الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانوا صادقين في دعواهم الإيمان به. وفي الآية الثانية تعقيب تقريري بواقع ما يفعلون وإلزامهم الحجة حيث إنهم لا يدعون فعلا إلى الله وحده، وينسون شركاءهم في مثل هذه المواقف على اعتقاد أن الله وحده هو الذي يملك كشف الضر والبلاء.
والآيتان استمرار في حكاية موقف الجدل والمناظرة. وهما متصلتان بالسياق كما هو المتبادر. وفيهما تنديد وإلزام وإفحام للمشركين الذين لا يلجأون إلا إلى الله تعالى وحده في أوقات الخطر في حين أنهم يشركون معه غيره ويتصاممون عن الدعوة إليه وحده في أوقات الرخاء. وهذا الذي احتوته الآية الثانية احتوته آيات عديدة أخرى بصراحة أكثر، مرّ مثال منها في سورة يونس [الآيات 22- 23] .
والآية الثانية قوية الصراحة في صدد بيان عقيدة المشركين في الله والشركاء كما هو المتبادر.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45)
(1)
البأساء: البؤس وشدة الفقر.
(2)
الضراء: الأسقام والعلل.
(3)
يتضرعون: يتذللون إلى الله ليكشف البأساء والضراء عنهم.
(4)
فلولا: بمعنى فهلّا.
(5)
مبلسون: يائسون من النجاة، ولعلها بمعنى أنهم ضاعت عليهم فرصة النجاة.
(6)
ظلموا: هنا بمعنى أجرموا وبغوا وتمردوا وكفروا.
في الآيات تقرير وتذكير بما كان من أمر الأمم السابقة، فقد أرسل الله تعالى إليها رسله بالبينات والمواعظ فلم تستجب ولم تتعظ، فأخذها الله بشيء من الشدة في الأموال والأنفس والأجسام لعلها تتضرّع إليه وتذكره فلم تفعل. وظلت سادرة في غيّها متبعة لتزيينات الشيطان لما هي عليه من ضلال. وزاد الله في امتحانهم فآتاهم اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة ففرحوا وازدادوا نسيانا لله وانصرافا عن دعوة رسله ومواعظهم. وحينئذ فاجأهم بعذابه وبلائه فانقطع دابر الظالمين وضاعت عليهم فرصة النجاة والإنابة إلى الله التي تهيأت لهم.
والآيات متصلة بالسياق ومعقبة عليه كما هو المتبادر، وقد جاءت جريا على الأسلوب القرآني في التذكير بالأمم السابقة عقب حكاية مواقف كفار العرب وعنادهم وإعراضهم بسبيل إنذار هؤلاء الكفار بأنهم أمام امتحان رباني فلا يغتروا بما هم فيه من مال وسلامة ووفرة، ولا يستمعوا إلى وساوس الشيطان فيقعوا فيما وقع فيه من قبلهم.
والآيات إلى هذا احتوت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتطمينا لقلبه وبشرى له بأن الله قاطع دابر الظالمين، وأن ما هم فيه من رغد ورخاء ليس إلّا امتحانا ربانيا.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تنبيها عاما شاملا لكل زمن ومكان إلى وجوب ذكر الله وتجنب غضبه واتباع آياته وأوامره في كل حال، وعدم الاغترار ببسمات الدهر ونسيان الله فيها.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآية الثانية بعد أن قالوا إنها من قبيل الاستدراج والإمهال حديثا رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحبّ فإنما هو استدراج ثم تلا الآية» «1» . وهناك حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء
(1) النص من تفسير ابن كثير.