الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآيات لم ترد في الصحاح ولكنها متساوقة مع فحوى الآيات. وصحتها محتملة وفيها صورة طريفة من صور العهد المكي وما كان يعتلج في صدر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معا من رغبة ملحة في اهتداء قومهم وهذه الصورة ملموحة في الآية الأولى ولو لم تصح الروايات.
ومن المحتمل أن تكون الآيات نزلت للمناسبة المذكورة في الروايات بعد الآيات السابقة فوضعت بعدها، ومن المحتمل أن تكون المناسبة سابقة فأشير إليها في سياق الإشارة إلى مواقف المشركين. ونحن نميل إلى ترجيح الاحتمال الثاني لأن السياق متساوق والآيات معطوفة على ما قبلها.
ولقد علقنا على موضوع تحدي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالمعجزات وموقف الوحي القرآني من ذلك وحكمته في سياق تفسير سورة المدثر. وفي هذه الآيات توكيد جديد لهذا الموقف يضاف إلى ما جاء من مثله في سور سبق تفسيرها مثل طه والقصص والإسراء ويونس وهود. وفيها كذلك تعليل جديد لموقف الكفار وهو أن موقفهم ناشىء عن مكابرة وعناد. وليس موقف رغبة صادقة في الإيمان.
وبعض العبارات توهم ظاهرا أن الله سبحانه هو الذي يحول دون إيمان الكفار ويذرهم يستمرون ويعمهون في طغيانهم. والذي يتبادر لنا أن العبارات أسلوبية وبسبيل تقرير شدة مكابرة الكفار وإصرارهم على العناد وعدم صدق رغبتهم كما هو شأن الصيغ المماثلة. ونرجو أن يكون الشرح الذي شرحنا به العبارات هو الوجه والصواب.
ولقد أرسل الله رسوله بالبينات والهدى للناس وطلب منهم أن يؤمنوا وبشّر المؤمنين وأنذر الكافرين في آيات كثيرة جدا وخاطبهم في آية في سورة الزمر قائلا: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [7] فيتنزه الله عن منعهم من الإيمان.
[سورة الأنعام (6) : آية 111]
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)
(1)
قبلا: عيانا أمامهم.
في الآية تقرير بأن الله لو أنزل الملائكة فرآهم المشركون جهرة وأحيا لهم الموتى فكلموهم ولبى كل ما يقترحون ويطلبون وجعله ماثلا أمامهم عيانا لما آمنوا إلّا أن يشاء الله إيمانهم وأن أكثرهم يجهل هذه الحقيقة ويتصرفون إزاءها تصرف الجهال.
والآية كما هو واضح متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وإيضاح، والمتبادر أنها بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتثبيتهم وإقناعهم بعدم صدق رغبة المشركين وتصميمهم على المكابرة والجحود على أي حال.
ومع ما هو ظاهر من خصوصية الآية وصلتها بموقف مكابرة الكفار وهدفها من تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن بعض المفسرين وقفوا عند عبارة إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وقالوا إنها تقرر أن المشيئة لله تعالى في كل حال وفي كل أمر. فهو الهادي وهو الضال «1» . وقال فريق آخر «2» إنها بمعنى «إلّا أن يجبرهم ويقسرهم على الإيمان» ونحن نرجح المعنى الثاني الذي انطوى في آيات أخرى بصراحة أكثر، منها ما مرّ شرحه في هذه السورة وما قبلها. ولا يقتضي هذا ما يحتج به بعض علماء الكلام أن يقع من الكفار ما لا يشاء الله تعالى وإنما ينطوي فيه معنى أكدته آيات أخرى بصراحة أكثر مرّت أمثلة عديدة منها وهو أن حكمة الله وناموس خلقه اقتضيا أن يكون للناس حرية الاختيار والكسب وإرادتهما. وهذا من مشيئة الله الأزلية فليس هناك تعارض على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة وبخاصة في التعليق الذي علقناه على هذا الموضوع في سورة المدثر ويجب أن نذكر دائما آية سورة الزمر التي أوردناها آنفا فهي من الضوابط في هذا الموضوع وهي تنسب الكفر والشكر للناس.
(1) انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير مثلا.
(2)
انظر المنار والزمخشري والطبرسي.