الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتحقيق وعد الله الحق بالنصر والتأييد، وأمرته بالثبات في موقفه متكلا على الله مستغفرا لذنبه مسبحا بحمد ربه صبحا ومساء.
تعليق على جملة إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
والآيات استمرار للتعقيب على الفصل القصصي كما هو واضح. وقد استهدفت تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم وبعث الأمل والوثوق في نفوسهم إزاء ما يلقونه من عنت الكفار وبغيهم. ولقد سبق تطمين قوي مثل هذا التطمين في سورة الصافات التي نزلت قبل قليل من هذه السورة حيث يمكن القول إن ظروف السيرة في مكة كانت تقتضي مواصلة ذلك. وإنه كان من عوامل ما كان يبدو من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الأولين من قوة وثبات وجرأة ويقين واستغراق في الله ودينه ودعوته. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن الله تعالى قد حقق وعده للنبي والمؤمنين فعلا فنصرهم الله وصارت كلمته هي العليا وتحققت بذلك المعجزة القرآنية.
ومع خصوصية هذا التطمين وصلته بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإنّ في إطلاق العبارة القرآنية تلقينا جليلا مستمر المدى يستمد منه كل مؤمن يدعو إلى الله ودينه ومبادئه السامية ويناضل في سبيلها اليقين والقوة والجرأة ويجعله يستبشر بنصر الله وتأييده إذا ما كانت دعوته ونضاله بصدق وإخلاص.
تعليق على جملة وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
هذه الجملة في الآية [55] هي أولى المرات التي يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالاستغفار لذنبه، وهناك آيات من بابها في سور أخرى.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين لهذه الجملة «1» منها أنه خوطب بذلك
(1) انظر تفسير هذه الآيات وتفسير آيات سورة النساء [105- 107] وآية سورة محمد [19] في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.
لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كلّ يوم مائة مرة» «1» . وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء وفسروه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم بالفترات والغفلات فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه. وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مرّ منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلى الله عليه وسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة» «2» . وحديث عن ابن عمر قال: «إن كنا لنعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله ربّ اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم» «3» . وحديث جاء فيه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الصلاة: اللهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به
(1) روى هذا الحديث مسلم وأبو داود. انظر التاج ج 5 ص 135.
(2)
روى هذا الحديث بالصيغة الأولى فقط البخاري. انظر التاج ج 5 ص 135.
(3)
روى هذا أبو داود والترمذي انظر التاج ج 5 ص 135.