الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقيّ أو سعيد، ثمّ ينفخ فيه الروح» «1» . ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلّا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والبرص والجذام» . وحديث من بابه مع زيادة مهمة رواه الحافظ أبو بكر البزار عن أنس أيضا قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلّا صرف الله عنه أنواعا من البلاء الجنون والجذام والبرص. فإذا بلغ خمسين سنة ليّن الله له الحساب، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ سبعين سنة غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمّي أسير الله، وأحبّه أهل السماء. فإذا بلغ الثمانين تقبّل الله حسناته وتجاوز عن سيّئاته. فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وسمّي أسير الله في أرضه، وشفع في أهل بيته» .
والحديث الأول متّصل بموضوع القدر، وقد أوردناه مع زيادته في التعليق الذي علقنا به على هذا الموضوع في سياق سورة القمر، فلا نرى حاجة إلى تعليق آخر.
والحثّ على الإخلاص له والتزام حدود الدين الإسلامي- وهذا هو المقصود من جملة ما من معمّر في الإسلام- والتبشير والتطمين للمسلمين من الحكمة الملموحة في الأحاديث الأخرى إن صحت، والله أعلم.
[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 10]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) .
(1) روى ابن كثير هذا الحديث بصيغ أخرى ومن طرق أخرى. وهذا الحديث وارد في التاج ج 1 ص 32 عزوا إلى الأربعة (أي البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود) بزيادة مهمة وهي: «فو الله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» .
(1)
ثاني عطفه: لاوي جانبه. والقصد من التعبير وصف المندد به بالكبر والتبختر في الوقفة والمشية.
في هذه الآيات:
1-
إشارة تنديدية إلى فريق آخر من الناس يجادل ويكابر في الله وآياته بدون علم ولا هدى ولا برهان من كتاب صادق، متكبرا متبخترا مشتدّا في العناد ليؤثر على غيره ويمنعه عن سبيل الله والاستجابة إلى دعوته.
2-
وإنذار شديد له، فله الخزي والهوان في الدنيا وله عذاب الحريق في الآخرة. وهذا جزاؤه الحقّ على ما قدمت يداه وليس فيه ظلم. فالله لا بظلم أحدا من عبيده وإنما يجزي كلا بما يستحقّ.
وقد روى المفسرون أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث، ومنهم من روى أنها نزلت في أبي جهل، ومنهم من روى أنها عنتهما.
والمتبادر أنها استمرار في السياق، أو أنها استطراد إلى ذكر فريق آخر من زعماء الكفار يصدّ غيره ويوسوس لغيره، بينما احتوت الآيتان [3 و 4] صورة الفريق الذي يتبع غيره ويتأثر بوسوسة غيره. وأسلوبها تنديدي كأسلوب الآيتين المذكورتين.
وهذا لا يمنع بطبيعة الحال أن تكون احتوت إشارة إلى موقف جدلي خاص وقفه أحد زعماء الكفار قبل نزول السورة، بل لا بدّ من أن يكون الأمر كذلك لأنها تنطوي على مشهد واقعي.
ومع خصوصية الآيات فإنها هي الأخرى تحتوي تلقينات جليلة مستمرة المدى وعامة الشمول بتقبيح المكابرة في الحقّ، والاستكبار عليه وصدّ الناس عنه، وتقبيح المتصفين بهذه الصفات.