المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 2007- (6) عن حفصة، قالت: قال رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌{

- ‌الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب صدقة الفطر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب من لا تحل له الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌((5)) باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب فضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أفضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب من لا يعود في الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

-

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب رؤية الهلال

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب تنزيه الصوم

- ‌((الفصل الأول))

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 2007- (6) عن حفصة، قالت: قال رسول الله

متفق عليه.

{الفصل الثاني}

2007-

(6) عن حفصة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يجمع الصيام

ــ

والظمأ. وعلى الثاني يعطي القوة مع الشبع والري، ورجح الأول بأن الثاني ينافي حال الصائم ويفوت المقصود من الصيام والوصال لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها. قال القرطبي: ويبعده أيضاً النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع والثالث إن المراد أنه يشغلني بالتفكر في عظمته والتملى بمشاهدته والتغذى بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب وإلى هذا جنح ابن القيم حيث قال المراد به ما يغذيه الله به من المعارف وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس وللروح والقلب بها أعظم غذاء وأجوده وأنفعه. وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغنى عن غذاء الأجسام مرة من الزمان كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها

عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور يستضاء به

ومن حديثك في أعقابها حاد

إذا اشتكت من كلال السير أوعدها

روح القدوم فتحيا عند ميعاد

ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني، ولاسيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه وتنعم بقربه والرضا عنه وألطف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كل وقت ومحبوبه حفى به معتز بأمره مكرم له غاية الإكرام مع المحبة التامة له أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه ولا أعظم ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحساناً إذا امتلأ قلب المحب بحبه وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه وتمكن منه حبه أعظم تمكن وهذا حاله مع حبيبه أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلاً ونهاراً- انتهى. وفي الحديث دليل على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم وعلى أن غيره ممنوع منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر. واختلف في المنع المذكور على أقوال تقدم ذكرها وبيان ما هو الراجح منها (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصيام وفي التغرير من كتاب المحاربين وفي التمنى والاعتصام ومسلم في الصيام، وأخرجه أيضاً أحمد ومالك والدارمي والبيهقي (ج4:ص282) .

2007-

قوله: (من لم يجمع الصيام) بضم الياء وسكون الجيم من الإجماع. قال الخطابي، والمنذري

ص: 461

قبل الفجر فلا صيام له)) .

ــ

والجزري: الإجماع أحكام النية والعزيمة يقال أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت عليه بمعنى- انتهى. وهذا يدل على أن الإجماع والإزماع والعزم بمعنى واحد وهو أحكام النية. قال القاري: وقيل: الإجماع هو العزم التام وحقيقته جمع رأيه عليه- انتهى. وقال الطيبي: يقال أجمع الأمر وعلى الأمر وأزمع على الأمر وأزمعه أيضاً إذا صمم عزمه ومنه قوله تعالى: {وما كنت لديهم إذا أجمعوا أمرهم} [يوسف:112] أي أحكموه بالعزيمة حتى اجتعمت أراءهم عليه. والمعنى من لم يصمم العزم على الصوم (قبل الفجر) أي قبل الصبح الصادق وفي رواية من لم يبيت الصيام من الليل من التبييت وهو أن ينوي الصيام من الليل (فلا صيام له) فيه دليل على عدم صحة صوم من لا يبيت النية لأن الظاهر إن النفي متوجه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الذات أو متوجه إلى نفي الذات الشرعية. قال الأمير اليماني: الحديث يدل على أنه لا يصح الصيام، إلا بتبييت النية وهو أن ينوي الصيام في أي جزء من الليل وأول وقتها الغروب وذلك لأن الصوم عمل والأعمال بالنيات وأجزاء النهار غير منفصلة من الليل بفاصل يتحقق فلا يتحقق إلا إذا كانت النية واقعة في جزء من الليل- انتهى. والحديث عام للفرض والنفل والقضاء والكفارة والنذر معيناً ومطلقاً: وفيه خلاف وتفاصيل. قال القاري: ظاهر الحديث أنه لا يصح الصوم بلا نية قبل الفجر فرضاً كان أو نفلاً، وإليه ذهب ابن عمر وجابر بن زيد ومالك والمزني وداود. وذهب الباقون إلى جواز النفل بنية من النهار وخصصوا هذا الحديث بما روى عن عائشة أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني فيقول أعندك غداء؟ فأقول لا فيقول إني صائم. وفي رواية إني أذن لصائم وإذن للاستقبال وهو جواب وجزاء- انتهى. والغداء اسم لما يؤكل قبل الزوال ومن ثمة لم تجز النية بعد الزوال ولا معه. والصحيح أن توجد النية في أكثر النهار الشرعي فيكون قبل الضحوة الكبرى. قال ابن حجر: وفي قول الشافعي وغيره إن نية صوم النفل تصح قبل الغروب لما صح عن فعل حذيفة- انتهى. قلت: هذا أحد القولين للشافعي والذي نص عليه في معظم كتبه التفرقة بين أن ينوي قبل منتصف النهار فيجزئه وبين أن ينوي بعد الزوال فلا يجزئه، وهذا هو الأصح عند الشافعية. قاله الحافظ: واتفقوا على اشتراط التبييت في فرض لم يتعلق بزمان معين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق واختلفوا فيما له زمان معين كرمضان والنذر المعين فكذا عند الشافعي وأحمد، وعند أبي حنيفة يجوز بنية قبل نصف النهار الشرعي كذا في المرقاة. وقال ابن رشد في البداية (ج1 ص201- 202) أما اختلافهم في وقت النية فإن مالكاً رآى أنه لا يجزي الصيام إلا بنية قبل الفجر وذلك في جميع أنواع الصوم وقال الشافعي (وأحمد) : تجزي النية بعد الفجر في النافلة ولا تجزي في الفروض وقال أبوحنيفة: تجزي النية بعد الفجر في الصيام المتعلق وجوبه بوقت معين كرمضان ونذر أيام محدودة وكذلك في النافلة ولا تجزي في الواجب من الذمة. والسبب في

ص: 462

..................................

ــ

اختلافهم تعارض الآثار. أحدها: ما روى عن حفصة أنه قال عليه الصلاة والسلام: من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له، ورواه مالك موقوفاً. قال أبوعمر بن عبد البر: حديث حفصة في إسناده اضطراب. والثاني: ما رواه مسلم عن عائشة قالت: قال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يا عائشة! هل عندكم شيء قلت: يا رسول الله! ما عندنا شيء قال فإني صائم. فمن ذهب مذهب الترجيح أخذ بحديث حفصة ومن ذهب مذهب الجمع فرق بين الفرض والنفل أعنى حمل حديث حفصة على الفرض وحديث عائشة على النفل وإنما فرق أبوحنيفة بين الواجب المعين والواجب في الذمة لأن الواجب المعين له وقت مخصوص يقوم مقام النية في التعيين بخلاف ما ليس له وقت مخصوص فوجب التعيين بالنية - انتهى. بتغيير يسير. قلت: احتج مالك ومن وافقه بحديث حفصة فإنه عام يشمل الفرض والنافلة ورجحه المالكية بحديث إنما الأعمال بالنيات، وبالقياس على الصلاة إذ فرضها ونفلها في وقت النية سواء واحتج الجمهور لعدم وجوب التثبييت في التطوع أي لجواز النافلة بنية من النهار بحديث عائشة المتقدم، وبما روى في ذلك من آثار الصحابة والتابعين كعائشة وابن عمر وابن عباس وأنس وأبي طلحة وأبي أيوب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن مسعود وحذيفة وابن المسيب وعطاء بن أبي باح ومجاهد والشعبي والحسن البصري. قالوا: فحديث حفصة يحمل على الفرض ويخص عموم فلا صيام له بحديث عائشة. قال ابن قدامة (ج3 ص96) صوم التطوع يجوز بنية من النهار عند إمامنا (الإمام أحمد) وأبي حنيفة والشافعي. وروى ذلك عن أبي الدرداء وأبي طلحة وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي. وقال مالك وداود: لا يجوز إلا بنية من الليل لحديث حفصة. ولأن الصلاة يتفق وقت النية لفرضها ونفلها وكذلك الصوم ولنا حديث عائشة (المتقدم ذكره في كلام القاري وابن رشد) وحديثهم نخصه بحديثنا على أن حديثنا أصح من حديثهم. والصلاة يتفق وقت النية لنفلها وفرضها لأن اشتراط النية في أول الصلاة لا يفضي إلى تقليلها بخلاف الصوم فإنه يعين له الصوم في النهار فعفي عنه كما لو جوزنا التنفل قاعداً وعلى الراحلة لهذه العلة - انتهى مختصراً. وأجاب المالكية ومن وافقهم عن حديث عائشة بأنه صلى الله عليه وسلم قد كان نوى الصوم من الليل. وإنما أراد الفطر لما ضعف عن الصوم وهو محتمل لاسيما على رواية فلقد أصبحت صائماً. وقال الأمير اليماني: حديث عائشة أعم من أن يكون بيت الصوم أولاً فيحمل على التبييت لأن المحتمل يرد إلى العام ونحوه على أن في روايات حديثها إني كنت قد أصبحت صائماً. وقال ابن حزم (ج6 ص172) ليس في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن نوى الصيام من الليل وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام لا صيام لمن لم يبيته من الليل فلم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب وأما ما روى الدارقطني (ص236) عن عائشة قالت: ربما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدائه فلا يجده فيفرض

ص: 463

..........................

ــ

عليه صوم ذلك اليوم وما روى الجصاص في أحكام القرآن (ج1 ص199) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يجمع الصوم ثم يبدو له فيصوم ففيه إن في حديث عائشة ليث بن أبي سليم عن عبد الله وليث هذا اختلط بآخره ولم يتميز حديثه وعبد الله. قال الدارقطني: ليس بمعروف وفي حديث ابن عباس عمر بن هارون وهو ضعيف جداً هذا. وقال ابن قدامة: وأي وقت من النهار نوى أجزأه سواء في ذلك ما قبل الزوال وبعده هذا ظاهر كلام أحمد والخرقي وهو ظاهر قول ابن مسعود. وروى عن ابن عباس عند الطحاوي وعن حذيفة عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة والطحاوي. واختار القاضي في المحرر أنه لا تجزئه النية بعد الزوال وهذا مذهب أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي لأن معظم النهار مضى من غير نية بخلاف الناوي قبل الزوال فإنه قد أدرك معظم العبادة ولهذا تأثير في الأصول. ولنا أنه نوى في جزء من النهار فأشبه ما لو نوى في أوله إذا ثبت هذا فإنه يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية في المنصوص عن أحمد وهو قول بعض أصحاب الشافعي. وقال أبوالخطاب في الهداية: يحكم له بذلك من أول النهار لأن الصوم لا يتبعض في اليوم - انتهى مختصراً. واحتج الحنفية لما ذهبوا إليه من أن الصوم الواجب المتعين يكفي فيه النية نهاراً بقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم} إلى قوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة:187] قال الكاساني: أباح للمؤمنين الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر وأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخراً عنه، لأن كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فكان هذا أمراً بالصوم متراخياً عن أول النهار. والأمر بالصوم أمر بالنية إذ لا قيمة للصوم شرعاً بدون النية فكان هذا أمراً بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار وقد أتى به فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة - انتهى. وقال في التلويح:(ص187) في بحث إشارة النص ومن أمثلة الإشارة قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} قالوا: فيه إشارة إلى جواز النية بالنهار لأن كلمة "ثم" للتراخي فإذا ابتديء الصوم بعد تبين الفجر حصلت النية بعد مضى جزء من النهار، لأن الأصل اقتران النية بالعبادة فكان موجب ذلك وجوب النية بالنهار إلا أنه جاز بالليل إجماعاً عملاً بالسنة، وصار أفضل لما فيه من المسارعة والأخذ بالاحتياط. قال الشيخ أبوالمعين إن أبا جعفر الخباز السمرقندي هو الذي استدل بالآية على الوجه المذكور أي على جواز النية بالنهار: لكن للخصم أن يقول أمر الله تعالى بالصيام بعد الانفجار، وهو أي الصوم اسم للركن لا لشرط (وهو النية فينبغي كون الركن بعد الانفجار والشرط يكون متقدماً على المشروط) وأيضاً ينبغي أن يوجد الإمساك الذي هو الصوم الشرعي عقيب آخر جزء من الليل متصلاً ليصير المأمور ممتثلاً ولا يكون الإمساك صوماً شرعياً بدون النية فلا بد منها في أول جزء من أجزاء النهار حقيقة بأن تتصل به، أو حكماً بأن تحصل في الليل وتجعل باقية إلى الآن

ص: 464

......................

ــ

واحتجوا أيضاً بحديث سلمة بن الأكوع والربيع عند الشيخين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً، من أسلم يوم عاشوراء إن أذن في الناس من أكل فليمسك أو فليصم بقية يومه ومن لم يأكل فليصم. قالوا: فيه أنه صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء في أثناء النهار وكان فرضاً في يوم بعينه فدل على أن النية لا تشترط في الليل في الصوم المفروض في يوم معين، وإن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجزيه نهاراً. ومن ذلك شهر رمضان فهو فرض في أيام معينة كصوم عاشوراء إذ كان فرضاً في يوم بعينه، ومن ذلك أيضاً صوم النذر في أيام معينة. قالوا: ونسخ وجوب صوم عاشوراء لا يرفع سائر الأحكام، فبقي حكم الأجزاء بنية من النهار غير منسوخ لأن الحديث دل على شيئين. أحدهما: وجوب صوم عاشوراء. والثاني: إن الصوم الواجب في يوم بعينه يصح بنية من نهار، والمنسوخ هو الأول ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني ولا دليل على نسخه أيضاً. وأجيب عن هذا بأنه إنما صحت النية في نهار عاشوراء لكون الرجوع إلى الليل غير مقدور. والنزاع فيما كان مقدوراً، فيخص الجواز بمثل هذه الصورة أعنى من أنكشف له في النهار إن ذلك اليوم من رمضان وكمن ظهر له وجوب الصوم عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم قاله الشوكاني، وقال السندي: الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوماً من الليل، وإنما علم من النهار وحينئذٍ صار إعتبار النية من النهار في حقهم ضرورياً كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة وهو المطلوب - انتهى. قلت: وأصل هذا الجواب لابن حزم ذكره في المحلى (ج6 ص164، 166) ولابن القيم ذكره في زاد المعاد (ج1 ص171) وقيل في الجواب أيضاً إن أجزاء صوم عاشوراء بنية من النهار كان قبل فرض رمضان وقبل فرض التبييت من الليل ثم نسخ وجوب صومه برمضان وتجدد حكم وجوب التبييت وأجاب الحنفية عن حديث حفصة بوجوه أحدها: أنه اختلف في رفعه ووقفه واضطراب إسناده إضطراباً شديداً وفيه إن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ومجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب القادح كما لا يخفي. ثانيها: أنه مخصوص بالصوم الواجب الغير المتعين كقضاء رمضان والكفارة والنذر المطلق لحديث سلمة والربيع المتقدم، ولأنه لو لم يخص بذلك يلزم منه النسخ لمطلق الكتاب بخبر الواحد، فلا يجوز ذلك وقد تقدم بيانه. ثالثها: أنه محمول على نفي الكمال. قال الكاساني: أما حديث حفصة فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب لكنه يصلح مكملاً له فيحمل على نفي الكمال ليكون عملاً بالدليلين بقدر الإمكان وفيه أن حمله على نفي الكمال خلاف الظاهر فإن الظاهر أن النفي متوجه إلى نفي الصحة أو إلى نفي الذات الشرعية، ولا دليل في قوله تعالى:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث} [البقرة:187] الآية، على أجزاء صوم رمضان بنية من النهار كما تقدم. وأما حديث سلمة والربيع في صوم عاشوراء

ص: 465

رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، والدارمي، وقال: أبوداود وقفه على حفصة معمر،

ــ

فهو وارد في صورة خاصة، أي فيمن لم ينكشف له أن اليوم يوم صوم واجب إلا في النهار فلا معارضة بين الحديثين، وقد أتضح بهذا أنه لا دليل في حديث عاشوراء على كون حديث حفصة خاصاً بالصوم الواجب الغير المتعين ولا وجه لتخصيص القضاء والنذر المطلق والكفارات بوجوب التبييت بل هو واجب في كل صوم إلا في تلك الصورة التي ذكرناها، أعنى فيمن لم ينكشف له أن اليوم من رمضان إلا في النهار وفي صوم التطوع لحديث عائشة المتقدم وهذا هو القول الراجح عندنا. ورابعها: إن معناه لا صيام لمن لم ينو أنه صائم من الليل يعني أنه نفي لصوم من نوى أنه صائم نصف اليوم مثلاً. قال صاحب الهداية: ما رواه محمول على نفي الفضيلة والكمال أو معناه لم ينو أنه صوم من الليل - انتهى. وهذا تأويل فاسد وتكلف بعيد يرده ألفاظ الحديث. وأعلم أنه في أي جزء من الليل نوى أجزأه وسواء فعل بعد النية ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع أم لم يفعل لعموم حديث حفصة وإطلاقه. واشترط بعض أصحاب الشافعي أن لا يأتي بعد النية بمناف للصوم. واشترط بعضهم وجود النية في النصف الأخير من الليل وهذا كله تحكم من غير دليل، وإن نوى من النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية إلا أن يستصحبها إلى جزء من الليل لظاهر حديث حفصة. ولا بد من التبييت لكل يوم لظاهر حديثها أيضاً ولأن صوم كل يوم عبادة مستقلة مسقطة لفرض يومها ويتخلل بين يومين ما ينافي الصوم ويناقضه. وبه قال أحمد والشافعي وأبوحنيفة. وقال مالك وإسحاق. تجزئه نية واحدة في أول ليلة من رمضان لجميع الشهر في حق الحاضر الصحيح ولا بدمن كون النية جازمة معينة في كل صوم واجب، وهو أن يعتقد أنه يصوم غداً من رمضان أو من قضاءه أو من كفارة أو نذر وإليه ذهب أحمد ومالك والشافعي. وقال الحنفية: لا يشترط التعيين. (رواه الترمذي وأبوداود والنسائي والدارمي) واللفظ للترمذي وأبي داود ولفظ النسائي والدارمي من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له، وفي رواية للنسائي من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم والحديث أخرجه أيضا ًأحمد (ج6 ص287) وابن ماجه ولفظه لا صيام لمن لم يفرضه من الليل وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني (ص234) والبخاري في التاريخ الصغير (ص67) والطبراني والحاكم في الأربعين وابن حزم (ج6 ص162) والبيهقي (ج4 ص202) والحاوي (ج1 ص325)(وقال أبوداود) أي بعد ما رواه من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة ويحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة مرفوعاً. وبعد ما قال رواه الليث وإسحاق بن حازم أيضاً جميعاً عن عبد الله بن أبي بكر مثله يعني مرفوعاً كما رواه عنه ابن لهيعة ويحيى بن أيوب (وقفه على حفصة معمر) بسكون العين فتحتي الميمين وهو معمر بن راشد يكنى أبا عروة البصري الأزدي مولاهم نزيل اليمن شهد جنازة الحسن البصري روى عن الزهري وقتادة وهمام بن منبه وغيرهم، وروى عنه الثوري وابن عيينة وشعبة وغيرهم. قال الحافظ في التقريب: ثقة ثبت فاضل إلا أن في

ص: 466

والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأبلي كلهم عن الزهري.

ــ

روايته عن ثابت البناني والأعمش وهشام بن عروة شيئاً وكذا فيما حدث به بالبصرة. مات سنة (154) وهو ابن ثمان وخمسين سنة وبسط في ترجمته في تهذيب التهذيب (والزبيدي) بالزاي والموحدة مصغراً وهو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي أبوالهذيل الحمصي القاضي ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري أقام معه عشر سنين حتى احتوى على علمه وهو من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، وكان الأوزاعي يفضله على جميع من سمع من الزهري مات سنة ست أو سبع أو تسع وأربعين ومائة (وابن عيينة) بضم العين مصغراً وهو سفيان بن عيينة وقد تقدم ترجمته (ويونس الأبلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام منسوب إلى أيلة بلد من الشام، وهو يونس بن يزيد بن أبي النجاد يكنى أبا يزيد مولى آل أبي سفيان من رواه الستة. قال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً، وفي غير الزهري خطأ مات سنة (159) على الصحيح وقيل: سنة (160) وبسط في ترجمته في تهذيب التهذيب. وقال في مقدمة الفتح: بعد ذكر كلمات القوم فيه. قلت: وثقه الجمهور مطلقاً، وإنما ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرانه ويحدث من حفظه فإذا حدث من كتابه فهو حجة. قال ابن البرقي: سمعت ابن المديني يقول أثبت الناس في الزهري مالك وابن عيينة ومعمر وزياد بن سعد ويونس من كتابه وقد وثقه أحمد مطلقاً وابن معين والعجلي والنسائي ويعقوب بن شيبة والجمهور واحتج به الجماعة - انتهى. (كلهم عن الزهري) بضم الزاي هو محمد بن مسلم بن شهاب وتقدم ترجمته. قلت: رواية الليث عند الطبراني ورواية إسحاق بن حازم عند ابن ماجه والدارقطني وروايات معمر وابن عيينة ويونس عند النسائي، وروى الدارقطني أيضاً من طريق ابن عيينة ولم أقف على من أخرجه من رواية الزبيدي. وقد بسط في ذكر الاختلاف في رفعه ووقفه وفي ذكر الاختلاف في إسناده الدارقطني في سننه والنسائي في الكبرى والمجتبى والبيهقي في سننه. وقد نقله الزيلعي في نصب الراية عن السنن الكبرى للنسائي. قال الحافظ في الفتح: اختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب النسائي في تخريجه وحكى الترمذي في العلل عن البخاري ترجيح وقفه وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور أي مرفوعاً، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم - انتهى. وقال في الدراية (ص171) : إسناده صحيح إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه وصوب النسائي وقفه ومنهم من لم يذكر فيه حفصة، وقد أخرجه مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفاً وعن الزهري عن حفصة (وعائشة) موقوفاً. وقال أبوحاتم: روى عن حفصة قولها وهو عندي أشبه - انتهى. وقال في التلخيص (ص188) اختلف الأئمة في رفعه ووقفه، فقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا أدري أيهما أصح يعني رواية يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم، أو رواية إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري بغير وساطة الزهري لكن الوقف أشبه. وقال أبوداود: لا يصح رفعه. وقال الترمذي: الموقوف أصح ونقل في العلل

ص: 467

2008-

(7) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمع النداء أحدكم

والإناء في يده،

ــ

عن البخاري أنه قال هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب والصحيح عن ابن عمر موقوف. وقال النسائي: (في الكبرى) الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه. وقال أحمد: ماله عندي ذلك الإسناد. وقال الحاكم في الأربعين: صحيح على شرط الشيخين. وقال في المستدرك صحيح على شرط البخاري: وقال البيهقي: رواته ثقات إلا أنه روى موقوفاً. وقال الخطابي في المعالم (ج2 ص133) أسنده عبد الله بن أبي بكر وزيادة الثقة مقبولة. وقال ابن حزم: الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة. وقال الدارقطني. كلهم ثقات- انتهى. قلت: قال الدارقطني (ص234) رفعه عبد لله بن أبي بكر وهو من الثقات الرفعاء. وقال البيهقي (ج4 ص202) اختلف على الزهري في إسناده وفي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه وهو من الثقات الإثبات - انتهى. وقال ابن حزم (ج6 ص16) بعد روايته من طريق النسائي عن أحمد بن الأزهر عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة مرفوعاً ما لفظه، وهذا إسناد صحيح ولا يضر إسناد ابن جريج له، إن أوقفه معمر ومالك وعبيد الله ويونس وابن عيينة فابن جريج لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة والحفظ والزهري واسع الرواية، فمرة يرويه عن سالم عن أبيه، ومرة عن حمزة عن أبيه وكلاهما ثقة، وابن عمر كذلك مرة رواه مسنداً ومرة روى إن حفصة أفتت به، ومرة أفتى هو به وكل هذا قوة للخبر - انتهى. وقال النووي: الحديث صحيح قال: ورواه أصحاب السنن وغيرهم بأسانيد كثيرة رفعاً ووقفاً وصحة وضعفاً لكن كثير منها صحيح معتمد عليه لأن معها زيادة علم برفعه فوجب قبوله. وقد قال الدارقطني: في بعض طرقه الموصولة رجال إسناده كلهم أجلة ثقات كذا في المرقاة. وقال الشوكاني في السيل الجرار: بعد حكاية تصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ليس فيه علة قادحة إلا ما قيل: من الاختلاف في الرفع والوقف، والرفع زيادة. وقد صحح المرفوع هؤلاء الأئمة الثلاثة. وقال في النيل بعد ذكر كلام الحافظ السابق عن التلخيص: وقد تقرر في الأصول إن الرفع من الثقة زيادة مقبولة. وفي الباب عن عائشة عند الدارقطني وفيه عبد الله بن عباد وهو مجهول وذكره ابن حبان في الضعفاء، وعن ميمونة بنت سعد عند الدارقطني أيضاً، وفيه الواقدي كذا في التلخيص.

2008-

قوله: (إذا سمع النداء) أي أذان الفجر (أحدكم) كذا في جميع النسخ الحاضرة وكذا وقع في المصابيح، وفي أبي داود إذا سمع أحدكم النداء، وهكذا وقع عند الدارقطني والحاكم والبيهقي وكذا نقله الخطابي في المعالم والجزري في جامع الأصول (ج7 ص244) والسيوطي في الجامع الصغير (والإناء) أي الذي يأكل منه أو يشرب منه يعني إناء الطعام أو الشراب وهو مبتدأ وخبره قوله (في يده) كذا في بعض النسخ من سنن

ص: 468

فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)) .

ــ

أبي داود وفي بعضها على يده، وهكذا عند الدارقطني والحاكم والبيهقي وكذا نقله الخطابي والسيوطي والجزري والجملة حالية (فلا يضعه) أي الإناء قيل هو بالجزم نهي (حتى يقضي حاجته منه) أي بالأكل والشرب، وفيه إباحة الأكل والشرب من الإناء الذي في يده عند سماع الأذان للفجر وأن لا يضعه حتى يقضي حاجته قيل المراد بالنداء الأذان الأول أي أذان بلال قبل الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا وأشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. قال البيهقي (ج4 ص218) هذا الحديث إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر وقوله هذا خبر عن النداء الأول. وقال الخطابي (ج2 ص106) هذا على قوله إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا وأشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم - انتهى. وفيه أنه لا يظهر حينئذٍ فائدة التقييد بقوله والإناء في يده وقيل هو محمول على من سمع الأذان وهو يشك في طلوع الفجر وبقاء الليل ويتردد فيهما فيجوز له الأكل والشرب، لأن الأصل بقاء الليل حتى يتبين له طلوع الفجر الصادق باليقين أو بالظن الغالب وهذا عند الشافعية. قال الخطابي: أو يكون معناه أن يسمع الأذان وهو يشك في الصبح مثل أن تكون السماء متغيمة فلا يقع له العلم بأذانه إن الفجر قد طلع لعلمه إن دلائل الفجر معدومة ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضاً، فأما إذا علم إنفجار الصبح فلا حاجة به إلى أذان الصارخ: لأنه مأمور بأن يمسك عن الطعام والشراب إذا تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر - انتهى. وقيل المقصود من الحديث إن تحريم الأكل والشرب إنما يتعلق بالفجر لا بالأذان، فإن المؤذن قد يبادر بالأذان قبل الفجر لضعف في بصره أو لشيء آخر، فلا عبرة بالأذان إذا لم يعلم بطلوع الفجر. وإنما العبرة في تحريم الأكل بالفجر لكن هذا الحكم للخواص الذين يعرفون الفجر، وأما العوام الذين لا يعرفونه فعليهم الاحتياط وقيل الحديث وارد على وفق من يقول من العلماء إن المعتبر في تحريم الأكل والشرب في الصوم هو تبين الفجر لا طلوعه، فالأذان مشروع في أول طلوع الفجر وهو ليس بمانع من الأكل والشرب. وإنما المانع تبين الفجر خلافاً لجمهور العلماء فإن المعتبر عندهم أول طلوع الفجر، ولا شك إن القول الأول أوفق والحديث مبني على الرفق، قال في فتح الودود: من يتأمل في هذا الحديث، وكذا حديث "وكلوا وأشربوا حتى يؤذن" ابن أم مكتوم، وكذا ظاهر قوله تعالى:{حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة:187] يرى أن المدار هو تبين الفجر وهو يتأخر عن أوائل الفجر بشيء والمؤذن لانتظاره يصادف أوائل الفجر أي فيؤذن، فيجوز الشرب حينئذٍ إلى أن يتبن لكن هذا خلاف المشهور بين العلماء فلا اعتماد عليه عندهم - انتهى.

ص: 469

رواه أبوداود.

2009-

(8) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى أحب عبادي إلي

أعجلهم فطراً)) .

ــ

وقيل المراد بالنداء أذان المغرب والمقصود من الحديث طلب تعجيل الفطر، أي إذا سمع أحدكم نداء المغرب، وصادف ذلك إن الإناء في يده لحاجة أخرى فليبادر بالفطر منه ولا يؤخر إلى وضعه، وبهذا يندفع قول الطيبي يشعر دليل الخطاب بأنه لا يفطر إذا لم يكن الإناء في يده، وقد سبق إن تعجيل الفطر مسنون لكن هذا من مفهوم اللقب فلا يعمل به ووجه إندفاعه إن قوله والإناء في يده ليس للتقييد بل للمبالغة في السرعة كذا نقله القاري عن ابن حجر ثم تعقبه. وقال: فالصواب إنه قيد احترازي في وقت الصبح إلى آخر ما قال وأبعد من قال إن الحديث محمول على غير حالة الصوم ولا تعلق له بالفجر ولا بالمغرب خاصة، بل هو وارد في أمر الصلاة مطلقاً كقوله صلى الله عليه وسلم " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء" فقد وردا على نمط واحد والمرعى فيهما قطع الشغل بغير أمر الصلاة عن بال المصلي ودفع التشويش المفضي إلى ترك الخشوع. والراجح عندي هو المعنى الثالث ثم الرابع ثم الثاني والله تعالى أعلم (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد والدارقطني (ص231) والحاكم (ج1 ص426) والبيهقي (ج4 ص218) وسكت عنه أبوداود والمنذري وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وفي الباب عن أبي الزبير قال سألت جابراً عن الرجل يريد الصيام، والإناء في يده يشرب منه فيسمع النداء فقال جابر: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يشرب، رواه أحمد قال الهيثمي: إسناده حسن.

2009-

قوله: (أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً) أي أكثرهم تعجيلاً في الإفطار وأسرعهم مبادرة إلى الفطر بعد تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار من يجوز العمل بقوله. قال الطيبي: لعل السبب في هذه الأحبية المتابعة للسنة والمباعدة عن البدعة والمخالفة لأهل الكتاب - انتهى. قال القاري: وفيه إيماء إلى أن أفضلية هذه الأمة لأن متابعة الحديث توجب محبة الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران:31] وإليه الإشارة بالحديث الآتي: لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر الخ. وقال ابن الملك: ولأنه إذا أفطر قبل الصلاة يؤديها عن حضور القلب وطمأنينة النفس ومن كان بهذه الصفة فهو أحب إلى الله ممن لم يكن كذلك - انتهى. قال الأمير اليماني: الحديث دال على أن تعجيل الإفطار أحب إلى الله من تأخيره وإن إباحة المواصلة إلى السحر لا تكون أفضل من تعجيل الإفطار أو يراد بعبادي الذين يفطرون ولا يواصلون إلى السحر. وأما

ص: 470

رواه الترمذي.

2010-

(9) وعن سلمان بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور)) .

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه خارج عن عموم هذا الحديث لتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنه ليس مثلهم كما تقدم، فهو أحب الصائمين إلى الله تعالى وإن لم يكن أعجلهم فطراً لأنه قد أذن له في الوصال ولو أياماً متصلة كما سبق (رواه الترمذي) وحسنه، وأخرجه أيضاً أحمد، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي (ج4 ص237) .

2010 – قوله: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر) أي على تمرة اكتفاء بأصل السنة وإلا فأدنى كمالها ثلث كما روى أبويعلى عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار، وفيه عبد الواحد بن ثابت وهو ضعيف. وقيل: المراد جنس التمر فيصدق بالواحدة وهذا عند فقد الرطب فإن وجد فهو أفضل كما يدل عليه حديث أنس التالي. قال الشوكاني: حديثا أنس وسلمان يدلان على مشروعية الإفطار بالتمر، فإن عدم فبالماء ولكن حديث أنس فيه دليل على أن الرطب من التمر أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد - انتهى. والأمر للندب. قال البخاري في صحيحه: باب يفطر بما يتسير من الماء وغيره ثم ذكر حديث عبد الله بن أبي أوفى قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال أنزل فاجدح لنا الخ. قال الحافظ: لعل البخاري أشار إلى أن الأمر في قوله من وجد تمراً فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء ليس على الوجوب وقد شذ ابن حزم فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء - انتهى. وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو وقوت والنفس قد تعبت بمرارة الجوع والبصر قد ضعف بالصوم والحلاء يسرع النفوذ إلى القوى لاسيما قوة الباصرة، فأمر بإزالة هذا التعب والضعف بما هو قوت وحلو. قال الشوكاني: وإذا كانت العلة كونه حلواً والحلو له ذلك التأثير فليحق به الحلويات كلها، أما ما كان أشد منه في الحلاوة فبفحوى الخطاب وما كان مساوياً له فبلحنه (فإنه بركة) أي فإن التمر ذو بركة وخير كثير أو أريد به المبالغة قاله القاري وقال الطيبي: أي فإن الإفطار على التمر فيه ثواب كثير وبركة (فإن لم يجد) أي التمر ونحوه من الحلويات (فليفطر على ماء) قراح (فإنه طهور) بفتح الطاء أي مطهر محصل للمقصود. وقال القاري: أي بالغ في الطهارة فيبتدئ به تفاؤلاً بطهارة الظاهر والباطن. وقال الطيبي أي لأنه مزيل المانع من أداء العبادة ولذا من الله تعالى على عباده {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً} [الفرقان:48] قال ابن القيم: هذا أي الأمر بالإفطار بالتمر والماء من

ص: 471

رواه أحمد، والترمذي، وأبوداود وابن ماجه، والدارمي. ولم يذكر فإنه بركة غير الترمذي. في رواية أخرى.

2011-

(10) وعن أنس، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات

ــ

كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة إدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به لاسيما قوة الباصرة فإنها تقوى به. وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإن رطبت بالماء كما انتفاعها بالغذاء بعده، هذا مع ما في التمر، والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب (رواه أحمد)(ج4 ص17- 18-213- 214)(والترمذي) في الزكاة لزيادة في آخره وهي قوله، وقال الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة. وقد تقدم هذا في باب أفضل الصدقة والجزء الأول أخرجه أيضاً الترمذي في الصيام بدون قوله فإنه بركة (وأبوداود) الخ. وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم (ج1 ص431، 432) وابن حزم (ج7 ص31) والبيهقي (ج4 ص238، 239) وحسنه الترمذي في الزكاة وصححه في الصيام وصححه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان، وأبوحاتم الرازي، والحاكم على شرط البخاري ووافقه الذهبي وسكت عنه أبوداود. ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره، وروى ابن عدي عن عمران بن حصين بمعناه وإسناده ضعيف، وروى الترمذي والحاكم ابن خزيمة والبيهقي عن أنس مثل حديث سلمان وتكلم فيه الترمذي والبيهقي. قال الترمذي: هو حديث غير محفوظ، والصحيح حديث حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر - انتهى. وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي (ولم يذكر) أي أحد قوله (فإنه بركة غير الترمذي) قال القاري: وفي نسخة ولم يذكروا بصيغة الجمع فغير منصوب على الاستثناء (في رواية أخرى) يعني في كتاب الزكاة. وأما في الصيام فأخرجه بدون هذه الزيادة مثل الآخرين. قال القاري: وهذا أي قوله في رواية أخرى غير موجود في أكثر النسخ.

2011-

قوله: (يفطر) أي من صومه (قبل أن يصلي) أي المغرب وفيه إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الفطر. وأما ما صح أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا برمضان يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد الصلاة، فهو لبيان جواز التأخير لئلا يظن وجوب التعجيل (على رطبات) بضم الراء وفتح الطاء (فإن لم تكن رطبات) بالرفع أي موجودة أو إن لم تحصل ولم تتيسر (فتميرات) بالتصغير وبالجر أي فيفطر على تميرات وفي نسخة بالرفع أي فتميرات عوضها قاله القاري. وهذا لفظ الترمذي،

ص: 472

حساً حسوات من ماء)) . رواه الترمذي، وأبوداود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

2012-

(11) وعن زيد بن خالد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطر صائماً، أو جهز غازياً، فله مثل أجره)) . رواه البيهقي في شعب الإيمان، ومحي السنة في شرح السنة. وقال: صحيح.

ــ

ولأبي داود فعلى تمرات وكذا عند الدارقطني والحاكم (حسا) أي شرب (حسوات) بفتحتين أي شربات (من ماء) قال العلقمي: حسوات، بحاء وسين مهملتين جمع حسوة بالفتح، وهي المرة من الشرب. والحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسي - انتهى. وقال في لسان العرب: الحَسْوة، المرة الواحدة. وقيل: الحسْوة والحسُوة لغتان. قال ابن السكيت: حَسَوْت شربت حسواً وحساء والحسوة ملء الفم - انتهى. والحديث دليل على استحباب الافطار بالرطب فإن عدم فبالتمر فإن عدم فبالماء، قال: وقول من قال السنة بمكة تقديم ماء زمزم على التمر أو خلطه به فمردود بأنه خلاف الإتباع، وبأنه صلى الله عليه وسلم صام عام الفتح أياماً كثيرة ولم ينقل أنه خالف عادته التي هي تقديم التمر على الماء. ولو كان لنقل - انتهى. (رواه الترمذي وأبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد والدارقطني (ص240) والحاكم (ج1 ص432) وابن حزم (ج7 ص31) من طريق أبي داود والبيهقي (ج4 ص239) (وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب) وسكت عليه أبوداود والحاكم والذهبي وصححه الدارقطني. وقال المنذري: بعد نقل كلام الترمذي. وقال أبوبكر البزار: وهذا حديث لا يعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا جعفر بن سليمان وذكره ابن عدي أيضاً في أفراد جعفر عن ثابت - انتهى. قلت: جعفر هذا صدوق زاهد حسن الحديث لكنه كان يتشيع.

2012-

قوله: (وعن زيد بن خالد) أي الجهني (من فطر صائماً) من التفطير وهو جعل أحد مفطراً أي من أطعم صائماً عند إفطاره (أو جهز غازياً) من التجهيز أي هيأ أسباب سفره وأعطاه ما يحتاج إليه في غزوه من السلاح والفرس والنفقة. قال السندي: تجهيز الغازي تحميله وإعداد ما يحتاج إليه في غزوه (فله) أي لمن فطر أو جهز (مثل أجره) أي الصائم أو الغازي، و"أو" للتنويع وهذا الثواب لأنه من باب التعاون على البر والتقوى. قال الطيبي: نظم الصائم في سلك الغازي لانخراطهما في معنى المجاهدة مع أعداء الله. وقدم الجهاد الأكبر - انتهى. قيل: والمراد مثل أجره كماً، لا كيفاً وزاد في رواية غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً (رواه البيهقي في شعب الإيمان ومحي السنة) أي صاحب المصابيح (في شرح السنة وقال صحيح) قال الجزري: ورواه النسائي بلفظه جملة والترمذي وابن ماجه مقطعاً. وقال الترمذي: في كل منهما حسن صحيح كذا في المرقاة وقال المنذري في الترغيب: عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من فطر صائماً كان له مثل

ص: 473

2013-

(12) وعن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ((ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)) . رواه أبوداود.

ــ

أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. وقال الترمذي: حديث صحيح، ولفظ ابن خزيمة والنسائي من جهز غازياً أو جهز حاجاً أو خلفه في أهله أو فطر صائماً كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء - انتهى. قلت: الحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج4 ص114- 115- 116 وج5 ص192) والبيهقي (ج4 ص240) مطولاً ومختصراً بألفاظ، وأخرجه الدارمي مقطعاً في الصيام والجهاد، وكذا الترمذي وابن ماجه. وأخرج النسائي في الجهاد من المجتبى تجهيز الغازي فقط، ولم يخرج في الصيام أصلاً ولعله أخرجه في الكبرى. قال ميرك: بعد نقل السياقين المذكورين عن الترغيب وكأن المصنف أي صاحب المشكاة لم يقف على هذين الطريقين فعزا الحديث إلى البيهقي وشرح السنة والعزو إلى أصحاب السنن أولى وأصوب والله أعلم - انتهى. وتعقبه القاري فقال: وفيه أنه إنما نسب إليهما لأن لفظهما مغاير للفظ الطريقين فإن الأول مختصر، والثاني مطول مع قطع النظر عن ومخالفة بقية الألفاظ - انتهى. فتأمل.

2013 – قوله: (إذا أفطر) من صومه (قال) أي بعد الإفطار (ذهب الظمأ) بفتحتين فهمز أي العطش أو شدته. قال النووي: في الأذكار الظمأ مهموز الآخر مقصور وهو العطش، وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهراً لأني رأيت من اشتبه عليه فتوهمه ممدوداً - انتهى. وفيه أنه قريء لا يصيبهم ظمأ بالمد والقصر. وفي القاموس ظمى، كفرح ظمأ وظماءً وظماءةً عطش أو أشد العطش ولعل كلام النووي محمول على أنه خلاف الرواية لا أنه غير موجود في اللغة قاله القاري (وابتلت العروق) أي صارت رطبة بزوال اليبوسة الحاصلة بالعطش، قيل: لم يقل وذهب الجوع لأن أرض الحجاز حارة فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش (وثبت الأجر) أي زال التعب وحصل الثواب. قال الطيبي: ذكر ثبوت الأجر بعد زوال التعب استلذاذ أي استلذاذ ونظيره قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} [فاطر:34] – انتهى. (إن شاء الله) ثبوته بأن تقبل الصوم وتولى جزاءه بنفسه كما وعد. وقال القاري: قوله: "إن شاء الله" متعلق بالأخير على سبيل التبرك ويصح التعليق لعدم وجوب الأجر عليه تعالى رداً على المعتزلة، ويمكن أن يكون إن بمعنى إذ فتتعلق بجميع ما سبق (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً الدارقطني (ص240) والحاكم (ج1 ص422) وابن السني (ص153) والبيهقي (ج4 ص239) وسكت عنه أبوداود والمنذري وحسنه الدارقطني وصححه الحاكم وأقره الذهبي: قال الجزري في جامع الأصول: (ج7 ص248) زاد رزين الحمد لله في أول الحديث.

ص: 474

2014-

(13) وعن معاذ بن زهرة، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أفطر قال: ((اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت)) . رواه أبوداود مرسلاً.

ــ

2014-

قوله: (وعن معاذ) بضم الميم (بن زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء ويقال معاذ أبوزهرة. قال في التقريب: مقبول من أوساط التابعين أرسل حديثاً فوهم من ذكره في الصحابة. وقال في تهذيب التهذيب معاذ بن زهرة ويقال معاذ أبوزهرة الضبى تابعي أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم في القول عند الإفطار، وعنه حصين بن عبد الرحمن وذكره ابن حبان في الثقات، قلت (قائله الحافظ) والذي ذكره بلفظ الكنية البخاري في التاريخ وتبعه ابن أبي حاتم، والذي ذكر أن زهرة اسم والده هو الذي وقع في السنن لأبي داود، وفي المراسيل لكن وقع عنده عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج ابن السني - الحديث. (ص153) من وجه آخر عن حصين بلفظ آخر. ولم يقل في سياقه أنه بلغه (قال إن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في جميع النسخ الحاضرة وفي السنن لأبي داود عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا أفطر قال) أي دعا. وقال ابن الملك: أي قرأ بعد الإفطار (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) قال المظهر. يعني لم يكن صومي رياء بل كان خالصاً لك لأنك الرازق فإذا أكلت رزقك ولا رازق غيرك فلا ينبغي العبادة لغيرك. وقال الطيبي: قدم الجار والمجرور في القرينتين على العامل دلالة على الاختصاص إظهار للاختصاص في الافتتاح، وإبداء لشكر الصنيع المختص به في الاختتام (رواه أبوداود مرسلاً) في السنن وفي المراسيل لكن وقع عنده هكذا عن معاذ ابن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم الخ وتسميته مرسلاً لا يخلو عن خفاء لأن قول معاذ التابعي بلغه يقتضي ثبوت مبلغ، ويحتمل أن يكون واحداً فهو حينئذٍ متصل في إسناده مجهول فتأمل، وأخرجه ابن السني (ص53) بلفظ كان إذا أفطر قال الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت وليس في سياقه قوله إنه بلغه. وأخرجه البيهقي (ج4 ص239) من طريق أبي داود بسياقه سواء. قال ابن حجر: وهو مع إرساله حجة في مثل ذلك على أن الدارقطني والطبراني روياه عن ابن عباس بسند متصل لكنه ضعيف وهو حجة أيضاً. قال القاري: وأما ما اشتهر على الألسنة اللهم لك صمت وبك آمنت وعلى رزقك أفطرت فزيادة. "وبك آمنت" لا أصل لها وإن كان معناها صحيحاً، وكذا زيادة "وعليك توكلت لصوم غد نويت" بل النية باللسان من البدعة الحسنة - انتهى. قلت لا أصل للنية باللسان للصوم وكذا للصلاة لا من كتاب ولا من سنة ولا من صحابي بل هو مجرد رأي، فهي بدعة شرعية، وكل بدعة شرعية سيئة فيتعين تركها، وحديث ابن عباس أخرجه ابن السني أيضاً وفي الباب عن أنس أخرجه الطبراني في الأوسط، وهو أيضاً ضعيف. ويكون هو وحديث ابن عباس شاهداً لحديث معاذ يقوى بهما.

ص: 475