الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعقيب عام في صدد الطلاق وإناطته بالقضاء
وظاهر مما تقدم أنه ليس من الطلاق القرآني ما يجري على ألسنة الناس من يمين بالطلاق بسائق الغضب أو الإكراه والتهديد أو التعامل مع الناس أو الأيمان التي يحلفها الزوج بالطلاق للناس حتى بدون إكراه ولا تهديد ولا غضب على أنه يفعل كذا ولا يفعل كذا أو لم يفعل كذا أو الأيمان التي تصدر في حالة اللاوعي من سكر أو غيبوبة وإغماء وعته وجنون ومرض شديد يجعله في تلك الحالة ما دام ليس هناك نية للفراق وسبب مبرر له بين الزوجين من نزاع وخصام ونشوز واستحالة توفيق وإصلاح وامتزاج وتعايش. لأن الآيات صريحة العبارة والتوجيه بأن الطلاق إنما أبيح على كونه أبغض الحلال إليه عند نية وقصد الفراق ولأسباب مبررة له. وعند استحالة التوفيق والإصلاح بين الزوجين. ولقد روى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ النكاح والطلاق والرجعة» «1» . وإزاء النصوص القرآنية وتلقيناتها نميل إلى التوقف في هذا الحديث وما من بابه إلا أن يكون صدر عن رسول الله في ظرف خاص به من قبيل الزجر. وهو على كل حال غير ما ذكرناه مما يجري على الألسنة في الحالات التي ذكرناها. وكثير من العلماء ومنهم الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم يعتبرون مثل هذه الأيمان أيمانا عادية إذا حنث فيها الحالف يكفرها بكفارة اليمين العادية ولا يرتبون عليها فراقا وطلاقا، ولابن القيم في أعلام الموقعين فصول قيمة في هذا الباب.
(1) التاج ج 2 ص 309، وروى الطبري هذا الحديث بهذه الصيغة:«من طلّق أو أعتق أو نكح جادا ولاعبا جاز عليه» . وهناك حديث يرويه عن الحسن قال: «كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلّق الرجل أو يعتق فيقال ما صنعت؟ فيقول: إنما كنت لاعبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من طلّق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز عليه. وفي ذلك نزلت: وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وفي تفسير ابن كثير صيغ عديدة من هذا الباب. والصيغة الواردة في الكتب المعتبرة هي التي أوردناها في المتن.
وينتقد بعض الأغيار إباحة الإسلام للطلاق وحينما يمعن المنصف من غير المسلمين بالأسلوب الرائع الحكيم الذي أبيح به إذا ما كان هو الحل الوحيد الذي لا مندوحة عنه بعد أن تكون قد بذلت كل الجهود للتوفيق ومنحت الفرص الكافية المتكررة للتروي والتوفيق لا يمكن إلا أن يسلم بما فيه من روعة وحكمة وصلاح.
ولا يكابر في ذلك إلا مكابر مغرض حتى ليصح أن يقال إن الطلاق نعمة من نعم الله في بعض الحالات التي تنقلب الحياة الزوجية فيها إلى جحيم وشقاء مقيم، وقد انطوى هذا المعنى السامي في آية النساء هذه التي جاءت بعد آيتين وصّتا ببذل الجهد في الإصلاح والتوفيق: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) حيث يكون الفراق عند استحالة التوفيق والإصلاح والصلح خيرا للطرفين من دون ريب.
والتقاليد النصرانية الدينية تحرّم الطلاق إلا في حالة جرم الزنا المشهود. وما تزال كنائسها تشدد في ذلك في حين نرى الدول النصرانية قد أباحته وأساغ ذلك الجمهور الأعظم من النصارى ومارسوه بمقياس واسع حتى صار مجونا وميوعة أكثر منه بحثا عن الراحة والخلاص من شقاء أكيد. حيث ينطوي في ذلك حاجة المجتمع الإنساني إلى ذلك العلاج الذي جاء في التشريع الإسلامي الذي رشحه الله ليكون دين البشرية جمعاء في كل زمان ومكان على أحسن وأقوى وأحكم الصور.
ولقد ذكرنا قبل قولا للزمخشري أن آية: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ
…
هي خطاب للحكام والأئمة أي إنهم هم الذين يجب أن يرفع إليهم هذا الأمر لتقديره.
ولقد احتوى القرآن آيات فيها نفس المدى مثل آية سورة النساء هذه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) وفي سورة الطلاق هذه الآية: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ والاستشهاد وإقامة الشهادة إنما يكونان لأجل النظر في الأمر من جانب القاضي. فكل هذا وما ورد من أحاديث كثيرة مرّت طائفة منها تذكر مراجعات