الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومستهدفة ما استهدفته من لفت نظر الناس جميعا إلى ما يقع تحت مشاهدتهم من آثار عظمة الله وقدرته في كونه سماء وأرضا وبحرا، وما يتمتعون به من نعم الله وتيسيره للتدليل على وجوده وعظمته ومطلق تصرفه. وللتنديد بالشك في صدق ما يعد به وقدرته على تحقيقه. والجحود بنعمه وعدم الاستشعار بخشيته والخضوع التامّ له وحده ونبذ ما سواه.
ولقد شرحنا في سورة لقمان مدى ومعنى تسخير الله ما في السموات والأرض للناس فنكتفي بالإشارة إلى ذلك في مناسبة ما جاء هنا من مثله.
وللصوفيين تفسير عجيب للآية [63] جاء فيه أن معناها: (أنزل الله مياه الرحمة من سحائب القربة وفتح إلى قلوب عباده عيونا من ماء الرحمة. فأنبتت فاخضرّت بزينة المعرفة. وأثمرت الإيمان وأينعت التوحيد. وأضاءت بالمحبة فهامت إلى سيّدها واشتاقت إلى ربّها فطارت بهمّتها. وأناخت بين يديه وعكفت فأقبلت عليه. وانقطعت عن الأكوان أجمع. إذ ذاك آواها الحقّ إليه وفتح لها خزائن أنواره وأطلق لها الخيرة في بساتين الأنس ورياض الشوق والقدس)«1» وفي هذا ما فيه من شطح
…
[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 70]
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
. (1) منسكا: قيل إن الكلمة هنا بمعنى شريعة. وقيل إنها بمعنى مكان العبادة أو مكان تقريب القرابين. ونحن نرجّح الأول.
وجّه الخطاب في هذه الآيات إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضمنة تقرير ما يلي:
(1) التفسير والمفسرون للذهبي ج 3 ص 54.
1-
إن الله قد جعل لكل أمة مناسك وطرائق. فليس للكفار أن ينازعوه ويجادلوه فيما رسمه الله له من ذلك.
2-
وعليه أن يستمرّ في الدعوة إلى ربّه والتمسك بالمناسك والطرائق التي رسمها له. وليكن على ثقة بأنه على الطريق المستقيم.
3-
وإذا ما حاول الكفار الجدل والمكابرة فليقل لهم إن الله أعلم بما يعمله كلّ منّا وإنه سيحكم بيننا يوم القيامة فيما نحن فيه من خلاف فيؤيد الحقّ ويزهق الباطل.
4-
وتعقيب على ما تقدم بسؤال موجّه إلى النبي أيضا يتضمن معنى التقرير عما إذا كان لا يعلم أن الله يعلم كل ما يقع في السماء والأرض وأن كل شيء محصي عنده وأن ذلك من الأمور اليسيرة عليه.
وقد روى المفسرون «1» أن الآيات نزلت بمناسبة اعتراض وجّهه بعض مشركي مكة على ما حرّم وحلّل في القرآن. وقولهم لبعض المسلمين ما لكم لا تأكلون مما قتله الله وتأكلون مما تقتلون بأيديكم. ويقصدون على ما يبدو تحريم الميتة.
والآيات على ما يبدو فصل مستقلّ. وقد حكت آيات قرآنية عديدة مكيّة مواقف جدلية بين النبيّ صلى الله عليه وسلم والمشركين حول بعض الطقوس والتشريعات والمحرّمات والمحلّلات مما مرّ منه أمثلة عديدة في سور الأعراف والأنعام والنحل وغيرها. وروح الآيات قد تلهم صحة الرواية وقد تلهم أيضا أنها نزلت في صدد مشهد جدلي بدءا وجوابا وأن هذا المشهد لم يكن من المشاهد العنيفة. وهذا النوع من المشاهد كان مما يقع أحيانا بين النبي صلى الله عليه وسلم ومعتدلي المشركين على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة في سورتي الأنعام والقصص وغيرهما.
ولقد روى الطبري وغيره عن أهل التأويل أن كِتابٍ في الآية [70] كناية عن اللوح المحفوظ الذي أمر الله القلم أن يكتب عليه ما هو كائن من خلقه وأوردوا بعض الأحاديث في صدد ذلك، منها حديث أورده ابن كثير وقال: إنه
(1) انظر تفسيرها في البغوي والخازن.