المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

1795- (9) وعن عدي بن عميرة، قال: قال رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌{

- ‌الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب صدقة الفطر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب من لا تحل له الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌((5)) باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب فضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أفضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب من لا يعود في الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

-

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب رؤية الهلال

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب تنزيه الصوم

- ‌((الفصل الأول))

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: 1795- (9) وعن عدي بن عميرة، قال: قال رسول الله

1795-

(9) وعن عدي بن عميرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة)) . رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

1796-

(10) عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية {والذين يكنزون الذهب والفضة}

ــ

1795-

قوله: (وعن عدي بن عميرة) بفتح المهملة وكسر الميم بعدها تحتية ثم راء هو عدي بن عميرة فروة بن زرارة بن الأرقم الكندي صحابي معروف، يكنى أبا زرارة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه شيئا يسيراً، وروى عنه أخوه العرس وله صحبة وغير واحد. قال أبوعروبة الحراني: كان عدي بن عميرة قد نزل الكوفة ثم خرج عنها بعد قتل عثمان، فصار إلى الجزيرة فمات بها، وله عقب بحران، وقال ابن سعد: لما قدم عليّ الكوفة جعل بعض أصحابه يتناول عثمان، فقال بنوالأرقم لا نقيم ببلد يشتم فيها عثمان. فتحولوا إلى الشام، فأنزل معاوية الجزيرة، وقيل: أسكنهم الرها وأقطعهم بها ومات بها عدي بن عميرة في خلافة معاوية (من استعملناه) أي جعلناه عاملاً (منكم) أيها المؤمنون، إذا الكافر لا يصح توليته. قال المناوي: فخرج الكافر، فلا يجوز استعماله على شيء من أموال بيت المال (فكتمنا) بفتح الميم أي أخفى عنا (مخيطا) بكسر الميم وسكون المعجمة، وفتح أي إبرة (فلما فوقه) أي فشيئا يكون فوق المخيط في الصغر أو الكبر. قال الطيبي: الفاء في قوله: فما فوقه، للتعقيب على التوالي وما فوقه يحتمل أن يكون المراد به الأعلى أو الأدنى، كما في قوله تعالى:{بعوضة فما فوقها} -[البقرة: 26](كان) أي ذلك الكتمان (غلولاً) بضم المعجمة أي خيانة في الغنيمة. قال النووي: أصل الغلول الخيانة مطلقاً ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة (به) أي بماغل (يوم القيامة) تفضيحاً له وتعذيباً. والحديث مسوق لحث العمال على الأمانة وتحذيرهم عن الخيانة ولو في تافه وقد أجمع المسلمون على تحريم الغلول وأنه من الكبار وأن عليه رد ما غله، وذكر هذا الحديث في باب الزكاة استطراداً لمناسبته للحديث السابق في ذكر العمل والخيانة (رواه مسلم) في المغازي وأخرجه أيضاً أحمد (ج4 ص192) وأبوداود في القضايا.

1796-

قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة) أي يجمعونها يقال كنزت المال كنزاً من باب ضرب جمعته وادخرته، وكنزت التمر في وعائه كنزاً أيضاً فأصل الكنز في اللغة الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة. قال ابن جرير: الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض كان أو على ظهرها- انتهى. ومنه

ص: 36

كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث، وذكر كلمة لتكون لمن بعدكم، فقال: فكبر عمر، ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرأ؟

ــ

ناقة كناز مكتنزة اللحم. وقيل: الكنز المال المدفون معروف تسمية بالمصدر والجمع كنوز وأكتنز الشيء اجتمع وامتلأ ومال مكنوز أي مجموع (كبر) بضم الباء أي شق وأشكل (ذلك) أي نزول الآية أو ظاهر الآية من العموم (على المسلمين) لأنهم حسبوا أنه يمنع جمع المال مطلقاً وأن كل من تأثل مالاً جل أو قل فالوعيد لاحق به (أنا أفرج عنكم) بتشديد الراء أي أزيل هذه الشدة عنكم وآتى بالفرج لكم فإنه ليس عليكم في الدين من حرج (فانطلق) أي فذهب عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) وفي بعض نسخ أبي داود: فانطلقوا فقالوا (يا نبي الله إنه) أي الشأن (كبر) أي عظم وصعب (على أصحابك هذه الآية) أي حكمها والعمل بها لما فيها من عموم منع الجمع (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا ليطيب) من التفعيل أي ليحل الله بأداء الزكاة لكم (ما بقي من أموالكم) قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} -[التوبة: 103] ومعنى التطييب إن أداء الزكاة إما أم يحل ما بقي من ماله المخلوط بحق الفقراء، وإما أن يزكيه من تبعه ما لحق به من إثم منع حق الله تعالى، وحاصل الجواب أن المراد بالكنز منع الزكاة لا الجمع مطلقاً، ولعل في الآية في قوله تعالى:{ولا ينفقونها في سبيل الله} -[التوبة: 34] إشارة إليه بأن المراد بالإنفاق إعطاء الزكاة لا إنفاق المال كله. قال الحافظ: المراد بسبيل الله في الآية المعنى الأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية التي هي مصارف الزكاة وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضي هذه الآية (وإنما فرض المواريث) عطف على قوله: " إن الله لم يفرض الزكاة" قال الطيبي: كأنه قيل إن الله لم يفرض الزكاة إلا لكذا ولم يفرض المواريث إلا ليكون طيباً لمن يكون بعدكم، والمعنى لو كان الجمع محظوراً مطلقاً لما افترض الله الزكاة ولا الميراث (وذكر كلمة) من كلام الراوي أي أن ابن عباس أي وذكر صلى الله عليه وسلم: كلمة أخرى بعد المواريث لم أحفظها، والجملة معترضة بين الفعل وعلته وهو قوله (لتكون) أي وإنما فرض المواريث لتكون الأموال بالميراث طيبة (لمن بعدكم) وفي النسخ التي بأيدينا من سنن أبي داود وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم أي بدون قوله:"وذكر كلمة" ورواه البيهقي بلفظ: وإنما فرض المواريث في أموال تبقى بعدكم (فقال) أي ابن عباس (فكبر عمر) أي فرحاً على كشف المعضلة (ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لعمر (ألا أخبرك) يحتمل أن تكون للتنبيه وأن تكون الهمزة الاستفهامية ولا نافية (بخير ما يكنز المرأ) أي بأفضل ما يقتنيه ويتخذه لعاقبته ولما بين أن لا وزر في جمع المال بعد أداء

ص: 37

المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته)) .

ــ

الزكاة ورأى فرحهم بذلك ورغبهم عن ذلك إلى ما هو خير وأبقى وهو التقلل والاكتفاء بالبلغة (المرأة الصالحة) أي الجميلة ظاهراً وباطناً. قال الطيبي: المرأة مبتدأ والجملة الشرطية خبره، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف. والجملة الشرطية بيان (إذا نظر) أي الرجل (سرته) أي جعلته مسروراً بجمال صورتها وحسن سيرتها وحصول حفظ الدين بها (وإذا أمرها) بأمر شرعي أو عرفي (أطاعته) وخدمته (حفظته) أي حقوقه في نفسها وماله وولده وبيته. قال القاضي: لما بين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة ورأى استبشارهم به ورغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهي المرأة الصالحة الجميلة فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد الذهاب عنك وهي ما دامت معك تكون رفيقك تنظر إليها فتسرك وتقضي عند الحاجة إليها وطرك وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك وإذا غبت عنها تحامى مالك وتراعي عيالك ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذرك وتربي زرعك فيحصل لك بسببها ولد يكون لك وزيراً في حياتك وخليفة بعد وفاتك لكان بذلك فضل كثير- انتهى. وأعلم أنه ذهب أكثر العلماء إلى أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته وإن لم تدفن فإن أديت فليس بكنز مذموم وإن دفن ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر. قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله وأن آية الوعيد نزلت في ذلك وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع- انتهى. والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما سيأتي عن ابن عمر، وقد استدل له ابن بطال بقوله تعالى:{ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} -[البقرة: 219] أي ما فضل عن الكفاية فكان ذلك واجباً في أول الأمر ثم نسخ والله أعلم، وفي المسند من طريق يعلي بن شداد بن أوس عن أبيه قال كان أبوذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع الرخصة ويتعلق بالأمر الأول. قال الحافظ: والصحيح أن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه، وتعقبه النووي بالإبطال لأن السلاطين حينئذٍ كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وهؤلاء لم يخونوا. قلت: لقوله محمل وهو أنه أراد من يفعل ذلك وإن لم يوجد حينئذٍ من يفعله- انتهى كلام الحافظ. قلت: ويشهد لما ذهب إليه الجمهور ما رواه أحمد في الزهد والبخاري وابن مردوية والبيهقي عن ابن عمر قال إنما هذا كان قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة جعلها الله طهرة للأموال- الحديث. وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ: إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ورجح أبوزرعة والبيهقي وقفه

ص: 38

رواه أبوداود.

1797-

(11) وعن جابر بن عتيك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتيكم ركيب مبغضون، فإذا جاؤكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون،

ــ

كما عند البزار، وعن أبي هريرة أخرجه الترمذي بلفظ: إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك. وقال حسن غريب وصححه الحاكم وهو على شرط ابن حبان، وعن أم سلمة عند الحاكم وصححه ابن القطان أيضاً، وأخرجه أبوداود. وقال ابن عبد البر: في سنده مقال، وذكر العراقي في شرح الترمذي أن سنده جيد، وعن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة موقوفاً بلفظ: ما أدى زكاته فليس بكنز وارجع لمزيد الكلام في ذلك إلى طرح التثريب (ج4 ص7- 8)(رواه أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه وابن أبي حاتم وابن مردوية والبيهقي وأبويعلى وغيرهم.

1797-

قوله: (وعن جابر بن عتيك) بفتح العين وكسر التاء الفوقية (سيأتيكم ركيب) تصغير ركب وهو اسم جمع للراكب، وقال الجزري والخطابي: جمع راكب، كما قيل صحب في صاحب وتجر في تاجر أراد بهم السعاة في الصدقة، وفي بعض نسخ أبي داود سيأتيكم ركب، وكذا عند البيهقي والبزار أي سعاة وعمال للزكاة (مغضون) بفتح الغين المشددة والمبغض الذي جعل بغيضاً في قلوب الناس والبغيض من كرهه الناس وهو ضد الحبيب، ويجوز بسكون الباء من أبغض الرجل أحداً إذا كرهه أراد أنهم يبغضون طبعاً لا شرعاً لأنهم يأخذون محبوب قلوبهم. قال الخطابي: إنما جعلهم مبغضين لأن الغالب في نفوس أرباب الأموال التكره للسعاة لما جبلت عليه القلوب من حب المال وشدة حلاوته في الصدر إلا من عصمه الله ممن أخلص النية واحتسب فيها الأجر والمثوبة- انتهى. وقيل: معناه أنه قد يكون بعض العمال سيء الخلق متكبراً يكرههم الناس لسوء خلقهم. قال الطيبي: والأول أوجه لقوله صلى الله عليه وسلم سيأتيكم ركيب الخ لأن فيه إشعاراً بأنهم عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصره شكوى القوم عنهم في الحديث الذي يليه وهو قولهم أن ناساً من المصدقين يأتونا فيظلمونا ولا ارتياب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعمل ظالماً، فالمعنى أنه سيأتي عمالي يطالبون منكم زكاة أموالكم، والنفس مجبولة على حب المال، فتبغضونهم وتزعمون أنهم ظالمون، وليسوا بذلك وقوله: فإن عدلوا وإن ظلموا مبني على هذا الزعم، ولو كانوا ظالمين في الحقيقة كيف يأمرهم بالدعاء لهم بقوله وليدعوا لكم (فرحبوا بهم) أي قولوا لهم مرحباً وأهلاً وسهلاً، وأظهروا الفرح بقدومهم وعظموهم (وخلوا) أي أتركوا بينهم (بين ما يبتغون) أي ما يطلبون من الزكاة. قال ابن الملك: يعني كيف ما يأخذوا الزكاة لا تمنعوهم وإن ظلموكم لأن مخالفتهم مخالفة السلطان، لأنهم مأمورون من جهته ومخالفة

ص: 39

فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليهم، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم)) . رواه أبوداود.

1798-

(12) وعن جرير بن عبد الله، قال: جاء ناس ـ يعني من الأعراب ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ((إن ناس من المصدقين

ــ

السلطان تؤدي إلى الفتنة وثورانها - انتهى. وهو كلام المظهر بناء على أنه عمم الحكم في جميع الأزمنة. قال الطيبي: وفيه بحث لأن العلة لو كانت هي المخالفة لجاز الكتمان لكنه لم يجز لقوله في الحديث الآتي أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون قال لا (فإن عدلوا) في أخذ الزكاة وتركوا الظلم (فلأنفسهم) أي فلهم الثواب (وإن ظلموا) بأخذ الزكاة أكثر مما وجب عليكم أو أفضل أي على الفرض والتقدير أو على زعمكم (فعليهم) كذا في جميع النسخ وهكذا في جامع الأصول (ج5 ص359) والترغيب. وفي المصابيح فعليها كما في سنن أبي داود، والبيهقي والبزار أي فعلى أنفسهم إثم ذلك الظلم ولكم الثواب بتحمل ظلمهم (وأرضوهم) أي اجتهدوا في إرضائهم ما أمكن بأن تعطوهم الواجب من غير مطل ولا غش ولا خيانة (فإن تمام زكاتكم) أي كمالها (رضاهم) أي حصول رضاهم (وليدعوا) بسكون اللام وكسرها (لكم) وهو أمر ندب لقابض الزكاة ساعياً أو مستحقاً أن يدعوا للمزكي (رواه أبوداود) وأخرجه أيضا البيهقي (ج4 ص114) وقد سكت عنه أبوداود. وقال المنذري: في إسناده أبوالغصن، وهو ثابت بن قيس المدني الغفاري مولاهم، وقيل: مولى عثمان بن عفان قال الإمام أحمد ثقة وقال ابن معين ضعيف. وقال مرة ليس بذلك صالح، وقال مرة ليس به بأس، وقال ابن حبان كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه، ولا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره قال المنذري: وفي الرواة خمسة كل منهم اسمه ثابت بن قيس لا يعرف من تكلم فيه غيره انتهى. قلت: وقال النسائي ليس به بأس. وقال ابن سعد شيخ قليل الحديث. وقال ابن أبي عدي هو ممن يكتب حديثه. وقال الآجري عن أبي داود ليس حديثه بذاك. وقال الحافظ في التقريب: صدوق بهم، والحديث ذكره الهيثمي في باب رضا المصدق (ج3 ص79- 80) عن جابر من غير أن ينسبه بهذا اللفظ وعزاه إلى البزار. وقال ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف لا يضر.

1798-

قوله: (جاء ناس يعني من الأعراب) تفسير من الراوي عن جرير قاله القاري. وفي رواية مسلم: جاء ناس من الأعراب، وفي رواية النسائي: أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من الأعراب، وفي رواية للبيهقي: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعراب. فالظاهر أن التفسير المذكور في رواية أبي داود. ممن دون الراوي عن جرير (إن ناساً من المصدقين) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة أي السعاة العاملين على الصدقة

ص: 40

يأتونا، فيظلمونا. فقال: أرضوا مصدقيكم، قالوا يا رسول الله! وإن ظلمونا؟! قال: أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم)) . رواه أبوداود.

1799-

(13) وعن بشير بن الخصاصية،

ــ

(يأتونا فيظلمونا) بتخفيف النون وتشديد فيهما (أرضوا) بقطع الهمزة (وإن ظلمونا) أي نرضيهم ولو كانوا ظالمين علينا (وإن ظلمتم) على بناء المجهول أي وإن اعتقدتم أنكم مظلمون بسبب حبكم أموالكم ولم يرد أنهم وإن كانوا مظلومين حقيقة يجب إرضاءهم. بل المراد أنه يستحب إرضاءهم وإن كانوا مظلومين حقيقة، لقوله صلى الله عليه وسلم فإن تمام زكاتكم رضاهم. قال الطيبي: لأن لفظة "إن" الشرطية هنا تدل على الفرض، والتقدير. لا على الحقيقة، ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد الحبشي- انتهى. وقال السندي: علم صلى الله عليه وسلم إن عامليهم لا يظلمون ولكن أرباب الأموال لمحبتهم بالأموال يعدون الأخذ ظلماً، فقال لهم ما قال. فليس فيه تقرير للعاملين على الظلم ولا تقرير للناس على الصبر عليه، وعلى أعطاء الزيادة على ما حده الله تعالى في الزكاة- انتهى والحديث رواه مسلم لكن ليس عنده قوله وإن ظلمتم. قال النووي: قوله أرضوا مصدقيكم معناه ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقتهم، وهذا محمول على ظلم لا يفسق به الساعي إذ لو فسق لا نعزل ولم يجب الدفع إليه بل لا يجزي، والظلم قد يكون بغير معصية. فإنه مجاوزة الحد ويدخل في ذلك المكروهات- انتهى. (رواه أبوداود) عن أبي كامل عن عبد الواحد بن زياد، وعن عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن محمد بن إسماعيل واللفظ المذكور لأبي كامل إلا قوله وإن ظلمتم فإنه زاده عثمان وأخرجه مسلم عن أبي كامل عن عبد الواحد. وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان. وعن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد. وعن إسحاق عن أبي أسامة كلهم عن محمد بن إسماعيل بدون هذه الزيادة. وأخرجه أيضاً أحمد (ج4 ص362) عن يحيى، والنسائي عن محمد بن المثنى، وابن بشار عن يحيى بدون الزيادة المذكورة، وكذا البيهقي من طريق أبي أسامة (ج4 ص114) وأخرجه البيهقي أيضا من أبي داود (ج4 ص137) .

1799-

قوله: (وعن بشير) بفتح الباء الموحدة وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة فراء مهملة (بن الخصاصية) بفتح الخاء المعجمة وخفة الصاد المهملة الأولى المفتوحة وكسر الثانية بعدها تحتانية مشددة مفتوحة وتاء تأنيث. هو بشير بن معبد وقيل ابن زيد بن معبد السدوسي المعروف بابن الخصاصية، وكان اسمه في الجاهلية، زحماً بالزاي المفتوحة، والحاء المهملة الساكنة. فسماه النبي صلى الله عليه وسلم بشيراً. صحابي جليل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه بشير بن نهيك، وجرى بن كليب وديسم، رجل من بني سدوس وامرأته ليلى المعروف بالجهدمة ولها صحبة أيضاً، وجزم ابن عبد البر وغيره، إن الخصاصية أم بشير. قال الحافظ: وليس كذلك بل هي إحدى جداته

ص: 41

قال: قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون؟ قال: لا)) . رواه أبوداود.

1800-

(14) وعن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العامل على الصدقة بالحق

ــ

وهي والدة جده الأعلى، ضباري بن سدوس حرر ذلك الدمياطي عن ابن الكلي وحزم به الرامهر مزي. وقال اسمها كبشة. وقيل: مارية بنت عمرو الغطريفية (قال قلنا إن الصدقة) هذا لفظ الحديث الموقوف رواه أبوداود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن رجل يقال له ديسم عن بشير بن الخصاصية، قال قلنا إن أهل الصدقة الخ. فضمير قال للرجل الذي يقال له ديسم. وقوله "قلنا" أي لبشير بن الخصاصية ثم رواه أبوداود مرفوعاً: قال حدثنا الحسن بن علي ويحيى بن موسى، قالانا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب بإسناده ومعناه إلا أنه قال: قلنا يا رسول الله! إن أصحاب الصدقة، قال أبوداود: رفعه عبد الرزاق عن معمر، وقال البيهقي بعد رواية الحديث المرفوع من طريق أبي بكر بن داسة عن أبي داود، ورواه حماد ابن زيد عن أيوب فلم يرفعه. وعلى هذا فكان حق البغوي أن يورد في المصابيح الطريق المرفوع لا الموقوف، والعجب أنه لم يتنبه لذلك المصنف فوقع فيما وقع فيه البغوي مع أن الجزري قد أورد في جامع الأصول (ج5 ص358) لفظ المرفوع لا الموقوف. والمراد بأهل الصدقة أهل أخذ الصدقة من العمال والسعاة (يعتدون علينا) الاعتداء: مجاوزة الحد، يعني يظلموننا ويأخذون أكثر مما يجب علينا (أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون) يعني إذا علمنا أنهم يأخذون عن الخمس من الإبل، شاتين، مع أن واجبها شاة، فإن كان لنا عشر من الإبل، فهل يجوز أن نكتم خمساً. ونقول ليس لنا إلا خمس حتى إذا أخذوا شاتين عن خمس، لا يكون عليهم ظلم (قال لا) قال ابن الملك: وإنما يرخص لهم في ذلك كتمان بعض المال خيانة. والخيانة كذب ومكر، ولأنه لو رخص لربما كتم بعضهم على عامل، غير ظالم. وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز كتم شيء عن المصدقين، وإن تعدوا، قيل كأنه صلى الله عليه وسلم علم أنهم لحبهم المال. يرون أخذ الحق اعتداء وإلا فلا يصح صدور الاعتداء من عماله صلى الله عليه وسلم، ولذلك سماهم مبغضين، وإلا فلا يجب إعطاء الزيادة لقوله صلى الله عليه وسلم، ومن سئل فوقه فلا يعطيه (رواه أبوداود) وأخرجه أيضا البيهقي (ج4 ص104) وعبد الرزاق، وسكت عنه أبوداود والمنذري، وفي إسناده ديسم السدوسي، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب مقبول.

1800-

قوله: (العامل على الصدقة) أي الزكاة (بالحق) متعلق بالعامل ويشهد له رواية أحمد.

ص: 42

كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)) . رواه أبوداود، والترمذي.

1801-

(15) وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا جلب ولا جنب،

ــ

(ص143) بلفظ العامل بالحق على الصدقة أي عملا بالصدق والصواب، أو بالإخلاص والاحتساب. قاله القاري: وزاد في رواية لأحمد: لوجه الله عزوجل. وقيل العامل بالحق أي بأن لم يخن في الصدقة، ولم يظلم أرباب الأموال فلم يأخذ منهم أكثر مما يجب عليهم ولا أقل (كالغازي في سبيل الله) أي في حصول الآجر، ويستمر ذلك (حتى يرجع) أي العامل (إلى بيته) أي محل أقامته، يعني يكون له الثواب ذهاباً وإياباً إلى حين الرجوع، كما ثبت في الغازي. وقال القاري: قوله "كالغازي" أي في تحصيل بيت المال واستحقاق الثواب في تمشية أمر الدارين. قال ابن العربي: في شرح الترمذي، وذلك إن الله ذو الفضل العظيم قال من جهز فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا. والعامل على الصدقة خليفة الغازي لأنه يجمع مال سبيل الله فهو غاز بعمله وهو غاز بنيته. وقال عليه السلام: أن بالمدينة قوما ما سلكتم وادياً، ولا قطعتم شعباً إلا وهو معكم حبسهم العذر فكيف بمن حسبه العمل للغازي وخلافته وجمع ماله الذي ينفقه في سبيل الله، وكما لا بد من الغزو، فلا بد من جمع المال الذي يغزى به فهما شريكان في النية شريكان في العمل، فوجب أن يشتركا في الأجر- انتهى. وقيل: في الحديث إلحاق الناقص بالكامل، ترغيباً. والله تعالى أعلم (رواه أبوداود) في الخراج (والترمذي) في الزكاة، وأخرجه أيضا أحمد (ج3 ص465 ج4 ص143) وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحة والحاكم (ج1 ص406) وغيرهم. وقد سكت عنه أبوداود، وحسنه الترمذي، وأقره المنذري. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وفي سنده عندهم محمد بن إسحاق، وقد عنعن، والحديث عزاه الهيثمي لأحمد. وقال وفيه محمد بن إسحاق وهو ثقة. ولكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح. وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف عند الطبراني في الكبير بلفظ "العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" قال الهيثمي: وفيه دويب ابن عمامة قال الذهبي ضعفه الدارقطني: وغيره ولم يهدر.

1801-

قوله: (وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) أي جد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص ففي رواية أحمد (ج2 ص180)"عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو" وفي رواية (ج2 ص185) له أيضاً "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عبد الله بن عمرو" وقد سمع شعيب من جده عبد الله فالحديث موصول ليس بمنقطع، ولا مرسل وقد تقدم تحقيقة (لا جلب) بفتح الجيم واللام (ولا جنب) بفتح

ص: 43

ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) .

ــ

الجيم والنون وكل منهما يكون في الزكاة، والرهان، أي سباق الفرس. فأما الجلب في الزكاة فهو أن ينزل الساعي محلاً بعيداً من مواضع أرباب الأموال، ولا يأتي أماكنهم لأخذ الصدقات. ولكن يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها أو يأمر أرباب الأموال أن يجمعوا أموالهم عنده ويجلبوها إليه ليأخذ زكاتها فنهى عن ذلك وأمر بأخذ صدقاتهم على أماكنهم ودورهم ومنازلهم ومياههم، لسهولة الأخذ. حينئذٍ لأن في إتيانهم وسوق مواشيهم وغيرها من الأموال من مواضعهم إلى الموضع، الذي نزل فيه العامل مشقة، والجنب في الزكاة أن يجنب أي يبعد أرباب الأموال من مواضعهم المعهودة إلى مواضع بعيدة حتى يحتاج العامل إلى الأبعاد في طلبهم فنهى عن ذلك لما في إيتأنه إليهم من المشقة، والحاصل أن الجلب أن يقرب العامل أموال الناس إليه والجنب أن يبعد صاحب المال بماله عن العامل، وقيل الجنب في الزكاة أن ينزل الساعي بأقصى محال أرباب الأموال، ثم يأمر بالأموال بأن تجنب إليه أي تحضر فنهى عن ذلك لما في من شدة المشقة على أرباب الأموال، والفرق بين التفسرين أن حكم النهي على الأول: يكون متعلقاً بالمعطى، وعلى الثاني: بالساعي والتفسير الأول أولى وأدخل في الفرق بينه وبين الجلب بخلاف الثاني فإنه لا فرق كثير بينهما عليه، وأما الجلب في سباق الخيل فهو أن يتبع الفارس رجلاً فرسه ليزجره ويجلب عليه ويصيح به حثاً له على قوة الجري، فنهى عنه، لما يترتب إليه من أضرار الفرس، وفسره مالك بأن تجلب الفرس في السباق فيحرك وراءه شيء يستحث فيسبق والجنب في السباق أن يجنّب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه فإذا افتر المركوب يتحول إلى المجنوب فيسبق صاحبه، فنهى عنه. قيل: وكان وجه النهي عنه، أن السباق إنما هو لبيان إختباره قوة الفرس وبهذا الفعل لا يعرف قوة واحد من الفرسين، فرب فرس توانى أولاً. أو في الأثناء ثم سبق. قال الخطابي: في المعالم (ج2 ص40- 41) الجلب، يفسر تفسيرين يقال: إنه في رهان الخيل، وهو أن يجلب عليها عند الركض (ليحتدّ في الجري) ويقال: هو في الماشية. يقول لا ينبغي للمصدق أن يقيم بموضع، ثم يرسل إلى أهل المياه فيجلبوا إليه مواشيهم فيصدقها ولكن ليأتيهم على مياهم حتى يصدقهم هناك وأما الجنب فتفسيره أيضاً على وجهين، أحدهما أن يكون في الصدقة وهو أن أصحاب الأموال لا يجنبون عن مواضعهم أي لا يبعدون عنها حتى يحتاج المصدق إلى أن يتبعهم ويمعن في طلبهم. وقيل: أن الجنب في الرهان، وهو أن يركب فرساً فيركضه وقد أجنب معه فرساً آخر فإذا قارب الغاية ركبه وهو جامٌّ فيسبق صاحبه- انتهى. وكذا فسرهما الجزري في جامع الأصول (ج5 ص479) قال الطيبي: كلا اللغطين مشترك في معنى السباق، والزكاة والقرينة الموضحة لأداء المعنى الثانية قوله:(ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) أي منازلهم وأماكنهم ومياههم وقبائلهم على سبيل الحصر لأنه كنى بها عنه فإن أخذ الصدقة في دورهم لازم لعدم بعد الساعي عنها فيجلب إليه ولعدم بعد المزكي فإنه إذا بعد عنها لم يؤخذ فيها- انتهى. وحاصله أن

ص: 44

رواه أبوداود.

1802-

(16) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استفاد مالا فلا زكاة فيه، حتى يحول عليه الحول)) .

ــ

آخر الحديث مؤكد لأوله. أو إجمال لتفصيله. ولا يخفى ما فيه على المتأمل (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص180، 215- 216) والبيهقي (ج4 ص110) قال الشوكاني: الحديث سكت عنه أبوداود والمنذري والحافظ في التلخيص وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد عنعن - انتهى. قلت: قد صرح بالتحديث عند أحمد (ج2 ص216) فزال شبهة التدليس، وفي الباب عن عمران بن حصين عند أحمد وأبي داود والنسائي والترمذي وابن حبان: وصححاه بمثل حديث الباب. وهو متوقف على صحة سماع الحسن من عمران. وقد أختلف في ذلك: وزاد أبوداود، بعد قوله لا جلب ولا جنب في الرهان: وعن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وعبد الرزاق وأعله البخاري، والترمذي والنسائي، وأبوحاتم، وأخرجه النسائي عنه من وجه آخر: وقال المنذري (ج2 ص206) وقد أخرجه أبوداود في الجهاد: من حديث الحسن البصري عن عمران بن حصين، وليس فيه ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم، وأخرجه أيضاً من هذا الوجه الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد ذكر علي بن المديني وأبوحاتم الرازي وغيرهما من الأئمة، أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين- انتهى.

1802-

قوله: (من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول) قال ابن الملك: يعني من وجدها مالاً، وعنده نصاب من ذلك الجنس، مثل أن يكون له ثمانون شاة ومضى عليها ستة أشهر ثم حصل له أحد وأربعون شاة بالشراء أو بالإرث أو غير ذلك، لا يجب عليه للأحد والأربعين حتى يتم حولها من وقت الشراء أو الإرث لأن المستفاد لا يكون تبعاً للمال الموجود. وبه قال الشافعي وأحمد: وعند أبي حنيفة ومالك يكون المستفاد تبعاً له فإذا تم الحول على الثمانين وجب الشأتان، يعني في الكل كما أن النتائج تبع للأمهات- انتهى. وقال ابن قدامة: في المغني (ج2 ص626) أن استفاد مالاًً مما يعتبر له الحول ولا مال له سواه، وكان نصاباً، أو كان له مال من جنسه لا يبلغ نصاباً، فبلغ بالمستفاد نصاباً انعقد عليه حول الزكاة من حينئذٍ فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه، وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام: أحدها أم يكون المستفاد من نمائة كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله فيعتبر حوله بحوله لا نعلم فيه خلافاً لأنه تبع له من جنسه فأشبه النماء المتصل وهو زيادة قيمة عروض التجارة. الثاني

ص: 45

أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده فهذا له حكم نفسه لا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصاب، بل أن كان نصاباً استقبل به حولاً وزكاه وإلا فلا شيء فيه، وهذا قول جمهور العلماء منهم أبوبكر، وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. الثالث أن يستفيد مالاً من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل مثل أن يكون عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول، فيشتري أو يتهب مائة، فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضاً وبهذا قال الشافعي: وقال أبوحنيفة يضمه إلى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعاً عند تمام حول المال الذي كان عنده، لأنه يضم إلى جنسه في النصاب فوجب ضمه إليه في الحول كالنتاج ولأنه إذا ضم في النصاب وهو سبب فضمه إليه في الحول الذي هو شرط أولى، وبيان ذلك أنه لو كان عنده مائتا درهم مضى عليها نصف الحول فوجب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب فيها إذا تم حولها بغير خلاف، ولولا المأتان ما وجب فيها شيء فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته، ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة واختلاف أوقات الواجب، والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقت وهذا حرج مدفوع بقوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] وقد اعتبر الشرع ذلك بإيجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل وجعل الأوقاص في السائمة وضم الأرباح والنتاج إلى حول أصلها مقروناً بدفع هذه المفسدة فيدل على أنه علة لذلك فوجب تعدية الحكم إلى محل النزاع وقال مالك: كقوله في السائمة دفعاً لتشقيص الواجب وكقولنا في الإثمان لعدم ذلك فيها. ولنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (أخرجه ابن ماجه وغيره بسند ضعيف) ثم ذكرت حديث ابن عمر قال وقد روى عن أبي بكر الصديق وعلي وابن عمر وعائشة وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسالم والنخعي إنه لا زكاة في المستفاد حتى يحول عليه الحول. ولأنه مملوك أصلاً فيعتبر فيه الحول شرطأ كالمستفاد من غير الجنس. قال: وأما الأرباح والنتاج فإنما ضمت إلى أصلها، لأنها تبع له ومتولدة منه، ولا يوجد ذلك في مسألتنا، وإن سلمنا أن علة ضمنها ما ذكروه من الحرج. فلا يوجد ذلك في مسألتنا، لأن الأرباح تكثر وتتكرر في الأيام والساعات ويعسر ضبطها، وكذلك النتاج وقد يوجد ولا يشعر به فالمشقة فيه أتم لكثرة تكرره بخلاف هذه الأسباب المستقلة. فإن الميراث والاغتنام والاتهاب ونحو ذلك يندر ولا يتكرر فلا يشق ذلك فيه، فإن شق فهو درن المشقة في الأرباح والنتاج فيمتنع قياسه عليه، واليسر فيما ذكرنا أكثر. لأن الإنسان يتخير بين التأخير والتعجيل وما ذكروه يتعين عليه التعجيل. ولا شك إن التخيير بين شيئين أيسر من تعيين أحدهما، وأما ضمه إليه في النصاب فلأن النصاب معتبر لحصول الغني وقد حصل الغني بالنصاب الأول والحول معتبر ليحصل أداء الزكاة من الربح

ص: 46

ولا يحصل ذلك بمرور الحول على أصله فوجب أن يعتبر الحول له- انتهى. وأعلم أن نماء العين على الثلاثة أنواع: ربح، وغلة، وفائدة، ونماء الماشية على نوعين: فائدة، ونسل. والربح زائد ثمن مبيع تجر على ثمنه الأول ذهبا أو فضة، والغلة ما تجدد من سلع التجارة قبل بيع رقابها كغلة العبد ونجوم الكتابة. والفائدة ما تجدد لا عن مال أو عن مال غير مزكي كهبة وميراث واشتراء وثمن عرض مقتنى من عقار أو حيوان باعه بعين، والنسل هو نتاج الماشية وأولادها واختلف العلماء في ضم هذه الأنواع إلى الأصل واعتبار حولها. فأما الربح فقال ابن رشد: في البداية (ج1 ص244) اختلفوا في اعتبار حول ربح المال على ثلاثة أقوال: فرأى الشافعي أن حوله يعتبر من يوم استفيد سواء كان الأصل نصاباً أو لم يكن. وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز (كما في كتاب الأموال (ص417) إنه كتب أن لا يعرض لإرباح التجار حتى يحول عليها الحول. وقال مالك: حول الربح هو حول الأصل أي إذا كمل للأصل حول، زكى الربح معه سواء كان الأصل نصاباً أو أقل من نصاب إذا بلغ الأصل مع ربحه نصاباً، قال أبوعبيد (ص414) ولم يتابعه عليه أحد من الفقهاء إلا أصحابه، وفرق قوم بين أن يكون رأس المال الحائل عليه الحول نصاباً أو لا يكون؟ فقالوا: إن كان نصابا زكى الربح مع رأس ماله وإن لم يك نصاباً لم يزك، وممن قال بهذا القول الأوزاعي وأبوثور وأبوحنيفة، وسبب اختلافهم تردد الربح بين أن يكون حكمه حكم المال المستفاد، أو حكم الأصل، فمن شبهه بالمال المستفاد ابتداء. قال: يستقبل به الحول ومن شبهه بالأصل وهو رأس المال. قال: حكمه حكم رأس المال. إلا أن من شروط هذا التشبيه أن يكون رأس المال قد وجبت فيه الزكاة، وذلك لا يكون إلا إذا كان نصاباً ولذلك يضعف قياس الربح على الأصل، في مذهب مالك. ويشبه أن يكون الذي اعتمده مالك في ذلك هو تشبيه ربح المال بنسل الغنم، لكن نسل الغنم مختلف فيه أيضاً. وقد روى عن مالك مثل قول الجمهور- انتهى. قال الزرقاني: هذا مذهب مالك، إن حول الربح حول أصله وإن لم يكن أصله نصاباً قياساً على نسل الماشية ولم يتابعه غير أصحابه، وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا في فرعه وهما أصلان، والأصول لا يرد بعضها إلى بعض، وإنما يرد الفرع إلى أصله - انتهى. قلت والحنابلة موافقون للحنفية في مسألة الربح كما قال الخرقي (ج3 ص37) إذا كان في ملكه نصاب للزكاة فاتجر فيه فنمى أدى زكاة الأصل مع النماء إذا حال الحول. وقال في الروض المربع حصول الربح حول أصله إذا كان الأصل نصاباً فحول الجميع من كمال نصابه وإن لم يكن الأصل نصاباً- انتهى. وفي مسلك الشافعية تفصيل خلافاً لما حكى شراح الحديث من مذهب الشافعي قال ابن قدامة (ج3 ص37) قال الشافعي: إن نضت الفائدة قبل الحول لم يبين حولها على حول النصاب، وأستأنف بها حولاً لقوله عليه السلام؟:"لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" ولأنها فائدة

ص: 47

تامة لم تتولد مما عنده فلم يبين على حوله كما لو استفاد من غير الربح وإن اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول. فإنه يضم الفائدة ويزكي عن الجميع بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من نصاب فإنه يزكى عند رأس الحول عن النصاب ويستأنف للزيادة حولاً، وقال في شرح الإقناع يضم ربح حاصل في أثناء الحول، لأصل في الحول إن لم ينض بما يقوم به، فلو اشترى عرضاً بمائتي درهم فصارت قيمته في الحول ثلاث مائة زكاها، أما إذا نض دراهم أو دنانير بما يقوم به، وامسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الأصل. بل يزكي الأصل بحوله ويفرد الربح بحول - انتهى. وقد استدل ابن قدامة لمذهب الحنابلة، بأن الربح نماء جار في الحول، تابع لأصله في الملك، فكان مضموماً إليه في الحول كالنتاج. وكما لو لم ينض ولأنه ثمن عرض تجب زكاة بعضه، ويضم إلى ذلك البعض قبل البيع فيضم إليه بعده كبعض النصاب. ولأنه لو بقي عرضاً زكى جميع القيمة فإذا نض كان أولى، لأنه يصير متحققاً، ولأن هذا الربح كان تابعاً للأصل في الحول، كما لو لم ينض فبنضه لا يتغير حوله. والحديث فيه مقال، وهو مخصوص بالنتاج، وبما لم ينض فنقيس عليه- انتهى. وأما الفائدة فقال ابن رشد:(ج1 ص244) أجمعوا على أن المال إذا كان أقل من نصاب، وأستفيد إليه مال من غير ربحه يكمل من مجموعها نصاب، إنه يستقبل به الحول من يوم كمل. واختلفوا إذا استفاد مالاً، وعنده نصاب مال آخر قد حال عليه الحول. فقال مالك: يزكي المستفاد إن كان نصاباً لحوله، ولا يضم إلى المال الذي وجبت فيه الزكاة. وبهذا القول في الفوائد. قال الشافعي:(وهو قول أحمد أيضاً) وقال أبوحنيفة وأصحابه والثوري الفوائد كلها تزكي بحول الأصل، إذا كان الأصل نصاباً، وكذلك الربح عنده، ذكر ابن رشد سبب اختلافهم في ذلك وهذا الاختلاف في حكم فائدة العين. وأما الفائدة الماشية فإن مذهب مالك فيها بخلاف مذهبه في فائدة العين، وذلك أنه يبني فائدة الماشية على الأصل، إذا كان الأصل نصاباً، كما يفعل أبوحنيفة في فائدة الدراهم. وفي فائدة الماشية فأبوحنيفة مذهبه في الفوائد حكم واحد، أعنى أنها تبني على الأصل إذا كانت نصاباً كانت فائدة غنم، أو فائدة ناض، والأرباح عنده والنسل كالفوائد. وأما مالك فالربح والنسل عنده حكمهما واحد ويفرق بين فوائد الناض أي العين، وفوائد الماشية. وأما الشافعي فالربح وفائدة العين، وفائدة الماشية عنده حكمه مع واحد، فاعتبار حولهما بأنفسها. ونسل الماشية حكمه أن يعتبر حوله بالأصل، إذا كان نصاباً. وأما أحمد فالأرباح والنسل عنده حكمهما واحد، باعتبار حولهما بالأصل إذا كان نصاباً وفائدة العين وفائدة الماشية واحد أيضاً باعتبار حولهما بأنفسهما، وكأنه إنما فرق مالك بين الماشية والعين إتباعاً لعمر وإلا فالقياس فيهما واحد أعني أن الربح شبيه بالنسل، والفائدة بالفائدة. وحديث عمر هذا هو أنه أمر أن يعد عليهم بالسخال ولا يأخذ منهما شيئاً. قال

ص: 48

رواه الترمذي، وذكر جماعة أنهم

ــ

الزرقاني (ج2 ص117) حاصل مذهب مالك في فائدة الماشية. أنهما إنما تضم إلى نصاب، وإلا أي إن لم تكن عنده نصابها قبل ذلك استؤنف بالجميع حولاً. وإن كان له نصاب من نوع، ما أفاد زكى الفائدة على حول النصاب ولو استفادها قبل الحول بيوم. وبه قال أبوحنيفة، وقال الشافعي وأبوثور لا تضم الفوائد. ويزكي كل على حوله الإنتاج الماشية فتزكى مع أمهاتها إن كانت نصاباً- انتهى. وقال في شرح الكبير وضمت الفائدة من النعم للنصاب من جنسه، وإن حصلت قبل تمام حول النصاب بلحظة: لا لأقل من نصاب، بل تضم الأولى للثانية وهذا بخلاف فائدة العين، فإنها لا تضم لنصاب قبلها، بل يستقبل بها ويبقى كل مال على حوله - انتهى. وأما نسل الماشية أي نتاجها. فقال مالك: حول النسل هو حول الأمهات كانت الأمهات نصاباً، أو لم تكن. كما قال في ربح الناض. وقال الشافعي وأبوحنيفة وأحمد وأبوثور. لا يكون حول النسل حول الأمهات، إلا أن تكون الأمهات نصاباً، وسبب اختلافهم هو بعينه سبب اختلافهم في ربح المال. والراجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد. إن الربح والنسل حكمهما واحد، باعتبار حولهما باعتبار حولهما بالأصل. وفائدة العين والماشية حكمهما أيضاً واحد، باعتبار حولهما بأنفسهما والله تعالى أعلم. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج4 ص95، 104) والدارقطني في السنن (ص198) كلهم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر وعبد الرحمن ضعيف. قال الترمذي: والصحيح عن ابن عمر موقوف، وكذا قال البيهقي، وابن الجوزي والدارقطني وغيرهم. وأخرجه الدارقطني أيضاً وابن عبد البر في التمهيد مرفوعاً، من طريق بقية بن وليد عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. وهذا أيضاً ضعيف بقية مدلس، وقد عنعن وإسماعيل ضعيف، في روايته عن غير الشاميين. وأخرجه الدارقطني أيضاً، في غرائب مالك عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً نحوه. قال الدارقطني: الحنيني ضعيف والصحيح عن مالك موقوف في الباب عن أنس أخرجه الدارقطني في السنن (ص199) وابن عدي في الكامل. وأعله بحسان بن سياه، وعن عائشة، أخرجه ابن ماجه والبيهقي (ج4 ص95، 103) وأبوعبيد في الأموال (ص413) وهو ضعيف أيضاً وعن أم سعد الأنصارية، امرأة زيد بن ثابت بنحو حديث الباب ذكره الهيثمي (ج3 ص79) وعزاه للطبراني قال. وفيه عنبسة بن عبد الرحمن وهو ضعيف، وروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفاً عليهم، مثل ما روى عن ابن عمر، قال: والاعتماد في ذلك على الآثار الصحيحة، فيه عن أبي بكر وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم، وقال أبوعبيد (ص413) بعد ذكر حديث عائشة مرفوعاً، فإن كان لهذا أصل، فهو السنة. وإلا ففي من سمينا من الصحابة قدوة ومتبع- انتهى. وقال الحافظ: في التلخيص بعد ذكر قول البيهقي، قلت حديث علي (عند أبي داود وغيره) لا بأس بإسناده، والآثار تعضده فيصلح للحجة - انتهى. (وذكر) أي وسمي

ص: 49

وقفوه على ابن عمر.

1803-

(17) وعن علي: ((أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له ذلك)) .

ــ

الترمذي (جماعة) أي بأسماءهم، منهم أيوب وعبيد الله (أنهم) بدل اشتمال، أي ذكر أن جماعة عددهم (وقفوه) أي هذا الحديث (على ابن عمر) أي جعلوه من ابن عمر، ولم يرفعوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: والموقوف أصح، وقال الحافظ في البلوغ. بعد ذكر حديث ابن عمر، المرفوع ما لفظه. والراجح وقفه، قال الأمير اليماني: له حكم الرفع، لأنه لا مسرح للاجتهاد فيه- انتهى. وقد بسط الزيلعي في نصب الراية (ج2 ص328- 329- 330) طرق هذا الحديث، من أحب الوقوف عليها رجع إليه.

1803-

قوله: (قبل أن تحل) بكسر الحاء أي قبل أن تجب، ومنه قوله تعالى:{أم أردتم أن يحل عليكم غضب} -[طه: 86] أي يجب على قراءة الكسر. ومن حل الدين حلولاً، وأما الذي بمعنى النزول، فبضم الحاء. ومنه قوله تعالى:{أو تحل قريباً من دارهم} -[الرعد: 31] قاله السندي: وقيل: أي قبل أن تسير حالاً بمضيء الحول. وقيل: أي قبل أن يجيء وقتها من حلول الأجل بمعنى مجيئه، وقال ابن حجر: أي قبل أن يتم حولها وهو حاصل المعنى (فرخص له) أي للعباس (في ذلك) أي في تعجيل الصدقة. قال ابن الملك: هذا يدل على جواز تعجيل الزكاة بعد حصول النصاب قبل تمام الحول- انتهى. واختلف العلماء فيه، فذهب الشافعي وأحمد وأبوحنيفة وسعيد بن جبير والأوزاعي وإسحاق وأبوعبيد إلى جواز ذلك، وقال ربيعة ومالك وداود إنه لا يجوز، واستدل لذلك بما روى أنه لا زكاة حتى يحول الحول. وأجيب عنه بأن الوجوب متعلق بالحلول، فلا وجوب حتى يحول عليه الحول، وهذا لا ينفي جواز التعجيل. واحتج أيضاً لمالك ومن وافقه، بأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب. وأجيب عن هذا، بأن تقديم الزكاة على النصاب تقديم لها على سببها، فأشبه تقديم الكفارة على اليمين، وكفارة القتل على الجرح، فلم يجز بخلاف تقديم الزكاة على الحول، فإنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه، فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وقد سلم مالك تعجيل الكفارة، وبأنه إذا قدم على النصاب قدمها على الشرطين، وإذا قدمها على الحول قدمها على أحدهما. ومن قواعدهم إن ماله سببان، يقدم على أحدهما لا عليهما، فجاز تقديمها على الحول لا النصاب. واستدل له أيضاً بأن للزكاة وقتاً، فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة. وأجيب عنه بأن الوقت إذا دخل في الشيء رفقا بالإنسان، كان له أن يعجله ويترك الإرفاق بنفسه كالدين المؤجل. وأم الصلاة والصيام فتعبد محض،

ص: 50

رواه أبوداود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي.

1804-

(18) وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب الناس فقال: ((ألا

من ولى يتيماً له فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)) .

ــ

والتوقيت فيهما غير معلول، فيجب إن يقتصر عليه. قاله ابن قدامة في المغنى. (ج2 ص630) وقال ابن الهمام: فيه خلاف، لمالك، وهو يقول الزكاة إسقاط الواجب، ولا إسقاط قبل الوجوب، وصار كالصلاة قبل الوقت بجامع أنه أداء قبل السبب إذا السبب هو النصاب الحولي، ولم يوجد. قلنا لا نسلم اعتبار الزائد على مجرد النصاب جزاء من السبب بل هو النصاب فقط، والحول تأجيل في الأداء بعد أصل الوجوب فهو كالدين المؤجل وتعجيل المؤجل صحيح، فالأداء بعد النصاب كالصلاة في أول الوقت لا قبله. وكصوم المسافر رمضان، لأنه بعد السبب. ويدل على صحة هذا الاعتبار ما في أبي داود والترمذي من حديث عليَّ إن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته الحديث. (رواه أبوداود الخ) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1 ص104) والحاكم (ج3 ص332) والدارقطني (ص213) والبيهقي (ج4 ص111) وغيرهم، وفيه اختلاف ذكره الدارقطني والبيهقي، من شاء الوقوف عليه رجع إليهما. وقد رجحا إرساله، وكذا رجحه أبوداود. وفي الباب عن أبي رافع عند أبي داود الطيالسي والدارقطني والطبراني وإسناده ضعيف وعن ابن مسعود عند البزار والطبراني، وهو أيضاً ضعيف. وعن طلحة بن عبيد الله عند أبي يعلى والبزار وابن عدي والدارقطني، وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك، وعن ابن عباس عند الدارقطني، وهو ضعيف أيضاً. من أحب الإطلاع على ألفاظها رجع إلى مجمع الزائد (ج3 ص79) والفتح: قال الحافظ: بعد ذكر هذه الروايات، وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق - انتهى. وقال الأمير اليماني: قد ورد هذا من طرق بألفاظ مجموعها، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تقدم من العباس زكاة عامين. وإختلفت الروايات هل هو استلف ذلك أو تقدمه ولعلهما واقعان معاً- انتهى.

1804-

قوله: (ألا) للتنبيه (من ولى يتيماً) بفتح الواو وكسر اللام، قال القاري: وفي نسخة بضم الواو وتشديد اللام المكسورة أي صار ولى يتيم (له مال) صفة "ليتيماً" أي من صار ولياً ليتيم ذي مال (فليتجر) بتشديد الفوقية أي بالبيع والشراء (فيه) أي في مال اليتيم وفي رواية أبي عبيد فليتجر له فيه (ولا يتركه) بالنهي وقيل بالنفي (حتى تأكله الصدقة) أي تنقصه وتفنيه لأن الأكل سبب الإفناء. قال ابن الملك: أي بأخذ الزكاة منها فينقص شيئاً فشيئا: وهذا يدل على وجوب الزكاة في مال الصبي، وبه قال: الشافعي ومالك

ص: 51

وأحمد، وعند أبي حنيفة لا زكاة فيه - انتهى. وقال ابن قدامة: الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لوجود الشرائط الثلاث. (أي الحرية والإسلام وتمام الملك) فيهما روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم. وبه قال جابر بن زيد، وابن سيرين وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وابن عيينة وإسحاق وأبوعبيد وأبوثور. ويحكي عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي، أنهم قالوا: تجب الزكاة ولا تخرج، حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوة قال ابن مسعود: أحصى ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ، أعلمه فإن شاء زكى وإن لم يشأ لم يزك. وروى نحو هذا عن إبراهيم. وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبووائل النخعي وأبوحنيفة: لا تجب الزكاة في أموالها. وقال أبوحنيفة: يجب العشر في زروعهما وثمرتهما وتجب صدقة الفطر عليهما. واحتج في نفي الزكاة بقوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي يبلغ وعن المجنون حتى يفيق، وبأنها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ولى يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكلة الصدقة. أخرجه الدارقطني، وفي رواية المثنى بن الصباح، وفيه مقال وروى موقوفاً على عمرو إنما تأكله الصدقة بإخراجها، وإنما يجوز إخراجها إذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم، ولأن من وجب العشر في زرعه وجب ربع العشر في ورقه كالبالغ العاقل، ويخالف الصلاة والصوم فإنها مختصة بالبدن وبنية الصبي ضعيفة عنها والمجنون لا يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة الأقارب والزوجات واروش الجنايات وقيم المتلفات، والحديث أريد به رفع الإثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية، ثم هو مخصوص بما ذكرنا. والزكاة في المال في معناه فنقيسها عليه إذا تقرر هذا فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة فوجب إخراجها كزكاة العاقل البالغ والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه، ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولي أداءه عنهما كنفقة أقاربه وتعتبر نية الولي في الإخراج كما تعتبر النية من رب المال - انتهى. كلام ابن قدامة قلت: واستدل للأئمة الثلاثة أيضاً بما روى الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعاً اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ذكره الحافظ في التلخيص (ص176) وفي الدراية (ص154) والزيلعي في نصب الراية (ج2 ص332) وسكتا عنه، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج3 ص67) وقال أخبرني سيدي وشيخي يعني الحافظ العراقي أن إسناده صحيح، والسيوطي في الجامع الصغير قال المناوي وسنده كما قال الحافظ العراقي صحيح وبعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقاً، وبما روى في ذلك من آثار الصحابة عمر وعلي وابن عمر وعائشة وجابر رواها أبوعبيد والبيهقي والدارقطني وغيرهم وذكرها الزيلعي

ص: 52

رواه الترمذي، وقال: في اسناده مقال، لأن المثنى

ــ

والحافظ في التلخيص وأجاب الحنفية عن حديث الباب بأن المراد بالصدقة النفقة على اليتيم نفسه، لأن الزكاة لا تفني جميع المال فعلم أن المراد به النفقة التي تستغرق جميع المال. قال السرخسي: ألا ترى أنه أضاف الأكل إلى جميع المال والنفقة هي التي تأتي على جميع المال دون الزكاة، ولأن اسم الصدقة قد ينطلق على النفقة لقوله عليه السلام: أن المسلم إذا أنفق على أهله كانت له صدقة وتعقب هذا بأن اسم الزكاة لا يطلق على النفقة لغة ولا شرعاً ولا يقاس على لفظ صدقة، لأن اللغة لا تؤخذ بالقياس، والقول بأن رواية من روى بلفظ الزكاة رواية بالمعنى باطل مردود لأنه مجرد دعوى لا دليل عليها، ويرده أيضاً أثر ابن مسعود المذكور في كلام ابن قدامة وغير ذلك من الآثار. وأجيب عن الأول بأن المراد بالأكل النقص كما قال القاري وابن الملك وأجاب ابن الهمام عن آثار الصحابة التي تدل على وجوب الزكاة في مال الصبي بأنها لا تستلزم كونها عن سماع إذ يمكن الرأي فيه فيجوز كونه بناء عليه، فحاصله قول الصحابي عن اجتهاد عارضه رأى صحابي آخر. قال محمد بن الحسن في كتاب الآثار أنا أبوحنيفة حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود ليس في مال اليتيم زكاة. وليث كان أحد العلماء العباد، وقيل اختلط في آخر عمره، ومعلوم أن أباحنيفة لم يكن ليذهب فيأخذ عنه حال اختلاطه ويرويه وهو الذي شدد أمر الرواية ما لم يشدده غيره وروى مثل قول ابن مسعود عن ابن عباس تفرد به ابن لهيعة- انتهى. وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة بسند صحيح عدم القول بوجوب الزكاة في مال الصبي، وأما أثر ابن مسعود فهو ضعيف من وجهين: الأول أنه منقطع والثاني أن في إسناده ليث بن أبي سليم، قال الحافظ: صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه. وقال البيهقي (ج4 ص108) هذا أثر ضعيف لأنه منقطع فإن مجاهداً لم يدرك ابن مسعود، وليث بن أبي سليم ضعيف عند أهل الحديث، ذكره الزيلعي (ج2 ص334) وسكت عليه، وأجاب ابن الهمام عن الوجه الثاني ولم يجب عن الوجه الأول وفيما أجاب به عن الوجه الثاني كلام فتفكر وأما أثر ابن عباس فقد تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف عند أهل الحديث، وأما حديث رفع القلم عن ثلاثة ففي الاستدلال به على عدم وجوب الزكاة في مال الصبي نظر كيف وقد رواه عائشة وعلي وهما قائلان بوجوب الزكاة في مال الصبي، وقال الزيلعي: قال ابن الجوزي والجواب أن المراد قلم الإثم أو قلم الأذى - انتهى. وقد بسط في الرد على من قاس الزكاة على الصلاة أبوعبيد في الأموال (ص454- 456) فأرجع إليه (رواه الترمذي) وأخرجه أيضا أبوعبيد في الأموال (ص448) والدارقطني (ص206) والبيهقي (ج4 ص107)(وقال) أي الترمذي (في اسناده مقال لأن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون مقصوراً

ص: 53