المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قيل يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌{

- ‌الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب صدقة الفطر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب من لا تحل له الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌((5)) باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب فضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أفضل الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب من لا يعود في الصدقة

- ‌{الفصل الأول}

-

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب رؤية الهلال

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب تنزيه الصوم

- ‌((الفصل الأول))

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: قيل يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن

قيل يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله)) . رواه أحمد.

(1) باب رؤية الهلال

{الفصل الأول}

1989-

(1) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا

ــ

ولدلالة السياق عليها والمراد مغفرته الكاملة ورحمته الشاملة فلا ينافي ما سبق من أن أوسطه مغفرة (قيل يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال لا) أي ليس سبب المغفرة كونها ليلة القدر بل سببها كونها آخر ليلة، ويمكن أن تكون غيرها من بقية ليالي العشر الأخير (ولكن) بالتشديد ويخفف (العامل) أي ولكن سببها إن العامل (إنما يوفى) من التوفية أي يعطي وافياً (أجره) بالنصب على أنه مفعول ثان وفي نسخة بالرفع على أنه نائب الفاعل والمفعول الثاني مقدر أي إياه (إذا قضى عمله) أي فرغ منه. وقال الطيبي: قوله ولكن العامل الخ. استدرك لسؤالهم عن سبب المغفرة كأنهم ظنوا أن الليلة الأخيرة هي ليلة القدر سبب للغفران فبيين صلى الله عليه وسلم إن سببها فراغ العبد من العمل وهو مطرد في كل عمل والله أعلم - انتهى. (رواه أحمد) هو طرف من حديث طويل أخرجه أحمد (ج2 ص292) والبزار والبيهقي ومحمد بن نصر في قيام الليل (ص108) وأبوالشيخ بن حبان في كتاب الثواب من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم. خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله عزوجل كل يوم جنته ثم يقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك ويصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة - الحديث. قال الهيثمي (ج3 ص140) : فيه هشام بن أبوالمقدام وهو ضعيف وأشار المنذري إلى ضعف إسناده بتصديره بلفظة: روى، وإهمال الكلام عليه في آخره. وله شاهد من حديث جابر عند البيهقي ذكره المنذري بعد حديث أبي هريرة هذا. وقال إسناده مقارب أصلح مما قبله.

(باب رؤية الهلال) أي الأحكام المتعلقة بها. قال الزرقاني الأكثر على أن الهلال القمر في حالة خاصة. قال الأزهري: يسمى القمر لليلتين من أول الشهر هلالاً، وفي ليلة ست وسبع وعشرين أيضاً هلالاً وما بين ذلك يسمى قمراً وقال الجوهري: الهلال لثلاث ليال من أول الشهر ثم هو قمر بعد ذلك. وقيل: الهلال هو الشهر بعينه. قال الراغب: الهلال القمر في أول ليلة، والثانية، ثم يقال له القمر ولا يقال له هلال - انتهى.

1989-

قوله: (لا تصوموا) أي في ثلاثي شعبان عن رمضان ففي رؤية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر رمضان

ص: 423

حتى تروا الهلال،

ــ

فقال لا تصوموا (حتى تروا الهلال) أي هلال رمضان وهذا إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يوماً فيجب الصوم عن رمضان، وإن لم يروا هلاله، ثم إنه يتعلق بالحديث أمور يجب التنبيه عليها. الأول إن ظاهره اشتراط رؤية الجميع من المخاطبين، لكن قام الإجماع على عدم وجوب ذلك، بل المراد رؤية بعضهم وهو من يتحقق به الرؤية ويثبت. والمعنى حتى يثبت عندكم رؤية الهلال. قال الحافظ: ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية بعضهم، وهو من يثبت به ذلك. أما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي أخرين، ووافق الحنفية على الأول إلا أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره، وإلا متى كان صحو لم يقبل إلا من جميع كثير يقع العلم بخبرهم - انتهى. وسيأتي بسط الكلام فيه. الثاني إن ظاهره الصوم من وقت الرؤية لكن ليس ذلك بمراد كما أنه ليس المراد الإفطار من وقت الرؤية، حتى يلزم أن يفطر قبل الغروب، إذا رأى الهلال في ذلك الوقت. بل المراد الإفطار والصوم على الوجه المشروع، فلا بد في كل منهما من معرفة ذلك الوقت. قال الحافظ: ظاهر الحديث إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلاً أو نهاراً، لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل. وبعض العلماء، فرق بين ما قبل الزوال أو بعده، خالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقاً - انتهى. قلت: فرق بين ما قبل الزوال وبعده الثوري وأبويوسف وروى ذلك عن عمر. قال الباجي: لا خلاف بين الناس إنه إذا رؤى بعد الزوال فإنه لليلة القادمة. وأما إذا رؤى قبل الزوال فإن مالكاً والشافعي وأباحنيفة وجمهور الفقهاء يقولون: إنه لليلة القادمة لحديث أبي وائل أتانا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهدو رجلان أنهما أهلاه بالأمس. وقال الثوري وابن وهب وأبويوسف وابن حبيب للماضية لما رواه النخعي عن عمر إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فافطروا، وإذا رأيتموه بعده فلا تفطروا وهذا مفصل والأول مجمل لأنه قال نهاراً، لكن قال ابن عبد البر والأول أصح لأنه متصل والثاني منقطع فالنخعي لم يدرك عمر. قال الباجي: قال أبوبكر بن الجهم هذا لا يثبت عن عمر رواه شباك وهو مجهول قال وهذا الخلاف إنما هو إذا رؤي في يوم ثلاثين ولا يصح أن يصح أن يكون قبل ذلك - انتهى. وبسط الكلام في ذلك الشامي في رد المختار (ج2 ص130) وابن رشد في البداية (ج1 ص194) وابن قدامة في المغنى (ج3 ص168) . الثالث إنه جعل تحقق الرؤية غاية لعدم الصوم فلو ثبتت الرؤية لليلة الماضية وجبت الصوم من حين ثبوتها. قال ابن قدامة (ج3 ص133) إذا أصبح مفطراً يعتقد أنه من شعبان فقامت البينة بالرؤية لزمه الإمساك والقضاء في قول عامة الفقهاء، إلا ما روى

ص: 424

...............................

ــ

عن عطاء أنه يأكل بقية يومه. قال ابن عبد البر: لا نعلم أحداً قاله غير عطاء، الرابع إن الحديث ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال أي إذا لم يكمل عدد الشعبان ثلاثين يوماً فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها قال الحافظ: ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به أي على منع الصوم في كل صورة لم ير فيها الهلال لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله "فإن غم عليكم فاقدروا له" فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين حكم الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقاً بالصحو. وأما الغيم فله حكم آخر ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكداً للأول وإلى الأول، ذهب أكثر الحنابلة وإلى الثاني ذهب الجمهور. فقالوا: المراد بقوله فاقدروا له قدوراً له تمام العدد ثلاثين يوماً أي أنظروا في أول الشهر وأحسبوه تمام الثلاثين ويرجح هذا التأويل الروايات الأخر المصرحة بالمراد، وهي ما سيأتي من قوله فأكملوا العدة ثلاثين ونحوها، وأولى ما فسر الحديث بالحديث - انتهى. وحاصل ذلك أن النهي عن الصوم في ثلاثي شعبان حتى يروا الهلال عند الجمهور مطلق يعم الصحو والغيم وعند الحنابلة مقيد بحال الصحو. قال ابن قدامة (ج3 ص90) النهي عن صوم الشك محمول على حال الصحو وفي الجملة لا يجب الصوم إلا برؤية الهلال أو كمال شعبان ثلاثين يوماً أو يحول دون منظر الهلال غيم أو قتر - انتهى. وقد أشبع الكلام في ذلك الولي العراقي في طرح التثريب (ج4 ص107، 110) وسيأتي البسط منافي صوم يوم الشك في شرح حديث عمار. الخامس قد استدل بهذا الحديث من ذهب إلى أنه إذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم، لأنه ليس المراد رؤية جميع المسلمين بحيث يحتاج كل فرد إلى رؤيته بل المعتبر رؤية بعضهم كما تقدم، والمعنى لا تصوموا حتى توجد فيما بينكم الرؤية وتتحقق، فيدل هذا على أن رؤية بلد رؤية لجميع أهل البلاد فيلزم الحكم. قال الحافظ: قد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها، ومن لم يذهب إلى ذلك قال: لأن قوله حتى تروه خطاب لأناس مخصوصين فلا يلزم غيرهم ولكنه مصروف عن ظاهره فلا يتوقف الحال على رؤية كل واحد فلا يتقيد بالبلد. وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب. أحدها لأهل كل بلده رؤيتهم وفي صحيح مسلم من حديث كريب عن ابن عباس ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكاه الماوردى وجهاً للشافعية. ثانيها مقابلة إذا رؤى ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافة وقال: أجمعوا على أنه لا ترعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس. قال القرطبي: قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي يثبت

ص: 425

................................

ــ

فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم، لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وقال بعض الشافعية إن تقاربت البلاد كان الحكم واحداً وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر واختار أبوالطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبط البعد أوجه أحدها: اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النوي في الروضة وشرح المهذب. ثانيها: مسافة القصر قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم. ثالثها: الاختلاف الأقاليم. رابعها حكاه السرخسي فقال: يلزم كل بلد لا يتصور خفاءه عنهم بلا عارض دون غيرهم. خامسها: قول ابن الماجشون المتقدم انتهى كلام الحافظ. قلت الإجماع الذي حكاه ابن عبد البر غير مسلم كيف، وقد ذهبت الحنابلة وأكثر الحنفية والمالكية وبعض الشافعية إلى إلزام جميع البلاد الصوم والإفطار برؤية أهل البلد وإلى عدم اعتبار القرب والبعد بينها في ذلك، وإلى عدم اعتبار اختلاف المطالع فيلزم أهل المشرق الصوم والإفطار برؤية أهل المغرب إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب. وقال المحققون من الحنفية والمالكية وعامة الشافعية: إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة مثلاً لزم أهلهما الصوم برؤية الهلال في أحدهما وإن كان بينهما بعد كالعراق والحجاز والشام فلكل أهل بلد رؤيتهم. قال في الدر المختار: اختلاف المطالع غير معتبر على ظاهر المذهب وعليه أكثر المشائخ وعليه الفتوى فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب إذاً ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب (كأن يتحمل اثنان الشهادة أو يشهدا على حكم القاضي أو يستفيض الخبر) وقال الزيلعي (شارح الكنز) الأشبه أنه يعتبر لكن قال الكمال، الأخذ بظاهر الرواية أحوط - انتهى. وهكذا في النهر الفائق. وقال في مراقي الفلاح: إذا ثبت الهلال في بلدة لزم سائر الناس في ظاهر المذهب وعليه الفتوى وهو قول أكثر المشائخ فيلزم قضاء يوم على أهل بلدة صاموا تسعة وعشرين يوماً لعموم الخطاب وهو صوموا لرؤيته. وقيل: يختلف (أي الحكم) باختلاف المطالع واختاره صاحب التجريد وغيره كما إذا زالت الشمس عند قوم وغربت عند غيرهم فالظهر على الأولين لا المغرب لعدم انعقاد السبب في حقهم- انتهى ملخصاً. وقال المفتي أبوالسعود في شرح مراقي الفلاح: قوله كما ذهب إليه صاحب التجريد وهو الأشبه لأن انفصال الهلال من شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار كما في دخول الوقت وخروجه، وهذا مثبت في علمك الأفلاك والهيئات، وأقل ما تختلف به المطالع مسيرة شهر كما في الجواهر- انتهى ملخصاً. وفي التتار خانية: الأهل بلدة إذا رأوا الهلال هل يلزم في حق كل بلدة؟ اختلف المشائخ في فبعضهم قالوا: لا يلزمه. فإنما المعتبر في حق أهل بلدة رؤيتهم وفي الخانية لا عبرة باختلاف المطالع في ظاهر الرواية وفي القدوري إن كان بين البلدتين تفاوت تختلف

ص: 426

..............................

ــ

به المطالع لا يلزمه وذكر الشيخ شمس الأئمة الحلواني أنه الصحيح من مذهب أصحابنا - انتهى. وقال الزيلعي في شرح الكنز: أكثر المشائخ على أنه لا يعتبر باختلاف المطالع. والأشبه أن يعتبر لأن كل قوم مخاطبون بما عندهم. وانفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار. والدليل على اعتباره ما روى عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية - الحديث انتهى. وقال في مختارات النوازل أهل بلدة صاموا تسعة وعشرين يوماً بالرؤية وأهل بلدة أخرى صاموا ثلاثين يوماً بالرؤية، فعلى الأولين قضاء يوم إذا لم تختلف المطالع بينهما. وأما إذا اختلفت لا يجب القضاء- انتهى. وقال ابن عابدين: أعلم أن نفس اختلاف المطلع لا نزاع فيه بمعنى أنه قد يكون بين البلدتين بعد بحيث يطلع الهلال ليلة كذا في إحدى البلدتين دون الأخرى وكذا مطالع الشمس، لأن انفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين وغروب لبعض، ونصف ليل لغيرهم كما في الزيلعي. وقدر البعد الذي تختلف فيه المطالع مسيرة شهر فأكثر على ما في القهستاني عن الجواهر، وإنما الخلاف في اعتبار المطالع بمعنى أنه هل يجب على كل قوم مطلعهم ولا يلزم أحداً العمل بمطلع غيره أم لا يعتبر اختلافها، بل يجب العمل بالأسبق رؤية حتى لو رؤى في المغرب ليلة الجمعة، وفي المشرق ليلة السبت، وجب على أهل المشرق العمل بما رآه أهل المغرب. فقيل: بالأول واعتمده الزيلعي وصاحب الفيض وهو الصحيح عند الشافعية، لأن كل قوم مخاطبون بما عندهم كما في أوقات الصلاة وأيده في الدرر بما مر من عدم وجوب العشاء والوتر على فاقد وقتهما، وظاهر الرواية الثاني وهو المعتمد عندنا وعند المالكية والحنابلة لتعلق الخطاب عاماً بمطلق الرؤية في حديث صوموا لرؤيته بخلاف أوقات الصلاة - انتهى. قلت: لا مناص من اعتبار اختلاف المطالع في باب الصوم أيضاً وقد أضطر إلى الاعتراف به صاحب فتح الملهم حيث قال: بعد تقوية مذهب عامة الحنفية أي القول بعدم اعتباره ما لفظه، نعم! ينبغي أن يعتبر اختلافها إن لزم منه التفاوت بين البلدتين بأكثر من يوم واحد، لأن النصوص مصرحة بكون الشهر تسعة وعشرين أو ثلاثين فلا تقبل الشهادة ولا يعمل بها فيما دون أقل العدد ولا في أزيد من أكثره - انتهى. وقال صاحب العرف الشذى: في عامة كتبنا أنه لا عبرة لاختلاف المطالع في الصوم. وأما في فطر كل يوم والصلوات الخمس (وكذا الحج والأضحية) فيعتبر اختلاف المطالع. وقال الزيلعي. شارح الكنز. إن عدم عبرة اختلاف المطالع إنما هو في البلاد المتقاربة لا النائية. وقال كذلك في تجريد القدوري وقال به الجرجاني. أقول لا بد من تسليم قول الزيلعي وإلا فيلزم وقوع العيد يوم السابع والعشرين، أو الثامن والعشرين، أو الحادي والثلاثين أو الثاني والثلاثين. فإن هلال بلاد قسطنطينية ربما يتقدم على هلالنا بيومين فإذا صمنا على هلالنا ثم بلغنا رؤية هلال بلاد قسطنطينة يلزم تقديم العيد،

ص: 427

.................................

ــ

أو يلزم تأخير العيد. إذا صام رجل من بلاد قسطنطينية ثم جاءنا قبل العيد- انتهى. وقال في حاشية شرح الإقناع من فروع الشافعية: وتثبت رؤيته في حق من لم يره ممن مطلعه موافق مطلع محل الرؤية بأن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في البلدين في وقت واحد، فإن غرب شيء من ذلك أو طلع في أحد البلدين قبله في الآخر لم يجب على من لم يره برؤية البلد الآخر وهذا أمر مرجعه إلى طول البلد وعرضها، سواء قربت المسافة أو بعدت. نعم! متى حصلت الرؤية للبلد الشرقي لزم رؤيته في البلد الغربي دون عكسه. كما في مكة المشرفة ومصر، فيلزم من رؤيته بمكة في مصر لا عكسه. لأن رؤية الهلال من أفراد الغروب - انتهى. قلت: قد استدل من اعتبر اختلاف المطالع في باب الصوم بما روى أحمد ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وغيرهم عن كريب إن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقال رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النووي: هذا الحديث ظاهر الدلالة على أنهم إذا رأوا، الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم. قال: وقال بعض أصحابنا تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض، وعلى هذا إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة فلا تثبت بواحد لكن ظاهر حديثه إنه لم يرده لهذا أو إنما رده، لأن الرؤية لا يثبت حكمها في حق البعيد - انتهى. وقال السندي في حاشية النسائي: قوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن المراد به أنه أمرنا أن لا نقبل شهادة الواحد في حق الإفطار أو أمرنا أن نعتمد على رؤية أهل بلدنا ولا نعتمد على رؤية غيرهم، وإلى المعنى الثاني تميل ترجمة المصنف "اختلاف أهل الآفاق في الرؤية" وغيره (كالترمذي وأبي داود والمجد بن تيمية) لكن المعنى الأول محتمل فلا يستقيم الاستدلال وكأنهم رأوا أن المتبادر هو الاحتمال الثاني فبنوا عليه الاستدلال والله تعالى أعلم. وأطال الشوكاني الكلام في الجواب عن هذا الاستدلال، وتعقبه بوجوه من شاء الوقوف عليها رجع إلى النيل، وقد ذكر كلامه شيخنا في شرح الترمذي وسكت عليه، وعندي كلام الشوكاني مبني على التحامل يرده ظاهر سياق الحديث. والشام في جهة الشمالية من المدينة مائلاً إلى المشرق وبينهما قريب من سبعمائة ميل، فالظاهر إن ابن عباس رضي الله عنه إنما لم يعتمد على رؤية أهل الشام، واعتبر اختلاف المطالع لأجل هذا البعد الشاسع. واختلف القائلون باعتبار اختلاف المطالع في تحديد المسافة التي يعتبر فيها اختلاف المطالع وأكثر الفقهاء على أنها مسيرة شهر كما تقدم، وفي تحديد هذه المسافة بالميل إشكال لا يخفى وينبغي أن يرجع لذلك إلى علم الهيئة الجديدة ويعتمد على الجغرافيا الحديثة. وقد قالوا: إن كان الهلال في بلد على ارتفاع ثمان درجات من الأفق عند الغروب

ص: 428

ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم

ــ

الشمس يعني إن كان ارتفاعه من الأفق عند غروبها بحيث أنه لا يغرب إلا في اثنتين وثلاثين دقيقة فلا بد أن يكون فوق الأفق في جميع البلاد الشرقية إلى خمس مائة ميل وستين ميلاً من ذلك البلد، ويرى في جميع هذه البلاد الشرقية الكائنة في هذه المسافة الطويلة لولا المانع من الغيم والقتر ونحوهما قالوا: يزيد أو ينقص درجة واحدة على كل سبعين ميلاً فيكون الهلال على ارتفاع سبع درجات في موضع هو على سبعين ميلاً في المشرق من بلد الرؤية، وعلى تسع درجات في موضع هو على سبعين ميلاً في المغرب من بلد الرؤية، فإذا حصلت رؤية الهلال في بلد وثبتت يكون تحقق الرؤية في البلاد الواقعة في المغرب من ذلك البلد من مسلمات علم الهيئة. وقد ظهر بهذا أن الهلال إذا رؤى في بلد عربي ينبغي أن تعتبر هذه الرؤية إلى خمس مائة ميل وستين ميلاً في جهة المشرق من ذلك البلد، وأما في البلاد الغربية منه فتعتبر مطلقاً أي من غير تقييد بمسافة معينة والله تعالى أعلم (ولا تفطروا) أي من صومه (حتى تروه) أي هلال شوال. قال الحافظ: استدل بالحديث على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده وإن لم يثبت بقوله وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم. واختلفوا في الفطر. فقال الشافعي: يفطر ويخفيه أي لئلا يتهم. وقال الأكثر يستمر صائماً احتياطاً - انتهى. وقال في المغنى: (ج3 ص160) ولا يفطر إذ رآه وحده، وروى هذا عن مالك والليث. وقال الشافعي: يحل له أن يأكل حيث لا يراه أحد لأنه تيقنه من شوال فجاز له الأكل كما لو قامت به بينة. ولنا ما روى أبورجاء عن أبي قلابة أن رجلين قدما المدينة، وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صياماً فأتيا عمر فذكرا ذلك له فقال: لأحدهما أصائم أنت؟ قال: بل مفطر، قال ما حملك على هذا قال لم أكن لأصوم، وقد رأيت الهلال. وقال: للآخر، قال أنا صائم ما حملك على هذا. قال: لم أكن لأفطر والناس صيام فقال للذي أفطر لولا مكان هذا لأوجعت رأسك ثم نودي في الناس أن أخرجوا، أخرجه سعيد بن منصور عن ابن علية عن أيوب عن أبي رجاء. وإنما أراد ضربه لإفطاره برؤيته، ودفع عنه الضرب لكمال الشهادة به وبصاحبه ولو جاز له الفطر لما أنكر عليه ولا توعده. وقالت عائشة: إنما يفطر يوم يفطر الإمام وجماعة المسلمين ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما فكان إجماعاً، ولأنه يوم محكوم به رمضان فلم يجز الفطر فيه كاليوم الذي قبله، وفارق ما إذا قامت البينة فإنه محكوم به من شوال بخلاف مسألتنا، وقولهم إنه تيقن أنه من شوال. قلنا لا يثبت اليقين لأنه يحتمل أن يكون الرائي خيل إليه. كما روى أن رجلاً في زمن عمر قال لقد رأيت الهلال فقال له أمسح عينك فمسحها ثم قال له تراه قال لا، قال لعل شعرة من حاجبتك تقوست على عينك فظننتها هلالاً أو ما هذا معناه - انتهى. وقال الحنفية: يصوم في الصورتين احتياطاً كما في الهداية. قلت: يؤيد قول الجمهور ما روى عن عائشة مرفوعاً الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس أخرجه الترمذي وصححه والدارقطني. وقال الصواب وقفه (فإن غم عليكم) بضم المعجمة وتشديد الميم أي غطى الهلال في ليلة الثلاثين. قال الجزري في النهاية: يقال

ص: 429

فاقدروا له،

ــ

غم علينا الهلال إذا حال دون رؤيته غيم أو نحوه من غممت الشيء إذا غطيته وفي غم ضمير الهلال، ويجوز أن يكون غم مسنداً إلى الظروف أي الجار والمجرور أي فإن كنتم مغموماً فأكملوا العدة - انتهى. وهذا لفظ البخاري، وعند مسلم أغمي عليكم. قال الحافظ: أغمى وغم وغمي بتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم الكل بمعنى. وقال الجزري في جامع الأصول (ج7 ص538) يقال غُمَّ الهلال واُغمِيّ وغُمِّيَ إذ أغطاه شيء من غيم أو غيره فلم يظهر- انتهى. وقال ابن العربي: بناء غم للستر والتغطية ومنه الغم فإنه يغطى القلب عن استرساله في آماله ومنه الغمام وهي السحابة (فاقدروا له) بهمزة الوصل وضم الدال وكسرها. قال الشوكاني قال أهل اللغة: يقال قدرت الشيء أقدره وأقُدره بكسر الدال وضمها وقدرته وأقدرته كلها بمعنى واحد وهي من التقدير. وقال الجزري في جامع الأصول. يقال: قَدَرْتُ الأمر أقُدره وأُقَدِّره إذا نظرت فيه ودبرته، والمعنى قدروا عدد الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوماً. وقال الخطابي في المعالم: معناه التقدير له بإكمال العدد ثلاثين يقال قدرت الشيء أقدره قدراً بمعنى قدّرته تقديراً ومنه قوله تعالى: {فقدرنا فنعم القادرون} [المرسلات:23]- انتهى. واختلف في معنى هذا اللفظ على ثلاثة أقوال. الأول إن معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوماً أي أقدروا عدد الشهر الذي كنتم فيه ثلاثين يوماً يعني أنظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يوماً كما جاء مفسراً في الرواية اللاحقة، وفي حديث أبي هريرة الذي يليها، ولذا أخرهما المؤلف لأنهما مفسران وأولى ما فسر الحديث بالحديث. وهذا مذهب الجمهور كما تقدم في كلام الحافظ. وقال العيني: وهو مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب، منهم مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبوحنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد ومن قاله بقوله – انتهى. الثاني إن معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب. قال ابن قدامة:(ج3 ص90) معنى قوله أقدروا له أي ضيقوا له العدد من قوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق:7] أي ضيق عليه وقوله ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً. وقد فسره ابن عمر بفعله (يعني لأنه كان يصوم ذلك اليوم) وهو راويه. وأعلم بمعناه - انتهى. واختار هذا التفسير أكثر الحنابلة وغيرهم ممن يجوز الصوم يوم ليلة الغيم عن رمضان كما في المغنى (ج3 ص89) ويكفي في رد ذلك الأحاديث المفسرة المبينة والروايات المصرحة بالثلاثين وقد سردها الولي العراقي (ج4 ص106، 109) والعيني (ج10 ص272) وأشار إلى بعضها الحافظ كما سيأتي وفعل ابن عمر اجتهاد منه مخالف لأحاديث إكمال العدة ثلاثين يوماً. الثالث معناه فاقدروه بحساب المنازل قاله أبوالعباس بن سريج من الشافعية ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة. قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأو صح ما وجب إتباعه عليه لشذوذه فيه ولمخالفة الحجة له وأما ابن قتيبة فلا يعرج إليه في مثل هذا. ونقل

ص: 430

وفي رواية قال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) . متفق عليه.

ــ

ابن العربي عن ابن سريج إن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله تعالى بهذا العلم وإن قوله فأكملوا العدة خطاب للعامة. قال ابن العربي: فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد قال وهذا بعيد عن النبلاء وبسط الكلام في الرد على هذا القول. قال المازري: احتج من قال معناه بحساب المنجمين بقوله تعالى: {وبالنجم هم يهتدون} [النحل:17] والآية عند الجمهور محمولة على الاهتداء في السير في البر والبحر. قال النووي: عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت - انتهى. قلت: ويرد هذا القول حديث ابن عمر الآتي إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وقوله صلى الله عليه وسلم بالخطاب العام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وقوله في نفس الحديث لا تصوموا حتى تروه (وفي رواية قال الشهر تسع وعشرون ليلة) ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين. وأجيب بما قال الخطابي في المعالم: (ج2 ص93) يريد أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين وليس يريد أن كل شهر تسعة وعشرون. وإنما احتاج إلى بيان ما كان موهوماً أن يخفى عليهم لأن الشهر في العرف وغالب العادة ثلاثون، فوجب أن يكون البيان فيه مصروفاً إلى النادر دون المعروف منه - انتهى. وقال الحافظ: واللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين أخرجه أبوداود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد. ويؤيد قول الخطابي قوله في حديث أم سلمة في الإيلاء إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوماً. وقال ابن العربي: قوله الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعة وعشرين وهو أقلة ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطاً ولا تقتصروا على الأقل تخفيفاً ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله - انتهى. وفيه حث على طلب الهلال ليلة الثلاثين وتنبيه على ترائية لتسع وعشرين (فلا تصوموا) أي على قصد رمضان (حتى تروه) أي هلاله (فإن غم) أي هلاله (عليكم) بغيم ونحوه (فأكملوا) أي أتموا (العدة) مفعول به أي عدة شعبان كما في حديث أبي هريرة الآتي (ثلاثين) أي يوماً وهو منصوب على الظرف. وقيل: التقدير أكملوا هذه العدة وثلاثين بدل منه بدل الكل كذا في المرقاة (متفق عليه) الرواية الأولى أخرجها الشيخان وأخرجها أيضاً أحمد (ج2 ص63) ومالك والنسائي والدارمي والبيهقي والرواية الثانية تفرد بها البخاري وأخرجها مسلم وأحمد (ج2 ص5، 13) ومالك أيضاً وأبوداود والبيهقي والدارمي. وقالوا: فإن غم عليكم فاقدروا له. ورواها الدارقطني وقال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين. والحديث أخرجه

ص: 431

1990-

(2) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم

ــ

ابن ماجه والحاكم أيضاً. قال الحافظ: حديث ابن عمر اتفق الرواة عن مالك عن نافع فيه على قوله فاقدروا له، وجاء من وجه آخر عن نافع بلفظ: فاقدروا ثلاثين كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع. قال عبد الرزاق: وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع. وقال: فعدوا ثلاثين واتفق الرواة عن مالك عن عبد الله بن دينار أيضاً فيه على قوله فاقدروا له، وكذلك رواه الزعفراني وغيره عن الشافعي وكذا رواه إسحاق الحربي وغيره في الموطأ عن القعنبي، وأخرجه الربيع بن سليمان والمزني عن الشافعي فقال فيه كما قاله البخاري هنا عن القعنبي، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. قال البيهقي في المعرفة:(وفي السنن الكبرى ج4 ص205) إن كانت رواية الشافعي والقعنبي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك، قد رواه على الوجهين. قلت:(قائلة الحافظ) ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي أيضاً من طريق سالم عن ابن عمر بتعيين الثلاثين، ومنها ما رواه ابن خزيمة من طريق عاصم ابن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ: فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين، وله شواهد من حديث حذيفة عند ابن خزيمة، وأبي هريرة وابن عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما، وعن أبي بكر وطلق بن علي عند البيهقي وأخرجه من طرق عنهم وعن غيرهم- انتهى كلام الحافظ.

1990-

قوله: (صوموا) أي أنووا الصيام وبيتوا على ذلك أو صوموا إذا دخل وقت الصوم وهو من فجر الغد (لرؤيته) أي لأجل رؤية الهلال فاللام للتعليل ولا يلزم تقديم الصوم على الرؤية كما زعمت الروافض كما لا يقتضي قوله أكرم زيداً لدخوله تقديم الإكرام على الدخول، والضمير للهلال وإن لم يسبق له ذكر لدلالة السياق عليه على حد قوله حتى توارت بالحجاب. وقيل: اللام للتوقيت كهي في قوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء:78] أي وقت دلوكها. وفيه أن الصوم بعد الرؤية بزمان طويل يتحقق، وأن الإقامة بعد تحقق الدلوك فلا جامع بينهما وفيه أيضاً إنه لا بد حينئذٍ من احتمال تجوز، وخروج عن الحقيقة لأن وقت الرؤية وهو الليل ليس محلاً للصوم. وأجيب عن هذا بأن المراد بقوله صوموا أي أنووا الصيام والليل كله ظرف للنية - انتهى. وفيه نظر لأن فيه المجاز الذي فر منه لأن الناوي ليس صائماً حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر. وقال ابن مالك وابن هشام: اللام في الآية والحديث بمعنى بعد أي بعد زوالها وبعد رؤية الهلال (وأفطروا) أي اجعلوا عيد الفطر (لرؤيته) أي لأجلها أو بعدها أو وقتها (فإن غم عليكم) قال الحافظ: وقع في حديث أبي هريرة من طريق المستملى فإن غم أي بضم المعجمة

ص: 432

فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) .

ــ

وتشديد الميم ومن طريق الكشمهيني أغمى ومن رواية السرخسي غبي بفتح الغين المعجمة وتخفيف الموحدة وأغمى وغم وغمى بتشديد الميم وتخفيفها وبضم المعجمة فيهما الكل بمعنى. وأما غبي فمأخوذ من الغباوة وهي عدم الفطنة وهي استعارة لخفاء الهلال. ونقل ابن العربي أنه روى عمى بالعين المهملة من العمى. قال وهو بمعناه لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات أو ذهاب البصيرة عن المعقولات- انتهى. وقال القسطلاني: غبى بضم المعجمة وتشديد الموحدة المكسورة مبنياً للمفعول وللحموي فإن غبي بفتح المعجمة وكسر الموحدة كعلم. وقال عياض: غبي بفتح الغين وتخفيف الباء لأبي ذر وعند القابسي بضم الغين وشد الباء المكسورة وكذا قيده الأصيلي والأول أبين، ومعناه خفي عليكم وهو من الغباوة وهو عدم الفطنة استعارة لخفاء الهلال وللكشمهيني أغمى بضم الهمزة مبنياً للمفعول من الإغماء يقال أغمي عليه الخبر إذا استعجم وللمستملي غم بضم المعجمة وتشديد الميم - انتهى. (فأكملوا عدة شعبان) أي أتموا عدده (ثلاثين) أي فكذا رمضان بطريق الأولى وفيه تصريح بأن عدة الثلاثين المأمور بها في حديث ابن عمر المتقدم تكون من شعبان، لكن قد وقع الاختلاف في هذه الزيادة فرواها البخاري كما ترى بلفظ: فأكملوا عدة شعبان ثلاثين، وهذا أصرح ما ورد في ذلك. وقد قيل: إن آدم شيخه انفرد بذلك. قال الإسماعيلي في صحيحه الذي أخرجه على البخاري تفرد به البخاري عن آدم عن شعبة فقال: فيه فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، وقد رويناه عن غندر وعبد الرحمن بن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر ابن شميل ويزيد بن هارون كلهم عن شعبة لم يذكر أحد منهم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً. وإنما قالوا فيه فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين. قال الإسماعيلي: فيجوز أن يكون آدم رواه على التفسير من عنده وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا اللفظ من رواه عنه وجه - انتهى. قال الحافظ في الفتح: الذي ظنه الإسماعيلي صحيح فقد رواه البيهقي (ج4 ص205) من طريق إبراهيم بن يزيد عن آدم بلفظ: فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً يعني عدوا شعباً ثلاثين (وكذا رواه الدارقطني من طريق علي بن داود عن آدم ص230) فوقع للبخاري إدراج التفسير في نفس الخبر ويؤيده رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين فإنه يشعر بأن المأمور بعدده هو شعبان. وقد رواه مسلم من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد بلفظ: فأكملوا العدد وهو يتناول كل شهر فدخل فيه شعبان وروى الدارقطني وصححه وابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً، ثم صام وأخرجه أبوداود وغيره أيضاً. وروى أبوداود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعى عن حذيفة مرفوعاً لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو

ص: 433

متفق عليه.

1991-

(3) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنا أمة أمية،

ــ

تكملوا العدة- انتهى. وقال صاحب التنقيح: أي ابن عبد الهادي المقدسي الحنبلي ما ذكره الإسماعيلي من أن آدم ابن أبي أياس يجوز أن يكون رواه على التفسير من عنده للخير فغير قادح في صحة الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يكون قال اللفظين هو ظاهر اللفظ، وأما أن يكون قال: أحدهما وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى فإن اللام في قوله"فأكملوا العدة" للعهد أي عدة الشهر والنبي عليه الصلاة والسلام لم يخص بالإكمال شهراً دون شهر، إذا غم فلا فرق بين شعبان وغيره إذ لو كان شعبان غير مراد من هذا الإكمال لبينه، لأن ذكر الإكمال عقيب قوله صوموا وأفطروا فشعبان وغيره مراد من قوله فأكملوا العدة فلا تكون رواية فأكملوا عدة شعبان مخالفة لرواية فأكملوا العدة بل مبينة لها. أحدهما: أطلق لفظاً يقتضي العموم في الشهر، والثاني ذكر فرداً من الأفراد قال ويشهد له حديث أخرجه أبوداود والترمذي (وأحمد والطحاوي والنسائي) عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً قال الترمذي: حديث حسن صحيح ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ورواه الطيالسي (ومن طريقه البيهقي) حدثنا أبوعوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة فأكملوا شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان. قال: وبالجملة فهذا الحديث نص في المسألة وهو صحيح كما قال الترمذي. قال: والذي دلت عليه الأحاديث في هذه المسألة وهو مقتضى القواعد إن كل شهر غم أكمل ثلاثين سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما وعلى هذا فقوله، فأكملوا العدة يرجع إلى الجملتين وهما قوله صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة أي غم عليكم في صومكم أو فطركم هذا هو الظاهر من اللفظ وباقي الأحاديث تدل على ذلك كقوله فإن غم عليكم فاقدروا له- انتهى. وذكر نحو ذلك الولي العراقي في طرح التثريب (ج4 ص108- 109)(متفق عليه) واللفظ للبخاري كما عرفت، ورواه مسلم بلفظ: فصوموا ثلاثين يوماً وفي رواية له فأكملوا العدد وفي أخرى فعدوا ثلاثين والحديث أخرجه أيضاً أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني والبيهقي.

1991-

قوله: (إنا) أي معاشر العرب. وقيل: أراد نفسه القدسية (أمة) أي جماعة. قال الجوهري: الأمة الجماعة. وقال الجزري: في جامع الأصول (ج7 ص539) الأمة الجيل من الناس (أمية) أي التي لا تكتب ولا تقرأ. قيل: هو منسوب إلى أمة العرب فإنهم غالباً لا يكتبون ولا يقرءون والكاتب فيهم نادر وقيل: منسوب إلى الأم لأن هذه صفة النساء غالباً أو باقون على الحالة التي ولدتنا عليها الأمهات لم نتعلم قراءة

ص: 434

لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة. ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين.

ــ

ولا كتابة أي فلذلك ما كلفنا الله تعالى بحساب أهل النجوم ولا بالشهور الشمسية الخفية بل كلفنا بالشهور القمرية الجلية لكنها مختلفة كما بين بالإشارة مرتين فالعبرة حينئذٍ للرؤية. وقيل: منسوب إلى أم القرى وهي مكة أي أنا أمة مكية (لا نكتب ولا نحسب) بضم السين من باب نصر، وهذا تفسير وبيان لكونهم أمة أمية أي لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فلم نكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة إنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة لائحة يستوي في معرفة الحُسّاب وغيرهم. قال الحافظ: قيل للعرب أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة قال الله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} [الجمعة:2] ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النذر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التيسير، واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً، ويوضحه قوله في الحديث الماضي فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ولم يقل فسلوا أهل الحساب. والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم، وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض، ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم. قال الباجي: وإجماع السلف الصالح حجة عليهم. وقال ابن بزيزة: هو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو أربط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل - انتهى. ثم تمم عليه الصلاة والسلام المعنى المذكور بإشارته بيده من غير لفظ إشارة يفهمها الأخرس والأعجمي (الشهر) مبتدأ (هكذا) مشار بها إلى نشر الأصابع العشر (وهكذا) ثانياً (وهكذا) ثالثاً خبره بالربط بعد العطف (وعقد الإبهام) أي أحد الإبهامين أو التقدير من إحدى اليدين أو إبهام اليمين على أن اللام عوض عن المضاف إليه (في الثالثة) أي في المرة الثالثة من فعله هكذا فصار الجملة تسعة وعشرين (ثم قال الشهر) أي تارة أخرى (هكذا وهكذا وهكذا) قال الطيبي: أي عقد الإبهام في المرة الأولى في الثالثة ليكون العدد تسعاً وعشرين، ولم يعقد الإبهام في المرة الثانية ليكون العدد ثلاثين. وقال الحافظ: أي أشار أولاً بأصابع يديه العشر جميعاً مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة، وهذا المعبر عنه بقوله (وفي الرواية الأخرى) تسع وعشرون. وأشار مرة أخرى بهما ثلاث مرات وهو المعبر عنه بقوله ثلاثون (يعني تمام الثلاثين) تفسير من الراوي لفعله عليه الصلاة والسلام هكذا وهكذا وهكذا في المرة الأخيرة. والتقدير قال الراوي يعني أي يريد صلى الله عليه وسلم بكونه هنا لم يعقد

ص: 435

يعني مرة تسعاً وعشرين، ومرة ثلاثين)) . متفق عليه.

1992-

(4) وعن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شهرا عيد لا ينقصان

ــ

الإبهام تمام الثلاثين، ثم زاد البيان فبين الكيفية في المرتين جميعاً والتقدير قال الراوي أيضاً زيادة في الإيضاح تأسّياً به صلى الله عليه وسلم. (يعني) أي يريد صلى الله عليه وسلم بمجموع ما ذكره أن الشهر يكون (مرة تسعاً وعشرين ومرة ثلاثين) قال ابن حجر: وإنما بالغ في البيان بما ذكر مع الإشارة المذكورة ليبطل الرجوع إلى ما عليه الحساب والمنجمون وبه يبطل ما مر عن ابن سريج ومن وافقه - انتهى. قال ابن بطال: في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف ولا شك إن مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف. وفي الحديث مستدل لمن رأى الحكم بالإشارة المفهمة وأعمال أدلة الإيماء في النكاح والطلاق ونحوهما (متفق عليه) أي على أصل الحديث وإلا فقوله الشهر هكذا وهكذا إلى قوله تمام ثلاثين لفظ مسلم، ولفظ البخاري الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعاً وعشرين ومرة ثلاثين. قال الحافظ: هكذا ذكره آدم شيخ البخاري مختصراً، وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عن غندر ثم ذكر اللفظ المذكور عن مسلم وفي رواية للبخاري الشهر هكذا وهكذا وخنس الإبهام في الثالثة والمصنف تبع في ذلك البغوي فإنه ذكر في المصابيح كذلك ولا يخفى ما فيه والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص23، 52، 122و 129) وأبوداود والنسائي والبيهقي.

1992-

قوله: (شهرا عيد) أي شهر رمضان وشهر ذي الحجة وإنما سمي شهر رمضان شهر عيد بطريق المجاورة. قال السندي: عد شهر رمضان شهر عيد مع أن العيد بعده، والجواب أن المقارنة مجوزة للإضافة. وقال الحافظ: أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: المغرب وتر النهار. أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها (لا ينقصان) اختلف في معناه على أقوال فقيل: أي لا ينقصان في الفضيلة إن كانا تسعة وعشرين أو ثلاثين قاله إسحاق بن راهويه. والمراد أنه لا يكونان ناقصين في الثواب وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب. فثواب تسع وعشرين كثواب ثلاثين منهما، وحاصله أنه لا يتفاوت أجر ثلاثين وتسعة عشرين كأنه أراد سد أن يخطر ذلك في قلب أحد. قال النووي: الأصح إن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليها وإن نقص عددهما هذا هو الصواب المعتمد، والمعنى إن كل ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل، سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. قال الحافظ: ولا يخفى أن محل ذلك إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال، وفائدة

ص: 436

..................................

ــ

الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن صام تسعاً وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة، وقد استشكل بعض العلماء إمكان الوقوف في الثاني اجتهاداً وليس مشكلاً لأنه ربما ثبتت الرؤية بشاهدين لأن أول ذي الحجة الخميس مثلا فوقفوا يوم الجمعة ثم تبين أنهما شهدا زوراً - انتهى. وقال الكرماني: استشكل ذكر ذي الحجة لأنه إنما يقع الحج في العشر الأول منه فلا دخل لنقصان الشهر وتمامه، وأجيب بأنه مؤول بأن الزيادة والنقص إذا وقعا في ذي القعدة يلزم منهما نقص عشر ذي الحجة الأول أو زيادته فيقفون الثامن أو العشر فلا ينقص أجر وقوفهم عما لا غلط فيه ذكره القسطلاني. وقال الطيبي: ظاهر سياق الحديث في بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في سائرها ليس المراد أن ثواب الطاعة في سائرها قد ينقص دونهما فينبغي أن يحمل على الحكم ورفع الحرج والجناح عما عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيها، ومن ثم لم يقتصر على قوله رمضان وذو الحجة بل قال: شهرا عيد- انتهى. وقال الزين بن المنير: أقرب الأقوال إن المراد أن النقص الحسي باعتبار العدد ينجبر بأن كلا منهما شهر عيد عظيم فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من الشهور. قال الحافظ: وحاصله يرجع إلى تأييد قول إسحاق وقيل: معناه لا ينقصان معاً في سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب، وإن ندر وقوع ذلك. وحاصله إنهما غالباً لا يجتمعان في سنة واحدة على النقص، بل إن كان أحدهما ناقصاً كان الآخر وافياً، وهذا أكثري لا كلي فقد جاء وجودهما ناقصين معاً وقيل: معناه لا ينقصان في نفس الأمر لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع وهذا أشار إليه ابن حبان ولا يخفى بعده وقيل معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، وهذا حكاه ابن بزيزة ومن قبله أبوالوليد بن رشد، ونقله المحب الطبري عن أبي بكر بن فورك وقيل: المعنى لا ينقصان في الأحكام وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي، فقال: معنى لا ينقصان إن الأحكام فيهما وإن كانا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمها إذا كانا ثلاثين وقيل: المراد أنهما في الفضل سواء لقوله في الحديث الآخر: (ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة)، فالمعنى أنه لا ينقص ثواب العمل في أحدهما عن العمل في الآخر ويقرب منه ما ذكره الخطابي والتوربشتي من أنه أراد تفضيل العمل في عشر ذي الحجة وأنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان لأن فيه المناسك والعشر وقيل: المراد إن شهرا عيد لا ينقصان عند الله أجراً وثواباً بل الأجر والثواب فيهما على الأعمال دائماً على حد واحد لا يتفاوت ذلك بالسنين والأعوام مثلاً لأن رمضان أحياناً يكون في الشتاء، وأحياناً يكون في الصيف، وكذا الحجة الخ. فبين إن الأجر في الكل سواء، وفي الحديث حجة لمن قال أن الثواب ليس مرتباً

ص: 437

رمضان وذو الحجة)) . متفق عليه.

1993-

(5) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً، فليصم ذلك اليوم)) .

ــ

على وجود المشقة دائماً بل لله أن يتفضل بالحق الناقص بالتام في الثواب (رمضان وذوالحجة) بدلان أو بيانان أو هما خبر مبتدأ محذوف أي أحدهما رمضان، والآخر ذوالحجة (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص38و47- 48، 51) وأبوداود والترمذي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي.

1993-

قوله: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم) الخ وعند الإسماعيلي (لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم) وفي رواية لأحمد (لا تقدموا قبل رمضان بصوم)، وللترمذي في رواية (لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله) . قال الحافظ: أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف. قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان. قال الترمذي: لما أخرجه العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول شهر رمضان لمعنى رمضان - انتهى. وقال السيوطي: في قوت المغتذي إنما نهى عن فعل ذلك لئلا يصوم احتياطاً لاحتمال أن يكون من رمضان وهو معنى قول الترمذي لمعنى رمضان وإنما ذكر اليومين لأنه قد يحصل الشك في يومين بحصول الغيم والظلمة في شهرين أو ثلاثة فلذا عقب ذكر اليوم باليومين - انتهى. قلت: وعندي في تقييد هذا النهي بنية الاحتياط لرمضان نظر كما سيأتي (إلا أن يكون رجل) كان تامة أي إلا أن يوجد رجل قاله الحافظ (كان يصوم صوماً) أي نفلاً معتاداً كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي وفي رواية الكشمهيني يصوم صومه (فليصم ذلك اليوم) أي ذلك الوقت فإنه مأذون له فيه وللترمذي، وفي رواية إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم وفي رواية للنسائي إن رجل كان يصوم صياماً أتى ذلك اليوم على صيامه، يعني آتى يوم عادته مع صيام رمضان متصلاً به وفي رواية لأحمد إلا رجل كان يصوم صياماً فليصله به. قال الخطابي: معنى الاستثناء أن يكون قد اعتاد صوم الاثنين والخميس (مثلاً) فيوافق صوم اليوم المعتاد فيصومه ولا يتعمد صومه إن لم تكن له عادة قال السندي: قوله (لا يتقدمن أحدكم رمضان) الخ أي لا يستقبلنه بصوم يوم أو يومين (يعني تعظيم لرمضان) وحمله كثير من العلماء على أن بنية رمضان أو لتكثير عدد صيامه أو لزيادة احتياطه بأمر رمضان أو على صوم يوم الشك ولا يخفى إن قوله أو يومين لا يناسب الحمل على صوم الشك إذ لا يقع الشك عادة في يومين والاستثناء بقوله (إلا أن يكون رجل) الخ لا يناسب التأويلات الأول إذ لازمه جواز صوم يوم أو يومين قبل رمضان لمن يعتاده بنية رمضان مثلاً وهذا فاسد. والوجه أن يحمل النهي

ص: 438

......................................

ــ

على الدوام أي لا تداوموا على التقدم لما فيه من إبهام لحوق هذا الصوم برمضان إلا لمن يعتاد المداومة على صوم آخر الشهر مثلاً فإنه لو داوم عليه لا يتوهم في صومه اللحوق برمضان والله تعالى أعلم. انتهى كلام السندي. وقال الأمير اليماني: الحديث دليل على تحريم صوم يوم أو يومين قبل رمضان. ثم ذكر كلام الترمذي المتقدم ثم قال وقوله لمعنى رمضان تقييد للنهي بأنه مشروط بكون الصوم احتياطاً، لا، لو كان الصوم صوماً مطلقاً كالنفل المطلق والنذر ونحوه، قلت:(قائله الأمير اليماني) ولا يخفى أنه بعد هذا التقييد يلزم منه جواز تقدم رمضان بأي صوم كان وهو خلاف ظاهر النهي فإنه عام لم يستثن منه إلا صوم من اعتاد صوم أيام معلومة ووافق ذلك آخر يوم من شعبان، ولو أراد صلى الله عليه وسلم الصوم المقيد بما ذكر لقال إلا متنفلاً أو نحوه هذا اللفظ، وإنما نهى عن تقدم رمضان لأن الشارع قد علق الدخول في صوم رمضان برؤية هلاله فالمتقدم عليه مخالف للنص أمراً ونهياً _ انتهى. وقال الحافظ: وفي الحديث رد على من قال بجواز صوم النفل المطلق وأبعد من قال المراد بالنهي التقدم بنية رمضان واستدل بلفظ التقدم لأن التقدم على الشيء بالشيء إنما يتحقق إذا كان من جنسه فعلى هذا يجوز الصيام بنية النفل المطلق لكن السياق يأبى هذا التأويل ويدفعه - انتهى. وقد اختلف في الحكمة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين فقيل: هي الخوف من أن يزاد في رمضان ما ليس منه كما نهى عن صيام يوم العيد لذلك حذراً مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم وقيل: هي التقوى على صيام رمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط فإن مواصله الصيام تضعف عن صيام الفرض، وفيه نظر لأن مقتضى الحديث إنه لو تقدمه بصوم ثلاثة أيام فصاعداً جاز وسنذكر ما فيه. وقيل: الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر أيضاً لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث. وقيل لزوم التقدم بين يدي الله ورسوله، فإنه عليه الصلاة والسلام قد علق الصوم بالرؤية فهو كالعلة للحكم فمن تقدمه بصوم يوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم. قال الحافظ: وهذا هو المعتمد. ومعنى الاستثناء إن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه، وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما. قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظني. وفي الحديث إبطال لما يفعله الرافضة والباطنية من تقدم الصوم بيوم أو يومين قبل رؤية هلال رمضان، وزعمهم إن اللام في قوله (صوموا لرؤيته) في معنى مستقبلين لها، وذلك لأن الحديث يفيد أن اللام لا يصح حملها على هذا المعنى وإن وردت له في مواضع. ومفهوم الحديث جواز الصوم إذا كان التقدم بأكثر من يومين. وقيل: يمتد المنع لما قبل ذلك، وبه قطع

ص: 439