الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمتبادر أن جملة وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ مرتبطة بالجملة التي قبلها ونتيجة لها ومتضمنة تقرير عفو الله عن سيئات الذين يتوبون إليه ويرجعون عن تصرفاتهم وأعمالهم الآثمة. وفيها تشجيع رباني على التوبة مما تكرر في مواضع كثيرة في القرآن وعلقنا على ما فيه من مبدأ قرآني عظيم في سياق سورة البروج.
ولقد ساق المفسرون «1» في سياق هذه الجملة بعض أحاديث نبوية فيها تشجيع كبير على التوبة منها حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه جاء فيه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» .
ومنها حديث رواه الأغر بن بشار المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيّها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» .
ومنها حديث رواه عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتدّ الحرّ والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها طعامه وشرابه» .
[سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 31]
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31)
(1) انظر تفسير الخازن وابن كثير.
في الآيات:
1-
تنبيه على خلق من أخلاق الناس بصورة عامة وهو ميلهم إلى تجاوز الحد والظلم والبطر إذا ما بسط الله لهم الرزق ووسع عليهم أسبابه.
2-
وتقرير بأن حكمته اقتضت من أجل ذلك أن تكون أرزاقهم بأقدار معينة وفقا لما يعرفه من أحوالهم وأخلاقهم فهو الخبير البصير بعباده.
3-
وتنبيه على أن الله عز وجل هو الذي ينزل المطر بعد ما يكون الناس قد يئسوا وانقطعت آمالهم فتنتشر مشاهد رحمته في الأرض. فهو وليّهم الذي يبرّ بهم ويرعاهم ويتولى شؤونهم وهو المستحق وحده للحمد.
4-
وتنبيه على بعض مشاهد عظمة الله وقدرته في غير إنزال الغيث، فهو الذي خلق السموات والأرض وأوجد فيها أنواع الدواب والحيوان وهو قادر بطبيعة الحال على جمعهم حينما يشاء لأنه هو الذي خلقهم في البدء.
5-
وتنبيه بأسلوب التفاتي إلى المخاطبين السامعين على أن ما يصيبهم من مصائب إنما هو نتيجة لما تكسبه أيديهم، ومع ذلك فإنهم لا يصابون إلّا بقليل مما يستحقون لأن الله يعاملهم بالعفو والتجاوز عن الكثير.
6-
وتنبيه بأسلوب الإنذار للمخاطبين السامعين أيضا على أنهم ليسوا معجزي الله وليسوا ناجين منه فلا ينبغي لهم أن يغتروا، فهو محيط بهم قادر عليهم وليس لهم من دونه من ولي ولا نصير يحميهم ويمنع عنهم غضبه وبطشه.
وبين هذه الآيات والآيتين السابقتين شيء من التماثل الأسلوبي والموضوعي، مما يسوغ القول إنها متصلة بهما واستمرار لهما. وقد احتوت تقريرات قوية موجهة إلى العقول والقلوب. ومستمدة من مشاهدات الناس في الآفاق وفي أنفسهم، وهادفة إلى توكيد استحقاق الله تعالى وحده للعبادة والخضوع والشكر وسخف المشركين في اتخاذ الشركاء والأولياء من دونه. ولقد كان المشركون يعترفون