الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالإغضاء والصفح والصبر في القرآن المكي. وفي القول وجاهة إذا قيد بما احتوته آيات القتال المدنية من شروط وحدود مثل مقاتلة المعتدين على المسلمين والناكثين بعهودهم معهم والطاعنين في الدين الإسلامي والصادين عنه بالقوة والفتنة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة (الكافرون) . ومع ذلك فإن الآية الأولى تظل على ما يتبادر لنا مستمد تلقين للمسلمين في التسامح والكظم والإغضاء وضبط النفس تجاه مواقف غير المسلمين غير المستحبة وفي الظروف التي تتحمل ذلك ولا يترتب عليه ذل أو صدّ أو استمرار في الأذى والعدوان. ولا يتناقض هذا مع الآيات المدنية التي فيها تنظيم لعلاقة المسلمين بغير المسلمين على ما سوف نشرحه في مناسباته.
[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 20]
وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
. (1) الحكم: بمعنى الحكمة أي كل ما فيه السداد والصواب والنظر الصائب من أمر وقول وفعل.
(2)
الشريعة: بمعنى الطريقة أو المنهج.
(3)
من الأمر: المقصد من الجملة (من أمر الدين) .
عبارة الآيات واضحة، ويبدو أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة:
1-
فمع أن الله تعالى قد آتى بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقهم من الطيبات وفضلهم على الناس في ذلك فإن هذا لم يمنعهم من الاختلاف والنزاع
بعد ما جاءهم من العلم بغيا بغير حق.
2-
ولسوف يقضي الله بينهم يوم القيامة فيؤيد الحق وأهله ويزهق الباطل وأهله.
3-
ولقد جعل الله النبي على طريق واضح من الحق والهدى فعليه وعلى المؤمنين أن يسيروا فيها ولا ينحرفوا عنها ولا يختلفوا ويتنازعوا فيها كما فعل بنو إسرائيل ولا يتبعوا أهواء الجاهلين ولا يعبأوا بمواقف الكافرين الظالمين. فهؤلاء بعضهم أولياء بعض ولن تغني عنهم ولا يتهم لبعضهم من الله شيئا.
4-
والله إنما هو ولي الذين يتّقونه ويلتزمون حدوده.
5-
وإن في هذه التقريرات لبصائر للناس وهدى من شأنها أن تحملهم على التدبر والارعواء وفهم الأمور على وجهها الحق، وفيها بصورة خاصة الهدى والرحمة لمن حسنت نيته ورغب في الحق وشعّ نور اليقين في قلبه.
والآيات تنطوي على التهدئة والتثبيت والتطمين والبشرى للمسلمين كما هو واضح، ومن هنا جاء معنى التعقيب فيها على الآيات السابقة كما هو المتبادر.
وفي تقرير اختلاف بني إسرائيل- بغيا بعد ما جاءهم من العلم- إشارة إلى انحرافهم عن شرائع الله ووصاياه بعد ما كان لهم عند الله بسبب التزامهم ذلك المكان المفضل وأغدق عليهم عنايته في أشكال متنوعة حيث يتضمن ذلك:
1-
التنديد بهم.
(2)
وتقرير كونهم فقدوا بانحرافهم وبغيهم وتحريفهم لكتب الله مزية التفضيل التي منحهم إياها مما فيه تأييد لما قلناه في سياق تفسير السورة السابقة.
3-
وقد يكون فيه إلى ذلك تحذير للمسلمين من الوقوع فيما وقعوا فيه وهذا قد تكرر كثيرا في الآيات المكية والمدنية.
هذا، ونكرر في صدد عبارة وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة من اتفاق المؤولين والمفسرين من أن ذلك بالنسبة للعالمين في