الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد شرحنا في سياق سورة الحج حكمة الله في إبقاء تقاليد الحج السابقة للإسلام بعد تجريدها من شوائب الشرك والقبح فنكتفي بهذا التنبيه في هذا المقام.
[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُونَ (159) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
. في الآيات حملة عنيفة على الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والدلائل التي بينها الله تعالى في كتبه التي أوحى بها إلى أنبيائه باستثناء الذين يتوبون عن ذلك ويتلافون خطأهم فإن الله يتوب عليهم وعبارة الآيات واضحة.
تعليق على الآية إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى
…
إلخ والآيات الثلاث التالية لها
روى الطبري وغيره أن بعض المسلمين سألوا نفرا من اليهود عمّا في التوراة من صفات النبي صلى الله عليه وسلم فكتموا أو أبوا أن يجيبوهم فأنزل الله الآيات. والرواية لم ترد في الصحاح. وفحوى الآيات يلهم أنها أوسع شمولا لأن التنديد يتناول ما بيّن الله من بينات وهدى. وبعد قليل تأتي آيات فيها بحث عن الأطعمة الحيوانية المحرمة وحملة على الذين يكتمون ما في كتاب الله حيث يلوح أن بين الحملة في هذه الآيات والحملة الآتية صلة موضوعية ما. وهذا بالإضافة إلى ما احتوته حلقة آيات تحويل القبلة والحلقات التي قبلها من تنديد قارع باليهود لكتمهم الحق الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم حيث يسوّغ القول أيضا إنها قد تكون بسبيل التنديد بهم من أجل ذلك. وعلى كل حال فإنه يصح أن يقال إن هذا الفصل ينطوي على
مواقف مناوأة يهودية للدعوة النبوية بقصد التشكيك والدس.
ومن المحتمل أن تكون الآيات نزلت بعد فصل الطواف بين الصفا والمروة مباشرة فوضعت في مقامها ومن المحتمل أن يكون وصفها بسبب توافق ما فيها من موضوع مع ما كان قبل فصل الطواف من مواضيع متصلة بمواقف اليهود والله أعلم.
والحملة شديدة قارعة مما قد يلهم أن المواقف التي نزلت في صددها كانت شديدة الوقع والأثر.
ومع ما هو مرجح من أن موضوع الآيات هو اليهود ومواقفهم فقد جاءت مطلقة حيث يبدو أن حكمة الله اقتضت ذلك لتشمل كل من يكتم ما أنزل الله من الهدى والبينات الواردة في كتبه سواء أكانوا من أهل الكتب السابقين أم من المسلمين. ولقد أورد الطبري في سياقها حديثا نبويا رواه أيضا أبو داود والترمذي عن أبي هريرة بهذا النصّ: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» «1» . ونرى أن ننبه على أمر مهم في صدد الحديث النبوي. ففيه الحق من دون ريب غير أن الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها لا تشترط السؤال لاستحقاق لعنة الله واللاعنين على الكاتم بل توجب على كل من يعلم ما في كتاب الله من هدى وبينات أن يبينها سواء أسئل أم لم يسأل، وفي آية سورة آل عمران هذه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [187] توكيد لذلك فيما يتبادر لنا والله تعالى أعلم.
ولقد روى المفسرون عن أهل التأويل أن جملة وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ تعني الملائكة أو غير الإنس والجن من خلق الله. ولم يرو هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويتبادر لنا أن الجملة أسلوبية لبيان كون الكاتمين يستحقون لعنة كل من خلقه الله إطلاقا من باب التسديد والتشميل وهي من باب الجملة الثانية في الآية التالية وبأسلوب آخر، والله أعلم.
(1) انظر التاج ج 1 ص 58.