الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه.
{الفصل الثاني}
1861-
(11) عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسائل كدوح، يكدح بها الرجل وجهه،
ــ
يحصل عندك، أشار إلى أن المدار على عدم تعلق النفس بالمال، لا على عدم أخذه ورده على المعطى قاله السندي. واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب على ثلاثة مذاهب حكاها الطبري بعد إجماعهم على أن قوله خذه أمر ندب. قال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور إنه مستحب في غير عطية السلطان، وأما عطية السلطان يعني الجائز فحرمها قوم، وأباحها آخرون، وكرهها قوم. والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق وإن لم يغلب الحرام فمباح، إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقالت طائفة الأخذ واجب من السلطان وغيره وقال آخرون هو مندوب في عطية السلطان دون غيره، ويرد هذا حديث خالد بن عدي عند أحمد وغيره مرفوعاً بلفظ: من بلغه معروف عن أخيه عن غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله، ولا يرده الحديث. وقد بسط الكلام في ذلك العيني (ج9:ص55-56) فليرجع إليه، وفي حديث الباب إن للإمام أن يعطى بعض رعيته إذا رأى لذلك وجهاً، وإن كان غيره أحوج إليه منه، وإن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولاسيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر:7] وفيه منقبة لعمر، وبيان فضله وزهده وإيثاره (متفق عليه) أخرجه البخاري في الزكاة وفي الأحكام، ومسلم في الزكاة واللفظ للبخاري في الأحكام وأخرجه النسائي والبيهقي أيضاً.
1861-
قوله: (المسائل) جمع المسألة وجمعت لاختلاف أنواعها والمراد هنا سؤال الرجل أموال الناس (كدوح) بضم الكاف جمع كدح، أي خدوش وجروح يعني آثار القشر (يكدح) بفتح الدال أي يجرح ويخدش (بها) أي بالمسائل (وجهه) يوم القيامة. قيل: هي كناية عن الذلة والهون، وهذا لفظ أبي داود والنسائي، ولفظ الترمذي والنسائي في رواية المسألة كد يكد بها الرجل وجهه قال الجزري: الكد الاتعاب، يقال: كد يكد في عمله، إذا أستعجل وتعب. وأراد بالوجه ماءه ورونقه - انتهى. وقال السيوطي في قوت المغتذي: كد بفتح الكاف وتشديد الدال المهملة، وفي رواية أبي داود: كدوح بضم الكاف والدال وحاء مهملة. وقد ذكر اللفظين معاً أبو موسى المديني في ذيله على الغريبين، وفسر الكدوح بالخدوش في الوجه،
فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء تركه، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا)) .
ــ
والكد بالتعب والنصب. قال العراقي ويجوز أن يكون الكدح بمعنى الكد من قوله تعالى: {إنك كادح} [الانشقاق:6] وهو السعي والحرص- انتهى. ما في قوت المغتذي (فمن شاء أبقى) أي الكدح (على وجهه) أي بالسؤال (ومن شاء تركه) أي الكدح بترك السؤال. وقال القاري: (فمن شاء) أي الإبقاء (أبقى على وجهه) أي ماء وجهه من الحياء بترك السؤال والتعفف (ومن شاء) أي عدم الإبقاء (تركه) أي ذلك الإبقاء - انتهى. وقوله "تركه" هكذا في جميع النسخ، وفي أبي داود ترك، أي بدون الضمير المنصوب. ولفظ النسائي فمن شاء كدح وجهه ومن شاء ترك. قال السندي أي الكدوح أو السؤال وهذا ليس بتخيير بل هو توبيخ مثل قوله تعالى:{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف:29](إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان) أي ذا حكم وسلطة بيده بيت المال فيسأل حقه أي ولو منع الغناء، لأن السؤال مع الحاجة دخل في قوله: أو في أمر لابد منه قال الخطابي في المعالم (ج2:ص66) قوله: إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، هو أن يسأله حقه من بيت المال الذي في يده، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أملاك المسلمين - انتهى. وقال الأمير اليماني في السبل: أما سؤال الرجل من السلطان فإنه لا مذمة فيه لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منة للسلطان على السائل. لأنه وكيل فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه، وظاهره وإن سأل السلطان تكثراً فإنه لا بأس فيه ولا إثم، لأنه جعله قسيماً للأمر الذي لا بد منه. وقد فسر الأمر الذي لا بد منه حديث قبيصة وحديث أنس، وفيه لا يحل السؤال إلا لثلاثة ذي فقر مدقع أو دم موجع أو غرم مفظع - انتهى. (أو في أمر) أي أو يسأل في أمر (لا يجد منه) أي من أجله (بدا) أي علاجاً آخر غير السؤال. وفيه دليل على جواز المسألة عند الضرورة والحاجة التي لابد عندها من السؤال كما في الحمالة والجائحة والفاقة، بل يجب حال الاضطرار في العرى والجوع. وهذا لفظ أبي داود، وعند الترمذي والنسائي في رواية أو في أمر لابد منه. قال الأمير اليماني: أي لا يتم له حصوله مع ضرورته إلا بالسؤال وحديث قبيصة مبين ومفسر للأمر الذي لابد منه - انتهى ولفظ النسائي في رواية أخرى أو شيئاً لا يجد منه بدا. قال السندي. وظاهره إنه عطف على "ذا سلطان" ولا يستقيم إذا السؤال يتعدى إلى مفعولين الشخص والمطلوب المحتاج إليه، وذا سلطان هو الأول، وترك الثاني للعموم، وشيئاً ههنا لا يصلح أن يكون الأول بل هو الثاني، إلا أن يراد بشيئاً شخصا ومعنى، لا يجد منه أي من سؤاله بدا وهو تكلف بعيد. فالأقرب أن يقال تقديره أو يسأل شيئاً الخ. وحذف ههنا المفعول الأول لقصد العموم أو يقدر يسأل ذا سلطان أي شيء كان أو غيره شيئاً لا يحدث منه بدا،
رواه أبوداود والترمذي والنسائي.
1862-
(12) وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة، ومسألته في وجهه خموش أو خدش أو كدح. قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب))
ــ
فهو من عطف شيئين على شيئين إلا أنه حذف من كل منهما ما ذكر مماثله في الآخر من صنعة الاحتباك - انتهى. قال العراقي في شرح الترمذي: ورد التخصيص في السؤال في أربعة أماكن، وهي أن يسأل سلطاناً أو في أمر لابد منه أو ذا رحم في حاجة، أو الصالحين. فأما السلطان فهو الذي بيده أموال المصالح، وأما الأمر الذي لابد منه فهو الحاجة التي لابد منها، وأما ذو الرحم، فلما ورد في الصدقة على ذي الرحم من الفضل ولذهاب بعض العلماء إلى وجوب النفقة عليه مع وصف الفقر والعجز، فرخص في سؤاله. وأما سؤال الصالحين فهو في حديث ابن الفراسي (يعني أول أحاديث الفصل الثالث من هذا الباب) قال: ثم يحتمل أن يراد بالصالحين الصالحون من أرباب الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق، وقد لا يعلمون المستحق من غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاج أعطوه مما عليهم من حقوق الله تعالى، ويحتمل أن يراد بهم من يتبرك بدعاءه وترجى إجابته إذا دعا الله له، ويحتمل أن يراد الساعون في مصالح الخلق بسؤالهم لمن علموا استحقاقه ممن عليه حق فيعطيهم أرباب الأموال بوثوقهم بصلاحهم كذا في شرح التقريب (ج4:ص79-80) (رواه أبوداود والترمذي والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5:ص10-19) وابن حبان والبيهقي (ج4:ص197) وصححه الترمذي وسكت عنه أبوداود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.
1862-
قوله: (وله ما يغنيه) أي عن السؤال (ومسألته) أي أثرها (في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح) بضم أوائلها ألفاظ متقاربة المعاني جمع خمش وخدش وكدح "فأو" هنا لشك الراوي إذا لكل يعرب عن أثر ما يظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يجرح، ولعل المراد بها آثار مستنكرة في وجهه حقيقة أو أمارات ليعرف، ويشهر بذلك بين أهل الموقف. أو لتقسيم منازل السائل فإنه معقل أو مكثر أو مفرط في المسألة، فذكر الأقسام على حسب ذلك. والخمش أبلغ في معناه من الخدش وهو أبلغ من الكدح إذا لخمش في الوجه، والخدش في الجلد، والكدح فوق الجلد وقيل: الخدش قشر الجلد يعودوا لخمش قشرة بالأظفار. والكدح العض وهي في أصلها مصادر لكنها لما جعلت أسماء الآثار جمعت كذا في المرقاة (وما يغنيه) أي ما الغنى المانع عن السؤال، وليس المراد بيان الغنى الموجب للزكاة أو المحرم لأخذها من غير سؤال (خمسون درهماً أو قيمتها)
رواه أبوداود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي.
ــ
أي قيمة الخمسين من الذهب. وفيه دليل على أن من ملك خمسين درهماًً أو قيمتها من الذهب يحرم عليه السؤال، وهذا فرد من أفراد الغنى المانع عن السؤال إذ لا عبرة للمفهوم، فلا دليل فيه على إباحة السؤال لمن كان عنده أقل من خمسين درهماً مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث آخر. وقيل هذا الحديث منسوخ بحديث الأوقية وهو منسوخ ما يغديه ويعشيه. وقيل يجمع بين هذه الأحاديث بأن القدر الذي يحرم السؤال عنده هو أكثرها وهي الخمسون عملاً بالزيادة. وقال في حجة الله البالغة (ج2: ص34-35) جاء في تقدير الغنية المانعة من السؤال إنها أوقية أو خمسون درهماً، وجاء أيضاً إنها ما يغديه ويعشيه، وهذه الأحاديث ليست متخالفة عندنا. لأن الناس على منازل شتى، ولكل واحد كسب، لا يمكن أن يتحول عنه أعنى الامكان المأخوذ في العلوم الباحثة عن سياسة المدن، لا المأخوذ في علم تهذيب النفس. فمن كان كاسباً بالحرفة فهو معذور حتى يجد آلات الحرفة، ومن كان زارعاً حتى يجد الزرع، ومن كان تاجراً حتى يجد البضاعة، ومن كان على الجهاد مسترزقاً بما يروح ويغدو من الغنائم، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالضابط فيه أوقية أو خمسون درهماً، ومن كان كاسباً بحمل الأثقال في الأسواق أو احتطاب الحطب وبيعه وأمثال ذلك فالضابط فيه ما يغديه ويعشيه والله أعلم-انتهى. وقد استدل بهذا الحديث لأحمد وإسحاق ومن وافقهما على أن الغناء المانع من أخذ الصدقة هو ملك خمسين درهماً وتعقب بأنه ليس في الحديث إن من ملك خمسين درهماً لم تحل له الصدقة، إنما فيه أنه كره المسألة فقط، فلا يحل له أخذ الزكاة بالسؤال. وأما الأخذ من غير سؤال فلا دليل فيه على منعه، وقد تقدم بسط الكلام في ذلك فتذكر (رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1: ص388-441) وأبوعبيد (ص550) والحاكم (ج1:ص407) والدارقطني (ص 212) والبيهقي (ج7:ص24) كلهم من حديث حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود، وحكيم بن جبير ضعيف. قال الدارقطني: متروك. وقال الجوزجاني: كذاب. وقال ابن معين وأبوداود: ليس بشيء. وقال أحمد وأبوحاتم: ضعيف منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوى. وقال البخاري في التاريخ: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، وتكلم فيه شعبة وتركه من أجل هذا الحديث ببني لأنه مخالف للأصول والروايات المعتبر في تحديد الغنى لكن لم ينفرد به حكيم بن جبير فقد تابعه على ذلك زبيد بن الحارث الأيامي عند الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي. فرواه الترمذي من طريق شريك عن حكيم بن جبير، ثم قال حديث حسن. وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث، ثم روى من طريق يحيى بن آدم، حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير بهذا الحديث، فقال له عبد الله بن عثمان صاحب شعبة لو غير حكيم حدث بهذا، فقال له سفيان
1863-
(13) وعن سهل بن الحنظلية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل، وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار. قال النفيلي:
ــ
وما لحكيم؟ لا يحدث عنه شعبة؟ قال نعم قال سفيان سمعت زبيداً يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد-انتهى. ورواه أبوداود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي من طريق يحيى بن آدم عن سفيان الثوري عن حكيم بن جبير. وزاد أبوداود والحاكم والبيهقي في آخرة. قال يحيى (هو ابن آدم) فقال عبد الله بن عثمان لسفيان حفظي إن شعبة لا يروي عن حكيم، فقال سفيان فقد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد-انتهى. وعند النسائي قال يحيى قال سفيان، وسمعت زبيداً يحدث عن محمد بن عبد الرحمن، وعند ابن ماجه فقال رجل لسفيان إن شعبة لا يحدث عن حكيم، فقال سفيان فقد حدثنا، زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد فقد ظهر من هذا كله إن الحديث صحيح من جهة زبيد اليامي، لم ينفرد به حكيم بن جبير. وقد تكلف بعضهم في تضعيفه مع هذا بما لا يطمئن به القلب. فقال الحافظ في الفتح: بعد ذكر رواية سفيان عن زبيد نقلاً عن الترمذي ما لفظه، ونص أحمد في علل الخلال وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة -انتهى. وقال ابن معين: يرويه سفيان عن زبيد، ولا أعلم أحداً يرويه عنه غير يحيى بن آدم وهذا وهم. لو كان كذا لحدث به الناس عن سفيان ولكنه حديث منكر يعني، وإنما المعروف بروايته حكيم ذكره الذهبي والمنذري. وذكر البيهقي (بعد حكاية متابعة زبيد لحكيم بن جبير) عن يعقوب بن سفيان. قال هي حكاية بعيدة، لو كان حديث حكيم بن جبير عند زبيد، ما خفي على أهل العلم -انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف. والظاهر إن الحديث صحيح من طريق زبيد الأيامي ولا مخالفة بينه وبين الأحاديث الأخرى كما أسلفنا. وسيأتي أيضاً والله تعالى أعلم.
1863-
قوله: (وعن سهل بن الحنظلية) صحابي أنصاري أوسي، كان ممن بايع تحت الشجرة، وشهد أحد أو الخندق والمشاهد كلها ما خلا بدراً وكان فاضلاً عالماً معتزلاً عن الناس، كثير الصلاة والذكر لا يجالس أحداً. سكن الشام ومات بدمشق في أول خلافة معاوية ولا عقب له. قال سعيد بن عبد العزيز: كان لا يولد له فكان يقول لي لأن يكون لي سقط في الإسلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. والحنظلية أمه، وقيل أم أبيه، وقيل أم جده. واختلف في إسم أبيه فقيل الربيع، وقيل عبيد، وقيل عمرو، وقيل عقيب بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخررج بن عمرو بن مالك بن الأوس. (من سأل وعنده) الواو للحال (ما يغنيه) أي عن السؤال (فإنما يستكثر من النار) يعني من جمع أموال الناس بالسؤال من غير ضرورة. فكأنه جمع لنفسه نار جهنم (قال النفيلي) بضم النون وفتح الفاء وهو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، بنو وفاء مصغراً أبوجعفر النفيلي الحراني ثقة حافظ، وهو شيخ أبي داود السجستاني صاحب السنن. قال الحافظ: روى عنه
وهو أحد رواته، في موضع آخر، وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه. وقال: في موضع آخر أن يكون له شبع يوم، أو ليلة يوم)) . رواه أبوداود.
ــ
أبوداود فأكثر وروى له الباقون سوى مسلم بواسطة الذهلي مات سنة (234)(وهو أحد رواته) أي الحديث (في موضع آخر) أي في رواية أخرى يعني مرة أخرى (وما الغنى الذي لا ينبغي) أي لا يحل (معه المسألة) أي مكان قوله وما يغنيه. ففي أبي داود بعد قوله من النار. وقال النفيلي في موضع آخر: من جمر جهنم فقالوا يا رسول الله! وما يغنيه. وقال النفيلي في موضع آخر وما الغنى الخ (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (قدر ما يغديه) بفتح الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة (ويعشيه) بفتح العين المهملة وتشديد الشين المعجمة أي ما يكفي غداءه وعشاءه، وفي رواية ابن حبان وأحمد أو يعشيه بحرف التخيير، والتغدية إطعام طعام الغدوة. والتعشية إطعام طعام العشاء يعني من كان له قوت هذين الوقتين لا يجوز له أن يسأل في ذلك اليوم. قال الخطابي في المعالم (ج2:ص58) : اختلف الناس في تأويل قوله ما يغديه ويعشيه. فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث. وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة فقد حرمت عليه المسألة. وقال آخرون: هذا منسوخ بحديث الخمسين وحديث الأوقية -انتهى. قال المنذري: إدعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحاً لأحدهما على الآخر. وقال البيهقي (ج7:ص28) وليس شيء من هذه الأحاديث، بمختلف، فكان النبي صلى الله عليه وسلم علم ما يغنى كل واحد منهم فجعل غناه به، وذلك لأن الناس يختلفون في قدر كفاياتهم فمنهم من يغنيه خمسون درهماً لا يغنيه أقل منها، ومنهم من له كسب يدر عليه كل يوم ما يغديه ويعشيه ولا عيال له مستغن به -انتهى. وهذا مما تقدم عن حجة الله. وحمل أبوعبيد حديث سهل هذا على من سأل مسألة ليكتثر بها (وقال) أي النفيلي (في موضع آخر) أي في الجواب عما يغنيه (أن يكون له شبع يوم) بكسر الشين وسكون الموحدة وفتحها وهو الأكثر، أي ما يشبعه من الطعام أول يومه وآخره. قال ابن الملك: بسكون الباء ما يشبع وبفتح الباء المصدر (أو ليلة ويوم) شك من الراوي وقوله "شبع يوم أو ليلة ويوم" هكذا في جميع النسخ الحاضرة. ووقع في أبي داود شبع يوم أو ليلة أو ليلة ويوم، وهكذا في رواية البيهقي، والظاهر إنه سقط لفظ "ليلة" في الموضع الأول في نسخ المشكاة من الناسخ. وحاصل الاختلاف الذي وقع في رواية النفيلي إنه حدث أباداود بهذا الحديث مرتين، فمرة قال من سأل وعنده ما تغنيه، فإنما يستكثر من النار، فقالوا يا رسول الله! وما يغنيه قال: قدر ما يغديه ويعشيه ومرة قال (أي النفيلي) من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمرة جهنم فقالوا يا رسول الله! وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة، قال قدر أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم (رواه أبوداود) وفيه قصة، وأخرجه، أيضاً أحمد
1864-
(14) وعن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل منكم، وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافاً)) رواه مالك، وأبوداود، والنسائي.
1865-
(15) وعن حبشي بن جنادة،
ــ
(ج4:ص180-181) وأبوعبيد (ص 551-552) والبيهقي (ج7:ص25) وابن حبان وابن خزيمة وسكت عنه أبوداود والمنذري.
1864-
قوله: (عن رجل من بني أسد) له صحبة كما يدل عليه سياق الحديث عند مخرجيه ولم يعرف اسمه ولا يضر ذلك، لأن الصحابة كلهم عدول (وله أوقية) بضم الهمزة وكسر القاف وتشديد التحتية أي أربعون درهماً من الفضة (أو عدلها) بكسر العين وبفتح أي ما يساويها من ذهب عرض. وقال الخطابي: قوله "أو عدلها" يريد قيمتها، يقال هذا عدل الشيء أي ما يساويه في القيمة، وهذا عدله بكسر العين أي نظيره ومثله في الصورة والهيئة -انتهى. قال السندي: هذا يدل على أن التحديد بخمسين درهماً ليس مذكوراً على وجه التحديد، بل هو مذكور على وجه التمثيل (فقد سأل إلحافاً) أي ملحفاً أو سؤالاً إلحافاً، وهو أن يلازم المسؤل حتى يعطيه. والمراد أنه خالف ثناء الله تعالى بقوله تعالى {لا يسألون الناس إلحافاً} [البقرة: 273] وقال القاري: أي سأل إلحاحاً وإسرافاً من غير إضطرار. وقال الباجي: يقال الحف في المسألة إلح فيها، وذلك يقتضى أنه ورد على أمر قد تقرر فيه، إن الإلحاف في المسألة ممنوع، فجعل من الإلحاف الممنوع سؤال من له أوقية -انتهى. قلت: قد تقدم حديث معاوية لا تلحفوا في المسألة وهو صريح في النهى عن الإلحاح في السؤال. واستدل أبوعبيد بحديث الأسدي وما في معناه على ما ذهب إليه من تحديد الغنى المحرم للصدقة يملك أربعين درهماً ولا يخفى ما فيه (رواه مالك) في أواخر الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد (وأبوداود والنسائي) كلاهما من طريق مالك، وأخرجه البيهقي (ج7:ص24) من طريق أبي داود وأحمد (ج5،4ص:36-430) من حديث سفيان عن زيد بن أسلم، وأبوعبيد (ص 550) من حديث سفيان وهشام بن سعد عن زيد بن أسلم. وفي الحديث قصة عند مالك وأبي داود والنسائي وأبي عبيد، وقد سكت عنه أبوداود والمنذري، وله شاهد من حديث أبي سعيد عند أحمد وأبي داود والنسائي وغيرهم بلفظ: من سأل وله قيمة أوقية فقد الحف.
1865-
قوله: (وعن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة ثم تحتية ثقيلة، وهو اسم بلفظ النسب (بن جنادة) بضم الجيم ابن نصر السلولي صحابي، شهد حجة الوداع، ثم نزل الكوفة يكنى
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المسألة لا تحل لغنى، ولا لذى مرة سوى، إلا لذى فقر مدقع، أو غرم مفظع. ومن سأل الناس ليثرى به ماله، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضفاً يأكله من جهنم، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر)) . رواه الترمذي.
ــ
أباالجنوب بفتح الجيم. قال العسكري: شهد مع علي مشاهده، وروى في فضله أحاديث (ولا لذى مرة) بكسر الميم وتشديد الراء هي الشدة والقوة أي لذي قوة وقدرة على الكسب (سوى) بفتح السين المهملة وتشديد الياء هو التام الخلق السالم من موانع الاكتساب (إلا لذى فقر مدقع) بضم الميم وسكون المهملة وكسر القاف، وهو الفقر الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء، وهي الأرض التي لا نبات بها يقال ادقع الرجل أي لصق بالدقعاء أي الأرض والتراب، وجوع مدقع أي شديد (أو غرم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء، هو ما يلزم أداءه تكلفاً، لا في مقابلة عوض (مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة هو الشديد الشنيع قاله المنذري. وقال القاري: غرم مفظع أي دين شنيع مثقل. قال الطيبي: والمراد ما استدان لنفسه وعياله في مباح، قال ويمكن أن المراد به ما لزمه من الغرامة بنحو دية وكفارة (ليثرى) أي يكثر ويزيد (به) أي بسبب السؤال أو بالمأخوذ (ماله) برفع اللام ويثرى بفتح الياء وسكون الثاء المثلثة وفتح الراء من ثرى كرضى، أو بضم الياء وسكون الثاء وكسر الراء من الأثراء. قال في القاموس: الثروة كثرة العدد من الناس والمال، وثرى القوم كثروا ونموا. والمال كذلك، وثرى كرضى كثر ماله كاثرى - انتهى. وفي النهاية: الثرى المال، وأثرى القوم كثروا وكثروا أموالهم- انتهى. (كان) أي السؤال أو المال (خموشاً) أي عبساً (ورضفاً) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء هو الحجارة المحماة (يأكله من جهنم) أي فيها (فمن شاء فليقل) بكسر القاف وتشديد اللام المفتوحة من الأقلال أي ليقلل هذا السؤال، أو ما يترتب عليه من النكال (من شاء فليقل) بكسر القاف وتشديد اللام المفتوحة من الأقلال أي ليقلل هذا السؤال، أو ما يترتب عليه من النكال (ومن شاء فليكثر) من الإكثار وهما أمر تهديد، ونظيره قوله تعالى {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً} [الكهف:29] (رواه الترمذي) من حديث مجالد بن سعيد عن عامر الشعبي عن حبشي، وقال حديث غريب من هذا الوجه، قال شيخنا: لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء من الصحة أو الضعف، والحديث ضعيف. لأن في سنده مجالداً وهو ضعيف -انتهى. قلت: مجالد هذا ضعفه يحيى بن سعيد وابن معين والدارقطني وابن سعد، وقال أحمد ليس بشيء. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به وكان ابن مهدي لا يروي عنه. وقال أبوحاتم والنسائي: ليس بالقوي. ووثقه النسائي مرة. وقال ابن عدي: له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة وعن غير جابر، وعامة ما يرويه غير محفوظة. وقال العجلي: جائز الحديث. وقال البخاري: صدوق. وقال محمد بن المثنى: يحتمل حديثه للصدق كذا
1866-
(16) وعن أنس، أن رجلاً من الأنصار، أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: ((أما في بيتك شيء؟ بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال:"من يزيد على درهم"؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه فأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال:"أشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، وأشتر بالآخر قدوماً، فائتني به" فأتاه به،
ــ
في تهذيب التهذيب. وقال في التقريب: ليس بالقوى، وقد تغيير في آخر عمره - انتهى. والحديث أخرجه أحمد (ج4:ص165) وأبوعبيد (ص553) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي مختصراً بلفظ: من سأل من غير فقر فكأنهما يأكل الجمرة، وعزاه المنذري في الترغيب للطبراني في الكبير وابن خزيمة، وقال رجال الطبراني رجال الصحيح، ورواه البيهقي بلفظ: الذي يسأل من غير حاجة كمثل الذي يلتقط الجمر.
1866-
قوله: (إن رجلاً من الأنصار) لم يعرف اسمه (يسأله) حال أو استئناف بيان (أما في بيتك شيء) بهمزة إستفهام تقرير "وما نافية"(بلى حلس) أي في حلس بكسر الحاء المهملة وسكون اللام، بعدها سين مهملة كساء يلي ظهر البعير يفرش تحت القتب. قال المنذري: وسمي به غيره مما يداس ويمتهن من الأكسية ونحوها (نلبس) بفتح الباء (بعضه) أي بالتغطية لدفع البرد و (نبسط) بضم السين (بعضه) أي بالفرش (وقعب) بفتح القاف وسكون العين المهملة قدح من خشب (نشرب فيه من الماء) من تبعيضية أو زائدة على مذهب الأخفش، وفي رواية ابن ماجه. وقدح نشرب فيه الماء أي بحذف من (ائتني بهما) أي بالحلس والقعب (أنا آخذهما) بضم الخاء ويحتمل كسرها (قال من يزيد على درهم مرتين) ظرف لقال (أو ثلاثاً) شك من الراوي (قال رجل) أي آخر (فأعطاهما إياه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الحلس، والقعب الرجل الآخر (فأخذ الدرهمين) كذا في جميع النسخ الحاضرة والذي في سنن أبي داود وأخذ أي بالواو بدل الفاء، وكذا وقع في رواية ابن ماجه، وكذا نقله الخطابي والمنذري (فأعطاهما) أي الدرهمين (اشتر) بكسر الراء (بأحدهما) أي أحد الدرهمين (فأنبذه) بكسر الباء أي أطرحه وألقه (قدوماً) بفتح القاف وتخفيف الدال المهملة المضمومة وجوز تشديدها آلة النجر والنحت أي فأساً (فأتاه به) أي بالقدوم بعدما
فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال:"اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً" فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في يوم وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذى غرم مفظع، أو لذى دم موجع)) . رواه أبوداود، وروى ابن ماجه إلى قوله "يوم القيامة".
ــ
اشتراه (فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً) أي أدخل في ذلك القدوم عوداً وأحكمه (بيده) الكريمة تفضلا، وإمتناعاً عليه (احتطب) أي اطلب الحطب وأجمع (ولا أرينك خمسة عشر يوماً) أي لا تكن هنا هذه المدة حتى لا أراك وهذا مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، والمراد نهى الرجل عن ترك الاكتساب في هذه المدة، لا نهى نفسه عن الرؤية (نكتة) بضم النون وسكون الكاف أثر كالنقطة أي حال كونها علامة قبيحة أو أثراً من العيب (في وجهك يوم القيامة) أي على رؤس الأشهاد (إن المسألة لا تصلح) أي لا تحل ولا تجوز (لذي فقر مدقع) أي شديد يفضي بصاحبه إلى التراب لا يكون عنده ما بقي به من التراب (أو لذى غرم مفظع) أي فظيع شنيع ثقيل (أو لذي دم موجع) بكسر الجيم أي مؤلم وهو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤديها قتل المحتمل عنه فيوجعه قتله. قال المنذري: ذو الدم الموجع هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله -انتهى. وفي الحديث من الفقة جواز بيع المزايدة وهذا ليس بالسوم على سوم أخيه لأن السوم، هو أن يقف الراغب والبائع على البيع ولم يعقداه، فيقول الآخر للمبائع أنا أشتريه وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السوم بالسلعة التي تباع لمن يزيد فليس بحرام. وفيه الأكل من عمل يده، والأمر بالاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في موات. وفيه جواز المسألة لهؤلاء الثلاثة (رواه أبوداود) في الزكاة. وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي (ج7:ص25) و (روى ابن ماجه) أي في باب المزايدة من أبواب النجارات (إلى يوم القيامة) هذا سهو من المصنف، فإن ابن ماجه روى الحديث بطوله إلى قوله دم موجع، وأخرج الترمذي والنسائي في البيوع من هذا الحديث قصة بيع القدح فقط. والحديث سكت عنه أبوداود وحسنه الترمذي، وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر عبد الله الحنفي عن أنس، وعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه كذا في التلخيص (ص237) .