الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(6) كتاب الزكاة
ــ
(كتاب الزكاة) قال الحافظ: هي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها، كما تقدم في كتاب الإيمان، وهو أمر مقطوع به في الشرع، يستغنى عن تكلف الاحتجاج له، وإنما وقع الاختلاف في بعض فروعها. وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر- انتهى. وهي في اللغة: النماء أي الزيادة والتطهير. والزكاة موجبة لنماء المال وطيبه وطهارته، ونماء أجر صاحبه وطهارته من الذنوب. وتطلق على المال المؤدي، وعلى أدائه على الوجه المخصوص المعتبر في الشرع. والأصل في شرعية الزكاة والصدقة: مرعاة الفقراء ومواساتهم. قال ابن دقيق العيد: الزكاة في اللغة لمعنيين: أحدهما النماء، والثاني الطهارة، فمن الأول قولهم: زكى الزرع، ومن الثاني قوله تعالى:{وتزكيهم بها} [التوبة:103] وسمي هذا الحق زكاة بالاعتبارين: أما الأول فبمعنى أن يكون إخراجها سبباً للنماء في المال كما صح ما نقص مال من صدقة وجه الدليل منه أن النقصان محسوس بإخراج القدر الواجب، فلا يكون غير ناقص إلا بزيادة تبلغه إلى ما كان عليه على المعنيين جميعاً أعنى المعنوي والحسي في الزيادة أو بمعنى أن متعلقها الأموال ذات النماء (كالتجارة والزراعة) أو بمعنى تضعيف أجورها، كما جاء أن الله يربي الصدقة حتى تكون كالجبل وأما بالمعنى الثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، أو لأنها تطهر من الذنوب، وهذا الحق أثبته الشارع لمصلحة الدافع والآخذ معا. أما في حق الدافع فتطهيره وتضعيف أجوره. وأما في حق الآخذ فلسد خلته- انتهى. وقال الشامي: ولها معان آخر: البركة. يقال: زكت البقعة إذا بورك فيها، والمدح يقال: زكى نفسه إذا مدحها، والثناء الجميل يقال: زكى الشاهد إذا أثنى عليه، وكلها توجد في المعنى الشرعي، لأنها تطهر مؤديها من الذنوب ومن صفة البخل، والمال بإنفاق بعضه، ولذا كان المدفوع مستقذراً فحرم على آل البيت خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وتنميه بالخلف، وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه ويربي الصدقات، وبها تحصل البركة، لا ينقص مال من صدقة، ويمدح بها الدافع ويثنى عليه بالجميل والذين هم للزكاة فاعلون، قد أفلح من تزكى وهي شرعاً على مذهب الحنفية. تمليك جزء مال عينه الشارع من مسلم فقير غير هاشمي ولا مولاه مع قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى، كذا في الدر المختار. وقال ابن العربي: تطلق الزكاة على الصدقة (الواجبة والمندوبة) وعلى الحق والنفقة والعفو عند اللغويين، وهي شرعاً إيتاء جزء من النصاب الحولي
إلى فقير ونحوه غير هاشمي. ثم لها ركن وسبب وشرط، وحكم حكمة، فركنها جعلها الله تعالى بالإخلاص وسببها المال. وشرطها نوعان: شرط السبب، وشرط من تجب عليه، فالأول ملك النصاب الحولي، والثاني العقل والبلوغ والحرية. وحكمها سقوط الواجب في الدنيا، وحصول الثواب في الآخرة. وحكمتها كثيرة: منها التطهير من أدناس الذنوب والبخل، ومنها ارتفاع الدرجة والقربة، ومنها الإحسان إلى المحتاجين، ومنها استرقاق الأحرار، فإن الإنسان عبيد الإحسان- انتهى. قال الحافظ: هو جيد، لكن في شرط من تجب عليه الاختلاف- انتهى. وإن شئت الوقوف على مصالح فرضية الزكاة والحكم المرعية في وجوبها في الأصناف الأربعة دون غيرها من المال، واختلاف مقاديرها وتعيين النصاب في أنواع المال، فعليك أن ترجع إلى كتب أسرار الشريعة مثل حجة الله البالغة (ج2:ص30،29) للشاه ولي الله الدهلوي، والهدى (ج1:ص152،151) والإعلام (ج1:ص182، 183) للإمام ابن القيم. وأسرار الشريعة الإسلامية للشيخ إبراهيم أفندي. وأعلم أنه اختلف في أول وقت فرض الزكاة، فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة، وقال ابن خزيمة في صحيحة: إن فرضها كان قبل الهجرة. واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة في قصة هجرتهم إلى الحبشة، وفيها أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي في جملة ما أخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم: ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قال الحافظ: في استدلاله بذلك نظر، لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد ولا صيام رمضان، فيحتمل أن تكون مراجعة جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي، وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قصة الصلاة والصيام وبلغ ذلك جعفراً، فقال: يأمرنا بمعنى يأمر به أمته، وهو بعيد جداً. وأولى ما حمل عليه حديث أم سلمة هذا إن سلم من قدح في إسناده: أن المراد بقوله يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام أي في الجملة ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة والصلوات الخمس، ولا بالصيام صيام رمضان، ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول-انتهى. واختلف الأولون فقيل: كان فرضها في السنة الثانية قبل فرض رمضان، أشار إليه النووي في الروضة، وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة. قال الحافظ: وفيه نظر، لأنها ذكرت في حديث ضمام بن ثعلبة، وفي حديث وفد عبد القيس، وفي عدة أحاديث، وكذا في مخاطبة أبي سفيان مع هرقل، وكانت في أول السابعة. وقال فيها يأمرنا بالزكاة، ووقع في تاريخ الإسلام في السنة الأولى فرضت الزكاة. قلت: قال الحافظ ابن كثير في تفسير المزمل تحت قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [المزمل:20] وهذا يدل لمن قال بأن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة- والله أعلم. وقال القاري: المعتمد أن الزكاة فرضت بمكة إجمالاً، وبينت بالمدينة تفصيلاً، جمعا بين الآيات التي تدل على