الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
مقام إبراهيم: مكان أو حجر كان في فناء الكعبة معروف بهذا الاسم.
(4)
مصلى: محل صلاة.
(5)
العاكفين: العكوف بمعنى الإقامة. ثم صار منها اصطلاح وهو التعكف بمعنى الإقامة في الحرم أو المسجد بقصد العبادة.
(6)
القواعد: الأسس. والتعبير يشمل الأسس وما عليها.
(7)
الحكمة: ما فيه الصواب والسداد.
(8)
يزكيهم: يطهر نفوسهم.
تعليقات على الآية وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
…
إلخ وما بعدها إلى آخر الآية [129] وهي الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة الآيات الواردة في اليهود
في هذه الآيات:
1-
إشارة تذكيرية إلى أن الله تعالى كان أمر إبراهيم عليه السلام بفعل بعض الأمور على سبيل الاختبار ففعل ذلك كما ينبغي فاستحق رضاءه، وقال له إني جاعلك للناس إماما وقدوة فسأل ربّه أن يكون هذا الفضل شاملا لذريته أيضا فأجابه إن الظالمين أي المنحرفين الباغين منهم لا يصحّ أن ينالوه.
2-
وتقرير بأن الله قد جعل البيت أي الكعبة مثابة ومحجا للناس جميعهم وبأنه أمر باتخاذ مقام إبراهيم مكان صلاة.
3-
وإشارة إلى ما كان من أمر هذا البيت في البدء، حيث اختص الله مكانه ليكون معبدا ومنطقة أمن وسلام، وأمر إبراهيم وإسماعيل أن يطهرا هذا المكان ويهيئاه ويبنياه ليكون مكان طواف وعكوف وركوع وسجود للناس جميعا، وحيث صدعا بالأمر ورفعا قواعد البيت ودعوا الله أن يتقبل منهما خدمتهما وأن يهديهما
إلى معرفة ما يجب عليهما من المناسك ويساعدهما على أدائها وأن يجعلهما مسلمين له وحده وأن يجعل ذريتهما أيضا أمة مسلمة منقادة له وحده. وأن يبعث فيها رسولا منها يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب وكل ما فيه الصواب والسداد ويطهر نفوسهم وينقذهم من الضلال ويرشدهم إلى الحق والخير والهدى. وأن يجعل البلد الذي فيه البيت آمنا لا يقع فيه بغي ولا ظلم ولا سفك دم، وأن يرزق من يكون مؤمنا من أهله بالله واليوم الآخر من الثمرات وييسر لهم الرزق الرغد.
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه الآيات التي قد تبدو الآيات فصلا مستقلا لا علاقة له باليهود والسياق الطويل السابق. غير أن الحلقة التي جاءت بعدها عادت إلى ذكر اليهود ومواقفهم وأقوالهم والتنديد بهم ثم جاءت بعدها حلقة أخرى احتوت موضوع تبديل القبلة إلى اتجاه الكعبة ونددت باليهود لموقفهم من هذا التبديل موقف النقد والتشكيك مما يجعل هذه الآيات غير منقطعة عن السياق السابق واللاحق ومما يسوغ القول إن فيها تبريرا وتدعيما للتبديل المذكور وردا على موقف اليهود منه في بيان صلة الكعبة بالله تعالى وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وفضلها وكونها جعلت بأمر الله منذ القديم مثابة للناس ومحجا ومكان عبادة وطواف وسجود وركوع له.
وهذا فضلا عن شمول جملة لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ لليهود من بني إسرائيل المنحرفين عن الحق والهدى بل فضلا عن احتمال كون المقصود بها هم هؤلاء وبخاصة المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم موضوع الكلام في الدرجة الأولى.
وكل هذا جعلنا نسلكها في عداد الحلقات الواردة في هذه السورة فيهم.
ولقد أورد المفسرون «1» أقوالا عديدة في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم معزوة إلى بعض علماء التابعين وتابعيهم. منها أنها قصّ الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس في الجبهة وتقليم الأظفار وحلق العانة والختان
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.
ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول. ومنها أنها حلق العانة والختان ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقصّ الشارب والاغتسال يوم الجمعة والطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة. ومنها أنها عبادة الكوكب ثم القمر ثم الشمس التي أداها ثم ارتدّ عنها لأفولها ثم النار التي ألقي فيها ثم الهجرة ثم الختان. وقد قال الطبري إنه لم يصح من ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن تكون هذه أو غيرها وبعضها أو جميعها وهو كلام صائب. ويبدو أن ما قيل في صدد ذلك من باب التخمين وليس من وراء اكتشاف الكلمات بالتخمين من طائل. والأولى أن يكتفى بالقول إنها أوامر ونواه ربانية أمر الله بها خليله عليه السلام فأداها على النحو الذي أمره بها. وإن كان من شيء يمكن أن يقال بالإضافة إلى هذا فهو أن الروايات تذكر أن العادات الجسدية المذكورة في أول الأقوال مما كان ممارسا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى الطواف والسعي. وظلت تمارس في الإسلام منها ما كان بأمر قرآني وهو الطواف والسعي ومنها ما كان بتعليم نبوي قولي وفعلي. فمن الجائز أن يكون التخمين بالنسبة لهذه العادات مستمدا من ذلك وأن يكون أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا وظلوا ينسبونها إلى إبراهيم عليه السلام والله أعلم.
وكلمة ذُرِّيَّتِي الواردة في الآية [124] تشمل كما هو المتبادر جميع المنتسبين إلى إبراهيم بالنبوة وأبناء إبراهيم الذين خلفوا ذريته هم اسحق وإسماعيل وزمران ويقشان ومدان ومدين ويشاق وشوما إذا صح ما ورد في سفر التكوين بالنسبة للستة الآخرين. أما إسحق وإسماعيل فقد نسبهما القرآن لإبراهيم فيجب الإيمان بذلك، والمشهور المتداول أن بني إسرائيل من ذرية إسحق وأن العرب العدنانيين الذين منهم القرشيون من ذرية إسماعيل على ما ذكرناه في مناسبات سابقة.
ولقد أول المؤولون على ما رواه الطبري جملة لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ بأنها بمعنى لا يكون من الظالمين من ذرية إبراهيم من يرضى الله أن يكون إماما للناس أو أنها بمعنى استثناء الظالمين مطلقا من ذريته من مدى عهد الله له. ويتبادر لنا أن حكمة الله في هذا الاستثناء هدفت إلى إحباط تبجح المنتسبين بالبنوة إلى إبراهيم
إذا كانوا منحرفين عن ملته وطريقته وجادة الحق التي كان يسير عليها والانقياد إلى الله وإسلام النفس له وحده. ومن المحتمل أن يكون أريد بهذا في المقام والسياق اللذين وردت فيهما الآية بنو إسرائيل الذين وقفوا من النبي صلى الله عليه وسلم موقف البغي والظلم والجحود. والذين كانوا يتبجحون بأنهم على هدى وأنهم أئمة وقدوة للناس حيث أريد تكذيبهم في دعاويهم هذه برغم انتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام ، وهو احتمال قوي في ما يتبادر لنا والله أعلم.
أما كلمة ذُرِّيَّتِنا الواردة في الآية [128] فقد قال الطبري وغيره إنها عنت العرب، وروح الآية التي وردت فيها الكلمة تلهم صواب ذلك. ومما يؤيده أيضا اشتراك إسماعيل في الدعوة لأن إسماعيل هو الذي ينتسب إليه العدنانيون ثم القرشيون من العرب على ما ذكرناه قبل.
ولقد أورد الطبري حديثا في سياق الجملة جاء فيه: «إنّ نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى عليهما السلام» . والحديث لم يرد في الصحاح وإن كان القرآن يؤيد فحواه في الجملة التي نحن في صددها وفي آية سورة الصف [6] على أننا نقول مع ذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من دون ريب أن رسالته من مقتضيات حكمة الله الأزلية قبل إبراهيم ودعوته. وإنه يتبادر لنا من حكاية دعاء إبراهيم وإسماعيل في هذه الآية وفي الحديث إذا صح أن القصد من ذلك بالإضافة إلى واجب الإيمان بما أخبر به القرآن من كلام إبراهيم في صدد ذريته توكيد الصلة بين النبي صلى الله عليه وسلم والأرومات التي انحدر منها وبين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام . وهناك حديث نبوي صحيح رواه مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ومثل ما تقدم يقال بالنسبة لحكاية دعاء إبراهيم في الآية [126] بأن يجعل
(1) التاج ج 3 ص 205. [.....]
الله البلد الذي فيه البيت آمنا ميسّر الرزق حيث انطوى فيها بالإضافة إلى واجب الإيمان بخبر دعاء إبراهيم الذي أخبر به القرآن توكيد الصلة بين إبراهيم وبين أمن البلد الحرام وما يتمتع أهله به من رغد الرزق. وهذا كله يقال أيضا بالنسبة لما ذكرته الآية [127] من بناء البيت من قبل إبراهيم وإسماعيل.
ومقام إبراهيم هو على أرجح الروايات وأوجهها مكان معين في فناء الكعبة ما يزال معروفا بالتواتر الذي لم ينقطع منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وصيغة الآية وروحها يلهمان أن هذا المكان كان معروفا باسم مقام إبراهيم قبل البعثة النبوية، وقد أثر حديث عن عمر بن الخطاب رواه البخاري جاء فيه: «وافقت ربّي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى
…
إلخ» . وقد روى المفسرون أنه كان يطلق على مكان فيه حجر عليه ما يشبه طبعة قدم كان العرب يعتقدون أنها أثر قدم إبراهيم حيث كان يقف عليه حينما كان يبني الكعبة. وفي الحديث الطويل الذي رواه البخاري عن ابن عباس وأوردناه في سياق تفسير الآيات [35- 41] من سورة إبراهيم والذي فيه خبر إسكان إبراهيم ولده إسماعيل في وادي مكة وبناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة بأمر الله إشارة إلى هذا الحجر حيث ينطوي في هذا ما قلناه في مناسبات سابقة من أن العرب في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره كانوا يتداولون ذلك. وإذا كان ليس اليوم هناك حجر عليه طبعة قدم فهذا لا ينفي ذلك التداول الذي كان مستندا إلى مشاهدة حيث يكون قد زال الأثر بتأثير السنين الطويلة.
وفي كتب التفسير في سياق هذه الآيات أحاديث وروايات مسهبة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه وتابعيهم في صدد أولية وظروف بناء الكعبة من قبل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام . وقد أوردنا من ذلك ما رأينا فيه الكفاية والفائدة في سياق تفسير سور قريش وإبراهيم والحج فنحيل القارئ عليه ونكتفي هنا بهذا التنبيه.
ولقد روى المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم في صدد جملة وَأَرِنا مَناسِكَنا في الآية [128] أن المقصود منها مناسك الحج وهي
الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والإفاضة منها والإفاضة من المزدلفة ورمي الجمار في منى (وهي الحصيات التي تقذف على أنصاب حجرية في منى) ومحل ذبح القرابين إلخ إلخ
…
وأن كل هذا مما أنشأه بدءا إبراهيم عليه السلام . وأوردوا بيانات في أسباب ذلك وكيفيته معزوة إليهم وقد أجّلنا تلخيص ذلك وشرح هذه المناسك إلى مناسبات أكثر ملاءمة في هذه السورة.
وواضح أن في كل ما تقدم تدعيما لنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولفضل الكعبة ومنطقتها. وفي الوقت نفسه تدعيما وتبريرا لحادث تبديل اتجاه القبلة عن المسجد الأقصى إلى الكعبة وهو ما تضمنته آيات سابقة على ما نبهنا عليه وما تضمنته آيات أخرى آتية بعد قليل. وفيه كذلك ردّ على اليهود الذين حاولوا التشويش والتشكيك والدسّ في ظرف ذلك الحادث الذي أثار غيظهم على ما سوف يأتي شرحه.
ولعل لجملة وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى في مقامها معنى هاما في صدد تبديل القبلة حيث انطوى فيها إشارة إلى صلة إبراهيم بالكعبة وأثره عندها الذي كان قبل البعثة وما زال في إبانها مشهودا مشهورا باسم مقام إبراهيم وتبريرا بكونها هي الأولى باتخاذها قبلة، فضلا عن ما في تقرير كون إبراهيم وإسماعيل هما اللذان رفعا قواعدها من كل ذلك. ولقد خطر لنا خاطر نرجو أن يكون صوابا إن شاء الله وهو احتمال أن يكون الأمر المنطوي في الجملة تعبيرا آخر لاتخاذ الكعبة قبلة لأنها كانت من إنشاء إبراهيم وكان مقامه عندها مشهودا مشهورا والله أعلم.
هذا، وفي الآيات تلقينات مستمرة المدى، منها ما احتوته جملة لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ من تقرير بأن الله تعالى لا يمكن أن يرضى عن الظلم الذي يتجسد في البغي والجور والعدوان والانحراف عن جادة الله وشرائعه، ولا عن إمامة ظالم وحكمه، وبأنه لا يصح أن يكون لظالم عهد، وبأن انتسابه إلى آباء صالحين لا يبرر شيئا من ذلك.
ومنها ما احتوته جملة وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ من تقرير كون تمتع الكافر بالدنيا لا يتنافى مع الحكمة الربانية ولا يصح