الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة البقرة (2) : آية 260]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
. (1) فصرهن إليك: اضممهن إليك. ومما قيل في معنى (صرهن) قطعهن.
من التصرية بمعنى القطع. أو إنها بمعنى إمالة وجوههن إليه لذبحهن لأن الذبح يكون كذلك.
تعليق على الآية وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى
…
إلخ
وفي هذه الآية إشارة تنبيهية أو تذكيرية إلى قصة ثالثة، حيث سأل إبراهيم ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى بعد ما يموتون فسأله عما إذا كان غير مؤمن بقدرته حتى يسأل ذلك فأكد إيمانه ولكنه أبدى رغبته في الاطمئنان العياني فأمره حينئذ أن يمسك أربعة من الطيور ويذبحها ويقطع أجزاءها ويوزعها على جبال مختلفة ثم يدعوها إليه فتأتي إليه حية مسرعة. وانتهت الآية بخطاب موجه إليه ليعلم أن الله عزيز لا يعجزه شيء، حكيم لا يفعل إلا ما فيه الصواب والسداد.
ومع أن الآية لم تذكر نتيجة التجربة فإنها منطوية في أسلوبها كما هو المتبادر والمقدر على أن إبراهيم فعل ما أمره الله وأن الأجزاء تجمعت وعادت إليها الحياة بقدرة الله وسعت إلى إبراهيم عليه السلام .
ولقد روى الطبري وغيره عن علماء الأخبار روايات وبيانات في صدد محتوى الآية. منها رواية في صيغ عديدة متقاربة تفيد أن إبراهيم عليه السلام رأى جيفة قد بليت وتقسمتها الرياح والسباع والجوارح فقال سبحان الله كيف يحيي
الله هذه. أو قال: ربّ قد علمت أنك قادر على ذلك فأرني كيف يكون. ومنها أنه لما انتهى من محاججة الملك الكافر وقع في نفسه أن يسأل الله كيف يحيي الموتى. ومما روي في صدد تنفيذ الأمر أن الله أمره أن يأخذ ديكا وطاووسا وغرابا وحمامة ويقطعها ويخلط لحومها بريشها ودمائها ويجعل على كل جبل جزءا من هذا الخليط ثم يناديها ففعل فأخذت أجزاء كل طير تتجمع حتى تم التجمع ثم دبت فيها الحياة وجاءت إليه ساعية.
وليس شيء مما رواه المفسرون واردا في كتب الصحاح ولكن هذه البينات المروية من صدر الإسلام تفيد أن القصة مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره. وفي الإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين المتداول اليوم قصة فيها شيء من التشابه مع هذه القصة خلاصتها أن الله لما بشر إبراهيم بأن نسله سيكون كثيرا لا يحصى، قال له: وكيف أعرف ذلك وأنا عقيم، وليس لي وريث من صلبي؟ فقال له: خذ عجلة ثنية وعنزة ثنية وكبشا ثنيا ويمامة وشطرها أنصافا ثم اجعل كل شطر قبالة صاحبه وتقف القصة في السفر عند هذا الحد.
ومهما يكن من أمر فيمكن أن يقال إن القصة انطوت على موقف نبي من أنبياء الله المعروفين أبدى رغبة في الاطمئنان العياني لقدرة الله فحقق الله رغبته.
ومن الجائز ونحن نرجح ذلك أن تكون القصة التي وردت في سفر التكوين شيئا مشابها لها كانت مما يتداوله اليهود في أسفار أخرى وأن سامعي القرآن كانوا يعرفونها عن طريقهم.
وفي صدد القصة ذاتها نقول هنا كما قلنا قبل: إن من واجب المسلم أن يقف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيراده بالأسلوب الذي وردت به وأن يؤمن بأن في ذلك حكمة قد تكون أو قد يكون منها التذكير بموقف آخر من مواقف المؤمنين بالله وقدرته السامعين يعرفونه لأحد عظام أنبياء الله الذين كان ملء سمعهم وكانوا ينتسبون إليه ليكون فيه العظة والعبرة لهم ثم لسامعي القرآن وقارئيه عامة، والله تعالى أعلم.