثبات قدرة الله وإحاطته لا يقدرها قدرها إلّا الصبار الشكور الثابت على إيمانه الصابر على ما يصيبه الشاكر لله على فضله. ومن شأنها أن تجعل المكابرين في آيات الله يتيقنون أن قدرة الله محيطة بهم على كل حال وأنهم ليس لهم منها مفر ولا مفلت.
2-
وتنبيه موجه للسامعين بصيغة الجمع المخاطب على أن ما أوتوه في الدنيا من وسائل الرزق وأسباب الحياة ليس إلّا متاعا قصير الأمد لن يلبث أن يزول وأن ما عند الله هو خير وأبقى للذين يؤمنون به ويتوكلون عليه.
والآيات مثل سابقاتها واستمرار لها في قصد بيان مشاهد الله تعالى ونواميس كونه وإنذار المكابرين والحث على الإيمان بالله والاتكال عليه وتنويه بالمؤمنين الصابرين الشاكرين. وما فيها هو كذلك مستمد من مشاهد الناس وممارساتهم كسابقاتها كما هو المتبادر، والتنبيه الذي نبهنا إليه قبل ينحسب عليها بطبيعة الحال.
والمرجح أن ضمير الجمع المخاطب عائد إلى الكفار وأن الآية بسبيل الرد على ما كانوا يتبجحون به من تمتعهم بأسباب الحياة وسعة الرزق أكثر من المسلمين حيث نددت باغترارهم وتبجحهم وأنذرتهم بأن ما هم فيه ليس إلّا متاعا قصير الأمد وطمأنت المؤمنين بأن ما لهم عند الله هو خير وأبقى. وينطوي في هذا