الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتضمن الآية:
1-
سؤالا للنبي صلى الله عليه وسلم أو للسامع في معنى التقرير والتوكيد بخضوع كلّ من في السموات والأرض، بما في ذلك الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، لله وبإخلاص كثير من الناس له أيضا في العبادة والخضوع.
2-
وإشارة إلى أن كثيرا من الناس قد استحقّوا عذاب الله بسبب جحودهم وتمرّدهم.
3-
وإنذارا لهذا الفريق بأن الله إذا قضى على أحد بالخزي والهوان بسبب كفره وتمرّده فلن يكون له من يبدّل هوانه بكرامة وهو الفعّال لما يشاء.
والصلة كذلك غير منقطعة بين هذه الآية وما قبلها وبخاصة الآية السابقة لها مباشرة كما هو المتبادر. وهي بسبيل التدليل على عظمة الله وشمول حكمه، وخضوع من في الكون له، وتوكيد كون الدعوة النبوية هي المتسقة مع واجب الإنسان بالاعتراف بالله وحده والاتجاه إليه وحده. وهي كذلك بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتثبيتهم، والتنديد بالمنحرفين عن الطريق القويم وإنذارهم بالخزي وسوء العاقبة. وأسلوبها قوي نافذ. وما احتوته من تقرير كون جميع ما في كون الله خاضع له تعالى قد مرّ في سور سابقة في مناسبات مماثلة وبأساليب متنوعة. ولقد كتبنا تعليقا على آية سورة الإسراء هذه تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) ويمكن أن ينسحب هذا التعليق على هذه الآية، وبخاصة بالنسبة لسجود من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب.
[سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 24]
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24)
.
(1)
يصهر: يذاب.
(2)
مقامع: سياط مدببة الرؤوس.
في الآيات إنذار وبشرى لكل من المؤمنين والكفار بالمصير الذي يصيرون إليه يوم القيامة ووصف له. وقد تضمنت التقريرات التالية:
1-
إن الناس يوم القيامة فريقان قد اختلفا في موقفهم من الله ربهم فمنهم من كفر به ومنهم من آمن وعمل الصالحات.
2-
إن مصير الجاحدين رهيب جدا حيث يهيأ لهم ثياب من نار ويصبّ فوق رؤوسهم الماء الشديد الحرارة الذي يذيب ما في البطون والجلود. وحيث يعدّ لهم مقامع الحديد التي تلهب أجسامهم وتحطّم أطرافهم. وكلّما ظنوا أن عذابهم وهمهم انتهيا أو كلما أرادوا أن يخلصوا منهما، عادا فتجددا قويين شديدين وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق.
3-
أما المؤمنون الذين يعملون الصالحات فإن الله يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ويتزينون بالأساور الذهبية وباللؤلؤ ويلبسون الثياب الحريرية جزاء لما كان من اهتدائهم إلى أحسن الأقوال، وسيرهم في أحمد الطرق وأضمنها للنجاة.
ولقد روى الطبري والبغوي وغيرهما روايات وتأويلات عديدة في المقصود من الآية الأولى، من ذلك أن أبا ذرّ أقسم بالله أنها نزلت في ستة من قريش حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحرث رضي الله عنهم ، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، يوم تبارزوا في بدر. حيث دعا الثلاثة الآخرون أكفاءهم من بني عمومتهم إلى المبارزة قائلين نحن وإياهم أحقّ
بالخصومة، فبرز إليهم الثلاثة الأولون. ومن ذلك عن ابن عباس أن الخصمين هما أهل الكتاب والمسلمون، حيث قال الأولون للآخرين: نحن أولى بالله وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم وقال الآخرون للأولين: نحن أحقّ بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب فأنتم تعرفون نبيّنا وكتابنا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا.
ومن ذلك عن مجاهد أن الخصمين هما المشركون والمسلمون اختصموا أيّهم على حقّ. ومن ذلك عن مجاهد أن الخصمين الجنة والنار حيث قالت الأولى خلقني الله لرحمته وقالت الثانية خلقني لعقوبته. والرواية الأولى من مرويات الشيخين ونصّهما هو: «كان أبو ذرّ يقسم أن هذه الآية نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر» «1» . وقد روى الشيخان كذلك عن علي قوله: «أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس وفيهم نزلت هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة» «2» . وقد صوّب الطبري من هذه الروايات رواية كون الآية في صدد الكفار عامّة والمؤمنين عامة. حيث يفيد أن ما رواه الشيخان لم يثبت عنده، والروايات الأخرى تفيد هذا أيضا. وتقتضي رواية الشيخين أن تكون الآية مدنية، ولم يرو أحد ذلك بصراحة والأسلوب والطابع المكيان بارزان عليها، والنفس مطمئنة بتصويب الطبري، مع القول أنها بسبيل توكيد ما انطوت عليه الآيات السابقة من صدق الدعوة النبوية وما فيها من حقّ وهدى، والتنويه بالذين استجابوا لها وبشرى لهم، وبسبيل توكيد خطأ الكافرين بها وضلالهم وإنذارهم. وأسلوبها التقريري العام مما يؤيد ذلك حيث تضمّن تقرير كون الناس من الدعوة النبوية فريقين جاحد ضالّ ومؤمن مخلص ولكل مصيره الذي يستحقه.
ووصف مصير كل فريق نافذ يثير الرغبة والشوق والغبطة من جهة، والفزع والرعب من جهة أخرى. وهذا وذاك مما استهدفته الآيات كأمثالها العديدة.
(1) التاج ج 4 ص 160- 161.
(2)
المصدر نفسه.
ولقد حمل الشيعة القول المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنه أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، على كون الخصومة التي يجثو لها هي مع الذين ناوأوه في حقّه من الإمامة. وهذا من غرائب تخريجاتهم، فعلي رضي الله عنه بايع برضائه وتعاون مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مثل سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما كان ليفعل ذلك لو كان يعتقد أن الله ورسوله قد قررا حقّ التقدم له في خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو أضعف منهم عصبية وشخصية وما كان يمكن أن يقبل ذلك غالبية أصحاب رسول الله بل كلهم.
ونحب أن ننزهه عن القول المروي عنه. ونرجّح أن الهوى الحزبي قد لعب دوره فيه. فبالإضافة إلى الغرابة التي تبدو في التخريج، فإن القول بحدّ ذاته يبدو غريبا وغير مفهوم المدى.
ولقد روى الطبري والبغوي، كل بطريقه، عن أبي هريرة في سياق جملة يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلق ما في جوفه حتى يبلغ قدميه، وهو الصهر ثم يعاد إلى ما كان» . وأورد ابن كثير في سياق جملة وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنّ قمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض» . وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتّت ثم عاد كما كان، ولو أن دلوا من غسّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» . والحديث الأول رواه الترمذي أيضا «1» كما روى الترمذي الشطر الثاني من الحديث الثاني أيضا «2» .
ووصف هول العذاب الأخروي والتخويف منه مما يلمح من الحكمة في الحديثين. وهو ما يلمح من الحكمة في الآيات بالإضافة إلى وجوب الإيمان بما جاء
(1) التاج ج 5 ص 390 و 391.
(2)
المصدر نفسه.