الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونرجح أن القصص الثلاث نزلت متتابعة ووضعت في ترتيبها بسبب ذلك، بل لا نستبعد أن تكون نزلت دفعة واحدة لتكون بمثابة تعقيب على الآيتين [256 و 257] وبينهما لبيان مواقف متنوعة لكافر ومؤمنين، والله تعالى أعلم.
وهذه القصة والتي قبلها تنطويان على تبرير الرغبة في الطمأنينة والاستزادة من معرفة آلاء الله ومشاهد عظمته وبراهين قدرته إذا لم تكن منبعثة عن خبث ومكر وجحود ومكابرة. فليس ما يمنع المؤمن من ذلك وليس في هذا ما يمكن أن يكون دليلا أو مظهرا على شك المؤمن في إيمانه بالله وقدرته. فالشك والإيمان لا يمكن أن يجتمعا وكل ما هناك أنه يصح أن يود المؤمن رؤية ما يجعل يقينه الغيبي يقينا عيانيا. ولقد روى البخاري ومسلم حديثا نبويا جاء فيه: «نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم إذ قال ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي» .
وروى المفسرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك حينما رأى ناسا يظنون أن إبراهيم شكّ في قدرة ربّه وإيمانه به، وأوّلوا الحديث على ضوء هذه الرواية بقصد نفي الشك عن إبراهيم وكأنما أراد أن يقول نحن لا نشك فأولى بإبراهيم أن لا يشك «1» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 274]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270)
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) .
(1) انظر التاج ج 4 ص 59 وذيلها وانظر تفسير الآية في الطبري والخازن والبغوي.
(1)
منا: الكلمة هنا بمعنى تعداد النعمة على المنعم عليه على سبيل التفضل وتحميل الجميل.
(2)
الأذى: هنا بمعنى أي عمل أو قول أو إشارة فيها جرح نفس المتصدق عليه وأذيتها.
(3)
صفوان: الصخرة الملساء.
(4)
وابل: المطر الكثير المنهمر.
(5)
صلدا: أجرد أو أملس.
(6)
لا يقدرون على شيء مما كسبوا: لا يحصلون على شيء مما زرعوه ولا ينتفعون به.
(7)
ربوة: الأرض السمينة العميقة التراب أو الأرض المرتفعة عن الماء الجارف.
(8)
طل: الرذاذ أو المطر الخفيف أو الندى.
(9)
إعصار فيه نار: كناية عن الريح الشديدة الحارة أو ريح السموم.
(10)
الطيبات: هنا بمعنى الثمر الجيد لا الرديء ولا الفاسد.
(11)
ولا تيمموا: ولا تقصدوا.
(12)
الخبيث: هنا بمعنى الشيء الرديء من الثمر.
(13)
إلا أن تغمضوا فيه: إلا أن تأخذوه على كره وغضاضه إذا أهدي أو أعطي لكم أو تبخسون ثمنه عن ثمن الجيد حينما تتقاضون مالكم على أصحابها من دين وحقوق.
(14)
الحكمة: هنا بمعنى الإصابة والسداد في القول والعمل.
(15)
الذين أحصروا في سبيل الله: قيل إنّها تعني الذين حبسوا أنفسهم أو حبسوا على الجهاد. وقيل إنها بمعنى الذين حصروا أو حوصروا من العدو في أرضه.
(16)
ضربا في الأرض: بمعنى سعيا في سبيل الرزق.
(17)
التعفف: عدم الطلب والسؤال.
(18)
إلحافا: تشديدا بالسؤال والطلب.