المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

شح هالع، وجبن خالع)) . رواه أبوداود، وسنذكر حديث أبي - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌{

- ‌الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب صدقة الفطر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب من لا تحل له الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌((5)) باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب فضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أفضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب من لا يعود في الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

-

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب رؤية الهلال

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب تنزيه الصوم

- ‌((الفصل الأول))

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: شح هالع، وجبن خالع)) . رواه أبوداود، وسنذكر حديث أبي

شح هالع، وجبن خالع)) . رواه أبوداود، وسنذكر حديث أبي هريرة: لا يجتمع الشح والإيمان، في كتاب الجهاد إنشاء الله تعالى.

{الفصل الثالث}

1890-

(17) عن عائشة، إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن

ــ

وهكذا نقله الخطابي في المعالم، والسيوطي في الجامع الصغير (شح هالع) أي مخزن جازع والهلع أشد الجزع والضجر أي شح يحمل على الحرص على تحصيل المال والجزع على ذهابه. كما قال الله تعالى:{إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً} [المعارج: 19-21] وقال الخطابي في المعالم (ج2 ص241) أصل "الهلع" الجزع والهالع هنا الهلع. ويقال إن الشح أشد من البخل، ومعناه البخل الذي يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه، فإذا استخرج منه هلع وجزع منه (وجبن) بضم الجيم وسكون الباء (خالع) أي شديد كأنه يخلع قلبه من شدة تمكنه منه، والمعنى خوف شديد متمكن يترتب عليه خلع قلبه فلا يستطيع القتال والمحاربة مع الكفار والإقدام عليه. وهاتان الخصلتان وإن وجدتا في النساء إلا أن الغالب وجودهما في الرجال. ولذا قال في صدر الحديث شرما في رجل، ولم يقل والمرأة مع أنها مثله في ذلك قاله الحفني. وقال التوربشتي: خص الرجل إما لأنهما ممدوحان للنساء في نوع منهما أو لأن مذمة الرجال بهما فوق مذمة النساء بهما والله أعلم. (رواه أبوداود) في الجهاد من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان عن أبي هريرة. وأخرجه أيضاً البخاري في تاريخه، وابن حبان في صحيحه، وسكت عنه أبوداود. وقال محمد بن طاهر: وهو إسناد متصل، وقد احتج مسلم بموسى بن علي عن أبيه (وسنذكر حديث أبي هريرة) الذي رواه النسائي في الجهاد وابن حبان والحاكم (لا يجتمع الشح والإيمان) أي في قلب عبد وقد تقدم معناه في كلام التوربشتي. وقال السندي: أي لا ينبغي للمؤمن أن يجمع بينهما إذ الشح أبعد شيء من الإيمان، أو المراد بالإيمان كماله أو المراد قلما يجتمع الشح والإيمان، واعتبر ذلك بمنزلة العدم وأخبر بأنهما لا يجتمعان. ويؤيد الوجهين الأخيرين ما وقع في رواية لا يجمع الله تعالى الإيمان والشح في قلب مسلم - انتهى. (في كتاب الجهاد) لأن أول الحديث وصدره يليق بكتاب الجهاد ولذا أورده النسائي والحاكم فيه ولفظه عند النسائي لا يجمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً. وفي رواية وجه الرجل، وفي أخرى في منخري مسلم، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدأ.

1890-

قوله: (إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن) الضمير للبعض الغير المعين، لكن عند

ص: 298

للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقاً؟ قال: ((أطولكن يداً، فأخذوا قصبة يذرعونها، وكانت سودة أطولهن يداً، فعلمنا بعد إنما كان طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقاً به زينب

ــ

ابن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: فقلت وهو يفيد إن عائشة هي السائلة (أينا) بضم التحتية المشددة بغير علامة التأنيث لأن سيبوية يشبه تأنيث أي بتأنيث كل في قولهم كلتهن، يعني ليست بفصيحة ذكره الزمخشري في سورة لقمان. وفي رواية النسائي أتينا بالتاء وأينا مبتدأ خبره (أسرع بك لحوقاً) نصب على التمييز أي من حيث اللحوق بك يعنى يدركك بالموت، والمقصود استكشاف أنه من يموت بعده صلى الله عليه وسلم من أزواجه بلا واسطة (قال) صلى الله عليه وسلم (أطولكن) بالرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه السؤال أي أسرعكن لحوقاً بي أطولكن (يداً) نصب على التمييز وإنما لم يقل طولاكن بلفظ: فعلى مع أن القياس هذا، لأن في مثله يجوز الإفراد. والمطابقة لمن أفعل التفضيل له يعني أكثركن صدقة فإن اليد تطلق ويراد بها المنة والنعمة مجازاً (فأخذوا قصبة) بفتح القاف والصاد (يذرعونها) بالذال المعجمة أي يقدرونها بذراع كل واحدة كي يعلمن أيهن أطول جارحة يعني يقيسون أيديهن بها بناء على فهمهن، إن المراد باليد الجارحة. وإنما ذكر بلفظ: جمع المذكر والقياس ذكر لفظ جمع المؤنث اعتبار لمعنى الجمع، لا للفظ جماعة النساء أو عدل إليه تعظيماً لشأنهن كقول الشاعر:

وإن شئت حرمت النساء سواكم

(وكانت) كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة، وفي البخاري "فكانت" أي بالفاء بدل "الواو" وكذا عند النسائي (سودة) بفتح السين بنت زمعة (أطولهن يداً) أي من طريق المساحة (فعلمنا بعد) مبني على الضم أي بعد هذا حين ماتت أو نساءه لحوقاً به. وقال القسطلاني: أي بعد إن تقرر كون سودة أطولهن يداً بالمساحة (إنما) بفتح الهمزة لكونه في موضع المفعول لعلمنا (كان طول يدها) كلام إضافي مرفوع لأنه اسم كان (الصدقة) بالنصب وقوله "كان" كذا في جميع النسخ، وفي البخاري كانت بالتأنيث. قال الحافظ: الصدقة بالرفع، وطول يدها بالنصب لأنه الخبر- انتهى. أي علمنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد باليد العضو وبالطول طولها بل أراد العطاء وكثرته فاليد ههنا استعارة للصدقة، والطول ترشيح لها لأنه ملائم للمستعارة منة (وكانت أسرعنا لحوقاً به زينب) كذا في النسخ الحاضرة عندنا بذكر زينب هنا، وفي البخاري وقع بدون ذكرها كما صرح به الحافظ والعيني وغيرهما. قال ميرك: وقع في بعض نسخ المشكاة هنا بعد قوله لحوقاً به زيادة لفظ زينب ملحقاً وليس بصحيح، لأن في عامة نسخ البخاري وقع بحذفها كما صرح به الحافظ ابن حجر في شرحه - انتهى. ورواية البخاري توهم

ص: 299

.................................

ــ

إن سودة كانت أسرع لحوقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم قال النووي وقع هذا الحديث في كتاب الزكاة من البخاري بلفظ: منعقد يوهم إن أسرعهن لحاقاً سودة وهذا الوهم باطل بالإجماع، يعني لأن أول نساءه لحوقاً به زينب، لا سودة، وإن كانت سودة أطولهن جارحة. والصواب ما ذكره مسلم في صحيحه وهو المعروف عند أهل الحديث، إنها زينب فالصحيح تقدير زينب أو وجوده وقال الحافظ أبوعلي الصيرفي: ظاهر هذا اللفظ إن سودة كانت أسرع لحوقاً وهو خلاف المعروف عند أهل العلم، إن زينب أول من مات من الأزواج، ثم نقله عن مالك والواقدي. وقال ابن بطال هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعني إن الصواب وكانت زينب أسرعنا لحوقاً به وقال ابن الجوزي: هذا الحديث غلط من بعض الرواة والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره، وقال لحوق سودة من إعلام النبوة وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب فإنها كانت أطولهن يداً بالعطاء كما رواه مسلم. وأجاب ابن رشيد بأن عائشة لا تعني سودة بقولها فعلمنا بعد أي بعد أن أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي، ولم تذكر سبباً للرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت، فتعين الحمل على المجاز- انتهى. وحينئذ فالضمير "في" وكانت في الموضعين عائد على الزوجة التي عناها صلى الله عليه وسلم بقوله أطولكن يداً، وإن كانت لم تذكر إذ هو متعين لقيام الدليل على أنها زينب كما في مسلم، مع اتفاقهم على أنها أولهن موتاً فتعين أن تكون هي المرادة، وهذا من إضمار ما لا يصلح غيره كقوله حتى توارت بالحجاب، وعلى هذا فلم يكن سودة مرادة قطعاً وليس الضمير عائداً عليها. وقال الزين بن المنير: وجه الجمع إن قولها فعلمنا بعد يشعر إشعاراً قوياً إنهن حملن طول اليد على ظاهره، ثم علمن بعد ذلك خلافه، وإنه كناية عن كثرة الصدقة والذي علمنه آخراً خلاف ما اعتقدنه أولَا. وقد انحصر الثاني في زينب للاتفاق على أنها أولهن موتاً فتعين أن تكون هي المرادة، وكذلك بقية الضمائر بعد قوله فكانت واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك- انتهى. وقال الكرماني: يحتمل أن يقال إن في الحديث اختصاراً أو إكتفاء بشهرة القصة لزينب، أو يؤل الكلام بأن الضمير راجح إلى المرأة التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها أول من يلحق به وكانت كثيرة الصدقة. قلت: ولكن وقع في رواية النسائي تعيين سودة ولفظه: فكانت سودة أسرعهن لحوقاً به، وكذا وقع التصريح بذلك في رواية أحمد وابن سعد والبخاري في التاريخ الصغير، والبيهقي في الدلائل وابن حبان في صحيحه قال ابن سعد: قال لنا محمد بن عمر يعني الواقدي هذا الحديث، وهل في سودة وإنما هو زينب هو في زينب بنت جحش فهي أول نساءه لحوقاً به، وتوفيت في خلافة عمر، وبقيت سودة إلى أن توفيت

ص: 300

وكانت تحب الصدقة)) . رواه البخاري وفي رواية مسلم،

ــ

في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين. وأجاب الحافظ عن هذه الروايات المصرحة بسودة بأنه يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر، فلما لم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقاً به جعل الضمائر كلها السودة، وهذا عندي من أبي عوانة فقد خالفه في ذلك ابن عيينة عن فراس. وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقاً، ولا عائشة، ولفظه: فلما توفيت زينب علمن إنها كانت أطولهن يداً في الخير والصدقة. ويؤيده ما رواه الحاكم في المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأزواجه أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً قالت: عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ إن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أراد بطول اليد الصدقة. وكانت زينب امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله. قال الحاكم: على شرط مسلم. وهي رواية مفسرة مبينة مرحجة لرواية عائشة بنت طلحة عن عائشة في أمر زينب عند مسلم. وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال: كانت زينب أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقاً به وكذا روى البخاري في التاريخ من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزي وابن سعد، من طريق برزة بنت رافع ما يدل على أن زينب توفيت في خلافة عمر، وإنها كانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقاً به. فهذه روايات يعضد بعضها بعضاً ويحصل من مجموعها إن في رواية أبي عوانة وهماً- انتهى كلام الحافظ مخلصاً. وقد جمع بعضهم بين الروايتين. فقال الطيبي: يمكن أن يقال فيما رواه البخاري، ومن صرح بتسمية سودة المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب فكانت سودة أولهن موتاً، يعني أن يكون خطابه صلى الله عليه وسلم. في رواية البخاري لمن كان حاضراً عنده إذ ذاك من الزوجات وإن سودة وعائشة كانتا ثمة، وزينب غائبة لم تكن حاضرة، فالألية لسودة باعتبار من حضر ويرد هذا ما رواه ابن حبان إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة (وكانت) أي زينب (تحب الصدقة) أي إعطاءها وكانت لها صناعة كما تقدم (رواه البخاري) في الزكاة من حديث موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة، وأخرجه أيضاً في التاريخ الصغير بهذا الإسناد، وكذا ابن حبان في صحيحه والبيهقي في الدلائل. وأخرجه أحمد وابن سعد عن عفان عن أبي عوانة، والنسائي وابن حبان أيضاً من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة (وفي رواية لمسلم) أخرجها في

ص: 301

قالت: وكانت يتطاولن قالت: أيتهن أطول يداً، فكانت أطولنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها تتصدق)) .

1891-

(18) وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال: رجل

ــ

الفضائل من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة (قالت) أي عائشة (وكانت) أي جماعة النساء وفي بعض النسخ فكانت، وفي مسلم فكن (يتطاولن) يتقايسن طول أيديهن (أيتهن) بالضم (أطول يداً) قال الطيبي: محله النصب على أنه حال أو مفعول به أي يتطاولن ناظرات أيتهن (قالت) عائشة (فكانت أطولنا يداً) أي بالصدقة (زينب) وكانت امرأة قصيرة. قال النووي: معنى الحديث إنهن ظنن إن المراد بطول اليد الحقيقة وهي الجارحة فكن يذرعن أيديهن بقصبة، فكانت سودة أطولهن جارحة. وكانت زينب أطولهن يداً في الصدقة، وفعل الخير فماتت زينب أولهن، فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود. وقال أهل اللغة يقال فلان طويل الباع إذا كان سمحاً ًجواداً، وضده قصير اليد والباع (لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق) أي تدبغ الجلود بيدها ثم تبيعها وتتصدق بثمنها. قال الطيبي: تعليل بمنزلة البيان لقولها يتطاولن، وإن المراد المعنوي لا الصوري - انتهى. وفي الحديث علم من أعلام النبوة ظاهر وفيه إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة، وهو لفظ أطولكن إذا لم يكن محذور. قال الزين بن المنير: لما كان السؤال عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بالوحي أجابهن بلفظ غير صريح وأحالهن على ما لا يتبين إلا بآخره، وساغ ذلك لكونه ليس من الأحكام التكليفية. وفيه إن من حمل الكلام على ظاهره وحقيقته لم يلم، وإن كان مراد المتكلم مجازه، لأن نسوة النبي صلى الله عليه وسلم حملن طول اليد على الحقيقة فلم ينكر عليهن. وزينب هذه هي ابنة جحش ابن أرباب بن يعمر الأسدية أم المؤمنين، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث. وقيل سنة خمس. ونزلت بسببها آية الحجاب وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة وفيها نزلت. {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} وكان إسمها برة فسماها زينب، وقد وصف عائشة زينب بالوصف الجميل في قصة الأفك، وإن الله عصمها بالورع، وإنها كانت صالحة صوامة قوامة صناعاً تصدق بذلك على المساكين. وكان عطاءها اثنى عشر ألفاً لم تأخذه إلا عاماً واحداً، وقسمه في أهل رحمها. قال الواقدي: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت خمس وثلاثين سنة وماتت سنة عشرين، وهي بنت خمسين وصلى عليها عمر بن الخطاب. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروى عنها ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأم حبيبة بنت أبي سفيان وزينب بنت أبي سلمة، ولهم صحبة ومذكور مولاها وغيرهم.

1891-

قوله: (قال رجل) أي من بني إسرائيل كما عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة

ص: 302

لا تصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق؟

ــ

ولم يعرف اسمه، والاستدلال به مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يظهر النسخ والإنكار (لا تصدقن) زاد في رواية الليلة وكررها في المواضع الثلاثة، وهذا من باب الالتزام كالنذر، والقسم فيه مقدر. كأنه قال: والله لا تصدقن، وعلى هذا فصار الصدقة واجبة فصح الاستدلال به في صدقة الفرض (فخرج) من بيته (بصدقته) أي التي نوى بها ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد سارق) أي وهو لا يعلم إنه سارق فأذاع السارق إنه تصدق عليه الليلة (فأصبحوا) أي القوم الذين كان فيهم ذلك المتصدق (يتحدثون) في موضع نصب خبر أصبح (تصدق) بضم التاء والصاد على البناء للمفعول (الليلة) كذا في جميع النسخ بذكر الليلة في المواضع الثلاثة، وهكذا وقع في جامع الأصول (ج7 ص301) للجزري، وكذا نقله المنذري في الترغيب، وقد صرحا كالمصنف بعد ذكر الحديث بأنه لفظ البخاري. ولكن لم يقع ذكر الليلة في نسخ البخاري الموجودة عندنا إلا في موضع واحد، وهو قوله الآتي: فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، وهكذا في المنتقي للمجد بن تيمية، وكذا وقع عند مسلم. والظاهر إن صاحب المشكاة قلد في ذلك جامع الأصول والله أعلم. قال الحافظ: قوله: تصدق على سارق في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان: تصدق الليلة على سارق، وفي رواية ابن لهيعة عند أحمد: تصدق الليلة على فلان السارق، ولم أر في شيء من الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصدق عليهم- انتهى. وهو إخبار بمعنى التعجب والإنكار (فقال) المتصدق (اللهم لك الحمد على سارق) أي على تصدقي على سارق لا، لي لأن صدقتي وقعت بيد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، فإن إرادتك كلها جميلة، ولا يحمد على المكروه سواك. وقدم الخبر على المبتدأ في قوله "لك الحمد" للاختصاص. وقال الطيبي: لما جزم بوضعها في موضعها بدلالة التنكير في بصدقة، وأبرز كلامه في معرض القسم تأكيداً أو قطعاً للقبول بها جوزي بوضعها في يد سارق فحمد الله وشكره، على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالاً منه أي لك الحمد لأجل وقوع الصدقة في يده دون من هو أشد حالاً منه أو أجرى الحمد مجرى التبيع في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيماً لله يعني ذكر الحمد في موضع التعجب كما يذكر التسبيح في موضعه. فلما تعجلوا من فعله تعجب هو أيضاً فقال: اللهم لك الحمد على سارق - انتهى. قال الحافظ: لا يخفي بعد هذا الوجه. وأما الذي قبله فأبعد عنه والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله فحمد الله على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الحال لا يحمد على المكروه سواه. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه، قال اللهم لك الحمد على كل حال،

ص: 303

لا تصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية. فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، لا تصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق وزانية وغني؟ فأتى، فقيل له، أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله)) .

ــ

(لا تصدقن) أي الليلة وكما في رواية مسلم، وفيه فضل صدقة السر وفضل الإخلاص (بصدقة) أخرى على مستحق (فخرج بصدقته) ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد) امرأة (زانية فأصبحوا) أي بنو إسرائيل (يتحدثون) تعجبا أو إنكارا (تصدق) بصيغة المجهول أيضاً وكذلك تصدق الثالث (الليلة على زانية فقال) المتصدق (اللهم لك الحمد على) تصدقي (على زانية) حيث كان بإرادتك لا بإرادتي (فأتى) في رواية الطبراني في مسند الشاميين فساءه ذلك فأتى في منامه، وكذلك أخرجه أبونعيم والإسماعيلي ورؤيا غير الأنبياء وإن كان لا حجة فيها لكن هذا الرؤيا قد قررها النبي صلى الله عليه وسلم. فحصل الاحتجاج بتقريره صلى الله عليه وسلم (فقيل له أما صدقتك على سارق) زاد في رواية أبي عوانة: قد قبلت، وفي رواية مسلم وأحمد: أما صدقتك فقد قبلت، وفي رواية الطبراني: إن الله قد فبل صدقتك (فلعله أن يستعف عن سرقته) بفتح السين وكسر الراء أي إما مطلقاً أو مدة الاكتفاء (وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها بالقصر وفيه إيماءؤ إلى أن الغالب في السارق والزانية إنهما يرتكبان المعصية للحاجة. (وأما الغني فلعله يعتبر) أي يتعظ ويتذكر (فينفق) بالرفع فيه وفي يعتبر وفي رواية أي يعتبر فينفق (مما أعطاه الله) في الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة. وفيه إن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته، ولو لم تقع الموقع وهذا في صدقة التطوع. واختلف الفقهاء في الأجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض. قال الحافظ: ولا دلالة في الحديث على الأجزاء ولا على المنع، ومن ثم ترجم البخاري على هذا الحديث بلفظ: الاستفهام فقال "باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم" ولم يجزم بالحكم. قلت: قد تقدم وجه الاستدلال به على الأجزاء في الصدقة الواجبة بأن قوله "لا تصدقن" من باب الالتزام كالنذر فصار الصدقة واجبة عليه. وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا المتصدق في قبول صدقته، فصح الاستدلال به في زكاة الفرض والله تعالى أعلم. قال ابن قدامة (ج2

ص: 304

متفق عليه. ولفظه للبخاري.

1892-

(19) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: أسق حديقة فلان،

ــ

ص667) إذا عطي من يظنه فقيراً فبان غنياً فعن أحمد فيه روايتان إحداهما يجزئه أي تسقط عنه الزكاة ولا تجب عليه الإعادة، أختارها أبوبكر، وهذا قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال: إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. وقال للرجل الذي سأله الصدقة: إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك ولو اعتبر حقيقة لما أكتفى بقولهم. ثم ذكر ابن قدامة حديث أبي هريرة هذا الذي نحن في شرحه. ثم قال: والرواية الثانية لا يجزئه، وعليه الإعادة، لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها إلى كافر، وهذا قول الثوري والحسن بن صالح وأبي يوسف وابن المنذر وللشافعي قولان كالروايتين - انتهى. قلت: المسألة عند الحنفية إنه لو دفع الزكاة بتحر لمن يظنه مصرفاً فبان إنه غني وأبوه أو ابنه لا يعيد؛ لأنه أتى بما وسعه حتى لو دفع بلا تحر لم يحزان اخطأ. واستدل ابن الهمام لذلك بما روى البخاري عن معن بن يزيد. قال كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال لك ما نويت يا يزيد! ولك ما أخذت يا معن - انتهى. قال ابن الهمام: وهو وإن كان واقعة حال يجوز فيها كون تلك الصدقة كانت نفلاً، لكن عموم لفظ ما في قوله عليه الصلاة والسلام: لك ما نويت يفيد المطلوب ذكره القاري فتأمل. قال الحافظ: فإن قيل: إن الخبر يعني حديث الباب إنما تضمن قصة خاصة وقع الإطلاع فيها على قبول الصدقة، برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين يقع تعميم الحكم وتعدية إلى غيرها، فالجواب إن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم، فيقتضي ارتباط القبول بهذه الأسباب. وفي الحديث استحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع، وإن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه، وبركة التسليم والرضا وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف: لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول (متفق عليه) أخرجاه في الزكاة وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي في الزكاة، والبيهقي (ج4 ص192وج7 ص34)(ولفظه للبخاري) أي ولمسلم معناه، وقد تقدم الإشارة إلى ما فيه من التسامح.

1892-

قوله: (بينا) بإشباع الفتحة ألفاً أي بين أوقات (رجل بفلاة) بفتح الفاء أي بصحراء واسعة (أسق) بقطع همزة ووصله (حديقة فلان) الحديقة بفتح الحاء المهملة بستان إذا كان عليه حائط، وقال

ص: 305

فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته، يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك قال: فلان، الاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله! لم تسألني عن اسمي فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول اسق حديقة فلان لإسمك، فما تصنع فيها، قال: أما إذا قلت هذا،

ــ

النووي: الحديقة، القطعة من النخيل. وتطلق على الأرض ذات الشجر- انتهى. وفلان كناية منه عليه الصلاة والسلام عن اسم صاحب الحديقة كما سيأتي بيانه (فتنحى ذلك السحاب) أي ذهب إلى حديقته. قال النووي: معنى تنحا قصد يقال: تنحيت الشيء موانتحيته ونحوته إذا قصدته (فأفرغ ماءه) أي صبه (في حرة) بفتح الحاء وتشديد الراء وهي أرض ذات حجارة سود (فإذا شرجة) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء بعدها جيم وتاء تأنيث مسيل الماء إلى الأرض السهلة، وقال النووي جمعها شراج بكسر الشين، وهي مسائل الماء في الحرار (من تلك الشراج) أي الواقعة في تلك الحرة (قد استوعبت) أي بالأخذ يقال: استوعب الشيء أي أخذه بأجمعه واستوفاه (ذلك الماء) أي النازل من السحاب الواقع في الحرة (فتتبع) أي ذلك الرجل (الماء) أي أثره (يحول) بتشديد الواو (الماء) أي من مكان إلى مكان من حديقته (بمسحائة) بكسر الميم وبالسين والحاء المهملتين ما يسحي به أي يجرف ويقشر ويكسح كالمجرفة من الحديد أو غيره (فقال) أي الرجل (له) أي لصاحب الحديقة (ما اسمك) أي المخصوص (قال فلان الإسم) قال القاري: بالرفع وقيل بالنصب. قال الطيبي: هو صرح بإسمه لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى عنه بفلان، ثم فسر بقوله: الاسم الذي سمع في السحابة) ولعل العدول عن التصريح إلى الكناية للإشارة إلى أن معرفة الأسماء في بعض المواضع ليست من الأمور المهمة. وقوله. الإسم كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة عندنا، وفي مسلم للإسم بزيادة لام الجر في أوله، وكذا وقع في الترغيب للمنذري (لم) بكسر اللام (تسألني) كذا في جميع النسخ، وهكذا في بعض النسخ من صحيح مسلك وفي بعضها لم سألتني (هذا ماءه يقول) أي ذلك الصوت يعني صاحبه للسحاب وفي بعض النسخ، ويقول بزيادة الواو قبل يقول، وهو خلاف ما في مسلم (اسق حديقة فلان لاسمك) قال الطيبي: أي قلت أنا فلان لاسمك المخصوص وبدله فإن الهاتف صرح بالإسم والكناية من السامع (فما تصنع فيها) أي في حديقتك من الخير حتى تستحق هذه الكرامة (قال أما) بتشديد الميم (إذا قلت) وفي بعض النسخ إذ قلت كما في مسلم

ص: 306

فأني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثة وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثة)) . رواه مسلم.

1893 -

(20) وعنه، إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطى لوناً حسناً وجلداً حسناً. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل، أو قال: البقر، شك إسحاق

ــ

(إلى ما يخرج منها) أي من زرع الحديقة وثمرها (وأورد فيها) أي وأصرف في الحديقة للزرعة والعمارة (ثلثة) في الحديث ضل الصدقة والإحسان إلى المساكين وأبناء السبيل وفضل أكل الإنسان من كسبه، والإنفاق على العيال (رواه مسلم) في الزهد في أواخر من صحيحه وأخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص296) وأبوداود الطيالسي.

1893-

قوله: (إن ثلاثة من بني إسرائيل) كذا في جميع النسخ الحاضرة والذي في الصحيحين: إن ثلاثة في بني إسرائيل (أبرص) هو الذي أبيض ظاهر بدنه أي جلده لفساد مزاجه (وأقرع) وهو الذي ذهب شعر رأسه لآفة (وأعمى) هو الذي ذهب بصره. قال القاري: منصوبات على البدلية من الثلاثة ولم يعرف أسماءهم (فأراد الله) هذا لفظ مسلم، وفي البخاري بدأ الله بفتح الموحدة والمهملة المخففة بغير همز، ومعناه سبق في علم الله فأراد إظهاره لا إن ظهر له بعد أن كان خافياً إذ أن ذلك محال في حق الله تعالى، وخطأ هذا الكرماني في شرحه تبعاً لابن قرقول، ولفظه في مطالعه ضبطناه عن مقتنى شيوخنا بالهمز أي ابتدأ الله أن يبتليهم قال ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ، وقد سبقه إلى التخطئة الخطابي وليس كذلك، فقد ثبتت الرواية به ووجه، وأولى ما يحمل عليه كما في الفتح. إن المراد قضى الله أن يبتليهم. وأما البدء الذي يراد به تغير الأمر عما كان عليه فلا (أن يبتليهم) أي يمتحنهم ليعرفوا أنفسهم أي ليعرفهم الناس. قال الطيبي: قوله: "فأراد الله" خبر إن عند من يجوز دخول الفاء في خبرها، ومن لم يجوز قدر الخبر أي فيما أقص عليكم فقوله: "فأراد تفسير للمجمل، ولو رفع أبرص وما عطف عليه بالخبرية تعين للتفسير - انتهى. يعني إن رفعها بتقدير أحدهم أبرص أو منهم أبرص (فبعث إليهم ملكاً) أي في صورة رجل مسكين (ويذهب عني) بالرفع أي يزول عني (الذي قد قذرني الناس) بفتح القاف وكسر الذال المعجمة أي اشمأزوا من رؤيتي وعدوني مستقذراً وكرهوني من أجله وهو البرص (فمسحه) أي مسح على جسمه (فذهب عنه قذره) بفتحتين يعني برصه (وأعطى) بضم الهمزة (شك إسحاق) أحد

ص: 307

إلا أن الأبرص أو الأقرع، قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر. قال: فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه، قال: وأعطي شعراً حسناً. قال فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً، قال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شأة والداً، فأنتج هذان، وولد هذا، فكان لهذا

ــ

رواته وهو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري المدني أبويحيى ثقة حجة من الطبقة الوسطى من التابعين، روى عن أبيه وأنس وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهم، وعنه همام ومالك والأوزاعي وغيرهم مات سنة (132) وقيل: بعدها (إلا أن الأبرص والأقرع) استثناء من الشك (قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر) أي لم يشك إسحاق في هذا بل في التعيين. قاله الطيبي: ولفظ البخاري هو شك في ذلك إن الأبرص أو الأقرع. قال أحدهما الإبل، وقال الآخر البقر (فأعطي) بضم الهمزة أي الذي تمنى الإبل (ناقة عشراء) بضم العين وفتح الشين المعجمة والراء ممدوداً الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل، وهي من أنفس المال، وقد يطلق على الحامل مطلقاً. وقال النووي: العشراء الحامل القريبة الولادة (ويذهب عنى هذا) أي القرع (الذي قد قذرني الناس) أي كرهوا مخالطتي من أجله (فمسحه) أي الملك على رأسه (فذهب عني) أي قرعه (فأبصر) بالنصب والرفع من الأبصار (فمسحه) أي على عينيه (شأة والداً) أي وضعت ولدها وهو معها وقيل: الحامل. وقيل: التي عرف منها كثرة النتاج (فأنتج) بصيغة الفاعل من الإنتاج أي تولى الولادة. وقال ابن حجر: أي استولد الناقة والبقرة (هذان) أي صاحبا الإبل والبقر وهما الأبرص والأقرع (وولد) فعل ماض معلوم من التوليد بمعنى الإنتاج (هذا) أي صاحب الشأة وهو الأعمى. قال النووي: قوله: "فأنتج" هذان وولدا هذا، هكذا الرواية فأنتج رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال، والمشهور نتج ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش ومعناه تولى الولادة وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا بتشديد اللام معنى أنتج والناتج للإبل، والمولد للغنم وغيرها هو كالقابلة للنساء - انتهى. وقال الكرماني: قد راعى عرف الاستعمال حيث قال فيهما أنتج وفي الشأة ولد (فكان لهذا)

ص: 308

وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم. قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيراً أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: إنه كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً فأعطاك الله مالاً؟

ــ

أي الذي اختار الإبل (وادٍ) قد امتلأ (من الإبل ولهذا) الذي اختار البقر (وادٍ) قد امتلأ (من البقر ولهذا) الذي اختار الغنم وهو الأعمى (وادٍ من الغنم)(قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ثم إنه) أي الملك (أتى الأبرص) الذي كان مسحه فذهب برصه (في صورته) أي في صورة التي كان عليها لما اجتمع به وهو أبرص ليكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة عليه قاله الحافظ. وقال الطيبي: أي في الصورة التي جاء الأبرص عليها أول مرة ولا يبعد أن يكون الضمير راجعاً إلى الأبرص لعله يتذكر حاله ويرحم عليه بماله، والأول أظهر في الحجة عليه، حيث جاء في صورته التي تسبب في جماله وحصول كثرة ماله (فقال) له إني (رجل مسكين) زاد في رواية: وابن السبيل (قد انقطعت بي الحبال في سفري) قال السيد: الباء بمعنى من كما في قوله تعالى: {يشرب بها عباد الله} [الدهر: 6] قال القاري: الأظهر إن الباء للسبيية والملابسة كما في قوله: {وتقطعت بهم الأسباب} [البقرة: 166] والحبال بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة جمع حبل، أي الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق. وقيل: العقبات. وقيل: الحبل هو المستطيل من الرمل، ولبعض رواة مسلم الجبال بالمهملة والتحتانية جمع حيلة، أي لم يبق لي حيلة. ولبعض رواة البخاري الجبال بالجيم والموحدة وهو تصحيف قاله الحافظ: أي طال سفري وقعدت عن بلوغ حاجتي (فلا بلاغ) أي كفاية (لي اليوم إلا بالله) أي إيجاد يعني ليس لي ما أبلغ به غرضي إلا بالله (ثم بك) أي بطريق التنزل على وجه التسبب والمجاز فثم هنا لتراخي الرتبة والتنزل في المرتبة لا للترقي وهذا ونحوه من الملائكة معاريض لا أخبار والمراد به ضرب المثل ليتيقظ المخاطب (أسألك) أي مقسماً عليك (بالذي) أي بالله الذي (أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال) أي الإبل (بعيراً) مفعول أسألك أي أطلب منك بعيراً (أتبلغ به في سفري) بهمزة فوقية وموحدة ولام مشددة مفتوحات، ثم معجمة من البلغة وهي الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي (الحقوق كثيرة) أي حقوق المال كثيرة علي ولم أقدر على أدائها أو حقوق المستحقين كثيرة فلم يحصل لك البعير، وقد أراد به دفعة وهو غير صادق فيه (فقال إنه) أي الشأن (يقذرك الناس) بفتح التحتية والذال المعجمة من باب علم أي يكرهونك ويقذرونك (فقيراً) حال (فأعطاك الله مالاً)

ص: 309

فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. فقال: إن كنت كاذباً، فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته. فقال: له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيأته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شأة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت. فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله.

ــ

كذا في جميع النسخ الحاضرة بزيادة لفظ مالاً، ووقع في الصحيحين بحذفه وهو الصواب، فيعم إعطاء المال والجمال (إنما ورثت) بفتح الواو وكسر الراء المخففة، وقيل: بضم الواو وتشديد الراء المكسورة (كابراً) حال (عن كابر) أي كبيراً عن كبير في العز والشرف والثروة أي ورثته عن آبائي الذين ورثوه من أجداد الذين ورثوه من آباءهم، حال كون كل واحد منهم كبيراً ورث عن كبير في العز والشرف. وقال القاري: والمعنى حال كوني أكبر قومي سناً ورياسة ونسباً وآخذاً عن آبائي الذين هم كذلك حساً، وهذا من باب الإكتفاء في الجواب، فإنه يلزم عرفاً من التكذيب في شيء تكذيبه في آخر (فقال) له الملك (إن كنت كاذباً) في مقالتك هذه (فيصيرك الله إلى ما كنت) من البرص والفقر، والجملة جواب الشرط، وأدخل الفاء في الفعل الماضي، لأنه دعاء وعبر بالماضي لقصد المبالغة في الدعاء عليه، والشرط ليس على حقيقته، لأن الملك لم يشك في كذبه، بل هو مثل قول العامل إذا سوف في عمالته إن كنت عملت فأعطني حقي (وأتى الأقرع في صورته) زاد في رواية البخاري وهيئته (وابن السبيل) أي مسافر (لا أجهدك) قال القاري: بفتح الهمزة والهاء وفي نسخة: بضم الهمزة وكسر الهاء (اليوم بشيء) كذا في جميع النسخ بشيء، وكذا وقع في البخاري ووقع في مسلم شيئاً (أخذته لله) قال النووي: قوله: "لا أجهدك اليوم شيئاً" الخ هكذا هو في رواية الجمهور أجهدك بالجيم والهاء، وفي رواية ابن ماهان أحمدك بالحاء المهملة والميم، ووقع في البخاري بالوجهين لكن الأشهر في مسلم بالجيم. وفي البخاري بالحاء ومعنى الجيم لا أشق عليك برد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي. والجهد المشقة، ومعناه بالحاء لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه أو تريده، فتكون لفظة الترك محذوفة مرادة كما قال الشاعر:

ليس على طول الحياة تندم

أي فوات طول الحياة- انتهى. وقال الحافظ: في رواية كريمة وأكثر روايات مسلم لا أجهدك بالجيم والهاء

ص: 310

فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك)) . متفق عليه.

1894-

(21) وعن أم بجيد، قالت، قلت: يا رسول الله! إن المسكين ليقف على بابي حتى استحي فلا أجد في بيتي ما أدفع في يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ادفعي في يده ولو ظلفاً محرقاً)) .

ــ

قال القسطلاني: ولأبي ذر لا أحمدك بالحاء المهملة، والميم بدل الجيم والهاء لشيء باللام بدل الموحدة أي لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي (فإنما ابتليتم) أي أنت ورفيقاك. والمعنى أختبركم الله هل تذكرون سوء حالتكم وشدة حاجتكم أولاً وتشكرون نعمة ربكم عليكم آخراً (فقد رضي عنك) بضم أوله على البناء للمفعول في رضي وسخط، وفي رواية البخاري فقد رضي الله عنك بإظهار الفاعل. وفي الحديث جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه، ولا يكون ذلك غيبة فيهم ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها، والاعتراف بها وحمد الله عليها وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم وفيه الزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى (متفق عليه) أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل من كتاب الأنبياء ومسلم واللفظ لمسلم.

1894-

قوله: (وعن أم بجيد) بضم الموحدة وفتح الجيم الأنصارية الحارثية. قيل: اسمها حواء صحابية، وكانت من المبايعات. روى حديثها عبد الرحمن ومحمد ابنا بجيد الأنصاريان عن جدتهما أم بجيد الأنصارية. قال ابن عبد البر: في الكنى أم بجيد الأنصارية الحارثية. قيل: اسمها حواء وفي ذلك اضطراب وهي مشهورة بكنيتها، وقال في ترجمة حواء الأنصارية جدة ابن بجيد، حدثنا عبد الوارث حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سعيد بن منصور حدثنا حفص بن ميسرة حدثنا زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأنصاري عن جدته حوار قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ردوا السائل ولو بظلف محرق، وروى المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد الأنصاري عن جدته قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو فرسن شأة، وقد ذكرنا الاضطراب في هذا الإسناد في كتاب التمهيد (ليقف على بابي) أي سائلاً، وهذا لفظ أحمد وفي رواية له: فيقوم على بابي (ما أدفع في يده) أي شيئاً أضع في يده (ولو ظلفا) بكسر الظاء المعجمة وإسكان اللام، وبالفاء وهو للبقر والغنم كالحافر للفرس. وقال في القاموس: الظلف بالكسر للبقر والشأة والظبي وشبهة بمنزلة القدم لنا. وقال الباجي: هو ظفر كل ما اجتر و"لو" للتقليل أي أعطوا السائل ولو كان شيئاً قليلا كالظلف (محرقاً) اسم مفعول من الإحراق وقيداً لإحراق مبالغة في رد السائلي بأدنى ما تيسر أي تصدقي بما تيسر

ص: 311

رواه أحمد، وأبوداود، والترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

1895-

(22) وعن مولى لعثمان رضي الله تعالى عنه، قال: ((أهدي لأم سلمة بضعة من لحم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه اللحم، فقالت لخادم: ضعيه في البيت لعل النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، فوضعته في كوة البيت. وجاء سائل فقام على الباب، فقال: تصدقوا، بارك الله فيكم. فقالوا: بارك الله فيك، فذهب السائل، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سلمة! هل عندكم شيء أطعمه؟

ــ

وإن قل، ولا ترديه محروماً بلا شيء مهما أمكن حتى إن وجدت شيئاً حقيراً مثل الظلف المحرق أعطيه إياه. وقال أبوبكر بن العربي في شرح الترمذي: اختلف في تأويله. فقيل: ضربه مثلاً للمبالغة كما جاء من بنى لله مسجداً ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة. وقيل: إن الظلف المحرق كان له عندهم قدر، بأنهم يسحقونه ويسفونه- انتهى. وقال الزرقاني: قيد بالإحراق أي الشيء كما هو عادتهم فيه لأن النيئ قد لا يؤخذ، وقد يرميه آخذه فلا ينتفع بخلاف المشوي- انتهى. قال الباجي: حض بذلك صلى الله عليه وسلم على أن يعطي المسكين شيئاً ولا يرده خائباً وإن كان ما يعطاه ظلفاً محرقاً، وهو أقل ما يمكن أن يعطي ولا يكاد أن يقبله المسكين ولا ينتفع به إلا في وقت المجاعة والشدة (رواه أحمد)(ج6 ص382- 383)(وأبوداود والترمذي) واللفظ لأحمد وأخرجه أيضاً النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم (ج1 ص417) والبيهقي (ج4 ص177) وأبونعيم وابن سعد، وأخرجه مالك في كتاب الجامع من الموطأ عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري، ثم الحارثي عن جدته إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ردوا المسكين ولو بظلف محرق، وأخرجه أيضاً أحمد (ج6 ص435) والنسائي من طريق مالك، وسيأتي في باب أفضل الصدقة (وقال) أي الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) وسكت عنه أبوداود ونقل المنذري تصحيح الترمذي، وأقره وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

1895-

قوله: (وعن مولى لعثمان) بن عفان رضي الله عنه وكان له عدة موالي حمران بن إبان وهانيء البرري وأبوصالح وأبوسهلة ويوسف، ولا أدري من هذا الذي روى هذه القصة (أهدى) بضم الهمزة (لأم سلمة) أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم (بضعة) بكسر الباء وفتحها أي قطعة (من لحم) وهو مطبوخة (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه اللحم) بضم التحتية جملة معترضة (فقالت للخادم) واحد الدم يقع على الذكر والأنثى لجرية مجرى الأسماء، وهو هنا أنثى لقوله (ضعيه) أي اللحم (في كوة البيت) بفتح الكاف وضمه أي في ثقبه (فقال) أي السائل (تصدقوا) أي يا أهل البيت (يا أم سلمة هل عندكم) فيه تعظيم أو تغليب (شيء أطعمه) بفتح الهمزة

ص: 312

فقالت: نعم، قالت للخادم: إذهبي فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك اللحم. فذهبت، فلم تجد في الكوة إلا قطعة مروة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن ذلك اللحم عاد مروة لما لم تعطوه السائل)) . رواه البيهقي "في دلائل النبوة".

1896-

(23) وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بشر الناس منزلاً؟ قيل: نعم، قال: الذي يسأل بالله ولا يعطى به)) . رواه أحمد.

ــ

والعين المهملة بينهما طاء ساكنة أي آكله (فأتى) أي فهاتي (إلا قطعة مروة) بفتح الميم وسكون الراء أي حجر أبيض (عاد) أي صار (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم وبفتح اللام وتشديد (لم تعطوه) أي منه (السائل) في الحديث الزجر عن البخل والإمساك (رواه البيهقي لم أقف على سنده، والظاهر إنه منقطع، لأن مولى عثمان المذكور لم يحضر القصة ولم يسم من حدثه بها.

1896-

قوله: (الذي يسأل بالله ولا يعطى به) على بناء الفاعل فيهما أي يسأل غيره بحق الله ثم إذا سئل هو به لا يعطي بل ينكص ويبخل، ويحتمل أن يكون قوله يسئل مبنياً للمفعول أي يسأله غيره بالله فلا يجيب يعني يسأله صاحب حاجة بأن يقول أعطني لله وهو يقدر، ولا يعطي شيئاً بل يرده خائباً. قال الطيبي: الباء كالباء في كتبت بالقلم أي يسأل بواسطة ذكر الله، أو للقسم والاستعطاف أي يقول السائل أعطوني شيئاً بحق الله. وقال ابن حجر: أي مقسماً عليه بالله استعطافاً إليه وحملاً له على الإعطاء بأن يقال له بحق الله أعطني كذا لله. ولا يعطي مع ذلك شيئاً أي والصورة إنه مع قدرة علم اضطرار السائل إلى ما سأله، وعلى هذا حمل قول الحليمي أخذاً من هذا الحديث وغيره، إن رد السائل بوجه الله كبيرة- انتهى. واختار السندي الاحتمال الأول واستبعد الثاني إذ قال، قوله الذي يسأل بالله بناء على الفاعل أي الذي يجمع بين القبيحين أحدهما السؤال بالله، والثاني: عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى فما يراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعاً، وأما جعله مبنياً للمفعول فبعيد إذ لا صنع للعبد في أن يسأله السائل بالله فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحمل، والوجه في إفادة ذلك المعنى أن يقال الذي لا يعطي إذا سئل بالله ونحوه، والله تعالى أعلم- انتهى. فتأمل (رواه أحمد)(ج1 ص237، 319و 322) وأخرجه أيضاً الترمذي في فضائل الجهاد، وحسنه، والنسائي في الزكاة، وابن حبان في صحيحه كلهم من حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس بأتم من هذا، وسيأتي مطولاً في باب أفضل الصدقة، وأخرجه أيضاً أحمد من حديث أبي هريرة. وفي الباب أيضاً عن أبي موسى الأشعري بلفظ: ملعون من سأل بوجه الله وملعون من

ص: 313

1897-

(24) وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، ((أنه استأذن على عثمان، فأذن له وبيده عصاه، فقال عثمان: يا كعب! إن عبد الرحمن توفي وترك مالاً، فما ترى فيه. فقال: إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه. فرفع أبوذر عصاه فضرب كعباً. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواقي، أنشدك بالله يا عثمان! سمعته؟ ثلاث مرات، قال: نعم)) . رواه أحمد.

ــ

سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسئل هجراً، رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن أورد المنذري الأحاديث الثلاثة في باب ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وترهيب المسؤل بوجه الله أن يمنع.

1897 -

قوله: (استأذن على عثمان) أي للدخول عليه (وبيده عصا) الواو للحال والضمير لأبي ذر (يا كعب) أي كعب الأحبار (إن عبد الرحمن) أي ابن عوف (وترك مالاً) أي كثيراً بحيث جاء ربع ثمنه ثمانين ألف دينار (فما ترى فيه) أي فما تقول في حق المال أو صاحبه وهو الأظهر، والمعنى هل تضر كثرة ماله في نقص كماله (فقال) أي كعب (إن كان) شرطية، ويحتمل أن تكون مخففة (يصل فيه) أي ماله (حق الله فلا بأس عليه) أي لا كراهة فيه ولا نقص له (فضرب) أي بعصاه (كعباً) قال الطيبي: فإن قيل كيف يضربه وقد علم أنه ليس بكنز بعد إخراج حق الله منه، قلت: إنما ضربه لأنه نفى البأس على سبيل الاستغراق حيث جعله مدخولاً. للا التي النفي الجنس، وكم من بأس فإنه يحاسب ويدخل الجنة بعد فقراء المهاجرين بزمان طويل أي بخمسة مائة سنة- انتهى. وقال في اللمعات: كان أبوذر من فقراء الصحابة وزهادهم، وكان مذهبه ترك الكل والاختيار التجريد وعدم الادخار أي ولذلك ضرب كعباً، وإلا فما أدى زكاته فليس بكنز ولا وعيد عليه، لاسيما إذا وصلت فيه الحقوق من الصدقات النافلة. واختلاف أبي ذر مع معاوية في هذه المسألة في زمن عثمان مشهور (هذا الجبل) إشارة إلى الجبل المستحضر في الذهن مثلاً أو يكون إشارة إلى جبل أحد، وقد وقع ذكره صريحاً (أنفقه) حال (ويتقبل مني) فيه مبالغة أي مع أنه يتقبل ويترتب عليه الثواب (أذر) مفعول أحب بتقدير إن بالرفع بعد حذفها كقوله وتسمع بالمعيدي أي ما أحب أن أترك (ست أواقي) بتشديد الياء ويجوز تخفيفها، وفي المسند ست أواق بحذف الياء، وكذا في مجمع الزوائد (أسمعته) بفتح الهمزة وضم المعجمة (بالله) أي أقسم به عليك، وفي المسند أنشدك الله وكذا نقله في مجمع الزوائد (أسمعته) أي هذا الحديث (ثلاث مرات) ظرف لأنشدك أو لا سمعته (رواه أحمد) في مسند عثمان (ج1 ص63) من طريق ابن لهيعة عن أبي قبيل عن مالك

ص: 314

1898-

(25) وعن عقبة بن الحارث، قال:((صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نساءه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته. قال: ذكرت شيئاً من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته)) .

ــ

ابن عبد الله الزيادي عن أبي ذر وابن لهيعة قد ضعفه غير واحد ومالك بن عبد الله مستور، وأخرجه أيضاً ابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص286) كما قال الحافظ في التعجيل (ص389) : ولأبي ذر حديث آخر في معناه أخرجه أحمد (ج5 ص145) .

1898-

قوله: (وعن عقبة) بضم عين وسكون قاف (بن الحارث) بن عامر بن نوفل بن عبدمناف بن قصي القرشي النوفلي المكي، صحابي من مسلمة الفتح وهو أبوسِروعة الذي قتل خبيب بن عدي في قول أهل الحديث ويقال إن أباسروعة أخوه، وإنهما أسلما جميعاً يوم الفتح، وهو قول أهل النسب وصوبه العسكري. وقيل: إن أباسروعة أخو عقبة لأمه وجزم به مصعب الزبيري. قال الحافظ: قد أطبق أهل الحديث على أن أباسروعة هو عقبة هذا، وقولهم أو لا إن شاء الله تعالى بقي عقبة إلى بعد الخمسين (فسلم ثم قام) وفي رواية: فسلم فقام (مسرعاً فتخطى) بغير همز أي تجاوز (رقاب الناس) أي متوجهاً (إلى بعض حجر نسائه) بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة (ففزع الناس) بكسر الزاي أي خافوا (من سرعته) أي من أجل إسراعه وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه غير ما يعهدونه خشية أن ينزل فيهم شيء يسؤهم (فخرج) صلى الله عليه وسلم من الحجرة (عليهم) وفي رواية إليهم (فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته) وفي رواية فقلت أو قيل له أي عن سبب سرعته. وهو شك من الراوي (قال) وفي البخاري فقال (ذكرت) بفتح الذال والكاف أي تفكرت وأنا في الصلاة (شيئاً من تبر) وفي رواية تبراً من الصدقة، والتبر، بكسر المثناة وسكون الموحدة ذهب غير مضروب. وقيل: ذهب أو فضة غير مضروب (فكرهت أن يحبسني) أي يمنعني ويشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى، وفهم منه ابن بطال معنى آخر. فقال فيه: إن تأخير الصدقة يحبس صاحبها يوم القيامة في الموقف (فأمرت) أي أهل البيت (بقسمته) بكسر القاف والمثناة الفوقية بعد الميم وفي رواية بقسمة بفتح القاف من غير مثناة وفي الحديث إن المكث بعد الصلاة ليس بواجب وإن للإمام أن ينصرف متى شاء وإن التخطي لما لا غنى عنه مباح، وإن عروض الذكر في الصلاة في أجنبي عنها من وجوه الخير وتذكر ما لا يتعلق بالصلاة فيها لا يفسدها، ولا ينافي خشوعها ولا يقدح في كمالها، وإن إنشاء العزم في أثناءها على الأمور المحمودة لا يضر، وفيه إن الخير ينبغي أن

ص: 315

رواه البخاري. وفي رواية له، قال:((كنت خلفت في البيت تبراً من الصدقة، فكرهت أن أبيته) .

1899-

(26) وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:((كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندي في مرضه ستة دنانير أو سبعة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم سألني عنها ما فعلت الستة والسبعة؟ قلت: لا والله، لقد كان شغلني وجعك. فدعا بها، ثم وضعها في كفه. فقال: ما ظن نبي الله لو لقي الله عزوجل وهذه عنده)) . رواه أحمد.

ــ

يبادر به فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود والتعجيل به أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب، وفيه جواز الاستنابة مع القدرة على المباشرة (رواه البخاري) أي بهذا اللفظ في باب من صلى بالناس فذكر حاجته فتخطاهم قبيل كتاب الجمعة (وفي رواية له) أوردها في باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها من كتاب الزكاة (كنت خلفت) بتشديد اللام أي تركت خلفي (أن أبيته) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال بات الرجل دخل في الليل، وبيته تركه حتى دخل الليل. والحديث أخرجه البخاري أيضاً في باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة من أواخر الصلاة، وفي باب من أسرع في مشيه لحاجة أو قصد من كتاب الاستئذان. وأخرجه أحمد (ج4 ص384) والنسائي في الصلاة.

1899-

قوله: (أو سبعة) بالتنوين وتركه (أن أفرقها) بتشديد الراء (فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي مرضه عن تفريقها (ما فعلت الستة أو السبعة) شك من الراوي وهو بالرفع. قال الطيبي: وإذا روى بالنصب كان فعلت على خطاب عائشة- انتهى. والتقدير ما فعلت بالستة أو السبعة يعني هل فرقتها أم لا (قالت لا والله) أي ما فرقتها، ولعل وجه القسم تحقيق التقصير ليكون سبباً لقبول العذر (ما ظن نبي الله) بالإضافة (وهذه) أي الدنانير (عنده) أي ثابتة وباقية. قال الطيبي: في وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنانير. في كفه، ووضع المظهر موضع المضمر، وتخصيص ذكر نبي الله، ثم الإشارة بقوله هذه تصوير لتلك الحالة الشنيعة واستهجان بها وإيذان بأن حال النبوة منافية، لأن يلقي الله ومعه هذا الدنيء الحقير- انتهى. (رواه أحمد) ولعائشة رواية أخرى بمعناه رواها أحمد أيضاً قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بذهب كان عندها في مرضه. قالت: فأفاق قال ما فعلت، قلت ما رأيت منك. قال فهلم بها فجاءت بها إليه سبعة أو تسعة، أبوحازم يشك دنانير، فقال حين جاءت بها ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده، وما تنفى هذه من محمد صلى الله عليه وسلم لو لقي الله وهذه عنده. قال الهيثمي: رواه

ص: 316

1900-

(27) وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال، وعنده صبرة من تمر، فقال:((ما هذا يا بلال؟ قال: شيء أدخرته لغد. فقال: أما تخشى أن ترى له غداً بخاراً في نار جهنم يوم القيامة. أنفق بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالاً)) .

1901-

(28) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السخاء شجرة في الجنة،

ــ

أحمد بأسانيد ورجال أحدها الصحيح - انتهى. وروى الطبراني في الكبير نحوه من حديث سهل بن سعد بسند، رجاله ثقات ذكره الهيثمي (ج3 ص124) والمنذري في باب الإنفاق والترهيب من الإمساك، وروى أحمد وأبويعلى نحواً من هذا من حديث أم سلمة ذكره الهيثمي في باب الإنفاق من الزهد.

1900-

قوله: (صبرة) بضم الصاد وسكون الموحدة أي تمر مجتمع كالكومة (ما هذا) أي التمر (إن ترى له) أي لهذا الشيء أو التمر (غداً) أي يوم القيامة (بخاراً في نار جهنم) أي أثراً يصل إليك فهو كناية عن قربة منها (يوم القيامة) أي جميع زمانها أو هو تأكيد لغد (أنفق بلال) أي يا بلال (ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) أي فقراً أو إعداماً، وهذا أمر بتحصيل مقام الكمال، وإلا فقد جوز ادخار المال سنة للعيال، وكذا الضعفاء الأحوال. وما أحسن موقع ذي العرش في هذا المقام أي أتخشى أن يضيع مثلك من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض قاله الطيبي. وقيل: إن هذا الحديث ونحوه كان في صدر الإسلام حين كان الادخار ممنوعاً ثم نسخ النهي وأبيح الادخار. وإنما دخل الدخيل على كثير من الناس لعدم علمهم بالنسخ كذا قاله السيوطي: والحديث نسبه المصنف إلى البيهقي كما سيأتي، وأخرجه أيضاً البزار وأبويعلى والطبراني في الكبير والأوسط. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10 ص 241) : والمنذري في الترغيب بإسناد حسن. وقال السيوطي. قال الحافظ ابن حجر في زوائد: إسناده حسن - انتهى. وروى نحوه من حديث ابن مسعود أخرجه البزار بإسناد حسن والطبراني في الكبير ذكره المنذري والهيثمي (ج3 ص126 وج10 ص241) ومن حديث بلال أخرجه الطبراني في الكبير والبزار، وفي أسناديهما محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف، وللطبراني طريق آخر وفيه طلحة ابن زيد القرشي وهو أيضاً ضعيف. ومن حديث عائشة أخرجه الحكيم في نوارده والبيهقي في الشعب، ذكر طرق هذه الأحاديث السيوطي في اللآلي. وقال في هامش مجمع الزوائد: بسط الكلام على الحديث على الحديث ومخرجيه في كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس للعجلوني.

1901-

قوله: (شجرة) أي كشجرة (في الجنة) لعله شبه السخاء بها في عظمها وكونها ذات أغصان وشعب كثيرة قاله الطيبي. قال القاري: ويمكن أن يكون صفة السخاء مصورة بشجرة في الجنة. قال الطيبي: جنس الشجرة الدنيوية نوعان: متعارف، وغير متعارف. وهي شجرة السخاء الثابت أصلها في الجنة وفرعها في الدنيا فمن أخذ

ص: 317

فمن كان سخياً أخذ بغصن منها فلم يتركه الغصن حتى يدخله الجنة، والشح شجرة في النار، فمن كان شحيحاً أخذ بغصن منها، فلم يتركه حتى يدخله النار)) . رواهما البيهقي في شعب الإيمان.

1902-

(29) وعن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالصدقة

ــ

بغصن منها في الدنيا أوصله إلى أصل الجنة في العقبى كما أشار بقوله (فمن كان سخياً) أي في علم الله أو في الدنيا (أخذ بغصن منها) أي بنوع من أنواع السخاء (فلم يتركه الغصن) أي ولو آخر الأمر (حتى يدخله الجنة والشح) أي البخل (حتى يدخله النار) أي أولاً. وقيل: معنى الحديث أي السخاء يدل على قوة الإيمان لاعتقاد إن الله تعالى ضمن الرزق فمن تمسك بهذا الأصل أوصله إلى الجنة. والبخل يدل على ضعف الإيمان لعدم وثوقه بضمان الرحمن، وذلك يجره إلى دار الهوان. وفي الحديث فضل السخاء والجود وذم البخل والشح (رواهما) أي هذا الحديث والذي قبله (البيهقي) قد تقدم الكلام على الحديث الأول ومن أخرجه، وأما هذا الحديث فأخرجه أيضاً ابن عدي، وفيه داود ابن الحصين روى عن الأعرج عن أبي هريرة. قال ابن الجوزي: داود حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الإثبات قلت: داود هذا من رجال الستة ثقة إلا في عكرمة، ورمى برأي الخوارج قيل والبلاء هنا ممن دونه. وللحديث شواهد، منها حديث الحسن أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن مسلمة عن جعفر بن محمد عن جده مرفوعاً. قال ابن الجوزي: سعيد بن مسلمة الأموي ليس بشيء. قال السيوطي في التعقبات: قال البيهقي إسناده ضعيف وسعيد ابن مسلمة لم يتهم بكذب، بل قال البخاري ضعيف، ووثقه ابن عدي فقال: أرجو أنه ممن لا يترك حديثه، وقد أخرج له الترمذي وابن ماجه ومثل هذا يحسن حديثه إذا توبع، وداود بن الحصين وإن كان فيه كلام إلا أنه محدث مشهور، ووثقه الجمهور. وأخرج له الأئمة الستة وأكثر ما عيب عليه الابتداع، وأنكر ابن المديني وأبوداود أحاديثه عن عكرمة خاصة. قال أبوداود: أحاديثه عن عكرمة مناكير وأحاديثه عن شيوخه مستقيمة، فهذه الطريق على انفرادها جيدة، فكيف وطريق الحسن شاهدة لها. ومنها حديث أبي سعيد أخرجه الخطيب، وفيه محمد بن مسلمة وهو ضعيف جداً، ومنها حديث جابر أخرجه الخطيب وفيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف، وشيخه عبد العزيز بن خالد كذاب، ومنها حديث عائشة أخرجه ابن حبان وفيه إسماعيل بن عباد متروك، وشيخه الحسين ابن علوان وضاع. ومنها حديث عبد الله بن جراد أخرجه البيهقي والخطيب وابن عساكر. قال البيهقي: ضعيف الإسناد. ومنها حديث أنس أخرجه ابن عساكر. ومنها حديث معاوية أخرجه الديلمي ذكر هذه الأحاديث السيوطي في اللآلي (ج2 ص49- 50) وبسط طرقها.

1902-

قوله: (بادروا) أي بالموت أو المرض أو غيركم (بالصدقة) أي بإعطائها للمستحقين وفي

ص: 318