الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: تنبيه إلى أن الله قد أراد بإنزال القرآن دفع كل حجة يمكن أن يحتج بها العرب فلا يقولوا إن الكتب السماوية إنما نزلت على طائفتين بلسانهما وهم غافلون عن هذه الكتب ولغتها ودراستها، ولئلا يقولوا كذلك إننا لو أنزل إلينا كتاب من الله بلساننا كما أنزل إليهم لكنا أهدى منهم.
ثالثا: رد على الحجج التي فرض أن العرب يتحججون بها بأنه قد جاءهم القرآن بلسانهم وفيه بينة من ربهم وهدى ورحمة. وقد زالت أسباب الاحتجاج بالغفلة عن الكتب السابقة وعدم دراستها ومعرفة لسانها. وأنه ليس بعد هذا من أحد أشد جرما وإثما ممن كذب بآيات الله وانصرف عنها، وأن كل من يفعل ذلك سيناله من الله شديد العذاب.
وضمائر الجمع المخاطب في الآيات الثانية والثالثة والرابعة وإن كانت مطلقة فإنها عائدة على ما هو المتبادر إلى المشركين في الدرجة الأولى الذين وجه إليهم الكلام السابق. والآيات والحالة هذه متصلة بموقف المناظرة واستمرار له أو فصل من فصوله.
تعليق على الآية ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ والآيات الثلاث التالية لها
ولقد تعددت أقوال المفسرين «1» في محل ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فقيل إنها معطوفة على جملة قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ وقيل إنها معطوفة على جملة ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وقيل إن هناك محذوفا مقدرا وهو (ثم اتل عليهم أو ثم أخبرهم) والإشارة إلى القرآن بعد كتاب موسى مما تكرر في أكثر من سورة ومن ذلك ما جاء في آيات سورة الأنعام [90- 91] وما جاء في آية سورة هود [17] التي سبق تفسيرها.
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن والزمخشري. [.....]
ولقد قيلت أقوال عديدة كذلك «1» في تأويل جملة تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ فمنها أنها بمعنى (تام على أحسن الوجوه) ومنها أنها بمعنى (تماما على الذي أحسنه موسى من العلم والشرائع) ومنها أنها بمعنى (إتماما لجزائنا له على ما أحسنه من عمل وطاعة) ومنها أنها بمعنى (إتماما لما أحسن الله إلى موسى من نبوة وتكريم وتكليم) والمعنى الأخير هو الأوجه على ما يتبادر لنا. وقد تبادر لنا معنى آخر وهو (إتماما لإحسانه الذي أحسنه على بني إسرائيل بالنجاة من فرعون وقومه) . ولعل ضمير الجمع الغائب العائد إلى بني إسرائيل في الآية مما يوجه هذا المعنى.
ولقد قلنا في سياق شرح الآية أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أنها لإزالة سبب احتجاج العرب بأن لغة الكتب المنزلة بغير لغتهم. وهذا مستلهم من آية سورة الأحقاف هذه: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) وآية سورة فصلت هذه: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) ومن آيات سورة الشعراء [192- 199] التي مرّ تفسيرها.
وفي الآية [157] ينطوي على ما هو المتبادر صورة لموقف العرب من أهل الكتب السماوية وكتبهم. وهو أنهم كانوا ينقدون أهل الكتاب على ما هم فيه من خلاف ونزاع وقتال ويقولون لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم. والآية إن حكت هذا عنهم كشيء متوقع فإن آية سورة فاطر [42] التي مرّ تفسيرها قد حكته عنهم كشيء واقع حيث حكت أنهم كانوا يحلفون بالله لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن والزمخشري.