المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رواه مسلم. وسنذكر حديث عدي بن حاتم: اتقوا النار في - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌{

- ‌الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب صدقة الفطر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب من لا تحل له الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌((5)) باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب فضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أفضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب من لا يعود في الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

-

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب رؤية الهلال

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب تنزيه الصوم

- ‌((الفصل الأول))

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: رواه مسلم. وسنذكر حديث عدي بن حاتم: اتقوا النار في

رواه مسلم. وسنذكر حديث عدي بن حاتم: اتقوا النار في باب علامات النبوة إن شاء الله تعالى.

{الفصل الثاني}

1924-

(22) عن عبد الله بن السلام، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، جئت، فلما تبينت وجهه،

ــ

فذلك من شعب الإيمان. قيل أبوبرزة من كبار الصحابة فنبه بأدنى شعب الإيمان على أعلاها أي لا تترك باباً من الخير. وروى مسلم هذا الحديث من وجه آخر. قال أبوبرزة: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إني لا أدري لعسى أن تمضي وأبقى بعدك فزودني شيئاً ينفعني الله به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إفعل كذا إفعل كذا أبوبكر بن شعيب (راوي الحديث) نسيه وأمر الأذى عن الطريق (رواه مسلم) في الأدب، كذا ابن ماجه ونسبه في التنقيح إلى البخاري في الأدب المفرد وابن سعد والطبراني في الكبير. (وسنذكر حديث عدي بن حاتم) هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي أبوطريف ولد الجواد المشهور صحابي شهير، أسلم في سنة تسع. وقيل: سنة عشر. وكان نصرانياً قبل ذلك. وثبت على إسلامه في الردة وأحضر صدقة قومه إلى أبي بكر، وحضر فتوح العراق وشهد مع علي الجمل وفقعت عينه يومئذ ثم شهد أيضاً مع علي صفين والنهروان، ثم سكن الكوفة ومات بها سنة (68) وهو ابن مائة وعشرين سنة. وقيل: مات وهو ابن مائة وثمانين سنة، وكان سيداً شريفاً في قومه خطيباً، حاضر الجواب فاضلاً كريماً. روى عنه أنه قال ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء، وما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وروى عنه جماعة من البصريين والكوفيين (إتقو النار) تمامه ولو بشق تمرة بكسر المعجمة أي بنصفها أو جانبها. والمعنى إدفعوها عن أنفسكم بالخيرات. ولو كان الإتقاء بالتصدق ببعض تمرة يعني لا تستقلوا شيئاً من الصدقة فإن لم تجدوا فبكلمة أي يطيب بها قلب المسلم، أو بكلمة من كلمات الأذكار فإنها بمنزلة صدقة الفقير (في باب علامات النبوة) أي ضمن حديث طويل لعدي مذكور في الباب، وكان صاحب المصابيح أتى ببعض الحديث أو بحديث مستقل هنا مناسبة لهذا الباب، فعده المؤلف من باب التكرار فأسقطه وأكتفى بذكره في ذلك الباب والله أعلم بالصواب.

1924-

قوله: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئت) في الناس لأنظر إليه (فلما تبينت وجهه) أي عرفته. قال في الصراح: استبنته أنا عرفته وتبينته أنا كذلك - انتهى. وقيل أي تأملته وتفرست بأمارات لائحة في سيماه وهذا

ص: 341

عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال:((يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) . رواه الترمذي وابن ماجه، والدارمي.

1925-

(23) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام)) . رواه الترمذي،

ــ

لفظ ابن ماجه في الأطعمة، وللدارمي فلما رأيت وجهه، ولفظ الترمذي في صلاة الليل، فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب) بالإضافة وينون أي بوجه ذي كذب لما لاح عليه من سواطع أنوار النبوة (فكان أول ما قال) بالرفع وينصب قاله القاري. ولفظ الترمذي وابن ماجه "فكان أول شيء تكلم به أن قال" قال السندي: أول شيء بالنصب على أنه خبر كان واسمها أن قال الخ وللدارمي، فكان أول ما سمعته يقول (يا أيها الناس) خطاب العام بكلمات جامعة للمعاملة مع الخلق والحق (أفشوا) من الإفشاء (السلام) أي أكثروه وبينوه فيما بينكم وقيل أي أظهروه وعموا به الناس ولا تخصوا المعارف (وأطعموا) من الإطعام (الطعام) أراد به قدراً زائداً على الواجب في الزكاة سواء فيه الصدقة والهدية والضيافة. (وصلوا) بكسر المهملة من وصل يصل وصلاً وصلة (الأرحام) جمع رحم بفتح أوله وكسر ثانية، وبكسر أوله وسكون ثانية. وهي القرابة يقال: وصل رحمه أي أحسنه إلى الأقربين إليه من ذوي النسب، وعطف عليهم ورفق بهم (وصلوا) بتشديد اللام (بالليل والناس نيام) بكسر النون جمع نائم أو مصدر بمعنى اسم فاعل أي لأنه وقت الغفلة فلأرباب الحضور مزيد المثوبة أو لبعده عن الرياء والسمعة. (تدخلوا الجنة بسلام) أي سالمين من المكروه أو التعب والمشقة أو يسلم عليكم الملائكة (رواه الترمذي) في الزهد وصححه (وابن ماجه) في صلاة الليل وفي الأطعمة واللفظ له (والدارمي) في صلاة الليل، وفي الاستئذان. ونسبه المنذري في الترغيب للترمذي، والحاكم، ونقله عن الترمذي أنه قال: حديث حسن صحيح، وعن الحاكم أنه قال: صحيح على شرط الشيخين. وفي الباب عن أبي هريرة عند الحاكم من وجهين. وقال في كل منهما حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في الأول بأن عبيد الله ابن أبي حميد قال أحمد: ترك حديثه. وقال المنذري: عبيد الله بن أبي حميد متروك ووافقه الذهبي في الثاني.

1925-

قوله: (أعبدوا الرحمن) أي أفردوه بالعبادة (تدخلوا الجنة بسلام) أي فإنكم إذا فعلتم ذلك ومتم عليه دخلتم الجنة آمنين، لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون (رواه الترمذي) في الأطعمة وصححه

ص: 342

وابن ماجه.

1926-

(24) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء)) . رواه الترمذي.

1927-

(25) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل معروف صدقة،

ــ

(وابن ماجه) في الأدب، وأخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ: أعبدوا الرحمن وأفشو السلام، وأطعموا الطعام تدخلوا الجنان.

1926-

قوله: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب) أي سخطه على من عصاه (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم وسكون الياء، أصلها موته مصدر للنوع، كالجلسة أبدلت واوه ياء لسكونها وكسرة ما قبلها وهي الحالة التي يكون عليها الإنسان في الموت. والسوء بفتح السين ويضم. والمراد بميتة السوء الحالة السيئة التي يكون عليها عند الموت، مما يؤدي إلى كفران النعمة من الآلام والأوجاع المفضية إلى الفزع والجزع والغفلة عن ذكر الله. ومنها موت الفجاءة وسائر ما يشغله عن الله مما يؤدي إلى سوء الخاتمة. وقيل: إن المراد إنها تقية من الفتانات عند الموت، أو أنه يوفق للتوبة فلا يموت، وهو عاص مصر على ذنب. أو أنه يموت ميتة سالمة من نحو هدم وغرق وحرق ولا مانع من إرادة الجميع. وقال العراقي: الظاهر إن المراد بها ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم من الهدم والتردي والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وأن يقتل في سبيل الله مدبراً. وقال بعضهم: هي موت الفجاءة. وقيل: ميتة الشهرة كالمصلوب- انتهى. (رواه الترمذي) في الزكاة. وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وروى ابن المبارك في كتاب البر شطره الأخير، ولفظه إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين باباً من ميتة السوء كذا في الترغيب للمنذري.

1927-

قوله: (كل معروف صدقة) قد سبق بيان معناه. وقال التوربشتي: المعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع، أو يعرف بالعقل من غير أن ينازع فيه الشرع. وكذلك القول المعروف. وقد قيل: للأقتصاد في الجود معروف، لأنه مستحسن بالشرع والعقل. والصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، وذلك لأن عليه أن يتحرى الصدق فيها. وقد استعمل في الواجبات وأكثر ما يستعمل في التطوع به، ويستعمل أيضاً في الحقوق التي تجافي عنها الإنسان. قال تعالى:{والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له} [المائدة-45] أي تجافى عن القصاص الذي هو حقه وقد أجرى في التنزيل ما يسامح به المعسر مجرى الصدقة قال تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم} [البقرة- 27] فقوله "كل معروف صدقة" أي محل فعل المعروف محل

ص: 343

وإن من المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك)) . رواه أحمد والترمذي.

1928-

(26) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ونصرك الرجل الردي البصر

ــ

التصدق بالمال ويقع التبرع بذلك موقعه في القربة، فالمعروف والصدقة. وإن اختلفا في اللفظ والصيغة فإنهما يتقاربان في المعنى، ويتفقان في الأمر المطلوب منهما وقد عرفنا الاختلاف بينهما من الكتاب. قال تعالى:{إلا من أمر بصدقة أو معروف} [النساء:114] وعرفنا الاتفاق بينهما في المعنى من السنة- انتهى. (وإن من المعروف) أي من جملة أفراده (إن تلقى أخاك) أي المسلم (بوجه) بالتنوين (طلق) تقدم ضبطه، ومعناه يعني تلقاه منبسط الوجه متهللة (وإن تفرغ) من الإفراغ أي تصب (من دلوك) أي عند استقاءك (في إناء أخيك) لئلا يحتاج إلى الاستقاء، أو لاحتياجه إلى الدلو (رواه أحمد) (ج3 ص244) (والترمذي) في البر والصلة من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال القاري: وفي كثير من نسخ الترمذي حسن، فقط. وليس في سنده غير المنكدر بن محمد المنكدر. قال الذهبي: فيه لين وقد وثقه أحمد كذا ذكره ميرك- انتهى. قلت: صدر الحديث متفق عليه، كما سبق، والمنكدر بن محمد بن المنكدر لين الحديث كما قال الحافظ في التقريب: وقد تفرد بتوثيقه أحمد، ولينه غيره وتكلموا فيه من جهة حفظه.

1928-

قوله: (تبسمك) هو أن تظهر الأسنان بدون صوت، فإن كان بصوت لطيف يسمعه من يقربه فقط. كان ضحكاً. فإن كان الصوت قوياً يسمعه البعيد سمي قهقهة (في وجه أخيك) في الدين (صدقة) كذا في جميع النسخ الحاضرة، وكذا نقله المنذري في الترغيب، وعليه بني القاري شرحه كما سيأتي. ووقع في نسخ الترمذي لك صدقة، وهكذا نقله السيوطي في الجامع الصغير، يعني إظهارك البشاشة. والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة (وأمرك بالمعروف) أي بما عرفه الشرع والعقل بالحسن (ونهيك عن المنكر) أي ما أنكره وقبحه (صدقة) كذلك (وإرشادك الرجل) أي الإنسان (في أرض الضلال) أضيفت إلى الضلال كأنها خلقت له، وهي التي لا علامة فيها للطريق فيضل فيها الرجل. (لك صدقة) بالمعنى المقرر قال القاري: زيد لك في هذه القرينة والتي بعدها لمزيد الاختصاص (ونصرك) أي أعانتك (الرجل الردي البصر) بالهمز ويدغم أي الذي

ص: 344

لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)) . رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1929-

(27) وعن سعد بن عبادة، قال: يا رسول الله! إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟

ــ

لا يبصر أصلاً أو يبصر قليلاً. قال القاري: وضع النصر موضع القياد مبالغة في الإعانة كأنه ينصره على كل شيء يؤذيه- انتهى. قلت: وقع في نسخ الترمذي بصرك للرجل بالباء الموحدة، وكذا نقله العزيزي، والحفني في شرح الجامع الصغير، والجزري في جامع الأصول (ج10 ص342) وهكذا وقع في صحيح ابن حبان كما في الترغيب، والبصر محركة حس العين والعلم والرؤية. والمراد تبصيرك الرجل الردي البصر لك صدقة. وقيل: المعنى إذا بصرت رجلاً ردي البصر فأعنته كان ذلك لك صدقة (وإماطتك) أي إزالتك وتنحيتك (الحجر والشوك والعظم) أي ونحوها (عن الطريق) أي طريق المسلمين المسلوك أو المتوقع السلوك (وإفراغك) أي صبك (من دلوك في دلو أخيك) في الدين (لك صدقة) فكيف إذا لم يكن لأخيك دلو (رواه الترمذي) في البر والصلة (وقال هذا حديث غريب) في نسخ الترمذي الحاضرة عندنا حديث حسن غريب، ويؤيده قول المنذري في الترغيب "رواه الترمذي وحسنه" والحديث أخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان في صحيحه.

1929-

قوله: (إن أم سعد) أراد به نفسه، واسم أمه عمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار صحابية، وكانت من المبايعات توفيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في سنة خمس من الهجرة. قال ابن سعد: ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول، وابنها سعد بن عبادة معه، قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتى قبرها فصلى عليها. قال الحافظ: وثبت أنها لما ماتت سأل والدها النبي صلى الله عليه وسلم عن الصدقة عنها ولها أربع أخوات اسم كل منهن أيضاً عمرة أسلمن وبايعن. قال الحافظ: في الإصابة عمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو بن زيد مناة والدة سعد بن عبادة ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمس. وعمرة بنت مسعود الصغرى خالة سعد بن عبادة، كانت زوج أوس بن زيد بن أصرم ثم تزوجها سهل بن ثعلبة. وعمرة بنت مسعود بن قيس الأنصارية أخت اللتين قبلها. قال ابن سعد كن خمس أخوات اسم كل منهن عمرة أسلمن وبايعن، وهذه هي الثالثة أمها عميرة بنت عمرو بن حزام تزوجها ثابت بن المنذر والد حسان وعمرة بنت مسعود الرابعة شقيقة التي قبلها تزوجها زيد بن مالك وعمرة بنت مسعود الخامسة شقيقة اللتين قبلها وهي والدة قيس بن عمرو من بني النجار (فأي الصدقة أفضل) أي لها بوصول ثوابها إليها، وفي رواية لأبي داود

ص: 345

((قال الماء فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد)) . رواه أبوداود، والنسائي.

1930-

(28) وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عرى، كساه الله من خضر الجنة. وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع،

ــ

أي الصدقة أعجب إليك (قال الماء) وفي رواية أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان. قال: سقى الماء أي في ذلك الوقت لقلته بالمدينة يومئذ، أو على الدوام، لأنه أحوج الأشياء عادة قال القاري: إنما كان الماء أفضل، لأنه أعم نفعاً في الأمور الدينية والدنيوية خصوصاً في تلك البلاد الحارة ولذلك من الله تعالى:{وأنزل من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدةً ميتةً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً} [الفرقان: 48، 49] كذا ذكره الطيبي. وفي الأزهار الأفضلية من الأمور النسبية، وكان هناك أفضل لشدة الحر والحاجة وقلة الماء (فحفر) أي سعد وفي بعض النسخ. قال: أي الراوي عن سعد فحفر، وهكذا وقع في أبي داود (بئر) بالهمز ويبذل (وقال) أي سعد (هذه لأم سعد) أي هذا البئر صدقة لها أو ثواب هذه البئر لها، وفيه فضيلة سقى الماء، وفضيلة الصدقة عن الميت، وإن ثواب الصدقة المالية يصل إلى الميت وهو أمر مجمع عليه، لاختلاف فيه عند أهل السنة (رواه أبوداود) في أواخر الزكاة (والنسائي) في الوصايا. واللفظ لأبي داود، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص285وج7 ص6) وابن ماجه في الأدب، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. والحاكم (ج1 ص414) والبيهقي (ج4 ص185) وقد سكت عنه أبوداود. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وتعقبه الذهبي في تلخيصه، والمنذري في ترغيبه. قال الذهبي بعد ذكر كلام الحاكم قلت: لا، فإنه غير متصل. وقال المنذري: بل هو منقطع الإسناد عند الكل فإنهم كلهم رووه عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه سعيد، فإن سعداً توفي بالشام سنة خمس عشرة. وقيل سنة إحدى عشرة ومولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة، ورواه أبوداود والنسائي والحاكم أيضاً. وأحمد عن الحسن البصري عن سعد ولم يدركه أيضاً، فإن مولد الحسن سنة إحدى وعشرين، ورواه أبوداود أيضاً وغيره عن أبي إسحاق السبيعي عن رجل عن سعد- انتهى كلام المنذري. وقد ذكر نحو ذلك في مختصر السنن.

1930-

قوله: (أيما مسلم)"ما" زائدة وأي مرفوع على الابتداء (كسا) أي ألبس (على عرى) بضم فسكون أي على حالة عرى أو لأجل عرى أو لدفع عرى، وهو يشمل عرى العورة وسائر الأعضاء (كساه الله من خضر الجنة (بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين، جمع أخضر أي من الثياب الخضر فيها من باب إقامة الصفة مقام الموصوف، وخصها لأنها أحسن ألواناً (أطعم مسلماً) متصفاً بكونه (على جوع) يعني مسلماً جائعاً

ص: 346

أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم)) . رواه أبوداود والترمذي.

1931-

(29) وعن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة،

ــ

(أطعمه الله) يوم القيامة (من ثمار الجنة) فيه إشارة إلى أن ثمارها أفضل أطعمتها (على ظمأ) بفتحتين مقصوراً وقد يمد أي عطش (من الرحيق المختوم) أي يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك جزاء وفاقاً، إذ الجزاء من جنس العمل. قال القاري الرحيق صفوة لخمر، والشراب الخالص الذي لا غش فيه، والمختوم هو المصون الذي لم ينبذل لأجل ختامه ولم يصل إليه غير أصحابه، وهو عبارة عن نفاسته- انتهى. قال المناوي: والمراد أنه يخص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها، وأطعمه وسقاه من ثمارها وخمرها. وفي الحديث الحث على أنواع البر وإعطاءها من هو مفتقر إليها وكون الجزاء عليها من جنس العمل (رواه أبوداود) في أواخر الزكاة (والترمذي) في أواخر الزهد وأخرجه أيضاً البيهقي من طريق أبي داود (ج4 ص185) قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد روى هذا عن عطية عن أبي سعيد الخدري موقوفاً، وهو أصح عندنا وأشبه- انتهى. قلت: في سند المرفوع عند الترمذي أبوالجارود الأعمى الكوفي. ورواه عن عطية العوفي عن أبي سعيد وأبوالجارود. قال الحافظ: فيه رافضي كذبه يحيى بن معين وعطية العوفي صدوق، لكنه يخطيء كثيراً شيعي مدلس، والحديث رواه أبوداود أيضاً بسند آخر أي من طريق أبي خالد الدالاني عن نبيح عن أبي سعيد. وقد سكت عنه هو، وقال المنذري: في مختصر السنن في إسناده أبوخالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف. بالدالاني، وقد أثنى عليه غير واحد وتكلم فيه غير واحد، وقال في الترغيب حديثه حسن- انتهى.

1931-

قوله: (وعن فاطمة بنت قيس) هي فاطمة ابنة قيس بن خالد القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس الأمير يقال: كانت أكبر منه بعشر سنين صحابية مشهورة، وكانت من المهاجرات الأول، وكانت ذات جمال وعقل وكمال، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخطبوا خطبتهم المأثورة، وكانت عند أبي عمر بن حفص المخزومي، وطلقها فتزوجت بعده أسامة بن زيد. وهي التي روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة رواها عنها الشعبي، لما قدمت الكوفة على أخيها، وهو أميرها وفي طلاقها ونكاحها بعد سنن كثيرة مستعملة، روى عنها جماعة منهم الشعبي والنخعي وأبوسلمة (إن في المال لحقاً سوى الزكاة) عند الترمذي عن فاطمة قالت: سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: إن في المال الخ

ص: 347

ثم تلا الآية {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}

ــ

وفي رواية الدارقطني قلت: يا رسول الله في المال حق سوى الزكاة قال نعم ثم قرأ {وآتى المال على حبه} [البقرة:177] وفي رواية البيهقي عن فاطمة بنت قيس أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أو قالت: سئل عن هذه الآية: {وفي أموالهم حق معلوم} [المعارج:24] قال إن في هذا المال حقاً سوى الزكاة وتلا هذه الآية {ليس البر أن تولوا وجوهكم} [البقرة:177] قال المناوي: قوله إن في المال لحقاً سوى الزكاة كفكاك أسير وإطعام مضطر وإنقاذ محترم فهذه حقوق واجبة غيرها، لكن وجوبها عارض فلا تدافع بينه وبين خبر "ليس" في المال حق سوى الزكاة- انتهى. وقال القاري: وذلك مثل أن لا يحرم السائل والمستقرض وأن لا يمنع متاع بيته من المستعير كالقدر والقصة وغيرهما ولا يمنع أحد الماء والملح والنار وكذا ذكره الطيبي وغيره- انتهى. قلت: حديث ليس في المال حق سوى الزكاة لا يعرف له إسناد يثبت. قال البيهقي: والذي يرويه أصحابنا في التعاليق ليس في المال حق سوى الزكاة، فلست أحفظ فيه إسناداً- انتهى. نعم روى في معناه عن أبي هريرة مرفوعاً إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك أخرجه الترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم، وصححه والبيهقي: ورواه أبوداود في المراسيل، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وروى الحاكم وصححه، والبيهقي من طريقة عن جابر مرفوعاً إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره. ورجح أبوزرعة والبيهقي، وغيرهما وقفه كما عند البزار. وأما ما وقع في سنن ابن ماجه في باب ما أدى زكاته فليس بكنز، من حديث فاطمة بنت قيس إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس في المال حق سوى الزكاة. فالظاهر إنه خطأ من الناسخ، أو من الراوي كما سيأتي وقال أبوالطيب السندي في شرح الترمذي: قوله فقد قضيت ما عليك أي من حقوق المال. وهذا يقتضي أنه ليس عليه واجب مالي غير الزكاة، وباقي الصدقات كلها تطوع. وهو يشكل بصدقة الفطر والنفقات الواجبة إلا أن يقال الكلام في حقوق المال، وليس شيء من هذه الأشياء من حقوق المال، بمعنى أنه يوجبه المال، بل يوجبه أسباب أخر كالفطر والقرابة والزوجية وغير ذلك. فالحقوق التي يوجبها المال فقط، تقتضي بالزكاة- انتهى. وقيل المراد بقوله فقد قضيت ما عليك أي قضيت أعظم ما عليك من الحق. وقيل: المراد بقوله ليس "في المال حق سوى الزكاة أي ليس في المال حق مثل الزكاة سواها (ثم تلا) أي قرأ استشهاداً (ليس البر) بالرفع والنصب {أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} [الآية] أي {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبّين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة} [البقرة:177] قال الطيبي وجه الاستشهاد أنه تعالى ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه، ثم قفاه بإيتاء الزكاة فدل ذلك على أن في المال حقاً سوى الزكاة. قيل: الحق حقان: حق يوجبه الله تعالى على عباده. وحق

ص: 348

رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي.

ــ

يلتزمه العبد على نفسه الزكية الموقاة من الشح، الذي جبلت عليه. وعليه إشارة بقوله: على حبه أي حب الله أو حب رسوله الإيتاء - انتهى. وقال السندي في حاشية ابن ماجه: وحاصل الاستدلال إن الآية قد جمع فيها بين إيتاء المال على حبه وبين إيتاء الزكاة بالعطف المقتضى للمغايرة. وهذا دليل على أن في المال حقاً سوى الزكاة لتصح المغايرة (رواه الترمذي) الخ وأخرجه أيضاً البيهقي كلهم من طريق شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة. قال الترمذي: هذا حديث إسناده ليس بذلك. وأبوحمزة ميمون الأعور يضعف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح - انتهى. وقال البيهقي: هذا حديث يعرف بأبي حمزة وميمون الأعور، وقد جرحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فمن بعدهما من حفاظ الحديث- انتهى. ونسب الشوكاني هذا الحديث في فتح القدير (ج1 ص151) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه أيضاً، وفي سنده عند الدارقطني نصر بن مزاحم وأبوبكر الهذلي وكلاهما متروك الحديث. تنبيه عزا المصنف حديث فاطمة باللفظ الذي ذكره إلى ابن ماجه أيضاً، وكذا صنع المزي في الأطراف كما قال المناوي في الكشف، ونسبه الشوكاني أيضاً في فتح القدير (ج1 ص151) لابن ماجه وهذا مبني على ما وقع في أكثر نسخ ابن ماجه أو في كثير منها بلفظ: في المال حق سوى الزكاة. وقد وقع في بعض نسخة في الباب المذكور مكانه بلفظ: ليس في المال حق سوى الزكاة. قال الولي العراقي في طرح التثريب (ج1 ص11) في شرح قوله "ومن حقها حلبها يوم وردها" في هذا دليل لمن يرى في المال حقوقاً غير الزكاة وهو مذهب أبي ذر غير واحد من التابعين. وفي جامع الترمذي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في المال حقاً سوى الزكاة) وهو عند ابن ماجه بلفظ: في المال حق سوى الزكاة، وفي بعض نسخه ليس في المال حق سوى الزكاة. واقتصر والدي يعني الزين العراقي رحمه الله في شرح الترمذي على نقل هذا اللفظ الثاني. وقال: قال البيهقي في السنن الكبرى (ج4 ص84) إن هذا الحديث يرويه أصحابنا في التعاليق ولست أحفظ فيه إسناداً، ثم اعترض عليه والدي رواية ابن ماجه له، وقد عوفت ما في ذلك - انتهى. قلت: وكذا أعترض عليه الحافظ في التلخيص (ص173) هذه الرواية وهذا كله كما ترى يدل على اختلاف نسخ ابن ماجه في ذلك، ويدل على ذلك أيضاً إن الجزري ذكر في جامع الأصول (ج7 ص298) اللفظ الأول. واقتصر في تخريجه على ذكر الترمذي، ولم يذكر ابن ماجه، وبين اللفظين تخالف وتباين ظاهر. والصواب عندي ما وقع في أكثر نسخ ابن ماجه بلفظ: في المال حق سوى الزكاة لأن هذا موافق لرواية الترمذي والدارمي والدارقطني وابن جرير وغيرهم. وأما ما وقع في بعض نسخه بلفظ، ليس في المال حق سوى الزكاة فهو خطأ من الناسخ، وجنح من لم يقف على اختلاف النسخ في

ص: 349

1932-

(30) وعن بهيسة، عن أبيها، قالت: قال: يا رسول الله! ما الشيء الذي يحل منعه؟ قال: ((الماء،

ــ

ذلك وقد رأى في نسخته اللفظ الثاني إلى أن رواية ابن ماجه خطأ من الراوي ووهم منه، وأن المحفوظ هي رواية الترمذي والدارمي وغيرهما، لأن مدار رواية ابن ماجه على يحيى بن آدم عن شريك، وقد خالفه الأسود ابن عامر المعروف بشاذ أن عند الترمذي والبيهقي ومحمد بن الطفيل عند الدارمي والترمذي كلاهما روياه عن شريك بلفظ إن في المال حقاً سوى الزكاة. وتطرق الوهم إلى الواحد. أقرب منه إلى الاثنين، ويدل على ذلك أيضاً الاستشهاد بالآية في رواية الترمذي والدارقطني والبيهقي كما لا يخفى على المتأمل. قال السندي في حاشية ابن ماجه من نظر بين روايتين يرى أن رواية المصنف يعني ابن ماجه أقرب إلى الخطأ من رواية الترمذي لقوة رواية الترمذي بالدليل الموافق لها فيتأمل - انتهى.

1933-

قوله: (وعن بهيسة) بضم الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء التحتية بعدها سين مهملة. قال في التقريب: بهيسة بالمهملة مصغراً الفزارية لا تعرف من الثالثة (وهي الطبقة الوسطى من التابعين) ويقال لها إن صحبة. وقال في تهذيب التهذيب: بهيسة الفزارية عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن حبان لها صحبة. وقال ابن القطان قال عبد الحق: مجهولة، وهي كذلك. وقال في الإصابة: في ترجمة بهيسة لولا قول ابن حبان إن لها صحبة لما كان في الخبر ما يدل على صحبتها لأن سياق ابن مندة إن أباها استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في قميصه، وسياق أبي داود والنسائي عن أبيها إنه استأذن وهو المعتمد - انتهى. وقال الذهبي: في التجريد، بهيسة أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عن أبيها، روى سيار بن منظور عن أبيه عنها، وعلم عليها د، ع وذكرها ابن الأثير في أسد الغابة. وقال أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عن أبيها ثم ذكر حديث الباب (عن أبيها) اسمه عمير بالتصغير صحابي، قال الحافظ: في تهذيب التهذيب أبوبهيسة الفزاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: وعنه بنته بهيسة، ترجم له ابن مندة وغيره في الكنى، وسماه ابن عبد البر في الاستيعاب عميراً. وقال في الأسماء من الإصابة: عمير الفزاري والد بهيسة ذكره أبوعمر فسماه عميراً، ولم أره لغيره ويأتي في الكنى- انتهى. وقال في الكنى أبوبهيسة الفزاري ذكره أبوالبشر الدولابي في الكنى، وأورد له من طريق كهمس عن سيار بن منظور عن أبيه هذا الحديث. ثم قال بعد بيان الاختلاف فيه، وذكر ابن عبد البر اسم والد بهيسة عمير- انتهى. وذكره الذهبي في تجريده في الأسماء والكنى. وقال لم يصح حديثه (قالت قال) أي أبوها (ما الشيء الذي لا يحل منعه: قال الماء) أي عند عدم احتياج صاحب الماء إليه وإنما أطلق بناء على وسعه عادة. وقيل: المراد إن الماء من الأشياء المحقرة التي لا ينبغي للإنسان منعها من المحتاج والجار، وسيأتي بسط الكلام عليه في باب المنهي عنها من

ص: 350

قال يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه، قال: أن تفعل الخير لك)) رواه أبوداود.

1933-

(31) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحيا أرضاً ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العافية

ــ

البيوع، وفي باب إحياء الموات والشرب. (قال يا نبي الله) تفنن في العبارة (قال الملح) لكثرة احتياج الناس إليه وبذله عرفاً. قال الشوكاني: ظاهر الحديث عدم الفرق بين ما كان في معدنه أو قد انفصل عنه ولا فرق بين جميع أنواعه الصالحة للانتفاع بها. وقال الخطابي: معنى هذا الحديث الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك، فإن أحداً لا يمنع من أخذه. وأما إذا صار في حيز مالكه فهو أولى به، وله منعه ويبعه والتصرف فيه كسائر أملاكه - انتهى. (إن تفعل الخير) مصدرية أي فعل الخير جميعه (خير لك) يعنى فعل الخير الذي تدعو إليه نفسك الزكية خير لك لا يحل لك منعه، فهذه القرينة أعم من الأوليين فهي كالتذييل لهما. قال القاري: قوله إن تفعل الخير لك لقوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} [الزلزال: 7] والخير لا يحل منعه فهذا تعميم بعد تخصيص وإيماء إلى أن قوله لا يحل بمعنى لا ينبغي (رواه أبوداود) في الزكاة وفي البيوع وأخرجه أيضاً الدارمي في البيوع بلفظ: ما الشيء الذي لا يحل منعه. فقال: الملح والماء فقال ما الشيء الذي لا يحل منعه قال إن تفعل الخير خير لك قال ما الشيء الذي لا يحل منعه. قال إن تفعل الخير خير لك_ وانتهى إلى الملح والماء - انتهى. ونسبه المجد بن تيمية في المنتقى لأحمد وأبي داود والحديث سكت عنه أبوداود والمنذري وأعله عبد الحق وابن قطان بأن بهيسة لا تعرف. قال الشوكاني وتعقب: بأنه ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة، ولحديثها شواهد يريد بها، ما روى في الباب من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه بسند صحيح، ثلاث لا يمنعن. الماء والكلأ، والنار. ومن حديث عائشة عند ابن ماجه أيضاً قالت: يا رسول الله: ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء، والملح، والنار- الحديث. وإسناده ضعيف، ومن حديث أنس عند الطبراني. في الصغير خصلتان لا يحل منعهما. الماء والنار، قال أبوحاتم في العلل هذا حديث منكر ومن حديث عبد الله بن سرجس عند العقيلي في الضعفاء نحو حديث بهيسة. ومن حديث ابن عباس عند ابن ماجه. ومن حديث ابن عمر عند الطبراني بلفظ: المسلمون شركاء في ثلاث. في الماء، والكلأ، والنار.

1933-

قوله: (من أحياء أرضاً ميتة) أي زرع أرضاً يابسة شبهها بالميت بجامع عدم النفع، وشبه تعميرها بالسقي والزرع أو الغرس بالإحياء بجامع النفع (فله فيها) أي في نفس أحيائها (أجر وما أكلت العافية)

ص: 351

منة فهو له صدقة)) رواه الدارمي.

1934-

(32) وعن البراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من منح منحة لبن أو ورق، أو هدى زقاقاً، كان له مثل عتق رقبة)) .

ــ

أي كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر من عفوته أي أتيته أطلب معروفة وعافية الماء واردته. وفي بعض الروايات العوافي أي طلاب الرزق (منه) أي من حاصل الأرض وريعها أو من المأكول أو من النبات وفي سنن الدارمي منها (فهو له صدقة) أي إذا كان له راضياً أو متحملاً صابراً (رواه الدارمي) في البيوع. وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي في الكبرى، وابن حبان والضياء في المختارة، كلهم من رواية هشام بن عروة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر، وهذا إسناد صحيح. قال الحافظ في التلخيص: صرح عند ابن حبان بسماع هشام من عبيد الله وبسماعه من جابر، ورواه أيضاً من طريق وهب بن كيسان عن جابر الجملة الأولى. واستدل به ابن حبان على أن الذمي لا يملك الموات. لأن لأجر إنما يكون للمسلم وتعقبه المحب الطبري بأن الكافر يتصدق ويجازي عليه في الدنيا كما ورد به الحديث: قلت (قائلة الحافظ) وقول ابن حبان أقرب للصواب، وظاهر الحديث معه، والمتبادر إلى الفهم منه، إن إطلاق الأجر إنما يراد به الأخروي.

1934-

قوله: (وعن البراء) أي ابن عازب (من منح) أي أعطى (منحة لبن) في الترمذي منيحة لبن، وقد سبق معناهما، والإضافة فيها بيانية. قال القاري: والأظهر إن في المنحة تجريداً بمعنى مطلق العطية ليصح العطف بقوله (أو ورق) بكسر الراء وسكونها، وهي قرض الدراهم. لأن المنحة مردودة- انتهى. وقال في اللمعات: المنحة العطية فإضافته إلى اللبن ظاهر، ثم ذكر المراد من منحة اللبن. ثم قال: وعطف الورق على اللبن، إن كان المنحة بمعنى العطية، فظاهر. وإن كان بمعنى الناقة أو الشاة المعطاة فمجاز، ومشاكلة. والمراد من منحة الورق، قرض الدراهم، وإنما فسروه به، لأن المنحة من شأنها إن ترد على صاحبها. وقال الجزري: منحة الورق القرض، ومنحة اللبن أن يعطيه ناقة، أو شأة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زماناً، ثم يردها. ومنه الحديث المنحة مردودة- انتهى. (أو هدى زقاقاً) قال الجزري: الزقاق بالضم الطريق، يريد من دل الضال أو الأعمى على طريقة. وقيل: أراد من تصدق بزقاق من النخل وهي السكة منها. والأول أشبه لأن هدى من الهداية لا من الهدية- انتهى. قلت: وقع في حديث النعمان بن بشير عند أحمد أهدى زقاقاً من الإهداء، فالمراد بالزقاق في هذا الحديث هو السكة أي الصف والسطر من النخل، وبالإهداء التصدق (كان له) أي ثبت له (مثل عتق رقبة) أي كان ما ذكر له مثل إعتاق رقبة، ووجه الشبه نفع الخلق والإحسان إليهم

ص: 352

رواه الترمذي.

1935-

(33) وعن أبي جرى جابر بن سليم، قال: ((أتيت المدينة، فرأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدوراً عنه. قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله. قال: قلت: عليك السلام يا رسول الله! مرتين. قال لا تقل عليك السلام. عليك السلام تحية الميت،

ــ

(رواه الترمذي) في البر والصلة. وقال: هذا حديث صحيح غريب. وأخرجه أيضاً أحمد وابن حبان في صحيحه، والبغوي في شرح السنة، وفي الباب عن النعمان بن بشير عند أحمد (ج4 ص272) بلفظ: من منح منيحة ورقاً أو ذهباً أو سقي لبناً أو أهدى زقاقاً فهو كعدل رقبة.

1935-

قوله: (وعن أبي جرى) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد الياء (جابر بن سليم) بالتصغير. ويقال: سليم بن جابر الهجيمي بالتصغير التميمي من بلهجيم ابن عمرو بن تميم صحابي معروف، روى عنه جماعة. منهم أبوتميمة الهجيمى ومحمد بن سيرين. قال الحافظ: قال البخاري جابر بن سليم أصح، وكذا ذكر البغوي والترمذي وابن حبان وغيرهم (يصدر الناس) أي يرجعون (عن رأية) يعني يعملون بقوله ورأيه والصدور الرجوع عن المنهل بعد الري قال الطيبي وغيره: أي ينصرفون عما رآه ويستصوبونه شبه المنصرفين عن حضرته بعد توجههم إليه ليسألوا عن مصالح معادهم ومعاشهم وأمور دينهم. واغترافهم من بحار علمه وفضله بالصادرين عن ورودهم على المنهل وارتوائهم (لا يقول شيئاً إلا صدرواً عنه) أي يأخذون منه كل ما حكم به ويقبلون حكمه وقوله (لا تقل عليك السلام) أي ابتداء وهو نهي تنزيه قاله القاري (عليك السلام) في أبي داود فإن عليك السلام (تحية الميت) أي في زمان الجاهلية. قال الخطابي: هذا يوهم إن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، فقدم الدعاء على اسم المدعو له كهو في تحية الإحياء، وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة، منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء، وهو مذكور في إشعارهم كقول الشاعر:

عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته إن شاء أن يترحما

وكقول الشماخ:

عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق

والسنة لا تختلف في تحية الإحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم- انتهى. وقال ابن القيم في زاد المعاد: وكان هديه في ابتداء السلام، أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وكان يكره أن يقول

ص: 353

قل: السلام عليك. قلت: أنت رسول الله، فقال: أنا رسول الله، الذي إن أصابك ضر فدعوته كشفه عنك. وإن أصابك عام سنة، فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك. قلت: أعهد إلي. قال: لا تسبن أحداً. قال: فما سببت بعده

ــ

المبتدي عليك السلام، ثم ذكر ابن القيم حديث أبي جرى هذا. ثم قال: وقد أشكل هذا الحديث على طائفة وظنوه معارضاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ: السلام عليكم بتقديم السلام فظنوا إن قوله فإن عليك السلام تحية الموتى إخبار عن المشروع وغلطوا في ذلك غلطاً أوجب لهم ذلك ظن التعارض، وإنما معنى قوله فإن عليك السلام تحية الموتى إخبار عن الواقع لا المشروع أي إن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما

فما كان هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما

فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحي بتحية الأموات ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم، وكان يرد على المسلم، وعليك السلام بالواو. وبتقديم عليك على لفظ السلام - انتهى. قال شيخنا في شرح الترمذي: في قوله ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم نظر. فإنه قد وقع في رواية الترمذي، ثم رد على النبي صلى الله عليه وسلم قال وعليك ورحمة الله انتهى. (الذي) صفة لله تعالى يدل عليه رواية أحمد قلت: يا رسول الله! إلى ما تدعو قال أدعو إلى الله وحده الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك، والذي إن ضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت عليك (إن أصابك) وفي أبي داود الذي إذا أصابك (ضر) بضم الضاد ويفتح (فدعوته) بصيغة الخطاب (كشفه عنك) أي دفع ذلك الضر وإزالة عنك (عام سنة) أي قحط وجدب. قال المنذري: السنة هي العام المقحط الذي لم تنبت فيه الأرض شيئاً، سواء نزل غيث، أو لم ينزل (أنبتها لك) أي صيرها ذات نبات لك أي بدلها خصباً (بأرض قفر) قال القاري: وفي نسخة بالإضافة والقفر بفتح القاف وسكون الفاء، أي خالية عن الشجر، والماء. قال أهل اللغة القفر الخلاء من الأرض لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ يقال: أرض قَفر وأرض قِفار (أو فلاة) بفتح الفاء وهي المفازة والصحراء الواسعة، وأو للشك. وقيل: للتنويع على أن المراد بالقفر المفازة المهلكة، وبالفلاة المفازة الخطرة (فضلت راحلتك) أي غابت عنك (أعهد إلي) بفتح الهاء أي أوصني بما ينفعني (لا تسبن أحداً) بضم السين أي لا تشمته (فما سبب بعده) أي بعد عهده أحداً

ص: 354

حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شأة، قال: ولا تحقرن شيئاً من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه)) . رواه أبوداود، وروى الترمذي منه حديث السلام. وفي رواية: فيكون لك أجر ذلك ووباله عليه.

ــ

(حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شأة) أي لا إنساناً ولا حيواناً (وإن تكلم أخاك) قيل: أي وكلم أخاك تكليماً فحذف الفعل العامل، وأضيف المصدر إلى الفاعل أي تكليمك أخاك ثم وضع الفعل، مع أن موضع المصدر وهو معطوف على النهي كذا في الشرح، وهو تكلف ذكره الطيبي. وقال غيره: قوله "وإن تكلم أخاك" إما عطف على شيء وإن ذلك من المعروف مستأنف علة له، أو مبتدأ وإن ذلك خبره (وأنت منبسط إليه وجهك) بالرفع على أنه فاعل منبسط والجملة حال (إن ذلك) بكسر الهمزة على الاستئناف التغليبي، وفي بعض النسخ بفتحها للعلة. والمعنى إن ما ذكر من التكليم مع انبساط الوجه وطلاقته (من) جملة (المعروف) وفي رواية لأحمد ولا تحقرن من المعروف شيئاً ولو إن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط (فإن أبيت) رفع إزارك إلى نصف الساق (فإلى الكعبين) أي فأرفعه إليهما ولا تتجاوز عنهما (وإياك وإسبال الإزار) أي اجتنب وأحذر إرسال الإزار وإرخاءه نازلاً عن الكعبين (فإنها) أي أي هذه الفعلة أو الخصلة التي هي تسبيل الإزار (من المخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء وسكون الياء من الاختيال، وهو الكبر واستحقار الناس (وإن امرأ شتمك) أي سبك (وعيرك) أي وبخك عيبك (بما يعلم فيك) أي لأمك وعذلك لما يعلم فيك من عيبك (فلا تعيره بما تعلم فيه) أي فضلاً عما لا تعلم فيه (فإنما وبال ذلك) أي آثم ما ذكر من الشتم والتعيير (عليه) أي على ذلك المرء ولا يضرك شيء وفي رواية لأحمد فإن أجر ذلك لك ووباله عليه (رواه أبوداود) في اللباس (وروى الترمذي) في الاستئذان (منه) أي من الحديث (حديث السلام) أي صدر الحديث وهو ما يتعلق بالسلام (وفي رواية فيكون لك أجر ذلك ووباله عليه) لم أقف على هذه الرواية وروى أحمد بنحوها، والحديث أخرجه أحمد (ج3 ص482- 483)(وج5 ص63- 64) وابن حبان في صحيحه، وابن عبد البر في الاستيعاب مطولاً، والنسائي في الكبرى مختصراً وسكت عنه أبوداود وصححه الترمذي، والنووي، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.

ص: 355

1936-

(34) وعن عائشة، أنهم ذبحوا شأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها)) . رواه الترمذي، وصححه.

1937-

(35) وعن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم كسا مسلماً ثوباً إلا كان في حفظ من الله مادام عليه منه خرقة)) . رواه أحمد، والترمذي.

ــ

1936-

قوله: (إنهم ذبحوا) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أهل بيت رضي الله عنهم وهو الظاهر (ما بقي منها) على الاستفهام أي أي شيء بقي من الشاة (قالت ما بقي منها إلا كتفها) أي التي لم يتصدق بها (قال بقي كلها غير كتفها) بالنصب والرفع أي ما تصدقت به فهو باق، وما بقي عندك فهو غير باق. إشارة إلى قوله تعالى:{ما عندكم ينفد وما عند الله باق} [النحل:96] وقال المنذري: معناه إنهم تصدقوا بها إلا كتفها (رواه الترمذي) في الزهد (وصححه) نقل المنذري في الترغيب تصيح الترمذي وأقره، وفي الباب عن أبي هريرة عند البزار ذكره الهيثمي (ج3 ص109) وقال: رجاله ثقات.

1937-

قوله: (إلا كان في حفظ) قال الطيبي: أي في حفظ أيّ حفظ (من الله) قال ابن الملك: وإنما لم يقل في حفظ الله ليدل التنكير على نوع تفخيم وشيوع، وهذا في الدنيا، وأما في الآخرة فلا حصر ولا عدل لثوابه- انتهى. قلت: قوله "في حفظ من الله" هكذا في جميع النسخ، وكذا وقع في المصابيح والذي في جامع الترمذي في حفظ الله أي بالإضافة، وهكذا نقله المنذري في الترغيب والسيوطي في الجامع الصغير، والجزري في جامع الأصول (ج10ص 319) (ما دام عليه) أي على من كساه (منه) أي من الثوب (خرقة) أي قطعة. قال المناوي: يعني حتى يبلي. وقال: ومفهوم هذا الحديث إنه لو كسا ذمياً لا يكون له هذا الوعد (رواه أحمد) لم أجده في مسنده عبد الله بن عباس ولعله ذكره في أثناء مسند غيره من الصحابة، أو هذا سهو من المصنف ويقوى ذلك إنه لم ينسبه المنذري في الترغيب والسيوطي في الجامع الصغير لأحمد والله أعلم (والترمذي) في الزهد وأخرجه الحاكم (ج4 ص196) بلفظ: من كسا مسلماً ثوباً لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك، والحديث حسنه الترمذي. وقال الحاكم: صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي. فقال خالد ضعيف- انتهى. قلت: في سند هذا الحديث خالد بن طهمان أبوالعلاء الخفاف الكوفي. قال في تهذيب التهذيب. قال ابن معين: ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين، وكان قبل ذلك ثقة وكان في تخليطه كلما جاؤا به يقر به. وقال أبوحاتم: هو من عتق الشيعة محله الصدق وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم. وقال في التقريب: صدوق رمى بالتشيع ثم اختلط.

ص: 356

1938-

(36) وعن عبد الله بن مسعود، يرفعه، قال:((ثلاثة يحبهم الله: رجل قام من الليل يتلو كتاب الله، ورجل يتصدق بصدقة بيمينه يخفيها أراه قال: من شماله، ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه، فاستقبل العدو)) . رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غير محفوظ، أحد رواته أبوبكر بن عياش، كثير الغلط.

ــ

1938-

قوله: (يرفعه) أي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقل هذا لأوهم أن يكون الحديث موقرفاً على ابن مسعود لقوله بعده (قال ثلاثة) ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (رجل قام من الليل) أي للتهجد فيه (يتلو كتاب الله) أي القرآن في صلاته وخارجها (بيمينه) فيه إيماء إلى الأدب في العطاء بأن يكون باليمين، رعاية للأدب وتفاؤلاً باليمين والبركة (يخفيها) أي يخفى تلك الصدقة غاية الإخفاء خوفاً من السمعة والرياء مبالغة في قصد المحبة والرضاء (أراه) بضم الهمزة من الإراءة أي أظنه (من شماله) أي يخفيها من شماله أريد به كمال المبالغة (ورجل كان في سرية) أي جيش صغير (فانهزم أصحابه) دونه (فاستقبل العدو) وحده أي وقاتلهم لتكون كلمة الله هي العليا (رواه الترمذي) في آخر صفة الجنة من حديث أبي بكر بن عياش عن منصور بن المعتمر عن ربعى بن حراش عن عبد الله بن مسعود (هذا حديث غير محفوظ) في نسخ الترمذي الموجودة عندنا، هذا حديث غريب غير محفوظ وقال الترمذي: بعده هذا، والصحيح ما روى شعبة وغيره عن منصور عن ربعي بن حراش عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم (وأبوبكر بن عياش) بتحتانية مشددة وشين معجمة (كثير الغلط) أي في الحديث مع كونه إماماً في القراءة. قال في التقريب: أبوبكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقري الحناط بمهملة ونون مشهور بكنيته، والأصح إنها اسمه يعنى أنه مختلف في اسمه (على عشرة أقوال) والصحيح إنه لا اسم له إلا كنيته، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح. وقال في مقدمة الفتح: قال أحمد ثقة وربما غلط وقال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أكثر غلطاً منه، وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال: هما في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر بن عياش أصح كتاباً منه. وقال ابن حبان: كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم، وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقاً عالماً بالحديث، إلا أنه كثير الغلط. وقال يعقوب بن شيبة: كان له علم وفقه، ورواية. وفي حديثه اضطراب. قلت: لم يرو له مسلم إلا في مقدمة صحيحة، وروى له البخاري أحاديث أكثرها بمتابعة غيره. وأعلم أن مقصود الترمذي أن أبا بكر بن عياش غلط في شيخ منصور، واسم الصحابي أيضاً. وأراد بحديث شعبة بإسناده عن أبي ذر- الحديث، الذي بعده. وهو حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره.

ص: 357

1939-

(37) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قوماً فسآلهم بالله ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلف رجل بأعيانهم، فأعطاه سراً، لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه. وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، فوضعوا رؤوسهم، فقام يتملقنى ويتلو آياتي. ورجل كان في سرية، فلقي العدو، فهزموا، فأقبل بصدره

ــ

1939-

قوله: (ثلاثة يحبهم الله) أي أكثر من غيرهم (فأما الذين يحبهم الله فرجل) ظاهره إن السائل أحد الثلاثة الذين يحبهم الله وليس كذلك بل معطيه، فلا بد من تقدير مضاف أي فأحدهم معطى رجل، وكذا قوله "وقوم" بتقدير مضاف أي والثاني عابد قوم (أتى قوماً فسألهم بالله) أي مستعطفاً بالله قائلا أنشدكم بالله أعطوني (ولم يسألهم لقرابة) أي ولم يقل أسألكم أو أعطوني بحق قرابة بيني وبينكم، قال في المفاتيح: يعنى إذا سأل بالله وجب إجابته تعظيماً لاسم الله تعالى فإذا منعوه فقد اجترموا جرماً عظيماً فإذا أعطاه واحد سراً فله فضيلتان إحداهما أنه أعظم اسم الله تعالى. والثانية إنه تصدق سراً وصدقة السر له فضيلة (فمنعوه) أي الرجل العطاء (فتخلف رجل بأعيانهم) قال القاري: الباء للتعدية أي بأشخاصهم وتقدم. وقيل: أي تأخر رجل من بينهم إلى جانب حتى لا يروه بأعيانهم من أشخاصهم. وقال الطيبي أي ترك القوم المسؤول عنهم خلفه فتقدم فأعطاه سراً، والمراد من الأعيان الأشخاص. ويحتمل أن يكون المراد أنه سبقهم بهذا الخير فجعلهم خلفه، وفي رواية الطبراني فتخلف رجل عن أعيانهم وهذا أشبه وأسد من طريق المعنى، وإن كانت الرواية الأولى أوثق من طريق السند. والمعنى أنه تخلف أي تأخر عن أصحابه حتى خلا بالسائل فأعطاه سراً، وفي رواية للنسائي فتخلفهم رجل بأعقابهم. قال السندي: أي فخرج من بينهم بحيث صار خلفهم في ظهورهم فقوله "بأعقابهم" بمعنى في ظهورهم بمنزلة التأكيد لما يدل عليه تخلفهم (لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه) تقرير لمعنى السر (وقوم) أي الثاني قائم قوم أو قاري قوم (أحب إليهم) أي ألذ وأطيب (مما يعدل به) على بناء المفعول أي من كل شيء يقابل ويساوي بالنوم. وقيل: أي مما يجعل عديلاً له، ومثلاً ومساوياً في العادة (فوضعوا رؤوسهم) أي فناموا وفي رواية نزلوا فوضعوا رؤوسهم (فقام) وفي بعض نسخ الترمذي قام رجل أي منهم (يتملقني) هذا على حكاية كلام الله تعالى في شأن ذلك الرجل لا على الالتفات والملق بفتحتين الزيادة في التودد، والدعاء والتضرع أي يتواضع لدى ويتضرع إلى (ويتلوا آياتي) أي يقرأ ألفاظها ويتبعها بالتأمل في معانيها (ورجل) أي والثالث رجل (فهزموا) أي أصحابه (فأقبل بصدره) أي خلاف من ولى

ص: 358

حتى يقتل أو يفتح أو يفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم)) . رواه الترمذي. والنسائي.

1940-

(38) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما خلق الله الأرض، جعلت تميد، فخلق الجبال، فقال: بها علليها، فاستقرت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال. فقالوا يا رب! هل من خلقك

ــ

دبره بتوليه ظهره، وقوله "بصدره" تأكيد الإقبال فإنه لا يكون إلا بالصدر وقيل: هذا أبلغ في الإقبال والجرأة من أن يقابل بوجهه (حتى يقتل أو يفتح له) على بناء المفعول فيهما أي حتى يفوز بإحدى الحسنين، وفي رواية أحمد والنسائي حتى يقتل أو يفتح الله له (الشيخ الزاني) قال القاري: يحتمل أن يراد بالشيخ الشيبة ضد الشاب، وأن يراد به المحصن ضد البكر كما في الآية المنسوخة التلاوة الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما (والفقير المختال) أي المكبر (والغني الظلوم) أي كثير الظلم في المطل وغيره، وفي رواية لأحمد والمكثر البخيل، بدل والغني الظلوم وإنما خص الشيخ وأخويه بالذكر لأن هذه الخصال فيهم أشد مذمة وأكثر نكرة (رواه الترمذي) في آخر صفة الجنة. وقال: هذا حديث صحيح، وهذا أصح من حديث أبي بكر بن عياش عن منصور عن ربعي عن ابن مسعود (والنسائي) في صلاة الليل، وفي الزكاة، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص153) وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم (ج1 ص416) وصححه ووافقه الذهبي.

1940-

قوله: (لما خلق الله الأرض) أي أرض الكعبة ودحيت وبسطت من جوانبها وبقيت كلوحة على وجه الماء (جعلت تميد) بالدال المهملة أي شرعت تميل وتتحرك وتضطرب شديدة ولا تستقر حتى قالت الملائكة لا ينتفع الإنس بها (فخلق الجبال) قيل: أولها أبوقيس (فقال بها عليها) أي امرؤ أشار يكون الجبال واستقرارها على الأرض (فاستقرت) أي الجبال عليها أو فثبتت الأرض في مكانها أو ما مادت ولا مالت من حالها ومحلها. قال الطيبي: قد مر مراراً أن القول يعبر به عن كل فعل وقرينة اختصاصه اقتضاء المقام، فالتقدير ألقى بالجبال على الأرض. كما قال تعالى:{وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: 15] فالباء زائدة على المفعول كما في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195] وإيثار القول على الإلقاء والإرسال لبيان العظمة والكبرياء، وإن مثل هذا الأمر العظيم يتأتي من عظيم قدرته بمجرد القول. وقيل: ضمن القول معنى الأمر أي أمر الجبال قائلاً أرسى عليها. وقيل: أي ضرب بالجبال على الأرض حتى استقرت (هل من خلقك) أي من

ص: 359