الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثاني}
1958-
(11) عن أبي هريرة، قال: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل، وابدأ بمن تعول)) . رواه أبوداود.
1959-
(12) وعن سليمان بن عامر،
ــ
1958-
قوله: (أي الصدقة أفضل قال جهد المقل) بضم الميم وكسر القاف من الإقلال أي قليل المال يقال أقل الرجل أي قل ماله وافتقر. قال في النهاية: الجهد بالضم الوسع والطاقة، وبالفتح المشقة. وقيل: المبالغة والغاية. وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة. فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير، ومن المضموم حديث الصدقة أي الصدقة أفضل. قال: جهد المقل أي قدر ما يحتمله حال القليل المال - انتهى. والجمع بينه وبين ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، إن الفضيلة متفاوتة بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين. قال البيهقي (ج4 ص180) يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس في الصبر على الشدة والفاقة والاكتفاء بأقل الكفاية، وساق أحاديث تدل على ذلك. وقال ابن الملك: أي أفضل الصدقة ما قدر عليه الفقير الصابر على الجوع أن يعطيه، والمراد بالغني في قوله خير الصدقة ما كان عن ظهر عني من لا يصبر على الجوع والشدة توفيقاً بينهما، فمن يصبر فالإعطاء في حقه أفضل، ومن لا يصبر فالأفضل في حقه أن يمسك قوته، ثم يتصدق بما فضل - انتهى. وقال الشوكاني: بعد ذكر المعارضة بين الحديثين، ويؤيد هذا المعنى أي حديث جهد المقل قوله تعالى:{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر:9] ويؤيد الأول حديث الظهر قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء:29] ويمكن الجمع بأن الأفضل لمن كان يتكفف الناس إذا تصدق بجميع ماله أن يتصدق عن ظهر غني، والأفضل لمن يصبر على الفاقة أن يكون متصدقاً بما يبلغ إليه جهده، وإن لم يكن مستغنياً عنه. ويمكن أن يكون المراد بالغني غني النفس، كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغني عن النفس - انتهى. (رواه أبوداود) في الزكاة وسكت عنه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي، وأخرجه البيهقي (ج4 ص180) من طريق الحاكم.
1959-
قوله: (وعن سليمان بن عامر) كذا في جميع النسخ الحاضرة مصغراً وهو خطأ من النساخ، والصواب سلمان مكبراً، هكذا وقع في جميع الأصول وكتب الرجال وليس في الصحابة أحد اسمه سليمان بن عامر بالتصغير، وسلمان هذا هو سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحارث الضبي صحابي، سكن البصرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة)) . رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي.
1960-
(13) وعن أبي هريرة، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي دينار قال: ((أنفقه على نفسك، قال عندي آخر. قال: أنفقه على ولدك،
ــ
وكان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شيخاً عاش إلى خلافة معاوية. قال الدولابي: قتل يوم الجمل وهو ابن مائة سنة، روى عنه محمد وحفصة ابنا سيرين وابنة أخيه الرباب أم الرائح بنت صليع بن عامر، وحفيده عبد العزيز بن بشر بن سلمان. قال مسلم: ليس في الصحابة ضبي غيره كذا نقله ابن الأثير وأقره هو ومن تبعه، وقد وجد في الصحابة جماعة ممن لهم صحبة، أو اختلف في صحتهم من بني ضبة، منهم يزيد بن نعامة الضبي جزم البخاري بأن له صحبة وكدير الضبي مختلف في صحبته وحنظلة بن ضرار الضبي. قال ميرك: قوله سليمان بن عامر صوابه سلمان مكبراً، بلا ياء، وسليمان سهو من الكتاب أو من صاحب الكتاب والله أعلم بالصواب - انتهى. قلت: الظاهر إن الخطأ من الكتاب فإن المؤلف قال في الصحابة: سلمان بن عامر هو سلمان بن عامر الضبي عداده في البصريين. قال بعض أهل العلم: ليس في الصحابة من الرواة ضبي غيره - انتهى كلامه. وقد ذكره بعد سلمان الفارسي فدل على أن السهو ههنا من الكتاب، لأنه لو كان من صاحب الكتاب لذكره في عداد سليمان قبل سلمة بن الأكوع (الصدقة على المسكين الخ) إطلاقه يشمل الفرض والندب فيدل على جواز أداء الزكاة إلى القرابة مطلقاً. قال الشوكاني: قد استدل بالحديث على جواز صرف الزكاة إلى الأقارب سواء كان ممن تلزم لهم النفقة أم لا، لأن الصدقة المذكورة فيد لم تقيد بصدقة التطوع، ولكنه قد تقدم عن ابن المنذر أنه حكى الإجماع على عدم جواز صرف الزكاة إلى الأولاد - انتهى. (صدقة) أي واحدة (وهي على ذي الرحم) أي ذي القرابة (ثنتان) أي صدقتان اثنتان يعني ففيهما أجران فهذا حث على التصدق على الرحم والاهتمام به. (صدقة وصلة) يعني إن الصدقة على الأقارب أفضل؛ لأنه خيران، ولا شك أنهما أفضل من واحد. قال العزيزي: لكن هذا غالبي، وقد يقتضي الحال العكس (رواه أحمد)(ج4 ص17، 18، 214)(والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي) أخرجوه في الزكاة (ج3 ص116، 117) .
1960-
قوله: (جاء رجل) لم يعرف اسمه (عندي دينار) أي وأريد أن أنفقه (أنفقه على نفسك) وفي رواية: تصدق بدل أنفق، وكذا فيما بعده أي أقض به حوائج نفسك (قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك) فيه دليل على أنه يلزم الأب نفقة ولده المعسر، فإن كان الولد صغيراً فذلك إجماع، وإن كان كبيراً ففيه اختلاف
قال عندي آخر، قال: أنفقه على أهلك، قال عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أعلم)) . رواه أبوداود، والنسائي.
1961-
(14) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم
ــ
كما تقدم (قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك) أي زوجتك كما في رواية قال الطيبي: إنما قدم الولد على الزوجة لشدة افتقاره إلى النفقة بخلافها، فإنه لو طلقها لأمكنها أن تتزوج بآخر. وقال الخطابي في المعالم (ج2 ص81) هذا الترتيب إذا تأملته علمت أنه صلى الله عليه وسلم قدم الأولى فالأولى والأقرب. وهو أنه أمره بأن يبدأ بنفسه ثم بولده؛ لأن ولده كبعضه فإذا ضيعه هلك، ولم يجد من ينوب عنه في الإنفاق عليه، ثم ثلث بالزوجة وأخرها عن درجة الولد؛ لأنه إذ لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما، وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم تجب نفقتها عليه. ثم ذكر الخادم؛ لأنه يباع عليه إذا عجز عن نفقته فتكون النفقة على من يبتاعه ويملكه. ثم قال له فيما بعد أنت أبصر أي أن شئت تصدقت وإن شئت أمسكت - انتهى. قلت: اختلفت الرواية في تقديم الولد على الزوجة فقدمه عليها في رواية الشافعي، وأبي داود والحاكم، وقدم الزوجة على الولد في رواية أحمد والنسائي وابن حبان قال ابن حزم: اختلف يحيى القطان والثوري (عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) فقدم يحيى الزوجة على الولد، وقدم سفيان الولد على الزوجة فينبغي أن لا يقدم أحدهما على الأخر بل يكونان سواء، لأنه قدم صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً، فيحتمل أن يكون في إعادته إياه، مرة قدم الولد، ومرة قدم الزوجة، فسار سواء. قال الحافظ في التلخيص:(ص334) بعد ذكر كلام ابن حزم. قلت: وفي صحيح مسلم من رواية جابر تقديم الأهل على الولد من غير تردد فيمكن أن ترجح به إحدى الروايتين - انتهى. ولفظ حديث جابر عند مسلم قال: إبدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلا هلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك الخ. قال الشوكاني: يمكن ترجيح تقديم الزوجة على الولد بما وقع من تقديمها. في حديث جابر (أنت أعلم) بحال من يستحق الصدقة من أقاربك وجيرانك وأصحابك (رواه أبوداود والنسائي) في الزكاة لكن اللفظ المذكور ليس لواحد منهما ولم أجد هذا اللفظ في مسند الإمام أحمد والمستدرك للحاكم أيضاً، نعم ذكره بهذا اللفظ البغوي في المصابيح، وتبعه المصنف في ذلك. والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص251، 471) والشافعي وابن حبان والحاكم (ج1 ص451) وسكت عنه أبوداود. وقال المنذري: في إسناده محمد بن عجلان، وقد تقدم الكلام عليه وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي وسكت عليه الحافظ في التلخيص وبلوغ المرام.
1961-
قوله: (ألا) حرف تنبيه (أخبركم) استئناف ويحتمل أن يكون "ألا" مركباً من "لا"
بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها.
ــ
النافية واستفهام التقرير، ويكون لفظ بلى مقدراً. قال الباجي: وقد علن أنهم يوردون ذلك على سبيل التنبيه لهم على الإصغاء إليه والإقبال على ما يخبر به والتفرغ لفهمه (بخير الناس) أي بمن هو من خير الناس، وكذلك قوله "بشر الناس" أي بمن هو من شر الناس. وقيل: أطلق للمبالغة في الحث على الأول والتحذير الثاني، وفي الموطأ ألا أخبركم بخير الناس منزلاً. قال الباجي: أي أكثرهم ثواباً وأرفعهم درجة. قال عياض: وهذا عام مخصوص وتقديره من خير الناس، وإلا فالعلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسنن وقادوهم إلى الخير أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث ويؤيده إن في رواية للنسائي: إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه بمن التي للتبعيض - انتهى. قال الحافظ وفي رواية للحاكم (ج2 ص71) سئل أي المؤمنين أكمل إيماناً، قال: الذي يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله الخ. وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به، ثم حصل هذه الفضيلة، وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية، وحينئذٍ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى، ولما فيه من النفع المتعدي (رجل) بالرفع على تقدير هو وبالجر على البدلية (ممسك) صفة رجل (بعنان) بكسر العين لجام (فرسه) وفي رواية آخذ برأس فرسه (في سبيل الله) وفي الموطأ رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله. قال الباجي: يريد والله أعلم أنه مواظب على ذلك ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكباً له، أو قائداً معظم أمره ومقصوده من تصرفه فوصف بذلك جميع أحواله، وإن لم يكن آخذاً بعنان فرسه في كثير منها - انتهى. (بالذي يتلوه) أي يتبعه ويقربه في الخيرية، وفي رواية بالذي يليه، وفي الموطأ ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده. قال الباجي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل المنازل ونص عليها ورغب فيها من قوى عليها وأخبر بعد ذلك من قصر عن هذه الفضيلة وضعف عنها، فليس كل الناس يستطيع الجهاد ولا يقدر على أن يكون آخذاً بعنان فرسه فيه، ففي الناس ضعيف والكبير وذو الحاجة والفقير (رجل معتزل) أي متباعد عن الناس منفرد عنهم إلى موضع خال من البوادي والصحاري (في غنيمة له) أي مثلاً وهو تصغير غنم وهو مؤنث سماعي ولذلك صغرت بالتاء، والمراد قطعة غنم (يؤدي حق الله فيها) وفي رواية مالك: يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً. وللدارمي والنسائي: معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس. قال الباجي: فمنزلة هذا منزلة بعد منزلة المجاهد من أفضل المنازل لأداء الفرائض وإخلاصه لله تعالى العبادة وبعده عن الرياء والسمعة. إذا خفي ولم يكن ذلك شهرة له، ولأنه لا يؤذي أحداً ولا يذكره ولا تبلغ درجته درجة المجاهد، لأن المجاهد يذب عن المسلمين
ألا أخبركم بشر الناس؟ يسأل بالله ولا يعطي به)) . رواه الترمذي، والنسائي، والدارمي.
1962-
(15) وعن أم بجيد، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ردوا السائل ولو بظلف محرق
ــ
ويجاهد الكافرين حتى يدخلهم في الدين فيتعدى فضله إلى غيره ويكثر الانتفاع به، وهذا المعتزل لا يتعدى نفعه إلى غيره. وفي حديث أبي سعيد عند البخاري. قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثم من؟ قال مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره قال الحافظ: وإنما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة، لأن الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام فقد لا يفي هذا بهذا، ففيه فضل العزلة والإنفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك. لكن قال الجمهور محل ذلك عند وقوع الفتن، لحديث الترمذي مرفوعاً: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: يأتي الناس زمان يكون خير الناس فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه، ورجل في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس إلا من خير، رواه مسلم، وللترمذي وحسنه، والحاكم وصححه عن أبي هريرة، إن رجلاً مر بشعب فيه عيينة من ماء عذبة أعجبته فقال: لو أعتزلت ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم: فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً. وقال النووي: في الحديث دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الخلة، وفي ذلك خلاف مشهور، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء إن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن، ومذهب طوائف من الزهاد إن إلاعتزال أفضل. واستدلوا بالحديث. وأجاب الجمهور بأنه محمول على زمان الفتن والحروب أو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر على أذاهم، وقد كانت الأنبياء صلوات الله عليهم. وجماهير الصحابة والتابعين، والعلماء والزهاد، مختلطين، ويحصلون منافع الاختلاط بشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المريض وحلق الذكر وغير ذلك - انتهى. قال ابن عبد البر: إنما وردت الأحاديث بذكر الشعب والجبل؛ لأن ذلك في الأغلب يكون خالياً من الناس، فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في المعنى (رجل يسأل بالله ولا يعطي به) سبق بيان معناه في الفصل الثالث من باب الإنفاق (رواه الترمذي) أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد وحسنه والنسائي في الزكاة والدارمي في الجهاد. واللفظ للترمذي وأخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص237، 319، 322) وابن حبان في صحيحه، كلهم من حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس، ورواه مالك في الجهاد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار مرسلاً.
1962-
قوله: (ردوا) بضم الراء أمر من الرد أي أعطوا (السائل) هذا لفظ النسائي، وفي الموطأ ردوا المسكين (ولو بظلف محرق) أي لا تجعلوا السائل محروماً بل أعطوه ولو كان ظلفاً محرقاً يعني تصدقوا
رواه مالك، والنسائي، وروى الترمذي، وأبوداود معناه.
1963-
(16) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استعاذ منكم بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوا فادعوها له حتى تروا
ــ
بما تيسر وإن قل (رواه مالك) في باب المساكين من كتاب الجامع من الموطأ، عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري ثم الحارثي (اسمه محمد) عن جدته (والنسائي) في باب رد السائل من كتاب الزكاة من طريق مالك، وكذا أحمد (ج6 ص435)(وروى الترمذي وأبوداود معناه) وكذا الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وقد تقدم في الفصل الثالث من باب الإنفاق.
1963-
قوله: (من استعاذ منكم بالله) كذا في جميع النسخ الحاضرة، ووقع في المصابيح من استعاذكم بالله، وهكذا في مسند الإمام أحمد (ج2 ص99) وسنن أبي داود في الأدب والمستدرك للحاكم (ج1 ص412) والبيهقي في الزكاة (ج4 ص199) ولأبي داود فيه وللنسائي من استعاذ بالله، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج10 ص318) وكذا وقع في المسند (ج1 ص68، 127)(فأعيذوه) أي إذا طلب أحد منكم أن تدفعوا عنه شركم أو غيركم بالله، مثل أن يقول يا فلان بالله عليك، أو أسألك بالله أن تدفعني شر فلان أو أحفظني من فلان، فأجيبوه واحفظوه لتعظيم اسم الله. قال الطيبي: أي من استعاذ بكم وطلب منكم دفع شركم أو شر غيركم عنه قائلاً بالله أن تدفع عني شرك، فأجيبوه وادفعوا عنه الشر تعظيماً لاسم الله تعالى، فالتقدير من استعاذ منكم متوسلاً بالله مستعطفاً به، ويحتمل أن تكون الباء صلة استعاذ أي من استعاذ بالله فلا تتعرضوا له، بل أعيذوه وادفعوا عنه الشر فوضع أعيذوا موضع أدفعوا ولا تتعرضوا مبالغة (ومن سأل) هذا لفظ أبي داود وفي رواية أحمد والنسائي والحاكم ومن سألكم (بالله فأعطوه) أي إن وجدتم يعني تعظيماً لاسم الله وشفقة على خلق الله، وزاد النسائي ومن استجار بالله فأجيروه (ومن دعاكم فأجيبوه) وجوباً إن كان لوليمة عرس، وندباً في غيرها. وقيل: يجب الإجابة مطلقاً، وهذا إن لم يكن مانع شرعي (ومن صنع إليكم معروفاً) أي أحسن إليكم إحساناً قولياً أو فعلياً (فكافئوه) بمثله أو خير منه من المكافأة مهموز اللام وهي المجازاة أي أحسنوا إليه مثل ما أحسن إليكم أو خيراً منه (فإن لم تجدوا ما تكافئوه) أي بالمال، والأصل تكافئون فسقط النون بلا ناصب وجازم تخفيفاً (فأدعوا له) أي للمحسن يعني فكافئوه بالدعاء له (حتى تروا) بضم التاء أي تظنوا وبفتحها أي
أن قد كافأتموه)) . رواه أحمد وأبوداود، والنسائي.
4196-
(17) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)) . رواه أبوداود.
ــ
تعلموا. وتحسبوا، قلت: وقع في رواية أحمد حتى تعلموا (أن قد كافأتموه) أي كرروا الدعاء وبالغوا له فيه جهدكم حتى تعلموا قد أديتم حقه. وقد جاء من حديث أسامة مرفوعاً من صنع إليه معروفاً فقال لفاعله جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء، أخرجه الترمذي وغيره، فدل هذا الحديث على أن من قال لأحد جزاك الله خيراً مرة واحدة فقد أدى العوض وإن كان حقه كثيراً (رواه أحمد)(ج2 ص68، 96، 99، 127)(وأبوداود) في الزكاة وفي الأدب (والنسائي) في الزكاة واللفظ لأبي داود وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم (ج1 ص412- 413) والبيهقي (ج4 ص199) وسكت عنه أبوداود والمنذري وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال النووي: في رياضة حديث صحيح وفي الباب عن ابن عباس أخرجه أبوداود،.
1964-
قوله: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) والجنة لا يسأل عن الناس فلزم أن يكون. فيه وجهان: أحدهما: المنع عن السؤال لوجه الله؛ لأنه لما قال لا يسأل الخ فلا يسأل عنهم شيء لوجه الله تعالى. وثانيهما: لا يسأل من الله تعالى من متاع الدنيا لحقارتها، وإنما يسأل الجنة، والمقصود المبالغة قاله في اللمعات. وقال الطيبي: أي لا تسألوا من الناس شيئاً بوجه الله، مثل أن تقولوا أعطني شيئاً بوجه الله تعالى أو بالله، فإن اسم الله أعظم من أن يسأل به متاع الدنيا بل أسألوا به الجنة أو لا تسألوا الله متاع الدنيا بل رضاه، والجنة والوجه يعبر به عن الذات - انتهى. وقال في فتح الودود: قوله "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" إذ كل شيء حقير دون عظمته تعالى والتوسل بالعظيم في الحقير تحقير له نعم الجنة أعظم مطلب للإنسان فصار التوسل به تعالى فيها مناسباً- انتهى. وأرجع إلى فتح القدير للمناوي. قال القاري: قوله "إلا الجنة" بالرفع أي لا يسأل بوجه الله شيء إلا الجنة مثل أن يقال: اللهم إنا نسألك بوجه الكريم أن تدخلنا جنة نعيم، ولا يسأل روى غائباً نفيا ونهياً مجهولاً ورفع الجنة، ونهيا مخاطباً معلوماً مفرداً ونصب الجنة (رواه أبوداود) في الزكاة وسكت عنه. وقال المنذري: في إسناده سليمان بن معاذ. قال الدارقطني: سليمان بن معاذ هو سليمان بن قرم، وذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمة سليمان بن قرم. هذا الحديث لا أعرفه إلا من طريق أبي العباس القلوري أحمد بن عمرو (الذي روى عنه أبوداود) عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن سليمان بن قرم عن محمد بن المنكدر عن جابر، هذا آخر كلامه. وسليمان بن قرم