الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الآيتين: حكاية لأسئلة ثلاثة أوردت على النبي صلى الله عليه وسلم وأجوبة عليها:
1-
فقد سئل عن حكم الخمر والميسر فأمر بالإجابة بأن فيهما إثما كبيرا وفيهما كذلك منافع للناس ولكن إثمهما أكبر من نفعهما.
2-
وسئل عما يتصدق به المتصدقون فأمر بالإجابة بأن عليهم التصدق مما يكون فاضلا وزائدا عن حاجتهم.
3-
وسئل عما ينبغي أن يسلك مع اليتامى فأمر بالإجابة بأن الواجب هو عمل ما هو صالح ومصلح لهم، وأن ليس من بأس في مخالطتهم فهم إخوان للسائلين.
ولقد انتهت الآية الأولى بالتنبيه إلى أن الله إنما يبين آياته للمسلمين على أمل أن يتفكروا فيما ينجيهم ويسعدهم ويهديهم في الدنيا والآخرة. وانتهت الآية الثانية بالتنبيه إلى أن الله يعلم نيات الناس وسرائرهم ويعلم المفسد من المصلح منهم.
وأنه توخّى التيسير عليهم ولو شاء لأوجب عليهم ما فيه إعنات وإرهاق لهم، فهو العزيز القادر والحكيم الذي يأمر بما فيه الصواب والحكمة.
ومن المحتمل أن يكون التنبيه الذي احتوته الآية الأولى في صدد ما جاء فيها والذي احتوته الآية الثانية في صدد ما جاء فيها كما أن من المحتمل أن يكون التنبيهان في صدد ما جاء في الآيتين من أجوبة.
تعليقات على الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
…
والآية التالية لها وتلقيناتها في صدد اليتامى والصدقات
والآيتان فصل تشريعي جديد، وقد وضعتا بعد الآيات السابقة إما لأنهما نزلتا بعدها أو للمماثلة التشريعية على ما هو المتبادر.
وقد روى المفسرون «1» أن السؤال الأول كان من عمر بن الخطاب حيث
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.
سأل الله أن ينزل في الخمر بيانا شافيا كما روي أن بعض المسلمين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل سالبة للمال. وأن السؤال الثاني كان من معاذ بن جبل ورفيق له أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: إن لنا أرقاء وأهلين فعلى من ننفق؟ وأن السؤال الثالث كان من جماعة كانوا أوصياء على بعض اليتامى فلما نزل وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
الأنعام: [152] في سورتي الإسراء والأنعام انطلق كل من عنده يتيم فعزل ماله عن ماله، ثم شق عليهم الأمر فسألوا رسول الله فأنزل الله الآيات. وفي رواية أن هذا كان حينما نزلت آيات سورة النساء [2- 11] التي تنهى عن أكل أموال اليتامى وتبديل طيبها بالخبيث وتنذر من يفعل ذلك وتأمر بحفظها ودفعها لهم.
والرواية التي تذكر سؤال عمر فقط هي الواردة في كتب الأحاديث المعتبرة دون غيرها ويلحظ أنها في صدد الخمر مع أن في الآيات مسائل أخرى. وآيات النساء نزلت بعد هذه الآيات، والموضوع ليس محصورا في أموال اليتامى.
وعلى كل حال فالمتبادر أن المسائل المذكورة في الآيات مما كان يسأل عنها المسلمون في العهد النبوي فأنزل الله الآيات لتوضيح الأمور وحدة متكاملة.
هذا، ولقد قال المفسرون في صدد ما ذكرته الآية الأولى من نفع الخمر والميسر أن نفع الخمر هو ما كان يحدثه من نشوة وما كان يعود على صانعيه وأصحاب الثمار التي يصنع منها. وأن نفع الميسر هو ما كان يعود على الرابح من ربح
…
وعلى كل حال فإن أسلوب جواب السؤال الأول يدل على ما كان للخمر والميسر من رسوخ وانتشار في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره، وما كان لذلك من تأثير في حياة هذه البيئة اقتصاديا واجتماعيا وأن المتبادر أن الإشارة إلى ما لهما من منافع إنما أتت من ذلك أي أنها تقرير للواقع وليست بقصد الإقرار والتبرير.
والسؤال والجواب عن الخمر والميسر هما خطوة أولى تبعتها خطوات أخرى في التشديد ثم في التحريم في آيات في سورتي النساء والمائدة على ما سوف نشرحه في مناسبتهما.
ولقد انطوى الجواب هنا على استكراه تعاطيهما حيث ذكر إثمهما أولا ووصف بأنه أكبر ثانيا. وشدد في وصفه فذكر أنه أكبر من نفعهما. وهذا مؤيد لما قلناه آنفا من أن ذكر منافعهما هو إقرار للواقع وليس للتبرير. والمتبادر أن اقتصار الجواب على ذلك في الخطوة الأولى إنما كان بسبب ذلك الواقع حيث اقتضت حكمة التنزيل التدرج في التشديد والتحريم حينما صارت حالة الإسلام والمسلمين تتحمل ذلك. وهناك أحاديث عديدة في صدد الخمر والميسر فيها توضيح وأحكام أجّلنا إيرادها والتعليق عليها إلى تفسير آيات سورة المائدة [91- 92] لأنها أكثر ملاءمة معها.
وننتقل الآن إلى السؤال الثاني وجوابه فنقول إن هناك أقوالا عديدة يرويها المفسرون عن أهل التأويل في صدده. منها أن السؤال هو في صدد ما يحسن أن يعطيه المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم من صدقاتهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيها كجواب على سؤالهم بأن يأخذ منهم الفضل الزائد أو ما يستطيعون أن يعطوه قليلا كان أو كثيرا.
وفي آية في سورة الأعراف التي سبق تفسيرها جملة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ العفو.
ومن الأقوال المروية مع ذلك أن السؤال هو في صدد ما يحسن أن يتصدق به المسلمون بصورة عامة فأمروا بأن يعطوا ما فضل عن حاجتهم في قول، وما لا يكون فيه إجهاد لأموالهم وأنفسهم في قول. واليسير في قول وأطيب ما عندهم وأفضله في قول. وجميع هذه الأقوال واردة والجملة القرآنية تتحملها. وقد صوب الطبري أنها في صدد الأمر الثاني وأن العفو ما كان زائدا عن الحاجة. والتصويب في محله ومتساوق مع السؤال فيما يتبادر لنا. ويكون في الجواب والحالة هذه توجيه ومغزى عظيمان بعيدا المدى إذ يؤمر المسلم بأن يتصدق بما يكون زائدا عن حاجته لمن هم في حاجة من المسلمين أقارب كانوا أم أباعد. وليس بعد هذا شيء أسمى ولا أقوى في إيجاب التكافل بين المسلمين. وهناك أحاديث عديدة في صدد ذلك منها حديث رواه مسلم عن عبد الله بن جرير في موقف جاء النبي جماعة في حالة سيئة من العوز فدعا المسلمين إلى التصدق قائلا:«ليتصدق امرؤ من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع برّه، من صاع تمره، حتى ولو بشقّ تمرة» . وحديث