الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو داود عن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد» .
ولقد علقنا في سورة الأعراف على موضوعي واجب الشكر لله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأوردنا ما ورد في ذلك من أحاديث فنكتفي بهذا التنبيه دون الإعادة.
تعليق على حدود واجب الأولاد إزاء الآباء
والآيتان [14 و 15] وإن كانت صيغتهما تلهم أنهما تقريرات مباشرة وأنهما منفصلتان عن حكاية مواعظ لقمان أو معترضتان بينهما فإنهما تلهمان كذلك وجود مناسبة بين ما احتوتاه وبين هذه المواعظ. ولقد ورد في سورتي الإسراء والأنعام اللتين سبق تفسيرهما آيات قررت وجوب البرّ بالوالدين والإحسان في معاملتهما وخفض جناح الذل لهما إطلاقا، فجاءت الآيتان هنا للاستدراك بأن الله إذ يوصي الأولاد بالبرّ بآبائهم وشكرهم فإنه يجعل طاعتهم في حدود طاعة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له وحده. فإذا دعا الوالدان أو أحدهما ابنهما إلى الشرك بالله فلا تجب عليه طاعتهما، وكل ما يجب عليه معاملتهما بالبر في الحياة الدنيا، ثم اتباع سبيل الله والذين يدعون إليه ويسيرون فيه. وهكذا يتقرر مبدأ قرآني جليل وهو أن الطاعة لمن تجب له لا يجوز أن تتجاوز حدود الحق والمعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية وباطل وإثم.
وفي آية سورة الممتحنة هذه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) وفي حديث رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ أو كره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» «1» .
(1) التاج ج 3 ص 40.
ولقد ذكرت الروايات «1» أن الآيتين نزلنا في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأمه. فقد آمن سعد في شبابه في جملة من آمن من شباب قريش فأخذت أمه تحاول ردّه عن الإسلام وتهدد بالإضراب عن الطعام مما كان يثير فيه أزمة نفسية فأنزل الله الآيتين لتقرير كون طاعة الوالدين والبرّ بهما إنما تجب في حدود الإخلاص له وعدم الشرك به. والرواية تقتضي أن تكون الآيتان نزلتا لحدتهما مع أنهما منسجمتان في السياق. وهذا لا ينفي أن تكون حالة سعد مع أمه واقعة صحيحة، وتكون الآيتان والحالة هذه قد تضمنتا الإشارة على سبيل الاستطراد إلى هذه الحالة أو ما يماثلها من حالة فيها فساد بين والد أو أم من المشركين وولد مؤمن، وكان فيه تساؤل وحيرة وأزمة نفسية. وقد تكرر هذا في سورة العنكبوت أيضا حيث جاء فيها هذه الآية: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) مما يسوغ القول أن المسألة لم تكن مسألة شخص سعد لحدته، وإنما كانت أكثر من شخص.
وهذا مما أوضحته روايات السيرة «2» التي ذكرت عددا غير يسير من شباب قريش وفتيانهم آمنوا بالرسالة المحمدية رغم بقاء آبائهم على الكفر والشرك، وتعرضوا لاضطهاد وضغط آبائهم، وهاجروا إلى الحبشة نتيجة لذلك مثل خالد بن سعيد بن العاص وامرأته أمينة بنت خلف، وأخوه عمرو وامرأته فاطمة بنت صفوان، والأسود بن نوفل بن خويلد وعامر بن أبي وقاص، والمطلب بن أزهر بن عوف وامرأته رملة بنت أبي عوف، وعبيد الله بن جحش وامرأته رملة بنت أبي سفيان، وعثمان بن ربيعة، ومعمر بن عبد الله ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس وامرأته عمرة، ويزيد بن زمعة بن الأسود وغيرهم وغيرهم رضوان الله عليهم.
ومما روي عن سعد «3» أن أمه اشتدت في الإلحاح عليه وقالت له: لأضربن
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري.
(2)
انظر ابن هشام ج 1 ص 340 وما بعدها.
(3)
انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري.