الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقيمي قال: «جعل الناس يسألون رسول الله أعلينا حرج في كذا؟ فقال: أيها الناس إن دين الله عز وجل يسر قالها ثلاثا» «1» . وحديث آخر رواه الإمام أحمد عن أبي أمامه جاء فيه: «قال رجل إني مررت بغار محمد فحدثتني نفسي أن أقيم فيه وأتخلّى عن الدنيا، فقال له رسول الله: «إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية لكن بعثت بالحنيفية السمحة» «2» .
وهكذا يكون التساوق تاما بين التلقين القرآني والتلقين النبوي ويصبح المعنى الذي احتوته الجملة من المبادئ المحكمة في الإسلام. ولقد روي عن ابن زيد أحد علماء التابعين قوله في مدى الجملة: (ما من ذنب يذنبه المسلمون إلّا ولهم مخرج منه من توبة أو كفّارة) . وعن ابن عباس تأويله لكلمة حرج بالضيق وقوله: (إنّ مدى الجملة ينطبق على هلال شهر رمضان وذي الحجة إذا شكّ الناس فيه أو التبس عليهم أو أشباه ذلك) . مما فيه صور تطبيقية وجيهة لمدى هذه الجملة.
تعليق على جملة وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
كذلك فإن جملة وَافْعَلُوا الْخَيْرَ جديرة بالتنويه من حيث إنها تحثّ على فعل الخير إطلاقا. والخير هو كل عمل نافع ومفيد قولا وفعلا. والإطلاق يفيد الحثّ على عمل الخير في كل ظرف ولكل الناس بدون قيد وشرط مما فيه رائع التلقين.
ولقد تكرر ذلك في آيات عديدة مما يزيد الروعة. منها آية سورة البقرة هذه لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(148)
حيث انطوت على حثّ على التسابق إلى فعل الخير وآية سورة آل عمران هذه: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) حيث انطوت على التنويه بالمسارعين في الخيرات. ومنها آية سورة آل عمران هذه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
(1) تفسير القاسمي لآية البقرة [185] .
(2)
انظر المصدر نفسه.
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وهذه الآية أقوى تلقينا حيث لا يكتفى فيها بالحثّ على فعل الخير بل توجب الدعوة إليه دائما مثل ما توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث إذا لم يكن فئة من الناس في وقت من الأوقات لا يقومون بهذا الواجب أثم جميع المسلمين.
ولقد نددت آيات عديدة بالذين يمنعون الخير أو يشحّون عليه تنديدا شديدا.
من ذلك آية سورة القلم هذه: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) وآية سورة (ق) هذه:
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) ، وهذه الجملة في آية من سورة الأحزاب أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [19] حيث يبدو من هذا أن فعل الخير والدعوة إليه من أمّهات الأخلاق والمبادئ التي قررها القرآن وندّد بالذين يشحّون عليه أو يمنعونه.
وهناك أحاديث نبويّة صحيحة كثيرة جدا في الحضّ على الصبر والعفو وتحمّل الأذى وقضاء حوائج الناس ونصر المظلوم والذبّ عن المسلمين وستر عوراتهم والصدق والوفاء والرفق والحياء والتواضع وحسن الخلق والمعاملة الحسنة مع الناس والسخاء والكرم والشكر على المعروف والنصح للناس والعدل.
وحبّ المسلم لأخيه ما يحبّه لنفسه والبرّ بالآباء والأقارب والضعفاء والمساكين واليتامى والجيران، وغيرها وغيرها مما يدخل في شمول كلمة الخير ومما أوردنا منه أمثلة كثيرة في مناسبات سابقة ومما سنورد منه أمثلة أخرى في مناسبات آتية، مما فيه تساوق مع التلقين القرآني. وهناك حديث عام في هذا الباب فيه حثّ على المساعدة على عمل الخير إذا لم يستطع المرء أن يفعله بنفسه رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة جاء فيه:«جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني، قال: لا أجد ما أحملك عليه ولكن ائت فلانا فلعلّه أن يحملك فأتاه فحمله فأتى النبيّ فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» «1» .
(1) انظر التاج ج 5 ص 67- 68.