الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها «1» .
في الآية الأولى: نهي موجّه للمسلمين عن عدم جعل أيمانهم بالله وسيلة لعدم البرّ والإصلاح بين الناس والانصراف عن عمل ما فيه تقوى الله. فالله سميع لأقوالهم عليم بنواياهم. وفي الثانية: تقرير موجه إليهم أيضا بأن الله تعالى لا يؤاخذهم بما يصدر منهم من الأيمان التي لا يتعمدون فيها شيئا ولا يقترفون بها ذنبا ولا تعقدها قلوبهم بمنع وإيجاب ونفي وإثبات. وإنما يؤاخذهم بما قصدت قلوبهم كسبه وفعله. وهو على كل حال غفور لمن تاب وأصلح، حليم لا يتسرع بالغضب والعقوبة ليكون في ذلك فرصة لمن حسنت نيته.
تعليق على الآية وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ
…
والآية التالية لها
والآيتان فصل تشريعي جديد، وقد وضع بعد ما سبقه للمماثلة التشريعية أو لنزوله بعده.
وقد روى بعض المفسرين «2» أن الآية الأولى نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يدخل على ختنه- زوج أخته- ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين زوجته. كما روى بعضهم «3» أنها نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا يساعد قريبا له اندمج في حديث الإفك في حقّ عائشة رضي الله عنها .
والروايات لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة، والمتبادر أن الآية الثانية نزلت مع الأولى كتبرير للنهي الذي احتوته الآية الأولى أو فتوى لليمين التي
(1) انظر التاج ج 3 ص 70. وقد روى أبو داود وابن حبّان والبيهقي ذلك عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا انظر الصفحة نفسها.
(2)
انظر تفسيرها في مجمع البيان للطبرسي.
(3)
انظر تفسير الطبري والخازن. [.....]
يحلفها المسلم فيعتذر بها عن فعل الخير والإصلاح وما تقتضيه تقوى الله.
وفحوى الآيتين قد يتسق مع إحدى الروايتين المرويتين، غير أن يمين أبي بكر المروية قد وقعت في أواسط العهد المدني وأشير إليها في آية سورة النور هذه:
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) وهي من سلسلة الآيات الواردة في هذه السورة عن حديث الإفك على ما سوف نشرحه في مناسبتها.
وفي الآية التالية لهاتين الآيتين إشارة إلى الذين يؤلون من نسائهم أي يحلفون بعدم القرب من نسائهم حيث يتبادر أن هناك صلة موضوعية بين هاتين الآيتين والآيات التالية لهما والله تعالى أعلم.
ولقد احتوت الآيتان على كل حال تعليمات قرآنية بشأن الأيمان إطلاقا، وفيهما تلقينات رائعة جليلة في عدم جواز حلف الأيمان للامتناع عن فعل الخير والإصلاح وما تقتضيه تقوى الله من أعمال سلبية وإيجابية وفي عدم جواز احتجاج المرء بيمين صدر منه للامتناع عن ذلك أو لفعل ما فيه إثم وضرر للغير ثم في تقرير كون الله عز وجل إنما يحاسب الناس على ما يصدر منهم أو يتعمدون فعله من إثم في سياق الأيمان وكون ما ليس فيه ذلك يعده الله لغوا لا يؤاخذهم عليه.
وينطوي في التلقين الأول تقرير عدم جواز التقيد بالأيمان للامتناع عن الخير أو فعل الإثم. وفي سورة المائدة آية احتوت بيان الكفارة على اليمين التي يحلفها المسلم ثم توجب عليه الظروف أو واجب فعل الخير والامتناع عن الأذى للنفس أو الغير الرجوع عنها وهي هذه: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) وهي متممة للتعليم القرآني الوارد في هاتين الآيتين كما هو المتبادر. وقد نزلت في صدد جماعة من المؤمنين
حلفوا أن يتخلوا عن طيبات الحياة تورعا وتقربا إلى الله فنهتهم الآية السابقة لها عن تحريم ما أحلّه الله لهم وأمرتهم بالرجوع عن يمينهم والتكفير عنها.
ولقد رويت أحاديث عديدة في صدد اليمين والرجوع عنه وكفارته واليمين الكاذبة رأينا من المفيد إثباتها في هذه المناسبة. من ذلك حديث رواه الثلاثة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحلف منفّقة للسلعة ممحقة للبركة» «1» . وفي رواية مسلم: «إياكم والحلف في البيع فإنه ينفّق ثم يمحق» «2» . وحديث رواه الخمسة عن أبي موسى قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان فاستحملناه فحلف ألا يحملنا ثم قال: والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحلّلتها» «3» . وحديث رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها وليكفّر عن يمينه» «4» . وحديث رواه أصحاب السنن عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث» «5» . وحديث رواه الخمسة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم أو مال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان» «6» وحديث رواه أبو داود عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ مقعده من النار» «7» . وحديث رواه أبو داود والنسائي عن سعيد بن المسيب قال: «إنّ أخوين كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن عدت سألتني عن القسمة فكلّ مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك.
(1) التاج ج 2 ص 179.
(2)
التاج ج 2 ص 179.
(3)
التاج ج 3 ص 68- 71. ومعنى استثنى: قال إن شاء الله.
(4)
التاج ج 3 ص 68- 71. ومعنى استثنى: قال إن شاء الله.
(5)
التاج ج 3 ص 68- 71. ومعنى استثنى: قال إن شاء الله.
(6)
التاج ج 3 ص 68- 71. ومعنى استثنى: قال إن شاء الله.
(7)
المصدر نفسه ص 69، واليمين المصبورة تعني أن يحلف المرء على أمر أنه وقع وهو كاذب. وعرف هذا باليمين الغموس الذي يعد من الكبائر على ما ورد في حديث رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس» . التاج ج 3 ص 68.