الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
متّعوهن: أعطوهن شيئا نافعا من مال أو ثياب بمثابة تعويض.
في هاتين الآيتين أحكام في الطلاق قبل الدخول: فليس من بأس على الأزواج إذا طلقوا زوجاتهم قبل الدخول بهن. فإذا كان وقع ذلك قبل أن يسمي لهن مهرا يستحققن تعويضا يكون متناسبا مع قدرة الرجل المالية ومع ما هو معروف معتاد بالنسبة للأمثال. وهذا حق على المحسنين أي الذين يتوخون في أعمالهم المقاصد الحسنة. وإذا كان وقع بعد تسمية المهر يستحققن نصف المهر ما لم يعفون عنه أي لم يتنازلن عنه أو يتنازل الذي بيده عقدة النكاح. والتنازل أقرب لتقوى الله ورضائه. ويجب على الناس أن لا ينسيهم الموقف ما بينهم من علاقات الفضل والمودة وما يجب عليهم تجاه بعضهم من حسن تعامل وتسامح ورغبة في كسب الفضل. والله بصير بما يعملونه فعليهم أن لا يعملوا إلّا ما فيه رضاؤه وتقواه.
تعليقات على الآية لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ
…
والآية التالية لها
الآيتان متصلتان بالسياق، وقد روى الخازن أن الآية الأولى نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسمّ لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها.
والرواية لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة ولا مانع مع ذلك من صحتها. وحينئذ تكون الآية الثانية نزلت معها لبيان حكم من يسمي مهرها أيضا، وقد وضعت الآيتان في ترتيبهما للتناسب الموضوعي أو لنزولهما بعد الآيات السابقة.
ويلفت النظر إلى ما احتوته الآيتان من حثّ على التقوى والإحسان والتسامح
والعفو وعدم نسيان الفضل بين الذين يكون لهم صلة بالموقف مما هو متساوق مع ما احتوته الآيات السابقة وهادف مثلها إلى تنبيه المسلم إلى واجباته في ذلك في هذا الموقف الذي يكون عادة من المواقف النفسانية الحرجة.
ويتبادر لنا أن عدم اشتراط سبب للتطليق قبل الدخول لا يعني أنه لا بأس على الرجل أن يطلق بغير باعث صحيح وعادل واستجابة للنزوة والفورة والهوى الشخصي على ما تلهمه روح الآيات عامة التي يجب على المسلم أن يجعلها هي الضابط له في مثل هذه الحالة أيضا أي أن يكون غير متعمد للأذى والمضارة والمكايدة وغير شاذ عن مقتضى الحق والعدل. وأن يكون ذاكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» .
وفي كتب التفسير أحاديث وأقوال وتأويلات في صدد الآيتين ومداهما وأحكامهما نوجزها ونعلق عليها بما يلي:
1-
إن بعضهم قرأ تَمَسُّوهُنَّ بضم التاء مع ألف بعدها (تماسوهن) وقالوا: إن هذه الكلمة بمعنى تشارك بدني الزوجين في التماس. وعلى كل حال فالجمهور على أن الجملة القرآنية بمعنى الجماع.
2-
لقد عزي إلى أبي حنيفة أن الزوج إذا خلا بزوجته ولم يكن هناك مانع من الجماع من حيض أو عاهة رحم فإن خلوته معها تعد دخولا وتستحق كامل مهرها إذا طلقها. ويتبادر لنا أن هذا غير متسق مع النص القرآني الذي يجعل المسيس شرطا لاستحقاق المهر الكامل بعد الطلاق والله أعلم.
3-
الجمهور على أن ال فَرِيضَةً بمعنى المهر.
4-
الجمهور على أن المطلقة المسمى مهرها لا تستحق متعة. غير أن هناك آية أخرى تأتي بعد قليل مطلقة في إيجاب المتعة للمطلقات. وقد جعل هذا بعض المجتهدين يقولون بحقها بالمتعة والله أعلم.
5-
تعددت صفات المتعة، فهناك من قال أعلاها خادم ثم بعض الفضة ثم
الكسوة. وأوسطها ثياب المرأة في بيتها. وهناك من عين خمارا ودرعا وجلبابا وملحفة وإزارا. وروى بعضهم عن الحسن أنه متع مطلقة له بعشرة آلاف درهم.
وهناك حديث لم يرد في الكتب المعتبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أميمة بنت شرحبيل فلما دخلت عليه وبسط إليها يده كأنما كرهت فأمر بتجهيزها وكسوتها بثوبين.
وحديث لم يرد كذلك في الكتب المعتبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحد أصحابه الذي طلق زوجته قبل الدخول أن يمتعها ولو بقلنسوة.
ومهما يكن من أمر فإن جملة وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ تسوغ القول إن المقدار متموج حسب حالة الزوج الاجتماعية والمالية، وأن القادر على الأحسن لا يصح أن يعطي الزهيد البخس.
6-
هناك من قال مع ذلك إن متعة من لم يسم مهرها يجب أن تعدل نصف مهر مثلها استنباطا من إيجاب نصف المهر إذا كان مسمى، وهذا وجيه مع ملاحظة تلقين العبارة القرآنية السابقة ومداها بالنسبة لحالة الزوج والزوجة الاجتماعية والمالية.
7-
هناك من قال إن جملة: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ تعني ولي الزوجة ومن قال إنه الزوج، والجمهور على الثاني وهو الأوجه. بل مؤيد بروح الآية وفحواها. فولي الزوجة لا يملك عقدة النكاح ملكا تاما في جميع الحالات وموافقة البكر البالغة شرط والثيّب أحق بنفسها من وليها «1» على ما جاء في الأحاديث. والزوجة هي التي تقبض مهرها وتتصرف به على ما قررته آيات عديدة في سورة النساء. وفي جملة يَعْفُونَ دليل. فالجملة تعني الزوجة المطلقة وهذا يعني أن القرآن قرر حقها المستقل في ذلك وليس من حكمة لشرط عقد وليّها وهي موجودة والمهر حق واجب للزوجة ولا يملك الولي التنازل عنه في أي حال.
8-
وجملة إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ على ضوء ما
(1) من ذلك: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن والثيب أحق بنفسها من وليها وإذن البكر سكوتها (انظر التاج ج 2 ص 266) .
تقدم تعني التنازل من جانب الزوج عن النصف الثاني من المهر المسمى ومنحه للزوجة كاملا. والتنازل من جانب الزوجة عن النصف المستحق لها لأنها لا تستحق جميع المهر حتى تتنازل عنه.
9-
هناك من صرف جملة وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إلى الزوج بسبيل حثه على منح كامل المهر لمطلقته. فهو المنفق والدافع للمهر وقد فضله الله درجة فصار عليه أن يؤدي حق هذا التفضيل. ولا يخلو هذا من وجاهة وإن كان هذا لا يتنافى مع احتمال كون الجملة موجهة للزوجين معا بسبيل حثّ كل منهما على التسامح والمفارقة بالحسنى.
10-
لقد استنبط بعضهم من الآية الأولى جواز عقد النكاح قبل تعيين المهر. فإذا تم الدخول ولم يسم مهر وجب للزوجة مهر أمثالها ولها نصف مهر أمثالها إذا لم يتم الدخول وهذا وجيه سديد.
11-
هناك من قال إن المفوضة بطلاق نفسها إذا طلقت نفسها قبل الدخول لا تستحق الذمة، ولم نطلع على أثر نبوي وراشدي في ذلك. ومع أن المتبادر أن مصدر الطلاق لم يتغير وهو الزوج بتفويضه زوجته بطلاق نفسها وأن حقه في التطليق قائم وأن صفة المطلقة لا ترتفع عن التي تطلق نفسها بموجب التفويض فإن ذلك القول وجيه من حيث إنه ليس من محل للتعزية والترضية في هذه الحال وهما من أهداف المتعة. ومع ذلك نقول إن إطلاق النص القرآني في الآية [242] التي تأتي بعد قليل بخاصة يسوغ القول إنها تستحق المتعة والله أعلم.
12-
في صدد صفة الطلاق قبل الدخول عزا الإمام مالك إلى أبي هريرة وابن عباس رأيا مفاده أنه إذا كان طلاقا مطلقا بدون عدد يعد الطلاق بائنا، عدته حيضة ويجوز للزوج أن يرجع إلى زوجته بعقد ومهر جديدين إذا شاءا أو تراضيا.
وإذا كان طلاقا باتا ثلاثا أو لثالث مرة فتكون بينونة كبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره «1» . ولم نطلع على أثر نبوي والرأي سديد وجيه فيما هو المتبادر.
(1) انظر الموطأ ج 2 ص 47- 48.