المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الأول} 1976- (1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌{

- ‌الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب صدقة الفطر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب من لا تحل له الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌((5)) باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب فضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أفضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب من لا يعود في الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

-

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب رؤية الهلال

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب تنزيه الصوم

- ‌((الفصل الأول))

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الأول} 1976- (1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله

{الفصل الأول}

1976-

(1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء

ــ

القرآن وأرتسخت فيه الملة المصطفوية وهو مظنة ليلة القدر - انتهى. وكان مبدأ فرض صوم رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان وفي رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة.

1976 -

قوله: (إذا دخل رمضان) أي في شهر رمضان، وهو مأخوذ من الرمضاء، يقال: رمض النهار كفرح اشتد حره وقدمه احترقت من الرمضاء للأرض الشديد الحرارة وسمي شهر رمضان به، إما لارتماض الصائمين فيه من حر الجوع والعطش، أو لارتماض الذنوب فيه، أو لرمض الحر وشدة وقوعه فيه حال التسمية، لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور من اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها. فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر أي شدته، أو من رمض الطائر إذا جوفه من شدة العطش وقيل: سمي بذلك لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها، وهو لا ينصرف للعلمية والألف والنون وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أنه يجوز أن يقال رمضان بدون إضافة لفظ الشهر إليه، ومنعه أصحاب مالك لحديث لا تقولوا رمضان. فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان، أخرجه ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة مرفوعاً، وضعفه بأبي معشر نجيح المدني: وذهب كثير من الشافعية إلى أنه إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة، وإلا فيكره فلا يقال: جاء رمضان. ويجوز أن يقال صمت رمضان، وإلى هذا الفرق مال ابن قدامة في المغنى. وقد رد النووي هذين القولين في شرح مسلم، وفي المجموع بأن الصواب ما ذهب إليه المحققون أن لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبلا قرينة لعدم ثبوت نهي فيه، وصوابه الباجي أيضاً وبوب البخاري في صحيحه هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟، ومن رأى كله واسعاً واحتج للجواز بعده أحاديث، وترجم النسائي لذلك أيضاً فقال باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان (فتحت) بضم الفاء وتخفيف التاء وروى بتشديد التاء. وقال الزرقاني: بتشديد الفوقية ويجوز تخفيفها. وقال القاري: بالخفيف وهو أكثر كما في التنزيل وبالتشديد لتكثير المفعول (أبواب السماء) قيل: هذا من تصرف الرواة وكذا قوله أبواب الرحمة. والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار. وقال ابن بطال: المراد من السماء الجنة بقرينة ذكر جهنم في مقابلة. وقال العيني: أخذا من ابن العربي لا تعارض في ذلك فأبواب السماء يصعد منها إلى الجنة؛ لأنها فوق السماء وسقفها عرش الرحمن، كما ثبت في الصحيح. وأبواب الرحمة تطلق على أبواب الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح احتجت الجنة والنار - الحديث. وفيه

ص: 399

وفي رواية فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين.

ــ

وقال الله للجنة أنت رحمتي أرحم من أشاء من عبادي - الحديث. وقال التوربشتي: كلا الروايتين متقاربان في المعنى (وفي رواية فتحت أبواب الجنة) أي حقيقة لمن مات في رمضان أو عمل عملاً لا يفسد عليه أو مجازاً؛ لأن العمل فيه يؤدي إلى ذلك أو لكثرة الثواب والمغفرة والرحمة، بدليل رواية أبواب الرحمة، قال السندي: قوله: فتحت أبواب الجنة أي تقريباً للرحمة إلى العباد ولهذا جاء في بعض الروايات أبواب الرحمة، وفي بعضها أبواب السماء، وهذا يدل على أن أبواب الجنة كانت مغلقة ولا ينافيه قوله تعالى:{جنات عدن} [الرعد:23] مفتحة لهم الأبواب إذ ذلك لا يقتضى دوام كونها مفتحة (وغلقت) بالشديد أكثر قاله القاري (أبواب جهنم) حقيقة أو مجازاً نظير ما مر. وقال السندي: أي تبعيداً للعقاب عن العباد، وهذا يقتضي إن أبواب النار كانت مفتوحة ولا ينافيه قوله تعالى:{حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} [الزمر:71] لجواز أن يكون هناك غلق قبيل ذلك، وغلق أبواب النار لا ينافي موت الكفرة في رمضان وتعذيبهم بالنار فيه، إذ يكفي في تعذيبهم فتح باب صغير من القبر إلى النار غير الأبواب المعهودة الكبار - انتهى. (وسلسلت الشياطين) أي شدت بالسلاسل حقيقة، والمراد مسترقوا السمع منهم أو هو مجاز على العموم أي يقل إغواءهم فيصيرون كالمسلسلين أو المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم كما سيأتي قال الحافظ. قال عياض: يحتمل أنه (أي تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وسلسلة الشياطين) على ظاهره وحقيقته وإن ذلك كله علامة الملائكة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته ولمنع الشياطين من إيذاء المؤمنين، ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وإن الشياطين يقل إغواءهم وإيذاءهم فيصيرون كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء ولناس دون ناس. قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية عند مسلم: فتحت أبواب الرحمة، وجاء في حديث صفدت مردة الشياطين. قال ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفحته الله لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموماً، وذلك أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير: والأول أوجه ولا ضرورة تدعوا إلى صرف اللفظ عن ظاهره. وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمن تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار. وجزم التوربشتي شارح المصابيح بالاحتمال الأخير، وعبارته فتح أبواب السماء كناية عن تنزيل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق، وأخرى بحسن القبول والمن عليهم بتضعيف الثواب وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش، والتخلص

ص: 400

......................

ــ

من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات. وقال القرطبي: يصح حمله على الحقيقة ويكون معناه إن الجنة قد فتحت وزخرفت لمن مات في رمضان لفضل هذه العبادة الواقعة فيه، وغلقت أبواب النار فلا يدخلها منهم أحد مات فيه، وصفدت الشياطين لئلا تفسد على الصائمين. قال الطيبي: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وإن ذلك من الله بمنزلة عظيمة، وأيضاً فيه إنه إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بإربحته - انتهى. وقال الشاه ولي الله الدهلوي: أعلم أن هذا الفضل إنما هو بالنسبة إلى جماعة المسلمين فإن الكفار في رمضان أشد عمها وأكثر ضلالاً منهم في غيره لتماديهم في هتك شعائر الله ولكن المسلمين إذا صاموا وقاموا وغاص، كملهم في لجة الأنوار وأحاطت دعوتهم من رواتهم وانعكست أضوائهم على من دونهم وشملت بركاتهم جميعهم فئتهم، وتقرب كل حسب استعداده من المنجيات، وتباعد من المهلكات. صدق إن أبواب الجنة تفتح عليهم وإن أبواب جهنم تغلق عنهم، لأن أصلهما الرحمة واللعنة ولأن اتفاق أهل الأرض في صفة تجلب ما يناسبها من جود الله كما ذكرنا في الاستسقاء والحج، وصدق إن الشياطين تسلسل عنهم، وإن الملائكة تنشر فيهم، لأن الشياطين لا يؤثر إلا فيمن استعدت نفسه لأثر، وإنما استعدادها له لغلواء البهيمة، وقد انقهرت. وإن الملك لا يقرب إلا ممن استعد له، وإنما استعداده بظهور الملكية. وقد ظهرت، وأيضاً فرمضان مظنة الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم فلا جرم إن الأنوار المثالية والملكية تنتشر حينئذٍ، وإن أضدادها تنقبض - انتهى. قال القرطبي: بعد أن رجح حمله ظاهره. فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعه في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه يعني إن ذلك في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدبه. أو المصفد بعض الشياطين وهو المردة لأكلهم. وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه، وأورد حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني. أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية، لأن لذلك أسباباً الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيصة والشياطين الأنسية، وقريب من هذا المعنى ما قيل إن صدور المعاصي في رمضان ليس من أثر الشيطان بل من أثر النفس الإمارة التي تشربت من أثر الشيطان في سائر السنة، فإن النفس لما تصبغت بلونه تصدر منها أفعاله، والفائدة إذ ذاك في تصفيد الشيطان ضعف التأثير في ارتكاب المعاصي فمن أراد التجنب عن ذلك يسهل عليه. وقال السندي: لا ينافيه وقوع المعاصي إذ يكفي في وجود المعاصي شرار النفس وخباثتها، ولا يلزم أن تكون كل معصية بواسطة شيطان وإلا لكان لكل شيطان شيطان ويتسلسل، وأيضاً

ص: 401

وفي رواية فتحت أبواب الرحمة)) . متفق عليه.

1977-

(2) وعن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في الجنة ثمانية أبواب، منها:

ــ

معلوم أنه ما سبق إبليس شيطان آخر فمعصيته ما كانت إلا من قبل نفسه - انتهى. وقيل المراد من الشياطين مسترق السمع منهم فإنهم كانوا منعوا زمن نزل القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ. وقيل يستثنى منهم في التصفيد صاحب دعوتهم وزعيم زمرتهم لمكان الأنظار الذي سأله من الله فأجيب إليه فيقع ما يقع من المعاصي بتسويلة وإغراءه، فائدة التصفيد فض جموحه وكسر شوكته وتسكين نائرته ولو لم يكن الأمر على ذلك لم يكن لإستظهارة بالأعوان والجنود معنى. وقال ابن العربي: لا يتعين في المعاصي والمخالفة أن تكون من وسوسة الشيطان إذ يكون من النفس وشهواتها سلمنا أنه من الشيطان فليس من شرط وسوسته التي يجدها الإنسان في نفسه إتصالها بالنفس، إذ قد يكون مع بعده عنها لأنها من فعل الله فكما يوجد الألم في جسد المسحور والمعيون عند تكلم الساحر أو العاين فكذلك يوجد وسوسة من خارج، وقريب منه ما قال الباجي أنه يحتمل إن الشياطين تصفد حقيقة فتمتنع من بعض الأفعال التي لا تطيقها إلا مع الإنطلاق، وليس في ذلك دليل على امتناع تصرفها جملة، لأن المصفد هو المغلول اليد إلى العنق يتصرف بالكلام والرأي وكثير من السعي - انتهى. وقيل في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له قد كفت الشياطين عنك، فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية (وفي رواية فتحت أبواب الرحمة) أي وغلقت أبواب جهنم إلى آخره (متفق عليه) إلا رواية أبواب السماء فإنها من أفراد البخاري رواها في الصيام ورواها أيضاً في صفة إبليس في رواية أبي ذر، وأخرجها أيضاً الدارمي وإلا رواية أبواب الرحمة فإنها من أفراد مسلم، وأخرجها النسائي والرواية المتفق عليها فتحت أبواب الجنة أخرجها البخاري في الصيام، وفي صفة إبليس في رواية غير أبي ذر. ورواها أيضاً مالك والنسائي والبيهقي (ج4 ص202، 303) فكان حق المصنف إن يجعل الرواية المتفق عليها أصلاً. ثم يقول: وفي رواية فتحت أبواب السماء وفي رواية فتحت أبواب الرحمة ثم يذكر وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين لكنه قلد البغوي، والجزري، ونقل من غير تصرف، والحديث أخرجه أحمد (ج2 ص281) أيضاً.

1977-

قوله: (في الجنة ثمانية أبواب) أي في سور الجنة ثمانية أبواب، وقد سبق بيان الأبواب الثمانية في شرح حديث إنفاق الزوجين في أوائل باب فضل الصدقة (منها باب) كذا في جميع النسخ، وهكذا في المصابيح والذي في البخاري "فيها باب" وهكذا نقله السيوطي في الجامع الصغير ورواه الجوزقي والبيهقي (ج4

ص: 402

باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون)) . متفق عليه.

ــ

ص305) بلفظ: إن للجنة ثمانية أبواب. منها باب يسمى الريان - الحديث. ورواية البخاري أصح وأصوب (يسمى الريان) إما لأنه بنفسه ريان لكثرة الأنهار الجارية إليه والأزهار والأثمار الطرية لديه، أو لأن وصل إليه يزول عنه عطش يوم القيامة ويدوم له الطراوة في دار المقامة. قال الزركشي: الريان، فعلان كثير الري ضد العطش سمي به لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم، وأكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يسلتزمه. وقيل لأنه أشق على الصائم من الجوع إذ كثيراً ما يصبر على الجوع دون العطش، والريان أصله الرويان اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء، ثم أدغمت في الياء من رويت من الماء بالكسر أروى رِيا ورَيا ورِوى مثل رضي (لا يدخله) أي لا يدخل منه أي من ذلك الباب (إلا الصائمون) مجازاة لهم لما كان يصيبهم من العطش في صيامهم، والمراد بهم من غلب عليهم الصوم من بين العبادات. قال القاري: قيل: المراد به المقتصر على شهر رمضان بل ملازمة النوافل من ذلك وكثرتها قال السندي: قوله الصائمون، أي المكثرون الصيام كالعادل والظالم يقال لمن يعتاد ذلك لا لمن يفعل مرة، والظاهر إن الإكثار لا يحصل بصوم رمضان وحده بل بأن يزيد عليه ما جاء فيه إنه صيام الدهر والله أعلم - انتهى. قال العراقي: وقد استشكل بعضهم الجمع بين حديث الريان وبين الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم من حديث عمر مرفوعاً، ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء قالوا فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم إنه يدخل من أيها شاء، وقد لا يكون فاعل هذا الفعل من أهل الصيام بأن لا يبلغ وقت الصيام الواجب أو لا يتطوع بالصيام، والجواب عنه بوجهين أحدهما أنه يصرف عن أن يشاء باب الصيام فلا يشاء الدخول منه ويدخل من أي باب شاء غير الصيام فيكون قد دخل من الباب الذي شاءه. والثاني إن حديث عمر قد اختلفت ألفاظه فعند الترمذي فتحت له ثمانية أبواب من الجنة، يدخل من أيها شاء فهذه الرواية تدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية. منها وقد لا يكون باب الصيام من هذه الثمانية ولا تعارض حينئذٍ ذكره العيني. وقال السندي: لا ينافيه ما جاء في بعض الأعمال أن صاحبه يفتح له تمام أبواب الجنة إذ يجوز أن لا يدخل من هذا الباب إن لم يكن من الصائمين ويجوز أن لا يفعل أحد ذلك العمل إلا وفقه الله لإكثار الصوم بحيث يصير من الصائمين - انتهى. (متفق عليه) الحديث بهذا اللفظ من أفراد البخاري أورده في باب صفة أبواب الجنة من بدأ الخلق، ولفظ مسلم إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، ولا يدخل معهم أحد غيرهم. يقال: أين الصائمون فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد. وهذه الرواية أخرجها البخاري في الصيام،

ص: 403

1978-

(3) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

ــ

فكان حق المصنف أن يقول رواه البخاري، ثم يشير إلى الرواية المتفق عليها، وهذه الرواية أخرجها أيضاً أحمد (ج5 ص333، 335) والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن ماجه والبيهقي وغيرهم بألفاظ متقاربة، وزاد بعضهم ومن دخله لم يظمأ أبداً.

1978 – قوله: (من صام رمضان) بنصبه على الظرفية أي فيه بأن صامه كله عند القدرة عليه أو بعضه عند عجزة ونيته الصوم لولا العجز (إيماناً) تصديقاً بأنه فرض عليه حق وأنه من أركان الإسلام ومما وعدالله عليه من الأجر والثواب قاله السيوطي. قيل نصبه على أنه مفعول لأجله أي لأجل الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بما جاء به في فضل رمضان والأمر بصيامه أي الحامل له على ذلك، والداعي إليه هو الإيمان بالله، أو بما ورد في فضله وفرضية صومه. وقيل: نصبه على الحال بأن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل أي مؤمناً يعني مصدقاً بأنه حق وطاعة، أو مصدقاً بما ورد في فضله وقيل: نصبه على التمييز أو على المصدرية أي صوم إيمان أو صوم مؤمن وكذا قوله (واحتساباً) أي طلباً للثواب منه تعالى في الآخرة أو إخلاصاً أي باعثه على الصوم ما ذكر لا الخوف من الناس ولا الإستحياء منهم ولا قصد السمعة والرياء عنهم. وقال الخطابي: احتساباً أي نية وعزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير كاره له ولا مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه ولكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب. وقال البغوي: قوله: احتساباً أي طلباً لوجه الله تعالى وثوابه، يقال فلان يحتسب الأخبار ويتحسسها أي يتطلبها - انتهى. وفي العباب أحتسبت بكذا أجراً عند الله أي أعتددته أنوى به وجه الله تعالى ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيماناً واحتساباً (غفر له ما تقدم من ذنبه) اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب إلا أنه مخصوص عند الجمهور بالصغائر، وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الطهارة، وقوله " من ذنبه" يتعلق بقوله غفر أي غفر من ذنبه ما تقدم، ويجوز أن تكون من البيانية لما تقدم وهو منصوب المحل على المفعولية على الوجه الأول، ومرفوع المحل على أنه مفعول لما يسم فاعله على الوجه الثاني وزاد النسائي في السنن الكبرى من طريق قتيبة بن سفيان وما تأخر، وقد تابع قتيبة على هذه الزيادة جماعة ذكرها الحافظ في أوائل الصيام وأواخره من الفتح، وفيه رد على من أدعى تفرد قتيبة بهذه الزيادة كالمنذري أو استنكرها كابن عبد البر. وقد استشكلت هذه الزيادة بأن المغفرة تستدعى سبق ذنب والمتأخر من الذنوب لم يأت بعد فكيف يغفر. وأجيب بأن معناه إن ذنوبهم تقع مغفورة. وقيل هو كناية عن حفظ الله إياهم في المستقبل من الكبائر

ص: 404

ومن قام إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له من تقدم من ذنبه)) . متفق عليه.

1979-

(4) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف،

ــ

فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك (ومن قام رمضان) أي لياليه أو معظمها أو بعض كل ليلة بصلاة التراويح وغيرها من التلاوة والذكر والطواف ونحوها. وقال ابن الملك: غير ليلة القدر تقديراً أي لما سيأتي التصريح بها تحريراً أو معناه أدى التراويح فيها ذكره القاري. وقال الحافظ: قام رمضان أي قام لياليه مصلياً، والمراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام. وذكر النووي إن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها. وأغرب الكرماني فقال: اتفقوا على أن المراد قيام رمضان صلاة التراويح (ومن قام ليلة القدر) أي أحياها سواء علم بها أو لا، وليلة القدر منصوب على أنه مفعول به، لا فيه إذ المعنى من أحيي ليلة القدر. ويجوز نصبه بأنه مفعول فيه أي من أطاع الله فيها. قيل: ويكفي في ذلك ما يسمى قياماً حتى أن من أدى العشاء بجماعة فقد قام لكن الظاهر من الحديث عرفاً، كما قال الكرماني أنه لا يقال قام الليلة إلا إذا قام جميعها أو أكثرها (غفر له ما تقدم من ذنبه) قد سبق في كتاب الطهارة إن المكفرات إن صادفت السيئات تمحوها إذا كانت صغائر وتخففها إذا كانت كبائر وألا تكون موجبة لرفع الدرجات في الجنات. وقال الطيبي: رتب على كل من الأمور الثلاثة أمراً واحداً وهو الغفران، تنبيهاً على أنه نتيجة الفتوحات الإلهية ومستتبع للعواطف الربانية وذكر الولي العراقي توجيهاً آخر لذلك، وأرجع إلى شرح التقريب (ج4 ص164)(متفق عليه) أخرجه البخاري في الإيمان والصوم، ومسلم في باب الترغيب في قيام رمضان من كتاب الصلاة، وأخرجه أيضاً أحمد، ومالك في الصلاة. والترمذي في الصوم، وأبوداود في الصلاة. والنسائي في الصوم، وابن ماجه فيه وفي الصلاة، والدارمي والبيهقي وغيرهم مختصراً ومطولاً.

1979-

قوله: (كل عمل ابن آدم) قال القاري: أي كل عمل صالح لابن آدم (يضاعف) أي ثوابه فضلاً منه تعالى (الحسنة) مبتدأ وخبر جنس الحسنات الشامل لأنواع الطاعات مضاف ومقابل (بعشر أمثالها) لقوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام:161] وهذا أقل المضاعفة وإلا فقد يزاد (إلى سبع مأة ضعف) بكسر الضاد أي مثل بل إلى أضعاف كثيرة كما في التنزيل: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً} [البقرة:245] وكما وقع في رواية بعد ذلك زيادة قوله إلى ما شاء الله تعالى. وقال بعضهم: التقدير حسنة

ص: 405

قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به،

ــ

واللام عوض عن العائد إلى المبتدأ، وهو كل أو العائد محذوف أي الحسنة منه، وقال القاضي البيضاوي: أراد بكل عمل الحسنات من الأعمال فلذلك وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدأ وقوله (إلا الصوم) مستثنى من كلام غير محكى دل عليه ما قبله، والمعنى إن الحسنات يضاعف أجرها من عشر أمثالها إلى سبع مأة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره، ولا يحصيه إلا الله تعالى. ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره - انتهى. وفيه أنه يحتمل أن يكون أول الكلام حكاية إلا أنه لم يصرح بذلك في صدره بل في وسطه قال الحافظ: أما قول البيضاوي إن الاستثناء من كلام غير محكى، ففيه نظر. فقد يقال هو مستثنى من كل عمل وهو مروي عن الله لقوله في أثناء الحديث قال الله تعالى، ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في أثناءه بياناً وفائدته تفخيم شأن الكلام وأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى - انتهى. (فإنه لي وأنا أجزي به) بفتح الهمزة وكسر الزاي يعني إن الصوم سر بيني وبين عبدي يفعله خالصاً لوجهي لا يطلع عليه العباد؛ لأن الصوم لا صورة له في الوجود بخلاف سائر العبادات وأنا العالم بجزاءه أتولى بنفسي إعطاء جزاءه لا أكله إلى غيري، وفيه إشارة إلى تفخيم العطاء وتعظيم الجزاء وإن مضاعفة جزاء الصوم من غير عدد ولا حساب. قال السندي: قد ذكروا لقوله: فإنه لي وأنا أجزي به معاني (بلغها أبوالخير الطالقاني في حظائر القدس له إلى خمسة وخمسين قولاً) لكن الموافق للأحاديث أنه كناية عن تعظيم جزاءه وأنه لا حد له، وهذا هو الذي تفيده المقابلة بما قبله في هذا الحديث وهو الموافق لقوله تعالى:{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:15] وذلك لأن اختصاصه من بين سائر الأعمال بأنه مخصوص بعظيم لا نهاية لعظمته ولا حد لها، وإن ذلك العظم هو المستولى لجزاءه مما ينساق الذهن منه إلى أن جزاءه مما لا حد له. ويمكن أن يقال على هذا معنى قوله "لي أي أنا منفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيفه، وبه تظهر المقابلة بينه وبين ما جاء في بعض الأحاديث من قوله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي أي كل عمله له بإعتبار أنه عالم بجزاءه ومقدار تضعيفه إجمالاً لما بين الله تعالى فيه إلا الصوم، فإنه الصبر الذي ما حد لجزاءه حداً. بل قال:{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:10] انتهى. وقال الحافظ: قد اختلف العلماء في المراد بهذا مع أن الأعمال كلها الله تعالى وهو الذي يجزي بها على أقوال، ثم ذكر الحافظ عشرة أقوال. أحدها إن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المأزري ونقله عياض عن أبي عبيد. قال أبوعبيد: في غريبة إن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فنرى والله أعلم. إنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القبل. ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: ليس في الصيام رياء حدثنية شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره مرسلاً. قال: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا

ص: 406

.........................

ــ

بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفي عن الناس هذا وجه الحديث عندي - انتهى. قال الحافظ: وقد روى الحديث المذكور البيهقي في الشعب من وجه آخر عن الزهري موصولاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف، ولفظه الصيام لا رياء فيه قال الله عزوجل هو لي وأنا أجزي به. قال الحافظ: وهذا لو صح لكان قاطعاً للنزاع. وقال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فإضافة الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث يدع شهوته من أجلي. وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي، بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعاً مثل حال الممسك تقرباً يعني في الصورة الظاهرة. قلت:(قائله الحافظ) معنى النفي في قوله لا رياء في الصوم أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية فدخول الرياء في الصوم، إنما يقع من جهة الإخبار بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها. ثانيها إن المراد بقوله: وأنا أجزي به إني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وأما غيره من العبادات فقد أطلع عليها بعض الناس. قال القرطبي: معناه إن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وإنها تضاعف من عشرة إلى سبع مأة إلى ما شاء الله إلا الصيام، فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد لهذا المعنى رواية الموطأ وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح (عند ابن ماجه) حيث قال: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمأة ضعف إلى ما شاء الله قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أي أجازي عليه جزاء كثيراً من غير تعيين لمقداره وهذا كقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:10]- انتهى: والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال. وسبق إلى هذا أبوعبيد في غريبة، فقال بلغني عن ابن عيينة أنه قال: ذلك واستدل له بأن الصوم هو الصبر؛ لأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات: وقد قال تعالى: { (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} انتهى. ثم أورد الحافظ روايات تشهد لهذا المعنى ثم ذكر باقي الأقوال وقال واتفقوا على أن المراد بالصيام صيام من سلم صيامه عن المعاصي قولاً وفعلاً، ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد إنه مخصوص بصيام خواص الخواص. فقال: إن الصوم على أربعة أنواع: صيام العوام: وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع. وصيام خواص العوام: وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول وفعل. وصيام الخواص: وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته. وصيام خواص الخواص: وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة يعني لا يفطرون إلا برؤيته ولقائه. قال الحافظ: وهذا مقام عال لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى

ص: 407

يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم

ــ

وأقرب الأقوال التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني - انتهى. (يدع شهوته) أي يترك ما اشتهته نفسه من محظورات الصوم وهو تعليل لاختصاصه بعظم الجزاء. قال الطيبي: جملة مستأنفة وقعت موقع البيان لموجب الحكم المذكور (وطعامه) تخصيص بعد تعميم أو الشهوة كناية عن الجماع، والطعام عبارة عن سائر المفطرات، وفي رواية قدم الطعام على الشهوة ولابن خزيمة يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي ويدع زوجته من أجلي وهذا صريح في أن المراد بالشهوة شهوة الجماع. وأصرح منه ما وقع عند الحافظ سموية يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع (من أجلي) أي من جهة امتثال أمري وقصد رضائي وأجري. وفي الموطأ: إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. قال الحافظ: قد يفهم من الإنيان بصيغة الحصر التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به، حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل الصائم الفضل المذكور (للصائم فرحتان) أي مرتان من الفرح عظيمان إحداهما في الدنيا والأخرى في الأخرى (فرحة عند فطره) أي إفطاره بالخروج عن عهدة المأمورة أو بوجدان التوفيق لإتمام الصوم أو بخلوص الصوم وسلامته من المفسدات والرفث واللغو، أو بما يرجوه من حصول الثواب أو بالأكل والشرب بعد الجوع والعطش. قال القرطبي: معناه يفرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم. وقيل: إن فرحه بفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه. قال الحافظ: ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، فمنهم من يكون فرحة مباحاً وهو الطبيعي، ومنهم من يكون مستحباً وهو من يكون سببه شيئاً مما ذكر (وفرحة عند لقاء ربه) أي بنيل الجزاء أو الفوز باللقاء. وقيل: هو السرور بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه (ولخلوف فم الصائم) بفتح لام الابتداء تأكيداً، وبضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو وبعدها فاء، من خلف فمه إذا تغيرت رائحة فمه يخلف خلوفاً بالضم لا غير. قال عياض: هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء. قال الخطابي: وهو خطأ وحكى الفارسي: الوجهين، وصوب الضم. وبالغ النووي في شرح المهذب. فقال لا يجوز فتح الخاء. واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبوية وغيره وليس هذا منها. واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام كذا في الفتح. قال الباجي: الخلوف تغير رائحة فم الصائم وإنما يحدث من خلو المعدة بترك الأكل ولا يذهب بالسواك؛ لأنها رائحة النفس الخارج من المعدة. وإنما يذهب بالسواك

ص: 408

أطيب عند الله من ريح المسك،

ــ

ما كان في الأسنان من التغير. وقال البرقي: هو تغير طعم الفم وريحه لتأخر الطعام. وقال عياض: هو ما يخلف بعد الطعام في الفم من ريحه كريهة لخلاء المعدة من الطعام (أطيب عند الله من ريح المسك) أي صاحب الخلوف عند الله أطيب وأكثر قبولاً ووجاهة وأزيد قرباً منه تعالى من صاحب المسك بسبب ريحه عندكم وهو تعالى أكثر إقبالاً عليه بسببه من إقبالكم على صاحب المسك بسببه. وفي لفظ لمسلم والنسائي أطيب عند الله يوم القيامة، وقد وقع خلاف بين ابن الصلاح وابن عبد السلام في أن أطيب رائحة الخلوف هل هو في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط. فذهب ابن عبد السلام إلى أنه في الآخرة كما في دم الشهيد. واستدل برواية مسلم والنسائي هذه. وروى أبوالشيخ بإسناد فيه ضعف عن أنس مرفوعاً يخرج الصائمون من قبورهم يعرفون بريح أفواههم أفواههم أطيب عندالله من ريح المسك وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا والآخرة جميعاً، واستدل بحديث ولخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك. قال الولي العراقي: هذه الرواية ظاهرة في أن طيبة في تلك الحالة، وحمله على أنه سبب للطيب في حالة مستقبلة تأويل مخالف للظاهر، ويؤيده ما روى الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر في أثناء حديث مرفوع في فضل هذه الأمة في رمضان. وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك. قال المنذري: إسناده مقارب وحسنه أبوبكر السمعاني في أمالية قال وذهب جمهور العلماء إلى ذلك كالخطابي وابن عبد البر والبغوي في شرح السنة والقدوري من الحنفية، والداودي من قدماء المالكية وأبي عثمان الصابوني وأبي بكر السمعاني وأبي حفص الصفار الشافعيين في أماليهم وأبي بكر بن العربي. قال فهؤلاء أئمة المسلمين شرقاً وغرباً لم يذكروا سوى ما ذكرته ولم يذكر أحد وجهاً تخصيصاً بالآخرة بل جزموا بأنه عبارة عن الرضا والقبول ونحوهما مما هو ثابت في الدنيا والآخرة. قال: وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء. وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلباً لرضا الله تعالى حيث يؤمر بإجتنابها فقيده بيوم القيامة في رواية، وأطلق في باقي الروايات نظراً إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين وهو كقوله إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير وهو خير بهم في كل يوم - انتهى. واستشكل كون الخلوف أطيب عندالله من ريح المسك من جهة أن الله تعالى منزه عن استطابة الروائح الطيبة واستقذار الروائح الخبيثة فإن ذلك من صفات الحيوان مع أن الله يعلم الأشياء على ما هي عليه وأجيب عن ذلك بوجوه منها إنه مجاز واستعارة؛ لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله. قال المازري: فيكون المعنى إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم وذكر ابن عبد البر نحوه ومنها إن المراد الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب

ص: 409

والصيام جنة،

ــ

من ريح المسك كما سيأتي المكلوم وريح جرحه تفوحه مسكاً. ومنها أن المراد أن صاحب الخلوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا لاسيما بالإضافة إلى الخلوف وهما ضدان حكى القولين عياض. ومنها أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك فالمراد بعند الله عند ملائكته ومنها أنه يعتد برائحة الخلوف ويدخر على ما هي عليه أكثر مما يعتد بريح المسك وإن كانت عندنا نحن بخلافه حكاه عياض أيضاً. ومنها أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير قاله الداودي وأبوبكر بن العربي والقرطبي. وقال النووي: هو الأصح وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا ومنها إن الغرض نهي الناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف هذا، وإنما كان أثر الصوم أطيب من أثر الجهاد حيث وصف خلوف فم الصائم بأنه أطيب من ريح المسك، ودم الشهيد شبه ريحه بريح المسك مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح، لأن الصوم أحد أركان الإسلام بخلاف الجهاد، ولأن الجهاد فرض كفاية، والصوم فرض عين، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية، كما نص عليه الشافعي ذكره القسطلاني، واستدل به على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لما فيه من إزالة الخلوف المشهود له بأنه أطيب من ريح المسك، وسيأتي الكلام فيه في شرح حديث عامر بن ربيعة في باب تنزيه الصوم (والصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون وهي الوقاية والستر. قال المنذري: هو ما يجنك أي يسترك ويقيك مما تخاف ومعنى الحديث إن الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي - انتهى. قلت: زاد الترمذي وسعيد بن منصور جنة من النار وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاص جنة من النار كجنة أحدكم من القتال، ولأحمد من حديث أبي هريرة جنة وحصين حصين من النار، ولأحمد والنسائي والبيهقي من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة. قال الحافظ: بعد ذكر هذه الروايات قد تبن بها متعلق هذا الستر وإنه من النار وبهذا جزم ابن عبد البر. وأما صاحب النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات. وقال القرطبي: جنة أي سترة بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله: فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث إلى آخره، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو أضعاف شهوات النفس. وإليه الإشارة بقوله: يدع شهوته إلى آخره، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات. وقال عياض: في الإكمال معناه سترة من الآثام أو من النار من جميع ذلك وبالأخير جزم النووي. وقال ابن العربي: إنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات، فالحاصل إنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة. وقال الشاه ولي الله الدهلوي:

ص: 410

وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله.

ــ

"الصيام جنة، لأنه يقى شر الشيطان والنفس ويبعد الإنسان من تأثيرهما ويخالفه عليهما فلذلك كان من حقه تكميل معنى الجنة بتنزيه لسانه عن الأقوال والأفعال الشهوية، وإليه أشار بقوله: فلا يرفث والسبعية وإليه الإشارة في قوله: ولا يصخب وإلى الأقوال بقوله سابه وإلى الأفعال بقوله قاتله - انتهى. قال الحافظ: وفي زيادة أبي عبيدة إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصوم، وقد حكى عن عائشة وبه قال الأوزاعي إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم وأفرط ابن حزم فقال يبطله كل معصية متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلاً أو قولاً لعموم قوله "فلا يرفث ولا يجهل" ولقوله في الحديث الآتي (في باب تنزيه الصوم) من لم يدع قول الزور والعمل به الخ. والجمهور وإن حملوا النهي على التحريم إلا أنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع - انتهى. كلام الحافظ (وإذا) وفي بعض النسخ فإذا كما في صحيح مسلم أي إذا عرفت ما في الصوم من الفضائل الكاملة والفوائد الشاملة (كان يوم صوم أحدكم) برفع يوم على أن كان تامة. وقيل: بالنصب فالتقدير إذا كان الوقت يوم صوم أحدكم (فلا يرفث) بالمثلثة وبتثليث الفاء قاله الزركشي والقسطلاني والعيني وكذلك في القاموس. والرفث، بفتح الراء، والفاء يطلق، ويراد به الجماع. ومقدماته، ويطلق. ويراد به الفحش. ويطلق ويراد به خطاب الرجل والمرأة، فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: إن المراد به في هذا الحديث الفحش وردى الكلام وقبيحه. وقيل: يحتمل أن يكون النهي لما هو أعم من ذلك (ولا يصخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة المفتوحة أي لا يصيح ولا يخاصم. وقيل: أي لا يرفع صوته بالهذيان وفي رواية للشيخين ولا يجهل مكان قوله ولا يصخب أي لا يفعل شيئاً من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه والسخرية ونحو ذلك، وفي رواية سعيد بن منصور ولا يجادل وهذا كله ممنوع على الإطلاق لكنه يتأكد بالصوم. ولذا قال القرطبي: لا يفهم من هذا إن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد إن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (فإن سابه أحد) وفي رواية للشيخين شاتمة أي خاصمة باللسان (أو قاتله) قال عياض: قاتله أي دافعه ونازعه ويكون بمعنى شاتمة ولاعنه وقد جاء القتل بمعنى اللعن وفي رواية سعيد بن منصور أو ما رأه أي جادله ولأبي قرة وإن شتمه إنسان فلا يكلمه وقد استشكل ظاهر لفظ الكتاب؛ لأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين والصائم مأمور. بأن يكف نفسه عن ذلك، ولا تصدر منه الأفعال التي رتب عليها الجواب خصوصاً المقاتلة والجواب عن ذلك إن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها أي إن تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل إني صائم فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه، فإن أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإن كان المراد بقوله قاتله لاعنه، فالمراد بالحديث إنه لا يعامله بمثل

ص: 411