الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2018-
(17) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم سحور المؤمن التمر)) . رواه أبوداود.
(3) باب تنزيه الصوم
((الفصل الأول))
2019-
(1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور
ــ
(ج4 ص236) كلهم عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف الكلاعي. وقال أبوعمر النمري: الحارث هذا مجهول يروي عن أبي رهم حديثه منكر كذا ذكره المنذري في مختصر السنن وفي الترغيب. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: الحارث بن زياد شامي أخرج له أبوداود والنسائي حديثاً واحداً في الصوم ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وقال أدرك أباأمامة. قال الحافظ: وقرأت بخط الذهبي في الميزان مجهول وشرطه أن لا يطلق هذه اللفظة إلا إذا كان أبوحاتم الرازي قالها والذي قال أبوحاتم أنه مجهول آخر غيره فيما يظهر لي. نعم، قال أبوعمر بن عبد البر: في صاحب هذه الترجمة مجهول حديثه منكر - انتهى. وقال في التقريب: الحارث بن زياد الشامي لين الحديث.
2018-
قوله: (نعم سحور المؤمن) بفتح السين لا غير (التمر) أي فإن التسحر به بركة عظيمة وثواباً كثيراً فيطلب تقديمه في السحور وكذا في الفطور إن لم يوجد رطب وإلا فهو أفضل في زمنه. قال الطيبي: وإنما مدح التمر في هذا الوقت؛ لأن في نفس السحور ببركة وتخصيصه بالتمر بركة على بركة كما سبق: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة ليكون المبدوء به والمنتهي إليه البركة والله تعالى أعلم (رواه أبوداود) قال المزي: هذا الحديث في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبوالقاسم ذكره في عون المعبود نقلاً عن غاية المقصود. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والبيهقي (ج4 ص237) ورواه البزار وأبونعيم في الحلية عن جابر قال الهيثمي بعد عزوه إلى البزار: رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الكبير بسند ضعيف عن السائب بن يزيد وزاد وقال: يرحم الله المتسحرين ذكره المنذري والهيثمي.
(باب تنزيه الصوم) أي في بيان ما يدل على ما يجب تبعيد الصوم عنه مما يبطله من أصله أو يبطل ثوابه أو ينقصه.
2019-
قوله: (من لم يدع) بفتح التحتية والدال المهملة أي لم يترك (قول الزور) أي الباطل وهو ما فيه إثم والإضافة بيانية قاله القاري. وقال الطيبي: الزور الكذب والبهتان أي من لم يترك القول الباطل من
والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) .
ــ
قول الكفر وشهادة الزور والإفتراء والغيبة والبهتان والقذف والسب والشتم واللعن وأمثالها مما يجب على الإنسان إجتنابها ويحرم عليه ارتكابها (والعمل) بالنصب (به) أي بالزور يعني الفواحش من الأعمال لأنها في الإثم كالزور. وقال الطيبي: هو العمل بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه، وزاد في رواية البخاري في الأدب والجهل، ولابن ماجه من لم يدع قول الزور، والجهل والعمل به فالضمير في "به" يعود على الجهل لكونه أقرب مذكور أو على الزور فقط وإن بعد لإتفاق الروايات عليه أو عليهما، وأفرد الضمير لاشتراكهما في تنقيص الصوم قاله العراقي. وقال الحافظ: الضمير في رواية ابن ماجه يعود على الجهل، وفي رواية البخاري يعود على قول الزور والمعنى متقارب. والمراد بالجهل السفة. وقيل: أي صفات الجهل أو أحوال الجهل والمعاصي كلها عمل بالجهل فيدخل الغيبة فيها، وفي الأوسط للطبراني بسند رجاله ثقات من حديث أنس من لم يدع الخنى والكذب. قال السندي: قيل يحتمل أن المراد من لم يدع ذلك مطلقاً غير مقيد بصوم أي من لم يترك المعاصي ماذا يصنع بطاعته، ويحتمل أن المراد من لم يترك حالة الصوم وهو الموافق لبعض الروايات - انتهى. ويشير بذلك إلى ما وقع في رواية للنسائي والجهل في الصوم (فليس لله حاجة) أي التفات ومبالاة وهو مجاز عن عدم القبول بنفي السبب وإرادة نفي المسبب وإلا فلا حاجة لله تعالى إلى عبادة أحد (في أن يدع طعامه وشرابه) فإنهما مباحان في الجملة فإذا تركهما وارتكب أمراً حراماً من أصله استحق المقت وعدم القبول طاعته في وقت فإن المطلوب منه ترك المعاصي مطلقاً لا تركاً دون ترك. قال القاضي البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله "ليس لله حاجة" مجاز عن عدم قبول فنفي السبب وأرادة المسبب وإلا فالله تعالى لا يحتاج إلى شيء. وقال ابن بطال: ليس معناه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور، وما ذكر معه وهو مثل قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر، وكذلك حذر الصائم من قول الزور والعمل به ليتم له أجر صيامه - انتهى. وأعلم أن الجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم، وعن الثوري والأوزاعي إن الغيبة تفسده والراجح الأول. نعم هذه الأفعال تنقص الصوم وقول بعضهم أنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر أجاب عنه الشيخ تقي الدين السبكي بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية لذلك أي لقول الجمهور، لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقاً. والصوم مأمور به مطلقاً فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة به معنى نفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين
رواه البخاري.
2020-
(2) وعن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه)) .
ــ
أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيره، والثاني الحث على سلامة الصوم عنها، وإن سلامته منها صفة كمال فيه وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم. فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها فإذا لم يسلم عنها نقص. ثم قال: ولا شك إن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات، لأنه يشترط له النية بالإجماع. ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات ونبه العاقل بلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجباً واجتناب ما عداها من المخالفات هم المكملات كذا نقله الحافظ في الفتح (رواه البخاري) في الصوم والأدب وأخرجه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى وابن ماجه، وأخرجه البيهقي (ج4ص270) من طريق أبي داود وابن حزم من طريق البخاري.
2020-
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل) من التقبيل أي نفسها كما في بعض الروايات أو بعض أزواجه كما في روايات أخرى (ويباشر) أي بعض نسائه يعني يلصق ويمس بشرتها ببشرته كوضع الخد على الخد ونحوه. وليس المراد المباشرة الفاحشة. قال ابن الملك: أي يلمس نساءه بيده. وأصل المباشرة التقاء البشرتين سواء أولج أو لم يولج، وقد يستعمل في الجماع وليس بمراد هنا. قال الشوكاني: المراد بالمباشرة المذكورة في الحديث ما هو أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع فيكون قوله: كان يقبل ويباشر من ذكر العام بعد الخاص، لأن المباشرة في الأصل التقاء البشرتين (وهو صائم) وفي رواية عمرو بن ميمون عن عائشة: كان يقبل في شهر الصوم، أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم. وفي رواية لمسلم: كان يقبل في رمضان وهو صائم فأشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين الصوم الفرض والنفل قاله الحافظ (وكان أملككم) أي أغلبكم وأقدركم (لإربه) أكثرهم يرويه بفتحتين بمعنى الحاجة، أي حاجة النفس ووطرها تريد حاجة الجماع، وبعضهم يرويه بكسر فسكون وهو يحتمل معنى الحاجة والعضو أي الذكر. قال الحافظ: قوله "لأربه" بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته، ويروى بكسر الهمزة وسكون أي عضوه والأول أشهر وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير- انتهى. قلت: قال البخاري بعد رواية هذا الحديث. قال ابن عباس: أرب حاجة وقال طاووس: غير أولى
................................
ــ
الأربة الأحمق لا حاجة له في النساء. وقال الجزري في النهاية: لأربه أي لحاجته تعنى إنه كان غالباً لهواه. وأكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء وله تأويلان، أحدهما أنه الحاجة. والثاني: أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة - انتهى. ورُدَّ تفسيره بالعضو بأنه خارج عن سنن الأدب. قال التوربشتي: حمل الأرب ساكن الراء على العضو في هذا الحديث غير سديد لا يغتربه إلا جاهل بوجوه حسن الخطاب مائل عن سنن الأدب ونهج الصواب وأجاب الطيبي بأنها ذكرت أنواع الشهوة مترقية من الأدنى إلى الأعلى فبدأت بمقدمتها التي هي القبلة ثم ثنت بالمباشرة التي هي المداعبة والمعانقة وأرادت أن تعبر عن المجامعة فكنت عنها بالإرب وأي عبارة أحسن منها - انتهى. وفيه أن المستحسن إذا إن الأرب بمعنى الحاجة كناية عن المجامعة. وأما ذكر الذكر فغير ملائم للأنثى كما لا يخفى لاسيما في حضور الرجال قاله القاري. وفي الموطأ أيكم أملك لنفسه، وبذلك فسر الترمذي في جامعه فقال ومعنى لإربه يعني لنفسه. قال العراقي: وهو أولى الأقوال بالصواب لأن أولى ما فسر به الغريب ما ورد في بعض طرق الحديث - انتهى. وقال شيخنا بعد ذكر كلام الترمذي: المذكور هذا بيان حاصل المعنى وقد عرفت أصل معنى لإربه- انتهى. واختلف في بيان معنى قول عائشة ومقصودها. فقيل أرادت أنه مع هذه المباشرة كان يأمن من الإنزال والوقاع فليس لغيره ذلك فهذا إشارة إلى علة عدم إلحاق الغير به في ذلك وعلى هذا فيكره لغيره القبلة والمباشرة وقيل المعنى أنه كان قادراً على حفظ نفسه عن القبلة والمباشرة لأنه كان أغلب الناس على هواة، ومع ذلك كان يقبل ويباشر وغيره قلما يصبر على تركهما، لأن غيره قلما يملك هواه فكيف لا يباح لغيره ففي قولها إشارة إلى أن غيره له ذلك بالأولى فسره بذلك من يجيزها للغير، ويجعل قولها علة في إلحاق الغير به صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا المعنى ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً قالت عائشة: يحرم عليها فرجها. قال الحافظ: وصله الطحاوي عن حكيم بن عقال، قال سألت عائشة: ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم قالت فرجها وإسناده إلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائماً قالت كل شيء إلا الجماع - انتهى ويؤيده أيضاً ما روى مالك عن أبي النضر عن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليها زوجها، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت له عائشة ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها. قال: أقبلها وأنا صائم قالت نعم. ولا يخفى أن محل هذا الأمن من الوقوع في الجماع أو الإنزال. وأما ما روى النسائي والبيهقي (ج3
..............................
ــ
ص232) عن الأسود قال: قلت لعائشة أيباشر الصائم قالت لا: قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر، وهو صائم قالت: أنه كان أملككم لإربه. وظاهر هذا أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال القرطبي: هذا اجتهاد من عائشة، وقول أم سلمة كان يقبلها وهو صائم أولى أن يؤخذ به لأنه نص في الواقعة وقال الحافظ: قد ثبت عن عائشة صريحاً إباحة ذلك فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم أنه يحل له كل شيء إلا الجماع بحمل النهي على كراهة التنزيه، فإنها لا تنافي الإباحة وفي كتاب الصيام ليوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة عن حماد سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها. قال الحافظ: ويدل على أنها كانت لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما رواه مالك في الموطأ عن أبي النضر فذكر الأثر المتقدم. وقال ابن حزم: بعد ذكر هذا الأثر وقول عائشة يحل له كل شيء إلا الجماع ما لفظه فهذان الخيران يكذبان قول من يقول إنها أرادت بقولها، وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن القبلة والمباشرة للصائم - انتهى. وقد اختلف في القبلة والمباشرة بغير الجماع على أقوال الأول إنها مكروهة مطلقاً، وهو مشهور عند المالكية، ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر الثاني إنها محرمة واستدل لذلك بقوله تعالى:{فالآن باشروهن} [البقرة:187] قيل قد منع من المباشرة في هذه الآية نهاراً، وأجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهاراً بفعله كما أفاده حديث الباب فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبله ونحوها. قال الحافظ: وممن أفتى بإفطار من قبل صائم وهو عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم - انتهى. قلت: وروى ذلك أيضاً عن ابن مسعود كما في مجمع الزوائد (ج3 ص166) والبيهقي (ج4 ص234) الثالث إنها مباحة مطلقاً. قال الحافظ: وهو المنقول صحيحاً عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض أهل الظاهر (لعله أراد به ابن حزم، فإنه قال إنها حسنة مستحبة سنة من السنن وقربة من القرب إلى الله تعالى) فاستحبها - انتهى. ويدل لإباحة القبلة مطلقاً، ما روى عن عمر رضي الله عنه قال هَشهَشْت. يوماً فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيم. أخرجه أحمد (ج1 ص21- 52) وأبوداود والنسائي والحاكم (ج1 ص431) والدارمي وابن حزم (ج6 ص209) وسكت عنه أبوداود وابن حزم. وقال النسائي إنه منكر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قال المازري: فيه إشارة إلى فقه بديع وهو إن المضمضة لا تنقض الصوم وهو أول الشرب ومفتاحه كما إن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد
...........................
ــ
الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم إن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع كذا في الفتح. الرابع التفصيل فتكره للشاب وتباح للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وجاء فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة، أخرج أحدها أبوداود من حديث أبي هريرة. وسيأتي في الفصل الثاني. والثاني أحمد (ج2 ص185) والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب. فقال: أقبل يا رسول الله: وأنا صائم قال لا، قال فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه، وفي إسناده ابن لهيعة مختلف في الاحتجاج. والثالث البيهقي (ج4 ص232) من حديث عائشة. قال الزرقاني والقسطلاني: بإسناد صحيح إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب. وقال: الشيخ يملك إربه، والشاب يفسد صومه والخامس إن ملك نفسه جازت له وإلا فلا كما أشارت إليه عائشة في حديث الباب. قال الترمذي: ورأى بعض أهل العلم إن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا، ليسلم له صومه وهو قول سفيان الثوري والشافعي - انتهى. قلت: وهو قول أبي حنيفة. قال محمد بن الحسن في موطأه: لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه بالجماع فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل وهو قول أبي حنيفة والعامة قبلنا - انتهى. وهو قول أحمد أيضاً قال ابن قدامة (ج3 ص112) المقبل إذا كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل لم تحل له القبلة؛ لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكن لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد ولا تحرم القبلة في هذه الحال لحديث عطاء بن يسار الآتي. ولأن إفضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه، ولا يثبت التحريم بالشك. فأما إن كان ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الهرم ففيه روايتان أحدهما لا يكره له ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم لما كان مالكاً لإربه وغير ذي الشهوة في معناه. والثانية يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة، فأما اللمس لغير شهوة كلمس يدها ليعرف مرضها فليس بمكروه بحال، لأن ذلك لا يكره في الإحرام فلا يكره في الصيام كلمس ثوبها - انتهى مختصراً. وفي الروض المربع تكره القبلة ودواعي الوطى لمن تحرك شهوته، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنها شاباً. ورخص لشيخ وغير ذي الشهوة في معنى الشيخ - انتهى مختصراً. قلت: واستدل لهذا القول بما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال: سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له. قال الحافظ بعد ذكره: دل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء، لأن عمر حينئذٍ كان
متفق عليه.
ــ
شاباً ولعله كان أول ما بلغ، وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسألته فقال إني أفعل ذلك فقال زوجها يرخص الله لنبيه فيما شاء فرجعت فقال أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم وأخرجه مالك لكنه أرسله. قال عن عطاء إن رجلاً فذكر نحوه مطولاً - انتهى. السادس إنها مباحة في النفل مكروهة في الفرض وهي رواية ابن وهب عن مالك. وقد ظهر مما ذكرنا إن أعدل الأقوال وأقواها هو ما ذهب إليه الشافعي ومن وافقه من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك وبه يحصل الجمع بين الأحاديث المختلفة ويفهم من التعليل المذكور في حديثي عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة المذكورين في القول الرابع، إن الإباحة والكراهة دائرة مع ملك النفس وعدمه وعلى هذا فليس كبير فرق بين القول الرابع والخامس فالتعبير بالشيخ والشاب جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم ومن أحوال الشباب في قوة شهوتهم فلو انعكس الأمر انعكس الحكم، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التميمي عن عائشة. قالت: أهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة فقال وأنا صائم فقبلني، وهذا يؤيد ما تقدم إن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة. نعم لما كان الشباب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق. وقال المازري: ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه؛ لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه وإن كان عنها المذي. فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه، ومن رأى أن لا قضاء. قال: يكره وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة. وقال النووي: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل: مكروهة - انتهى. واختلف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى فقال الكوفيون والشافعي: يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الإمذاء. وقال مالك وإسحاق: يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط. وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فانعظ ولم يمذ ولا أنزل، وأنكره غيره عن مالك. وقال ابن قدامة: إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف كذا قال وفيه نظر. فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه كذا في الفتح (متفق عليه) وأخرجه أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى والدارمي والطحاوي والبيهقي والدارقطني بألفاظ. وفي الباب عن حفصة عند مسلم وأم سلمة عند الشيخين.
2021-
(3) وعنها، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم، فيغسل ويصوم)) .
ــ
2021-
قوله: (يدركه الفجر) أي الصبح (في رمضان) أي في بعض الأحيان (وهو) أي والحال أنه (جنب) بضمتين (من غير حلم) بضمتين ويجوز سكون اللام. قال القاري: وهو صفة مميزة أي من غير احتلام بل من جماع فإن الثاني أمر اختياري فيعرف حكم الأول بطريق الأولى، بل ولو وقع الاحتلام في حال الصيام لا يضر - انتهى. وهذا لفظ مسلم. وللبخاري يدركه الفجر جنباً في رمضان من غير حلم. قال القسطلاني: أي من جنابة غير حلم فاسقط الموصوف وهو جنابة اكتفاء بالصفة عند لظهوره - انتهى. وفي رواية لمسلم والموطأ كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام في رمضان. وفي حديث أم سلمة عند النسائي كان يصبح جنباً منى فيصوم ويأمرني بالصيام. قال الحافظ: أرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمداً يفطر. وإذا كان فاعل ذلك عمداً لا يفطر، فالذي ينسي الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك. قال ابن دقيق العيد: لما كان الاحتلام يأتي للمرأ على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع، فيبن في هذا الحديث إن ذلك كان من جماع لإزالة هذا الاحتمال. وقال القرطبي: في هذا فائدتان: إحداهما: أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بياناً للجواز. والثاني: إن ذلك كان من جماع لا من احتلام، لأنه كان لا يحتلم إذا الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه. وقال غيره: في قولها من غير احتلام إشارة إلى جواز الاحتلام عليه وإلا لما كان للاستثناء معنىً ورّد بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه. وأجيب بأن الاحتلام يطلق على الإنزال، وقد يقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام - انتهى. وقال النووي: احتج به من أجاز الاحتلام على الأنبياء، وفيه خلاف والأشهر امتناعه؛ لأنه من تلاعب الشيطان. وتألوا الحديث على أن المعنى يصبح جنباً من جماع ولا يجنب من احتلام لإمتناعه منه وهو قريب من قوله تعالى:{ويقتلون النبيين بغير حق} [آل عمران:21] ومعلوم إن قتلهم لا يكون بحق - انتهى. وقال ابن حجر: النفي في قولهم الأنبياء لا يحتلمون ليس على إطلاقه، بل المراد أنهم لا يحتلمون برؤية جماع؛ لأن ذلك من تلاعب الشيطان بالنائم وهم معصومون عن ذلك. وأما الاحتلام بمعنى نزول المني في النوم من غير رؤية وقاع فهو غير مستجيل عليهم لأنه ينشأ عن نحو امتلاء البدن فهو من الأمور الخلقية والعادية التي يستوي فيها الأنبياء وغيرهم - انتهى. (فيغتسل) أي بعد طلوع الفجر (ويصوم) أي يتم صومه. وفيه دليل على صحة صوم من دخل في الصباح وهو جنب من احتلام أو من جماع أهله وإلى هذا ذهب الجمهور. قال ابن عبد البر: عليه جماعة فقهاء الأمصار بالعراق والحجاز وأئمة الفتوى بالأمصار مالك وأبوحنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وأصحابهم وأحمد وإسحاق وأبوثور وابن علية وأبوعبيد وداود وابن جرير الطبري وجماعة
......................
ــ
من أهل الحديث. وقال ابن قدامة: هو قول عامة أهل العلم، منهم علي وابن مسعود وزيد وأبوالدرداء وأبوذر وابن عمر وابن عباس وعائشة وأم سلمة، وبه قال مالك والشافعي في أهل الحجاز، وأبوحنيفة والثوري في أهل العراق، والأوزاعي في أهل الشام، في أهل الشام، والليث في أهل مصر، وإسحاق وأبوعبيد في أهل الحديث، وداود في أهل الظاهر، وكان أبوهريرة يقول لا صوم له. ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع عنه. قال سعيد بن المسيب: رجع أبوهريرة عن فتياه، وحكى عن حسن وسالم بن عبد الله قالا يتم صومه ويقضي. وعن النخعي في رواية يقضي في الفرض دون التطوع، وعن عروة وطاووس إن علم بجنابته في رمضان فلم يغتسل حتى أصبح فهو مفطر، وإن لم يعلم فهو صائم - انتهى. وقال الحافظ: قد بقي على مقالة أبي هريرة بعض التابعين كما نقله الترمذي (من غير ذكر أسماءهم) ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النووي. (والأبي في شرح مسلم) وأما ابن دقيق العيد فقال صار ذلك إجماعاً أو كالإجماع - انتهى. قلت: وذهب ابن حزم إلى أنه لا يبطل صومه إلا أن تطلع عليه الشمس. وقيل: أن يغتسل ويصلي فيبطل صومه. قال: ذلك بناء على مذهبه في أن المعصية عمداً تبطل الصوم واحتج من قال بفساد صيام الجنب، بما روى أحمد وابن حبان عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نودي للصلاة صلاة الصبح، وأحدكم جنب، فلا يصم حينئذٍ. وأخرجه النسائي والطبراني وعبد الرزاق بلفظ: قال أبوهريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنباً، وقد بين أبوهريرة كما فغي رواية البخاري والنسائي وغيرهما أنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه بواسطة الفضل بن عباس وأسامة وكأنه كان لشدة وثوقه بخبرهما يرويه من غير واسطة. وحمل هؤلاء حديث عائشة وأم سلمة على أنه من الخصائص النبوية، وإن حكم النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت عائشة وأم سلمة، وحكم الناس على ما حكى أبوهريرة. ورُدَّ هذا بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وبأنه قد ورد صريحاً ما يدل على عدمها، وهو ما أخرجه مالك ومسلم وأبوداود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم عن عائشة، إن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب فقال: يا رسول الله! تدركني الصلاة أي صلاة الصبح وأنا جنب أفأصوم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال: لست مثلنا يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلم بما أتقى. وأجاب الجمهور عن حديث أبي هريرة بأنه منسوخ وإن أباهريرة رجع عنه لما روى له حديث عائشة وأم سلمة وأفتى بقولهما، قال ابن خزيمة إن الخبر منسوخ، لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصوم كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم. قال فيحتمل أن يكون خبر الفضل حينئذٍ، ثم أباح الله ذلك
...................................
ــ
كله إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر. فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل، ولم يبلغ الفضل ولا أباهريرة الناسخ فاستمر أبوهريرة على الفتيا به، ثم رجع عند بعد ذلك لما بلغه. قال الحافظ: ويقويه إن في حديث عائشة المتقدم في الرد على دعوى الخصوصية ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية، لقوله فيها: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأشار إلى آية الفتح، وهي إنما نزلت بعد عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية. وإلى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد، وقرره ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم} [البقرة:187] يقتضى إباحة الوطى في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه. ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنباً ولا يفسد صومه، فإن إباحة التسبب للشيء إباحة لذلك الشيء، ورَدَّ البخاري حديث أبي هريرة بأن حديث عائشة أقوى إسناداً. قال الحافظ: وهو من حديث الرجحان كذلك، لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جداً بمعنى واحد، حتى قال ابن عبد البر أنه صح وتواتر. وأما حديث أبي هريرة فأكثر الروايات أنه كان يفتى به، ورواية الرفع أقل، وعند تعارض الترجيح بكثرة الطرق وقوتها. وقال بعضهم: إن حديث عائشة أرجح لموافقة أم سلمة لها على ذلك، ورواية اثنين تقدم على رواية واحد، ولاسيما وهما زوجتان وهما أعلم بذلك من الرجال، ولأنهما ترويان ذلك عن مشاهدة بخلاف غيرهما، ولأن روايتهما توافق المنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية والمعقول، وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال، وليس في فعله شيء يحرم على صائم فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل يتم صومه إجماعاً، فكذلك إذا احتلم ليلاً بل هو من باب الأولى. وإنما يمنع الصائم من تعمد الجماع نهاراً. قال الحافظ: القول بالنسخ أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين. وجمع بعضهم بينهما بأن الأمر في حديث أبي هريرة إرشاد إلى الأفضل، فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر، فلو خالف جاز ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز. ويعكر عليه التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي عن الصيام فكيف يصح الحمل على الإرشاد إذا وقع ذلك في رمضان. وقيل: هو محمول على من أدركه الفجر مجامعاً فاستدام بعد طلوعه عالماً بذلك ويعكر عليه ما رواه النسائي إن أباهريرة كان يقول: من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم. فائدة في معنى الجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلاً ثم طلع الفجر قبل اغتسالها. وهو مذهب العلماء كافة، إلا ما حكى عن بعض السلف أنه لا يصح صومها. قال ابن قدامة (ج3 ص138) الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل كالحكم في الجنب سواء، ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر؛ لأنه إن وجد جزء منه في النهار
متفق عليه.
2022 -
(4) وعن ابن عباس، قال:((إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم)) . متفق عليه.
ــ
أفسد الصوم، ويشترط أن تنوى الصوم أيضاً من الليل بعد انقطاعه؛ لأنه لا صيام لمن يبيت الصيام من الليل. وقال الأوزاعي والحسن بن حي وعبد الملك بن الماجشون والعنبري: تقضي فرطت في الاغتسال أو لم تفرط، لأن حدث الحيض يمنع الصوم بخلاف الجنابة. ولنا أنه حديث يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة وما ذكروه لا يصح، فإن من طهرت من الحيض ليست حائضاً. وإنما عليها حدث موجب الغسل، فهي كالجنب فإن الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض، وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض - انتهى. (متفق عليه) واللفظ لمسلم، وأخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى والدارمي والطحاوي والبيهقي وغيرهم.
2022-
قوله: (احتجم) أي طلب الحجامة بالكسر ككتابة من الحجم وهو المص، يقال حجم الصبي ثدي أمه أي مصه، يحجُم ويحجِم حجماً، والحجام والحاجم من يتعاطى الحجامة، وهي المداواة والمعالجة بالمحجم بكسر الميم. قال ابن الأثير: هي الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة عند المص، وحرفته وفعله الحجامة. وقال المجد: المحجم والمحجمة ما يحجم به، وحرفته الحجامة ككتابة واحتج طلبها (وهو محرم) جملة حالية فيه جواز الحجامة للمحرم كما سيأتى الكلام فيه إنشاء الله في باب ما يجتنبه المحرم من كتاب الحج (واحتج) أيضاً (وهو صائم) حكى القاري عن الجزري أنه قال: مراد ابن عباس أنه احتجم في حال اجتماع الصوم مع الإحرام، لما رواه أبوداود حديثه أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام احتجم صائماً محرماً. ورواه الترمذي بلفظ: وهو محرم صائم - انتهى. وقال الأمير اليماني: قيل ظاهره أي ظاهر حديث الباب أنه وقع منه الأمران المذكوران مفترقين، وأنه احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم، ولكنه لم يقع ذلك في وقت واحد؛ لأنه لم يكن صائماً في إحرامه إذا أريد إحرامه وهو في حجة الوداع، إذ ليس في رمضان، ولا كان محرماً في سفره في رمضان عام الفتح، ولا في شيء من عمره التي اعتمرها، وإن احتمل أنه صام نفلاً إلا أنه لم يعرف ذلك. قال والحديث إخبار عن كل جملة عليحدة، وإن المراد احتجم وهو محرم في وقت واحتجم وهو صائم في وقت آخر والقرينة على هذا معرفة أنه لم يتفق له اجتماع الإحرام والصيام - انتهى. قلت: حديث ابن عباس روى على أربعة أوجه كما حكاه الزيلعي في نصب الراية (ج2 ص278) عن صاحب التنقيح الأول احتجم وهو محرم، الثاني احتجم وهو صائم،
.........................
ــ
الثالث احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم، الرابع احتجم وهو صائم محرم، فالأول، روى من طرق شتى عن ابن عباس عند أحمد والشيخين وغيرهم، واتفقا عليه من حديث عبد الله بن بحينة، وفي النسائي وغيره من حديث أنس وجابر. والثاني: رواه البخاري وأصحاب السنن. والثالث رواه البخاري. قال الحافظ: والظاهر إن الراوي جمع بين الحديثين. والرابع رواه أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم وصححه الترمذي، وأعله أحمد وعلي بن المديني وغيرهما. فقال أحمد: إن أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياماً يعني ليس عندهم صائم، وإنما هو محرم. وقال أبوحاتم: هذا خطأ أخطأ فيه شريك، إنما هو احتجم وأعطى الحجمام أجرته، كذلك رواه جماعة عن عاصم. وشريك حدث من حفظه وقد ساء حفظه فغلط فيه. وقال الحميدي: هذا ريح لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صائماً محرماً لأنه خرج في رمضان في غزوة الفتح ولم يكن محرماً. وقال الحافظ: استشكل النسائي كونه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصيام والإحرام لأنه لم يكن من شأنه التطوع بالصيام في السفر ولم يكن محرماً إلا وهو مسافر، ولم يسافر في رمضان إلى جهة الإحرام إلا في غزاة الفتح، ولم يكن حينئذٍ محرماً قلت (فقائله الحافظ) وفي الجملة الأولى نظر، فما المانع من ذلك فلعله فعل مرة لبيان الجواز، وبمثل هذا لا ترد الإخبار الصحيصة، ثم ظهر لي إن بعض الرواة جمع بين الأمرين في الذكر، فأولهم أنهما وقعا معاً والأصوب رواية البخاري احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرما، فيحمل على أن كل واحد منهما وقع في حالة مستقله، وهذا لا مانع منه، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صام في رمضان وهو مسافر، وهو في الصحيحين بلفظ: وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، ويقوى ذلك إن غالب الأحاديث ورد مفصلاً كما تقدم. وقد اختلف في الحجامة للصائم: فذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأبوحنيفة إلى أنه لا بأس بها عند الأمن وإنها لا تفطر الصوم مطلقاً، وحجتهم حديث ابن عباس وما وافقه. وقال: عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبوثور وابن خزيمة وابن المنذر وأبولبيد النيسابوري وابن حبان: أنه يفطر الحاجم والمحجوم ويجب عليهما القضاء وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضاً، واحتج هؤلاء بحديث أفطر الحاجم والمحجوم وقال قوم: منهم مسروق والحسن وابن سيرين يكره الحجامة للصائم مطلقاً، ولا يفسد الصوم بها، نعم ينقص أجر صيامهما بإرتكاب هذا المكروه وأجاب القائلون بعدم الفطر عن حديث أفطر الحاجم والمحجوم بوجهين أحدهما ادعاء النسخ قال ابن عبد البر: أنه منسوخ لحديث ابن عباس، لأن في حديث شداد وغيره أنه صلى الله عليه وسلم مر عام الفتح على من يحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال أفطر الحاجم والمحجوم. وابن عباس شهد معه حجة الوداع سنة عشر، وشهد حجامته حينئذٍ وهو محرم صائم. وحديث ابن عباس لا مدفع فيه عند أهل الحديث فهو ناسخ لا محالة
........................
ــ
لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان مع النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وسبق إلى ذلك الشافعي كما حكاه البيهقي عنه في المعرفة وفي السنن الكبرى (ج4 ص268) واعترض بأنه قد اختلف التوقيت في حديث شداد ففي رواية عند البيهقي أنه كان عام الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم كان حينئذٍ بمكة، وفي حديثه عند أبي داود والبيهقي أيضاً إن ذلك كان بالبقيع وهو بالمدينة، وكذا وقع في حديث ثوبان عند البيهقي (ج4 ص266) ففي دعوى النسخ على هذا نظر. وأيضاً في حديث ابن عباس إنه احتجم صائماً محرماً ولم يكن محرماً وهو مقيم، وإنما كان محرماً وهو ومسافر وللمسافر أن يفطر على ما شاء من طعام وجماع وحجامة، وكذا للمتطوع بالصوم أن يفطر متى شاء بالحجامة وغيرها. قال ابن حبان: لا يعارض حديث ابن عباس حديث أفطر الحاجم والمحجوم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قط محرماً إلا وهو مسافر والمسافر يباح له الإفطار. وقال ابن خزيمة في هذا الحديث: أنه كان صائماً محرماً، قال: ولم يكن قط محرماً. وهو مقيم ببلده، إنما كان محرماً وهو مسافر، والمسافر إن كان ناوياً للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم أبيح له الأكل والشرب على الصحيح، فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر في بعض نهار الصوم. وإن كانت الحجامة تفطره - انتهى. قال الزيلعي (ج2 ص478) لفظ البخاري ربما يدفع هذا التأويل؛ لأنه فرق بين الخبرين فقال احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم فلينظر في ذلك. وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر تأويل ابن خزيمة. وتعقب بأن الحديث ما ورد هكذا لا لفائدة، فالظاهر أنه وجدت من الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر. وقال الخطابي في المعالم (ج2 ص111) متعقباً على ابن خزيمة هذا التأويل غير صحيح، لأنه قد أثبته حين احتجم صائماً، ولو كان يفسد صومه بالحجامة لكان يقال أنه أفطر بالحجامة، كما يقال أفطر الصائم بشرب الماء وبأكل التمر وما أشبههما، ولا يقال شرب ماء صائماً ولا أكل تمراً وهو صائم - انتهى وحاصله إن قوله "وهو صائم" دال على بقاء الصوم. قال الحافظ في التلخيص (ص190) بعد ذكره قلت: ولا مانع من إطلاق ذلك باعتبار ما كان حالة الاحتجام لأنه على هذا التأويل إنما أفطر بالاحتجام والله أعلم- انتهى. وقال ابن حزم في المحلى (ج6 ص204) صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم، فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخة ثم رد على من ادعى نسخة بحديث ابن عباس. ثم قال لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم، وإسنادة صحيح. فوجب الأخذ به لأن الرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً - انتهى مختصراً. والحديث المذكور أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي. قال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات. ولكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدارقطني، ولفظه أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به
......................
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان. ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم، ورواته كلهم من رجال البخاري إلا أن في المتن ما ينكر، لأن فيه إن ذلك في الفتح وجعفر كان قتل قبل ذلك، ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه عبد الرزاق وأبوداود عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه إسناده صحيح. والجهالة بالصحابي لا تضر، وقوله "إبقاء على أصحابه" يتعلق بقوله نهي، وقد رواه ابن أبي شيبة بلفظ: عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: إنما نهى النبي عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف- انتهى كلام الحافظ. الوجه الثاني الجمع والتأويل. قال الخطابي (ج2 ص110) وتأول بعضهم حديث أفطر الحاجم والمحجوم. فقال: معناه تعرضاً للإفطار. أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه من ذلك فيؤديه إلى أن يعجز من الصوم. وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يصل إلى جوفه من طعم الدم أو من بعض إجراحه إذا ضم شفتيه على قصب الملازم، وهذا كما يقال للرجل يتعرض للمهالك قد هلك فلان وإن كان باقياً سالماً. وإنما يراد أنه قد أشرف على الهلاك، وكقوله صلى الله عليه وسلم: من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين، يريد أنه قد تعرض للذبح - انتهى. وبنحوه قال البغوي كما سيأتي في الفصل الثاني. ورده ابن تيمية بأن قوله صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم له نص في حصول الفطر لهما فلا يجوز أن يعتقد بقاء صومهما، والنبي صلى الله عليه وسلم مخبر عنهما بالفطر لاسيما، وقد أطلق هذا القول إطلاقاً من غير أن يقرنه بقرينة تدل على أن ظاهره غير مراد، فلو جاز أن يريد مقاربة الفطر دون حقيقته، لكان ذلك تلبيساً لا تبييناً للحكم - انتهى. قال الأمير اليماني: بعد ذكر هذا قلت: ولا ريب في أن هذا هو الذي دل له قوله في حديث أنس في قصة احتجام جعفر أفطر هذان ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة، وتقدم أنه من أدلة نسخ حديث أفطر الحاجم والمحجوم. وقيل في تأويله بأن المراد بذلك رجلان بعينهما كان مشتغيلين بالغيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم أي للغيبة لا للحجامة، أخرجه الطحاوي وعثمان الدارمي والبزار والبيهقي في المعرفة، وفي السنن وغيرهم. وفيه يزيد بن أبي ربيعة وهو متروك. وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل. وقال ابن خزيمة: في هذا التأويل إنه أعجوبة لأن القائل به لا يقول إن الغيبة تفطر الصائم. وقال أحمد: ومن سلم من الغيبة ولو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم، وقد وجه الشافعي هذا القول وحمل الإفطار بالغيبة على سقوط أجر الصوم مثل قوله صلى الله عليه وسلم للمتكلم، والخطيب يخطب لا جمعة له ولم يأمره بالإعادة، فدل على أنه أراد سقوط الأجر، وحينئذٍ فلا وجه لجعله أحجوبة كما قال ابن خزيمة. وقيل في تأويله أيضاً إن الحجامة كانت مع الغروب أي مر بهما صلى الله عليه وسلم مساء، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم كأنه عذرهما
متفق عليه.
2023-
(5) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب
ــ
بهذا القول إذ كانا قد أمسيا ودخلا في وقت الإفطار، كما يقال أصبح الرجل وأظهر وأمسى إذا دخل في هذه الأوقات. ويدل عليه ما روى ابن حبان والطبراني في الأوسط عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أباطيبة فوضع المحاجم مع غيبوبة الشمس، ثم أمره مع إفطار الصائم فحجم- الحديث. قال الهيثمي بعد عزوه إلى الطبراني: رجاله رجال الصحيح. وقيل معنى أفطرا فعلاً مكروهاً، وهو الحجامة فصار كأنهما غير متلبسين بالعبادة. قال الخطابي: قال بعضهم: هذا على التغليظ لهما والدعاء عليهما كقوله فيمن صام الدهر، لا صام ولا أفطر فمعنى قوله أفطر الحاجم والمحجوم على هذا التأويل أي بطل أجر صيامهما فكأنهما صارا مفطرين غير صائمين. وقيل معناه حان لهما أن يفطرا كقوله أحصد الزرع إذا حان له أن يحصد وأركب المهر إذا حان له أن يركب ذكره الخطابي أيضاً. وقال الشوكاني: حديث ابن عباس لا يصلح لنسخ أحاديث الإفطار؛ لأنه لم يعلم تأخره نعم حديث ابن أبي ليلى وأنس وأبي سعيد يدل على أن الحجامة غير محرمة ولا موجبة لإفطار الحاجم ولا المحجوم، فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة (بكراهة التنزيه) في حق من كان يضعف بها وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حد يكون سبباً للإفطار، ولا تكره في حق من كان لا يضعف بها وعلى كل تجنب الحجامة للصائم أولى فيتعين حمل قوله أفطر الحاجم والمحجوم على المجاز لهذه الأدلة الصارفة له عن معناه الحقيقي - انتهى. (متفق عليه) فيه نظر، فإن الحديث من أفراد البخاري وليس عند مسلم ذكر الاحتجام في حالة الصوم أصلاً، ولذلك نسبة المجد في المنتقى والحافظ في بلوغ المرام والتلخيص والنابلسي في الذخائر إلى البخاري فقط. والظاهر إن المنصف قلد في ذلك ابن الأثير الجزري إذ عزاه في جامع الأصول (ج7 ص191) إلى البخاري ومسلم وكليهما ولا شك في أن هذا وهم منه. وقد تقدم ذكر من أخرجه غير البخاري. وفي جواز الحجامة للصائم أحاديث عن جماعة من الصحابة ذكرها العيني في شرح البخاري (ج11 ص40) والهيثمي في مجمع الزوائد (ج3 ص170) .
2023-
قوله: (من نسي) أي أنه في الصوم (وهو صائم فأكل أو شرب) سواء كان قليلا أو كثيراً كما رجحه النووي لظاهر إطلاق الحديث. قال العيني: لا فرق عندنا وعند الشافعي بين القليل والكثير. وقال الرافعي فيه وجهان، كالوجهين. في بطلان الصلاة بالكلام الكثير - انتهى. وقد روى أحمد من حديث أم إسحاق إنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت إنما كانت صائمة. فقال: لها ذو اليدين الآن بعد ما
فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) .
ــ
شبعت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك: قال الحافظ: بعد ذكره وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيرة- انتهى. ويروي وشرب واقتصر عليهما دون باقي المفطرات؛ لأنهما الغالب في النسيان (فليتم صومه) وفي رواية الترمذي فلا يفطر، قال العراقي يجوز أن يكون "لا" في جواب الشرط للنهي ويفطر مجزوماً، ويجوز أن تكون "لا" نافية ويفطر مرفوعاً، وهو أولى فإنه لم يرد به النهي عن الأفطار، وإنما المراد أنه لم يحصل إفطار الناسي بالأكل ويكون تقديره من أكل أو شرب ناسياً لم يفطر - انتهى. ثم لما لم يكن أكله وشربه باختياره المقتضي لفساد صومه بل لأجل إنساءه تعالى له لطفاً به وتيسيراً عليه بدفع الحرج عن نفسه علله صلى الله عليه وسلم بقوله (فإنما أطعمه الله وسقاه) أي ليس له فيه مدخل قال السندي: كأن المراد قطع نسبة ذلك الفعل إلى العبد بواسطة النسيان، فلا يعد فعله جناية منه على صومه مفسداً له وإلا فهذا القدر موجود في كل طعام وشراب يأكله الإنسان أكله عمداً أو سهواً وقال الخطابي: النسيان من باب الضرورة، والأفعال الضرورية غير مضافة في الحكم إلى فاعلها، ولا يؤاخذ بها. وفي رواية الترمذي فإنما هو رزق رزقه الله. قال العيني: قوله فإنما تعليل لكون الناسي لا يفطر، ووجه ذلك إلى الرزق لما كان من الله ليس فيه للعبد تحيل فلا ينسب إليه شبه الأكل ناسياً به، لأنه لا صنع للعبد فيه وإلا فالأكل متعمداً حيث جاز له الفطر رزق من الله تعالى بإجماع العلماء وكذلك هو رزق وإن لم يجز له الفطر على مذهب أهل السنة - انتهى. والحديث دليل على أن من أكل أو شرب ناسياً لصومه فإنه لا يفطره ولا يوجب القضاء، وإليه ذهب الجمهور الشافعي وأحمد وأبوحنيفة وإسحاق والأوزاعي والثوري وعطاء وطاووس. وقال مالك: يبطل صومه ويجب عليه القضاء وهو قوله شيخه ربيعة وجميع أصحاب مالك لكن فرقوا بين الفرض والنفل واحتج الجمهور لقولهم بحديث الباب؛ لأنه أمر بالإتمام وسمي الذي يتمه صوماً، وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية فيتمسك به حتى يدل دليل على أن المراد بالصوم هنا حقيقته اللغوية، وإذا كان صوماً وقع مجزئاً ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء كذا قرره ابن دقيق العيد (ج2 ص212) قال وقوله "إنما أطعمه الله وسقاه" يستدل به على صحة الصوم، فإن فيه إشعاراً بأن الفعل الصادر منه مسلوب الإضافة إليه، والحكم بالفطر يلزمه الإضافة إليه - انتهى. واستدل لمن ذهب إلى الفطر وإيجاب القضاء بأن ركن الصوم هو الإمساك عن المفطرات فإذا فات ركنه يفسد الصوم كيف ما كان. قال ابن دقيق العيد (ج2ص 211) ذهب مالك إلى إيجاب القضاء وهو القياس، فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات. والقاعدة تقتضي أن النسيان لا يؤثر في باب المأمورات. وقال ابن العربي: تمسك جميع الفقهاء بظاهر هذا الحديث وتطلع مالك
............................
ــ
إلى مسألة من طريقها فأشرف عليه، لأن الفطر ضد الصوم والإمساك ركن الصوم، فأشبه ما لو نسي ركعة من الصلاة وسيأتي الجواب عن هذا الاستدلال. واعتذر المالكية عن حديث الباب بوجوه. منها إن المراد فليتم إمساكه عن المفطرات يعني إن الصوم محمول على معناه اللغوي فيكون أمراً بالإمساك بقية يومه كالحائض إذا طهرت في أثناء اليوم وهو مدفوع أولاً، بأن الاتفاق على أن الحمل على المفهوم الشرعي حيث أمكن في لفظ الشارع واجب، فإن قيل يجب ذلك الدليل على البطلان وهو القياس الذي تقدم ذكره، قلنا حقيقة النص مقدم على القياس لو تم فكيف وهو لا يتم، فإنه لا يلزم من البطلان مع النسيان فيما له هيئة مذكرة البطلان معه فيما لا مذكر له وهيئة الإحرام والاعتكاف والصلاة مذكرة فإنها تخالف الهيئة العادية ولا كذلك الصوم والنسيان غالب للإنسان، فلا يلزم من عدم عذره بالنسيان مع تلك عدم عذره به مع الصوم. وثانياً، بأن نفس اللفظ يدفعه وهو قوله "فليتم صومه" وصومه إنما كان الشرعي فإتمام ذلك إنما يكون بالشرعي. وثالثاً: بما ورد من نفي القضاء صريحاً كما سيأتي. ومنها إنه محمول على التطوع حكاه ابن التين عن ابن شعبان، وكذا قال ابن القصار: واعتل بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع. ومنها أنه محمول على رفع الإثم وسقوط المؤاخذة. قال القرطبي: احتج بالحديث من أسقط القضاء، وأجيب بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة لأن المطلوب صيام يوم لا خرم فيه. ومنها إن المراد منه سقوط الكفارة عنه. قال المهلب وغيره: لم يذكر في الحديث إسقاط القضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها - انتهى. والجواب عن ذلك كله بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (ج1 ص430) وصححه والدارقطني (ص237) والطبراني في الأوسط والبيهقي (ج4 ص229) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء، وقد انفرد بذكر إسقاط القضاء الأنصاري وهو ثقة. وأخرجه النسائي من طريق علي بن بكار عن محمد بن عمرو، ولفظه في الرجل يأكل في شهر رمضان ناسياً فقال الله أطعمه وسقاه. وقد ورد إسقاط القضاء من وجه آخر عن أبي هريرة، أخرجه الدارقطني من رواية محمد بن عيسى بن الطباع عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين ولفظه فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه. وقال: بعد تخريجه هذا إسناد صحيح وكلهم ثقات. قال الحافظ: ولكن الحديث عند مسلم وغيره من طريق ابن علية وليس فيه هذه الزيادة، وروى الدارقطني أيضاً إسقاط القضاء من رواية أبي رافع وأبي سعيد المقبري والوليد بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار كلهم عن أبي هريرة وأخرج (ص237) أيضاً (وكذا الطبراني في الأوسط) من حديث أبي سعيد رفعه من أكل
............................
ــ
في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه، وإسناده، وإن كلن ضعيفاً (لأن فيه محمد بن عبيد الله العزرمي الفزاري وهو ضعيف) لكنه صالح للمتابعة فأقل درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسناً فيصلح للاحتجاج به. وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما دونه في القوة ويعتضد أيضاً بأنه قد أفتى به جماعة من الصحابة من غير مخالفة لهم منهم، كما قاله ابن المنذر وابن حزم وغيرهما علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبوهريرة وابن عمر. ثم هو موافق لقوله تعالى:{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة:225] فالنسيان ليس من كسب القلب وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه فكذلك الصيام. وأما القياس الذي ذكره ابن العربي فهو في مقابلة النص فلا يقبل – انتهى كلام الحافظ. وتأول المالكية حديث سقوط القضاء على أن معناه لا قضاء عليه الآن وهذا تعسف ظاهر وأجاب عنه ابن العربي بأن خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يعمل به، فلما جاء الحديث الأول الموافق للقاعدة في رفع الإثم عملنا به، وأما الثاني فلا يوافقها فلم نعمل به. وتعقبه الحافظ بأن رد الحديث مع صحته بكونه خبر واحد. خالف القاعدة ليس بمسلم. لأنه قاعدة مستقلة بالصيام، فمن عارضه بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة، ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث إلا القليل ولرد من شاء ما شاء. قال الشوكاني: وأما اعتذار ابن دقيق العيد فيجاب عنه بأن غاية هذه القاعدة المدعاة أن تكون بمنزلة الدليل، فيكون حديث الباب مخصصاً لها - انتهى. وفي الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم واختلفوا فيما إذا جامع ناسياً في نهار رمضان فقال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وإسحاق: مثل قولهم فيمن أكل أو شرب ناسياً، وإليه ذهب الحسن ومجاهد، واستدل لهم بأن الحديث وإن ورد في الأكل والشرب لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل أي الأكل والشرب والجماع، وهو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيض بقوله: فإنما أطعمه الله وسقاه قطع إضافته عن العبد بوقوعه فيه من غير قصده واختياره. وهذا المعنى يوجد في الكل والعلة إذا كانت منصوصاً عليها كان الحكم منصوصاً عليه، ويتعمم الحكم بعموم العلة، وكذا معنى الحرج يوجد في الكل. واستدل لهم أيضاً بما تقدم في رواية ابن خزيمة وغيره من قوله "من أفطر في شهر رمضان" لأن الفطر أعم من أن يكون بأكل أو شرب أو جماع. وإنما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعاً ولعدم الاستغناء عنهما غالباً. قال ابن دقيق العيد: تعليق الحكم بالأكل والشرب للغالب لأن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليهما وذكر الغالب لا يقتضي مفهوماً - انتهى. وقال عطاء والأوزاعي ومالك والليث بن سعد: عليه القضاء أي بدون الكفارة وقال أحمد عليه القضاء والكفارة، واحتج له بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الذي وقع على أهله أنسيت أم
متفق عليه.
2024-
(6) وعنه، قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! هلكت.
ــ
عمدت، ولو افترق الحال لسأل واستفصل. وتعقبه الخطابي (ج2 ص121) بأن معناه في هذا اقتضاء العموم من الفعل، والعموم إنما يقتضي من القول دون الفعل. وإنما جاء الحديث بذكر حال وحكاية فعل فلا يجوز وقوعه على العمد والنسيان معاً فبطل أن يكون له عموم. ومن مذهب أبي عبد الله يعني الإمام أحمد أنه إذا أكل ناسياً لم يفسد صومه لأن الأكل لم يحصل منه على وجه المعصية، فكذلك إذا جامع ناسياً. فإما المتعمد لذلك فقد حصل منه الفعل على وجه المعصية فلذلك وجبت عليه الكفارة - انتهى. وأجيب أيضاً بأن الأصل في الأفعال أن تكون عن عمد، وإن الناسي لابد أن يذكر النسيان إذا استفتى؛ لأنه عذر ولا يحتاج إلى السؤال عنه (متفق عليه) واللفظ لمسلم، وأخرجه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى وابن ماجه والدارمي وغيرهم.
2024-
قوله: (بينما) أصله بين فأشبعت فتحة النون وصار بينا ثم زيد فيه الميم فصار بي بينما ويضاف إلى جملة اسمية وفعلية، ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه "إذ وإذا" ولكن كثير مجيئها كذلك ومنه قوله هنا (إذ جاءه رجل) قيل الرجل هو سلمة بن صخر البياضي جزم به عبد الغني في المبهمات، وتبعه ابن بشكوال واستند إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سيلمان بن يسار عن سلمة ابن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان وإنه وطئها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: حرر رقبة - الحديث. وانتقد بأن ذلك هو المظاهر في رمضان أتى أهله في الليل رأى خلخالها في القمر، وفي تمهيد ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب إن الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان سلمان بن صخر أحد بني بياضة. قال وأظن هذا وهما أتى من الراوي أي؛ لأن ذلك إنما هو في المظاهر وقع على امرأته في الليل. وأما المجامع فإعرابي فهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب إنه كان صائماً كما سيأتي وفي قصة سلمة بن صخر أنه كان ذلك ليلاً كما عند الترمذي فافترقا، ولا يلزم من اجتماعهما في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة، وكونها مرتبة، وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها إتحاد القصتين. (فقال يا رسول الله هلكت) وقع في رواية البيهقي (ج4 ص226) وأبي عوانة والجوزقي جاء رجل وهو ينتف شهره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد. ولأحمد (ج2 ص516) والدارقطني في العلل يلطم وجه وللبيهقي (ج4 ص226) وأحمد (ج2 ص208) يدعو ويله وفي مرسل ابن المسيب عند مالك في الموطأ يضرب نحره وعند الدارقطني ويحثى على رأسه التراب. واستدل
قال: مالك؟ قال: وقعت علي امرأتي
ــ
بهذا على جواز هذا الفعل، والقول ممن وقعت له معصية، ويفرق بذلك بين مصيبة الدين والدنيا، فيجوز في مصيبة الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم. وصحة الإقلاع، ويحتمل أن تكون هذه الواقعة قبل النهي عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة قاله الحافظ. ووقع في حديث عائشة عند البخاري وغيره احترقت واستدل به على أنه كان عامداً؛ لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدى إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي، وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو مشهور قول مالك والجمهور، وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناسي وتمسكوا بترك استفساره عن جماعة هل كان عن عمدٍ أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر. وقد تقدم جوابه عن الخطابي في شرح الحديث السابق، وأجاب الحافظ عنه بأنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامداً عارفاً بالتحريم، وأيضاً فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد - انتهى. قال ابن دقيق العيد (ج2 ص214) إن حالة النسيان بالنسبة إلى الجماع ومحاولة مقدماته وطول زمانه وعدم إعتياده في كل وقت مما يبعد في حالة النسيان، فلا يحتاج إلى الاستفصال على الظاهر. لاسيما وقد قال الأعرابي هلكت فإنه يشعر بتعمده ظاهراً ومعرفته بالتحريم - انتهى قال الحافظ. واستدل بهذا على أن من ارتكب معصية، لا حد فيها وجاء مستفتياً إنه لا يعزر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية. وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود. وأشار إلى هذه القصة وتوجيهه إن مجيئة مستفتياً يقتضي الندم والتوبة والتعزير إنما جعل الاستصلاح ولا استصلاح مع الصلاح، وأيضاً فلو عوقب المستفتي لكان سبباً لترك الاستفتاء وهي مفسدة عظيمة، فاقتضى ذلك أن لا يعاقب هكذا قرره ابن دقيق العيد. لكن وقع في شرح السنة للبغوي إن من جامع متعمداً في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة، ويعزر على سوء صنيعه وهو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة - انتهى (قال مالك) بفتح اللام "وما" استفهامية محلها بالابتداء أي أي شيء حصل أو وقع لك ولابن خزيمة ويحك ما شأنك ولأحمد (ج2 ص516) وما الذي أهلكك وفي الأدب عند البخاري ويحك ما صنعت (وقعت على امرأتي) وعند البزار أصبت أهلي، وفي حديث عائشة وطئت امرأتي، ووقع في رواية مالك وابن جريج وغيرهما عند مسلم وغيره إن رجلاً أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم الحديث. واستدل به على إيجاب الكفارة على من أفسد صيامه مطلقاً بأي شيء كان، وهو قول المالكية والحنيفة. واختلف الأئمة فيه، فحكى عن عطاء والحسن والثوري والزهري والأوزاعي وإسحاق، إن الفطر بالأكل والشرب عمداً، يوجب ما يوجبه الجماع من القضاء والكفارة، وبه قال مالك وأبوحنيفة وأصحابهما. وذهب سعيد بن
وأنا صائم
ــ
جبير والنخعي وابن سيرين وحماد والشافعي وأحمد وأهل الظاهر، إلى أن الكفارة إنما تلزم في الإفطار بالجماع فقط. فحملوا قوله "أفطر" ههنا على المقيد في الرواية الأخرى، وهو قوله وقعت علي امرأتي وكأنه قال أفطر بجماع واحتج من أوجب الكفارة مطلقاً بقياس الآكل على المجامع بجامع ما بينهما من انتهاك حرمة الصوم، وبأن من أكره على الأكل فسد صومه كما يفسد صوم من أكره على الجماع بجامع ما بينهما. وتعقب بأن الفرق بين الانتهاك بالجماع والأكل ظاهر فلا يصح هذا القياس. قال ابن قدامة: لا يصح قياسه على الجماع؛ لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس والحكم في التعدي به آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً. ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته، ووجوب البدنة. ولأنه في الغالب يفسد صوم اثنين بخلاف غيره - انتهى. وقد وقع في حديث عائشة نظير ما وقع في حديث أبي هريرة، فمعظم الروايات فيها وطئت امرأتي ونحو ذلك، وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبوعوانة في مستخرجة متنها أنه قال أفطرت في رمضان، والقصة واحدة ومخرجها متحد، فيحمل على أنه أراد أفطرت في رمضان بجماع. وقد وقع في مرسل سعيد بن المسيب عند سعيد بن منصور أصبت امرأتي ظهراً في رمضان وبتعين رمضان، يفهم الفرق في وجوب كفارة الجماع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر هذا. وقد استدل لمذهب الحنفية ابن الهمام بقوله أفطر في بعض الروايات والكاساني بالمواقعة المذكورة في أكثر الروايات وبالقياس عليها، وأطالا الكلام في تقرير ذلك من شاء الوقوف عليه رجع إلى فتح القدير والبدائع. وقال صاحب فتح الملهم: بعد ذكر تقرير ابن الهمام. والحق إن هذه الأدلة لا تخلو عن ضعف إسناد وضعف دلالة على المطلوب فلا تصلح أن تكون دعامة لإثبات المسألة وأساساً له نعم، تعتبر في معرض الاستشهاد والتأئيد بعد ثبوت أصل المسألة ثم ذكر تقرير صاحب البدائع وابن الهمام لإثبات أصل المسألة بالجماع المذكور في الروايات وبالقياس عليه ثم قال: ولكن يختلج في قلب العبد الضعيف إن الوصف المؤثر الذي هو مناط الحكم في المنصوص هل هو إفساد الصوم بالجماع خاصة أو إفساده بالمفطر الكامل مطلقاً والظاهر من إيجاب التكفير بكفارة الظهار هو الأول، فإن المظاهر يحرم إمراته على نفسه تحريماً غليظاً بإفحاش القول فيه، ثم يعود لما قاله فيجب عليه كفارة الظهار. وهكذا الصائم في رمضان لما حرم على نفسه الجماع تحريماً غليظاً بنيته ومصادفته ذلك الوقت الشريف المبارك، ثم وقع فيه صار مثل المظاهر وصار حكمهما واحداً، وليس كل من حرم على نفسه أكل شيء أو شربه بأغلظ الأقوال وأفحشها ثم حنث فيه يجب عليه ما يجب على المظاهر، فافترق الجماع، والأكل ضرورة فكيف يكون المفطر بالأكل ملحقاً بالمظاهر في وجوب الكفارة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب - انتهى. (وأنا صائم) جملة حالية من قوله:" وقعت" فيؤخذ منه إنه لا يشترط في إطلاق اسم المشتق بقاء المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائماً مجامعاً في حالة واحدة، فعلى هذا قوله وطئت أي شرعت في الوطء
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً قال: لا،
ــ
أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم قاله الحافظ (هل تجد رقبة تعتقها) أي تقدر فالمراد الوجود الشرعي ليدخل فيه القدرة بالشراء ونحوه، ويخرج عنه مالك الرقبة المحتاج إليها بطريق معتبر شرعاً. وفي رواية لأحمد أتستطيع أن تعتق رقبة (قال) الرجل (لا) أجد رقبة، وفي حديث ابن عمر عند أبي يعلى والطبراني. فقال: والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط. واستدل به من أجاز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة لأجل الإطلاق وهم الحنفية وابن حزم، ومن يشترط الإيمان وهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، يقيد الإطلاق ههنا بالتقييد في كفارة القتل، وهو ينبني على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم، هل يقيد المطلق أم لا؟ وإذا قيد فهل هو بالقياس أم لا؟ والمسألة مشهورة في أصول الفقه. والأقرب أنه إن قيد فبالقياس، ويؤيده التقييد في مواضع أخرى (فهل تستطيع) أي تقوى وتقدر (أن تصوم شهرين متتابعين) وفي رواية للبخاري قال: فصم شهرين متتابعين، وفيه اشتراط التتابع، وعلى هذا جمهور الفقهاء. وقال ابن أبي ليلى: ليس التتابع بلازم في ذلك، والحديث حجة عليه (قال لا) وفي رواية لا أقدر عليه، وللبزار وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام. قال ابن دقيق العيد: لا إشكال في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام، لكن رواية البزار هذه افتضت إن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع، فنشأ للشافعية نظر هل يكون ذلك أي شدة الشبق عذراً، حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا؟ والصحيح عندهم اعتبار ذلك. ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى به عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد كذا في الفتح (قال هل) وفي البخاري قال فهل (تجد إطعام ستين مسكيناً قال لا) وفي رواية فهل تستطيع إطعام وفي أخرى فتطعم ستين مسكيناً. قال: لا أجد. ولأحمد أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا، وذكر الحاجة. وفي حديث ابن عمر قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي، والمراد بالمسكين هنا أعم من الفقير، لأن كلا منهما حيث أفرد يشمل الآخر. وإنما يفترقان عند اجتماعهما نحو {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} [التوبة:60] والخلاف في معناهما حينئذٍ معروف. قال ابن دقيق العيد: قوله: "إطعام ستين مسكيناً، يدل على وجوب إطعام هذ العدد؛ لأنه أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين، فلا يكون ذلك موجوداً في حق من أطعم عشرين مسكيناً ثلاثة أيام مثلاً. ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكيناً واحداً في ستين يوماً كفى. قال الحافظ: والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة
.......................
ــ
الإطعام من وضع المطعوم في الفم. بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة بخلاف زكاة الفرض، فإن فيها النص على الإيتاء. وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء، وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية، ونظر الشافعي إلى النوع فقال: يسلم لوليه وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها، ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك. والحكمة في هذه الخصال الثلاث في الكفارة على ما ذكر إن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية، فناسب أن يعتق رقبة فيفدى نفسه. وقد صح أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار. وأما الصيام فمناسبته ظاهرة؛ لأنه كالمقاصة بجنس الجناية. وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء، فلما أفسد منه يوماً كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع، فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده. وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة؛ لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين. وفي الحديث دليل على جريان الخصال الثلاث المذكورة، في الكفارة وإليه ذهب جمهور العلماء، واختلفت الرواية عن مالك في ذلك، فالمشهور عنه الجزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره من الصيام والعتق، وعنه يكفر بالأكل بالتخيير، وفي الجماع بالإطعام فقط. وعنه التخيير مطلقاً، وفي المدونة. ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام. قال ابن دقيق العيد: وهي معضلة لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال، ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بوجوه فذكرها ثم قال: وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام، ثم الإطعام سواء، قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه، واحتج لمالك أيضاً بأن حديث عائشة لم يقع فيه سوى الإطعام، وجوابه أنه اختصار من بعض الرواة، وقد ورد فيه من وجه آخر ذكر العتيق أيضاً، ووقع في حديث أبي هريرة ذكر العتق وصيام شهرين أيضاً، والقصة واحدة. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب، ومنهم من قال إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت الشدة تكون بالإطعام، وفي غيرها تكون بالعتق والصوم، ونقلوه عن محققي المتأخرين. ومنهم من قال الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث وبغيره لا يكفر إلا بالإطعام وهو قول أبي مصعب. وقال ابن جرير الطبري: هو مخير بين العتيق والصوم، ولا يطعم إلا عند العجز عنهما. وفي الحديث أنه لا مدخل لغير هذه الثلاث في الكفارة وجاء عن بعض المتقدمين إهداء البدنة عند تعذر الرقبة، وربما أيده بعضهم بإلحاق إفساد
قال "أجلس" ومكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
الصيام بإفساد الحج. وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في الموطأ وهو مع إرساله قد رده سعيد بن المسيب، وكذب من نقله عنه كما روى سعيد بن منصور. ورواه ابن عبد البر من طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولاً، لكنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وليث ضعيف، وقد اضطرب في روايته سنداً ومتناً فلا حجة فيه. واختلف في أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب أو على التخيير، والمراد بالترتيب أن لا ينتقل المكلف إلى المؤخر في الذكر إلا بعد العجز عن الذي قبله، وبالتخيير أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز، فذهب مالك إلى أنها على التخيير. وقال الشافعي وأحمد وأبوحنيفة: هي مرتبة فالعتق أولاً، فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يستطع فالإطعام، واحتجوا بحديث الباب. قال ابن العربي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر، وليس هذا شأن التخيير، ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك. فقال: إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن المنير بأن شخصاً لو حنث فاستفتى. فقال المفتى: أعتق رقبة فقال: لا أجد فقال: صم ثلاثة أيام إلى آخره، لم يكن مخالفاً لحقيقة التخيير بل يحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة. وقال البيضاوي: ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول، ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني، يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان، وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم. قال الحافظ: وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح، بأن الذين رَوَوا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير فإن الذين رووا الترتيب عنه هم تمام ثلاثين نفساً أو أزيد، ورجح الترتيب أيضاً بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث، فدل على أنه من تصرف بعض الرواة، إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك، ويترجح الترتيب أيضاً بأنه أحوط لأن الأخذ به مجزيء سواء قلنا بالتخيير أولاً بخلاف العكس. وقيل: أو في الرواية الأخرى ليست للتخيير، وإنما هي للتفسير والتقدير أمر رجلاً أن يعتق رقبة أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما (قال: إجلس) قيل: إنما أمره بالجلوس لانتظار الوحي في حقه أو كان عرف أنه سيؤتي بشيء يعينه به (ومكث) بضم الكاف وفتحها (النبي صلى الله عليه وسلم) لفظ البخاري في هذه الرواية التي ساقها في الصيام في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر قال (أي أبوهريرة) فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ فمكث عند النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ابن عيينة عند البخاري في النذور. قال: اجلس فجلس، فجمع المصنف هنا بين الروايتين تقليداً لما في جامع الأصول للجزري (ج7 ص278)(فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك) أي ما ذكر من الجلوس والمكث وجواب بينا قوله (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) بضم الهمزة مبنياً للمفعول ولم يسم الآتي وعند البخاري في
بعرق فيه تمر- والعرق: المكتل الضخم-
ــ
الكفارات فجاء رجل من الأنصار (بعرق) بفتح العين والراء بعدها قاف. قال ابن التين: كذا لأكثر الرواة، وفي رواية أبي الحسن القابسي بإسكان الراء. قال عياض: والصواب الفتح. وقال ابن التين: أنكر بعضهم الإسكان لأن الذي بالإسكان هو العظم الذي عليه اللحم. قال الحافظ: إن كان الإنكار من جهة الاشتراك مع العظم فلينكر الفتح؛ لأنه يشترك مع الماء يتحلب من الجسد، نعم الراجح من حيث الرواية الفتح، ومن حيث اللغة أيضاً، إلا أن الإسكان ليس بمنكر، بل أثبته بعض أهل اللغة كالقزاز - انتهى. قال الجزري في جامع الأصول (ج7 ص547) العرق بفتح الراء خوص منسوج مضفور يعمل منه الزنبيل عرقاً فسمي الزنبيل؛ لأنه يعمل منه (فيه تمر) أي من تمر الصدقة ويروي فيها بالتأنيث على معنى القفة. قال عياض: المكتل والقفة والزنبيل سواء (والعرق المكتل) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة بعدها لام الزنبيل الكبير (الضخم) بفتح الضاد وسكون الخاء أي العظيم وهذا لفظ البخاري في النذور. ووقع في الصيام في هذه الرواية، والعرق المكتل، أي بحذف لفظ الضخم، وههنا أيضاً تقلد المصنف الجزري. قال الحافظ: وهو تفسير من أحد رواته وظاهر هذا الرواية إنه الصحابي لكن في رواية ابن عيينة ما يشعر بأنه الزهري، وفي رواية فأتى بمكتل يدعى العرق، وفي أخرى فأتى بعرق فيه تمر، وهو الزبيل، ولأحمد فأتى بزبيل وهو المكتل. قال الأخفش: سمي المكتل عرقاً لأنه يضفر عرقه عرقة، فالعرق جمع عرقة كعلق وعلقه، والعرقة الضفيرة من الخوص، بضم الخاء ورق النخل. والزبيل بوزن رغيف هو المكتل سمي زبيلاً لحمل الزبل فيه. وفيه لغة أخرى زنبيل بكسر الزاي أوله وزيادة نون ساكنة. وقد تدغم النون فتشدد الباء مع بقاء وزنه، وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل قال الحافظ: ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم فجاءه عرقان، والمشهور في غيرها عرق، ورجحه البيهقي (في السنن ج4 ص225) وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة وهو جمع لا نرضاه لاتحاد مخرج الحديث، والأصل عدد التعدد. والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق، لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل فيتحمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال: ومن قال عرق أراد ما آل إليه والله أعلم. قال ولم يعين في هذه الرواية مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شيء من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة، ووقع في رواية ابن أبي حفصة (عند أحمد ج2 ص516) والدارقطني (ص252) والبيهقي (ج4 ص222) فيه خمسة عشر صاعاً، وفي رواية مؤمل عن سفيان فيه خمسة عشر أو نحو ذلك، وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عند ابن خزيمة فيه خمسة عشر أو عشرون، وكذا هو عند مالك وعبد الرزاق في مرسل سعيد بن المسيب، وفي مرسله عند
قال: أين السائل؟
ــ
الدارقطني الجزم بعشرين صاعاً. ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيمة (والبيهقي ج4 ص223) فأتى بعرق فيه عشرون صاعاً. قال البيهقي: قوله: عشرون صاعاً بلاغ بلغ به محمد بن جعفر يعني بعض رواته وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر الحديث، وقال في آخره قال محمد بن جعفر: فحدثت بعد أن تلك الصدقة كانت عشرين صاعاً من تمر قلت (قائله الحافظ) ووقع في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد فأمر له ببعضه، وهذا يجمع الروايات فمن قال أنه كان عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد ما تقع به الكفارة ويبين ذلك حديث على عند الدارقطني (ص251) تطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مد. وفيه فأتى بخمسة عشر صاعاً فقال أطعمه ستين مسكيناً، وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني (ص242) والبيهقي (ج4 ص226) في حديث أبي هريرة. وفيه رد على الكوفيين (أي أبوحنيفة وأصحابه) في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعاً ومن غيره ستون صاعاً، ولقول عطاء إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعاً أو بالجماع أطعم خمسة عشر وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفى لصدق الإطعام ولقول الحسن يطعم أربعين مسكيناً عشرين صاعاً - انتهى. واحتج الكوفيون بما وقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم والبيهقي (ج4 ص224) فجاءه عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به فإن العرق إذا كان خمسة عشر صاعاً، فالعرقان ثلاثون صاعاً على ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع، وتعقبه العيني فقال ليت شعري كيف فيه رد على الكوفيين. وهم قد احتجوا بما رواه مسلم فجاءه عرقان فيهما طعام وقد ذكرنا أن العرقيين يكون ثلاثين صاعاً فيعطى لكل مسكين نصف صاع بل الرد على أئمتهم حيث احتجوا فيما ذهبوا إليه بالروايات المضطربة وفي بعضها الشك فالعجب أنه يرد على الكوفيين مع علمه إن احتجاجهم قوي صحيح – انتهى. قال صاحب فتح الملهم، بعد ذكره قلت: والإنصاف إن الاحتجاج بحديث العرقيين يتوقف على إثبات إن المراد بلفظ: الطعام الوارد فيه القمح وهو غير ظاهر بل الظاهر أنه التمر، كما صرح به في حديث أبي هريرة ولا يكفي منه ثلاثون صاعاً عند الكوفيين أيضاً اللهم إلا أن يقال بتعدد القصة في حديثي أبي هريرة وعائشة، نعم وقع في قصة المظاهر عند أبوداود قوله صلى الله عليه وسلم: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً والوسق ستون صاعاً وكفارة الظهار هي كفارة الصوم، فبهذا ينتهض الاستدلال للكوفيين والله تعالى أعلم - انتهى. قلت: دعوى التعدد مخدوشة لكونها خلاف الظاهر والأصل. وأما رواية أبي داود في قصة المظاهر ففي إسنادها محمد بن إسحاق وقد عنعن وفيه أيضاً سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر. قال البخاري: هو مرسل سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر ودعوى الاضطراب في حديث أبي هريرة مدفوعة كما رأيت في كلام الحافظ (أين السائل) أطلق عليه ذلك لأن كلامه متضمن للسؤال فإن مراده هلكت فما ينجيني وما
قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به،
ــ
يخلصني مثلاً وفي حديث عائشة أين المحترق وقد سبق توجيهه (قال أنا) أي أنا هو أو أنا السائل (خذ هذا فتصدق به) أي بالتمر الذي فيه على المساكين. وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن الإعسار لا يسقط الكفارة وسيأتي الكلام في هذه المسألة. قال الحافظ: وزاد ابن إسحاق (عند البزار) فتصدق به عن نفسك ويؤيده رواية منصور في الصيام عند البخاري بلفظ: أطعم هذا عنك ونحوه في مرسل سعيد بن المسيب عند الدارقطني. واستدل بأفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة، وكذا قوله في المراجعة هل تستطيع وهل تجد وغير ذلك وهو الأصح من قولي الشافعية وبه قال الأوزاعي. وقال الجمهور:(مالك وأبوحنيفة وأحمد في الروايتين عنه) وأبوثور وابن المنذر تجب الكفارة على المرأة أيضاً على الاختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل عنها واستدل الشافعية بسكوته عليه الصلاة والسلام عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة. وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك؛ لأنها لم تعترف ولم تسأل، واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكماً ما لم تعترف وبأنها قضية حال فالسكوت عنها لا يدل على الحكم لاحتمال أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الأعذار. ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم كما لم يأمره بالغسل والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين، ويحتمل أن يكون سبب السكوت عن حكم المرأة ما عرفه من كلام زوجها بأنها لا قدرة لها على شيء - انتهى كلام الحافظ. وبنحو هذا ذكر ابن دقيق العيد (ج2 ص219- 220) وقال الخطابي (ج2 ص117) في أمره الرجل بالكفارة لما كان منه من الجناية دليل على أن على المرأة كفارة مثلها، لأن الشريعة قد سوت بين الناس في الأحكام إلا في مواضع قام عليها دليل التخصيص وإذا لزمها القضاء؛ لأنها أفطرت بجماع متعمد كما وجب على الرجل وجبت عليها الكفارة لهذه العلة كالرجل سواء وهذا مذهب أكثر العلماء. وقال الشافعي: يجزيهما كفارة واحدة وهي على الرجل دونها وكذلك قال الأوزاعي إلا أنه قال: إن كانت الكفارة بالصيام كان على كل واحد منهما صوم شهرين واحتجوا بأن قول الرجل أصبت أهلي سؤال عن حكمه وحكمها؛ لأن الإصابة معناها إنه واقعها وجامعها وإذا كان هذا الفعل قد حصل منه، ومنه معاً. ثم أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن المسألة فأوجب فيها كفارة واحدة على الرجل ولم يعرض لها بذكر دل على أنه لا شيء عليها وإنها مجزئة في الأمرين معاً ألا ترى أنه بعث أنيساً إلى المرأة التي رميت بالزنا وقال إن اعترفت فارجمها فلم يهمل حكمها لغيبتها عن حضرته. فدل هذا على أنه لو رأى عليها كفارة لألزمها ذلك ولم يسكت عنها قلت (قائله الخطابي) وهذا غير لازم
..................
ــ
لأن هذا حكاية حال لا عموم لها وقد يمكن أن تكون المرأة مفطرة بعد زمن مرض أو سفر أو تكون مكرهة أو ناسية لصومها أو نحو ذلك من الأمور وإذا كان كذلك لم يكن ما ذكروه حجة يلزم الحكم بها. واحتجوا أيضاً في هذا بحرف يروونه في هذا الحديث وهو قوله: هلكت وأهلكت، قالوا: دل قوله: "وأهلكت" على مشاركة المرأة إياه في الجناية لأن الإهلاك يقتضي الهلاك ضرورة، كما أن القطع يقتضي الانقطاع قلت (قائله الخطابي) وهذه اللفظة غير محفوظة والمعلى بن منصور الذي روى هذا الحديث بهذا الحرف ليس بذاك في الحفظ والإتقان - انتهى. قلت: حكى العيني (ج11 ص30) عن شيخه العراقي أنه قال وردت هذه اللفظة مسندة من طرق ثلاثة. أحدها، ذكره الخطابي وقد رواها الدارقطني (ص251) من رواية أبي ثور. قال حدثنا معلى بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري فذكره. قال الدارقطني: تفرد به أبوثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله "وأهلكت" وكلهم ثقات. الطريق الثاني، من رواية الأوزاعي عن الزهري، وقد رواها البيهقي بسنده (ج4 ص227) ثم نقل عن الحاكم إنه ضعف هذه اللفظة وحملها على أنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني، ثم استدل على ذلك. والطريق الثالث، من رواية عقيل عن الزهري رواها الدارقطني في غير السنن، قال حدثنا النيسابوري حدثنا محمد بن عزيز حدثني سلامه بن روح عن عقيل عن الزهري فذكره، وقد تكلم في سماع محمد بن عزيز من سلامة، وفي سماع سلامة من عقيل وتكلم فيهما. ثم ذكر الكلام فيهما، ثم قال وأجود طرق هذه اللفظة طريق المعلى بن منصور على أن المعلى بن منصور على أن المعلى وإن اتفق الشيخان على إخراج حديثه فقد تركه أحمد. وقال لم أكتب عنه كان يحدث بما وافق الرأي، وكان كل يوم يخطىء في حديثين أو ثلاثة - انتهى. قلت: معلى بن منصور هذا وثقة ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة وابن سعد لكن قال اختلف فيه أصحاب الحديث فمنهم من يروي عنه. ومنهم من لا يروي عنه. وقال أبوحاتم الرازي: كان صدوقاً في الحديث. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به لأني لم أجد له حديثاً منكراً وذكره ابن حبان في الثقات، وروى له البخاري حديثين. وأما محمد بن عزيز فضعفه النسائي مرة، وقال مرة: لا بأس به، ووثقه العقيلي وسعيد بن عثمان ومسلمة. وقال أبوأحمد الحاكم. فيه نظر. وقال الذهبي: صدوق إنشاء الله. وقال الحافظ في التقريب: فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعة من عمه سلامة - انتهى. وأما سلامة فقال أبوزرعة: ضعيف منكر الحديث يكتب حديثه على الاعتبار. وقال أبوحاتم: ليس بالقوى محله عندي محل الغفلة. وقال ابن قانع: ضعيف. وقال مسلمة بن قاسم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مستقيم الحديث. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. وقيل لم يسمع من عمه عقيل، وإنما يحدث من كتبه - انتهى. وقال الحافظ في الفتح لا يلزم من قوله "وأهلكت" إيجاب الكفارة على المرأة
فقال الرجل: أعلي أفقر مني يا رسول الله! فوالله، ما بين لابيتها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي،
ــ
بل يحتمل أن يريد بقوله "هلكت" أثمت وأهلكت أي كنت سبباً في تأثيم من طاوعتني فواقعتها إذ لا ريب في حصول الإثم على المطاوعة ولا يلزم من ذلك إثبات الكفارة ولا نفيها أو المعنى هلكت، أي حيث وقعت في شيء لا أقدر على كفارته "وأهلكت" أي نفسي بفعل الذي جر عليّ الإثم، وهذا كله بعد ثبوت الزيادة المذكورة وقد ذكر البيهقي إن للحاكم في بطلانها ثلاثة أجزاء، ومحصل القول فيها إنها وردت من طريق الأوزاعي، ومن طريق ابن عيينة. أما الأوزاعي فتفرد بها محمد بن المسيب عن عبد السلام بن عبد الحميد عن عمر بن عبد الواحد والوليد ابن مسلم وعن محمد بن عقبة بن علقمة عن أبيه ثلاثتهم عن الأوزاعي. قال البيهقي: رواه جميع أصحاب الأوزاعي بدونها وكذلك جميع الرواة عن الوليد وعقبة وعمرو محمد بن المسيب كان حافظاً مكثراً إلا أنه كان في آخر أمره عمي فلعل هذه اللفظة أدخلت عليه وقد رواه أبوعلي النيسابوري عنه بدونها، ويدل على بطلانها ما رواه العباس بن الوليد عن أبيه. قال سئل عن رجل جامع امرأته في رمضان قال: عليهما كفارة واحدة إلا الصيام. قيل له فإن استكرهها قال: عليه الصيام وحده. وأما ابن عيينة فتفرد بها أبوثور عن معلى بن منصور عنه. قال الخطابي: المعلى ليس بذاك الحافظ، وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يعرف أحد طعن في المعلى، وغفل عن قول الإمام أحمد أنه كان يخطىء كل يوم في حديثين أو ثلاثة فلعله حدث من حفظه بهذا فوهم. وقد قال الحاكم: وقفت على كتاب الصيام للمعلى بحظ موثوق به وليست هذه اللفظة فيه، وزعم ابن الجوزي إن الدارقطني أخرجه من طريق عقيل أيضاً وهو غلط منه، فإن الدارقطني لم يخرج طريق عقيل في السنن، وقد ساقه في العلل بالإسناد الذي ذكره عنه ابن الجوزي بدونها - انتهى. كلام الحافظ. وراجع السنن الكبرى للبيهقي (ج4 ص227) مع الجوهر النقي (أعلى أفقر مني) بهمزة الاستفهام والمجرور متعلق بمحذوف، أي أأتصدق على شخص أكثر حاجة مني. وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح البخاري: هو بتقدير همزة الاستفهام التعجبي الداخلة على فعل حذف للعلم به من قوله "فتصدق به" قال الحافظ: وهذا يشعر بأنه فهم الإذن له في التصدق على من يتصف بالفقر وقد بين ابن عمر في حديثه ذلك فزاد فيه إلى من ادفعه قال إلى أفقر من تعلم أخرجه البزار والطبراني في الأوسط. وفي رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي ولابن مسافر عند الطحاوي أعلى أهل بيت أفقر مني، ولمنصور أعلى أحوج منا (ما بين لابيتها) بغير همزة تثنية لابة، بالباء الموحدة المفتوحة، ثم التاء المثناة من فوق، والضمير للمدينة. قال الجزري في جامع الأصول (ج7 ص547) اللابة، الأرض ذات الحجارة السود الكثيرة، وهي الحرة ولابتا المدينة حرتاها من جانبيها - انتهى. (يريد) أي الرجل باللابتين وهذا من كلام بعض رواته (الحرتين) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء تثنية حرة وهي الأرض ذات الحجارة السود، والمدينة بين حرتين (أهل بيت أفقر من أهل بيتي) برفع أهل اسم "ما"
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك)) .
ــ
النافية وأفقر بالنصب على أنه خبرها إن أجعلت "ما" حجازية، وبالرفع إن جعلتها تميمية قاله الزركشي وغيره. وقال البدر الدماميني: وكذا إن جعلتها حجازية ملغاة من عمل النصب بناء على أن قوله "ما بين لابيتها" خير مقدم، وأهل بيت مبتدأ مؤخر، وأفقر صفة له، وفي رواية عقيل: ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني، وفي مرسل سعيد: والله ما لعيالي من طعام، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة: ما لنا عشاء ليلة (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت) أي ظهرت (أنيابه) جمع ناب، وهو السن الذي بعد الرباعية، وهي أربعة. وفي رواية ابن إسحاق حتى بدت نواجذه. قيل: إن ضحكة صلى الله عليه وسلم كان تعجباً من تباين حال الرجال حيث جاء خائفاً على نفسه، راغباً في فداءهما مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة. وقيل: ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأنيه وتلطفه في الخطاب، وحسن توسله في توصله إلى مقصوده. قيل: وقد يكون من رحمة الله تعالى وتوسعة عليه وإطعامه له هذا الطعام، وإحلاله له بعد أن كلف إخراجه، والضحك، غير التبسم. وقد ورد إن ضحكه كان تبسماً أي في غالب أحواله (أطعمه) أي ما في العرق من التمر (أهلك) أي من تلزمك نفقته أو مطلق أقاربك، ولابن عيينة عند البخاري في الكفارات أطعمه عيالك، ولأبي قرة عن ابن جريج ثم قال كله. ولابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك، ونحوه في رواية عبد الجبار ابن عمر وحجاج بن أرطاة وهشام بن سعد كلهم عن الزهري عند البيهقي (ج4 ص226) وغيره. واستدل به على سقوط الكفارة عن المعسر وهو أحد قولي الشافعية وإحدى الروايتين عن أحمد وبه جزم عيسى بن دينار من المالكية وهو قول الأوزاعي. قال ابن قدامة (ج3 ص132) وإن عجز عن العتق والصيام والإطعام سقطت الكفارة عنه في إحدى الروايتين (عن أحمد) بدليل إن الأعرابي لما دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم التمر وأخبره بحاجته إليه قال أطعمه أهلك ولم يأمره بكفارة أخرى، وهذا قول الأوزاعي. وقال الزهري: لابد من التكفير وهذا خاص لذلك الأعرابي لا يتعداه بدليل أنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بإعساره قبل أن يدفع إليه العرق، ولم يسقط عنه؛ ولأنها كفارة واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات، وهذا رواية ثانية عن أحمد، وهو قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور وعن الشافعي كالمذهبين. ولنا الحديث المذكور ودعوى التخصيص لا تسمع بغير دليل، وقولهم إنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه فلم يسقطها، قلنا قد أسقطها عنه بعد ذلك وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح القياس على سائر الكفارات. لأنه إطراح للنص بالقياس والنص أولى - انتهى. قلت آخر الحديث ليس نصاً في إسقاط الكفارة عند الإعسار بل هو محتمل لوجوه أخرى كما سيأتي، وأول
.....................
ــ
الحديث نص في عدم سقوط الكفارة بالإعسار فلا يترك بالمحتمل. وقال ابن دقيق العيد (ج2 ص218) تباينت المذاهب فيه أي في قوله أطعمه أهلك. فقيل: إنه دليل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لسبب وجوبها؛ لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن بسبب وجوبها وهو هلال الفطر لكن الفرق بينهما إن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة. وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز. وقيل لا تسقط الكفارة بالإعسار المقارن وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والصحيح من مذهب الشافعي أيضاً، وبعد قول بهذا المذهب. ففيه طريقان، أحدهما منع أن لا تكون الكفارة أخرجت في هذه الواقعة، يعني إن الذي أذن له في التصرف فيه كان على سبيل الكفارة. ثم اختلفوا فقال بعضهم: هذا خاص بهذا الرجل أي كونه أكله من صدقة نفسه وإطعام أهله منها مجزئاً عن كفارته مخصوص بهذا الرجل لا يتعداه. ورد بأن الأصل عدم الخصوصية. وقال بعضهم: هو منسوخ وهذا أيضاً مردود. لأنه لا دليل على النسخ. وقال بعضهم: المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه، وضعف بالرواية التي فيها عيالك. وبالرواية المصرحة بالإذن له في الأكل من ذلك. وقال بعضهم: لما كان فقيراً عاجزاً لا يجب عليه النفقة لغيره وكان أهله فقراء أيضاً جاز أعطاء الكفارة عن نفسه لهم. وقد جوز بعض الشافعية لمن لزمته الكفارة مع الفقر أن يصرفها إلى أهله وأولاده. وضعف أيضاً بالرواية التي فيها تصريح بالإذن له في الأكل من ذلك. الطريق الثاني، وهو الأقرب الأقوى أن يجعل إعطاءه إياها لا على جهة الكفارة بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم. وأما الكفارة فلم تسقط بذلك ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذاً من هذا الحديث. وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان فلا دلالة فيه لأن العلم بالوجوب قد تقدم، ولم يرد في الحديث ما يدل على الإسقاط، لأنه لما أخبره بعجزه ثم أمره بإخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز ولعله أخر البيان إلى وقت الحاجة: وهو القدرة كذا في الفتح. وقد ورد ما يدل على إسقاط الكفارة أو على أجزاءها عنه بإنفاقه إياها على عياله وهو قوله في حديث علي، وكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك، ولكنه حديث ضعيف لا يحتج بما انفرد به. قال القسطلاني: ولابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك أي لا عن الكفارة بل هو تمليك مطلق بالنسبة إليه وإلى عياله وأخذهم إياه بصفة الفقر، وذلك لأنه لما عجز عن العتق لإعساره وعن الصيام لضعفه، فلما حضر ما يتصدق به ذكر أنه وعياله محتاجون فتصدق به عليه الصلاة والسلام عليه، وأذن له في أكله وإطعام عياله وكان من مال الصدقة. وبقيت الكفارة في ذمته - انتهى. وحكى عن الشعبي والنخعي وسعيد
متفق عليه.
ــ
ابن جبير أن الكفارة غير واجبة أصلاً لا على موسر ولا معسر. قالوا: لأنه أباح له أن يأكل منها ولو كانت واجبة لما جاز ذلك وهو استدلال غير ناهض، لأن الحديث ظاهر في الوجوب وإباحة الأكل لا تدل على أنها كفارة، بل فيها الاحتمالات التي سلفت. وأعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره في هذه الرواية بقضاء اليوم الذي جامع فيه إلا أنه ورد الأمر بالقضاء في حديث أبي هريرة عند أبي داود والبيهقي والدارقطني وفي حديث عمرو بن شعيب عند البيهقي وابن أبي شيبة، وإليه ذهب أكثر العلماء. قال الزرقاني: إيجاب الكفارة القضاء مع الكفارة هو قول الأئمة الأربعة والجمهور، وأسقطه بعضهم. لأنه لم يرد في خبر أبي هريرة ولا خبر عائشة ولا في نقل الحفاظ لهما ذكر القضاء. وأجيب بأنه جاء من طرق يعرف بمجموعها إن لهذه الزيادة أصلاً يصلح للاحتجاج وعن الأوزاعي إن كفر بعتق أو إطعام قضى اليوم، وإن صام شهرين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم - انتهى. وقال الحافظ في الفتح: استدل بالحديث على سقوط قضاء اليوم الذي أفسده المجامع إكتفاء بالكفارة إذ لم يقع التصريح في الصحيحين بقضاءه وهو محكى في مذهب الشافعي. وعن الأوزاعي يقضي إن كفر بغير الصوم وهو وجه للشافعية أيضاً. قال ابن العربي: إسقاط القضاء لا يشبه منصب الشافعي إذ لا كلام في القضاء لكونه أفسد العبادة. وأما الكفارة فإنما هي لما اقترف من الإثم. قال: وأما كلام الأوزاعي فليس بشيء. قال الحافظ: وقد ورد الأمر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبي أويس وعبد الجبار بن عمر وهشام بن سعد كلهم عن الزهري (عند البيهقي ج4 ص226) وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري. وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة، وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها، ووقعت الزيادة أيضاً في مرسل سعيد بن المسيب ونافع ابن جبير، والحسن ومحمد بن كعب. وبمجموع هذه الطرق يعرف أن لهذه الزيادة أصلاً. ويؤخذ من قوله صم يوماً عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله يوماً - انتهى. وهذا الخلاف في الرجل، فأما المرأة فيجب عليها القضاء من غير خلاف عندهم. وأعلم أن هذا الحديث جليل كثير الفوائد. قال الحافظ في الفتح: قد اعتنى بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا بهذا الحديث فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة - انتهى. وما ذكرناه فيه كفاية (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر من كتاب الصيام إلا قوله إجلس وقوله الضخم. وقد سبق التنبيه على هذا، والحديث أخرجه البخاري أيضاً في الهبة والنفقات والأدب والنذور والمحاربين، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى وابن ماجه والدارمي والدارقطني وابن خزيمة وأبوعوانة والبيهقي والطحاوي والبزار وغيرهم.