الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن البلاء لا يتخطاها)) رواه رزين.
(6) باب فضل الصدقة
{الفصل الأول}
1903-
(1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدق بعدل تمرة
ــ
مجمع الزوائد (ج3 ص110) والترغيب للمنذري واللآلي للسيوطي عزوا للطبراني. باكروا بالصدقة مكان بادروا أي سارعوا بها (فإن البلاء لا يتخطاها) أي لا يجاوزها يعني لا يلحق صاحبها. قال القاري: أي لا يتجاوزها بل يقف دونها أو يرجع عنها. قال الطيبي: تعليل للأمر بالمبادرة وهو تمثيل. قيل: جعلت الصدقة والبلاء كفرسي رهان، فأيهما سبق لم يلحقه الآخر ولم يخطه، والتخطي تفعل من الخطو- انتهى. قال الطيبي: والأولى إنه جعل الصدقة ستراً وحجاباً بين يدي المتصدق، ولا يتخطاها البلاء حتى يصل إليه (رواه رزين) قد تقدم إن هذا الحديث عزاه الهيثمي والمنذري والسيوطي للطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: فيه عيسى بن عبد الله بن محمد وهو ضعيف. وقال المنذري: رواه الطبراني وذكره رزين في جامعه وليس في شيء من الأصول وكذا قال الشيخ محمد طاهر الفتني في تذكرة الموضوعات (ص64) وللحديث طريق آخر أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي وأبوالشيخ في الثواب، والبيهقي من حديث أنس. قال ابن الجوزي في موضوعاته فيه أبويوسف لا يعرف وبشر بن عبيد منكر الحديث وتعقبه السيوطي. فقال أبويوسف: هو القاضي المشهور صاحب أبي حنيفة، وبشر ابن عبيد ذكره ابن حبان في الثقات، وله شاهد من حديث على أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف. وقال البيهقي في السنن الكبرى:(ج4 ص189) بعد روايته من طريق يحيى بن سعيد عن المختار ابن فلفل عن أنس هذا موقوف، وكان في كتاب شيخنا أبي نصر أحمد علي الفامي مرفوعاً، وهو وهم وروى عن أبي يوسف القاضي عن المختار بن فلفل عن أنس مرفوعاً - انتهى.
(باب فضل الصدقة) هي ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، واجباً كان أو تطوعاً. سميت بذلك؛ لأنها تنبيء عن صدق رغبة صاحبها في مراتب الجنان أو تدل على تحقيق تصديق صاحبها في إظهار الإيمان.
1903-
قوله: (من تصدق بعد تمرة) بسكون الميم والعدل عند الجمهور بفتح العين المثل، وبالكسر الحمل بكسر الحاء أي بقيمة تمرة. وقال الفراء: العدل بالفتح المثل من غير جنسه، وبالكسر من جنسه. وقيل: بالعكس وقيل: بالفتح مثله في القيمة وبالكسر في النظر وأنكر البصريون هذه التفرقة. وقال الكسائي: هما بمعنى كما إن لفظ
من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها
ــ
المثل لا يختلف وضبط في هذه الرواية للأكثر بالفتح قاله الحافظ (من كسب) أي صناعة أو تجارة أو زراعة أو غيرها ولو إرثاً وهبة. قال الحافظ: معنى الكسب المكسوب، والمراد به ما هو أعم من تعاطى التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث، وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال (طيب) أي حلال، وقد يطلق على المستلذ بالطبع، والمراد هنا هو الحلال. وقال القرطبي: أصل الطيب المستلذ بالطبع، ثم أطلق على المطلق بالشرع وهو الحلال (ولا يقبل الله إلا الطيب) جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله، وفيه دليل على أن غير الحلال مقبول. قال السندي: هذه جملة معترضة لبيان أنه لا ثواب في غير الطيب لا أن ثوابه دون هذا الثواب إذ قد يتوهم من التقييد إنه شرط لهذا الثواب بخصوصه، لا لمطلق الثواب، فمطلق الثواب يكون بدونه أيضاً فذكرت هذه الجملة دفعاً لهذا التوهم، ومعنى عدم قبوله إنه لا يثيب عليه ولا يرضى به انتهى. قال القرطبي: وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام؛ لأنه غير مملوك للمصدق وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه. فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأموراً ومنهياً من وجه واحد، وهو محال - انتهى. (فإن الله يتقبلها بيمينه) قيل: هو كناية عن حسن القبول ووقوعها منه عزوجل موقع الرضا، وذكر اليمين للتشريف والتعظيم وكلتا يدي الرحمن يمين. قال المازري: هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة بأخذها باليمين وعن تضعيف أجرها بالتربية. وقال عياض: لما كان الشيء الذي يرتضي ويعز يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضا كما قال الشاعر:
إذا ما رأية رفعت لمجد تلقاه عرابة باليمين
وقال الزين بن المنير: الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان، وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه، لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة - انتهى. قلت: الحق في هذا وأمثاله من أحاديث الصفات هو ما روى عن السلف أن يؤمن المرأ به كما جاء ويجزيه على ظاهره، ولا يتعرض له، بتأويل وتفسير ولا تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل، بل يكل علمه ويفوض كيفه إلى العليم الخبير. قال الترمذي في جامعه: قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيهاً، ولا نقول كيف هكذا. روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم أنهم قالوا: في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف، وأنكرت الجهمية هذه الروايات - انتهى. (ثم يربيها) التربية كناية عن الزيادة أي يزيدها ويعظمها حتى تثقل في الميزان (لصاحبها) أي لصاحب الصدقة أو تلك التمرة
كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل)) . متفق عليه.
1904 -
(2) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله
ــ
وفي رواية لصاحبه أي لصاحب المال، والأول أنسب بما قبلها (كما يربي أحدكم فلوه) بفتح الفاء وضم اللام وفتح الواو المشددة المهر، وهو ولد الفرس حين يفلي أي يفطم، وهو حينئذٍ يحتاج إلى تربية غير الأم. وقيل: هو كل فطيم من ذات حافر، والجمع أفلاء كعدو وأعداء، وقال أبوزيد: إذا فتحت الفاء شددت الواو، وإذا كسرتها سكنت اللام كجرو، وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة. فإن صاحب النتاج لا يزال يتعاهده ويتولى تربيته، ولأن الصدقة نتاج عمله وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيماً، فإذا أحسن القيام والعناية به انتهى إلى حد الكمال وكذلك عمل ابن آدم لاسيما الصدقة التي يجاذبها الشح، ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء ويكدرها الطبع فلا تكاد تخلص إلى الله إلا موسومة بنقايص لا يجبرها إلا نظر الرحمن. فإذا تصدق العبد من كسب طيب مستعد للقبول فتح دونها باب الرحمة فلا يزال نظر الله يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى ينتهي بالتضعيف إلى نصاب يقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل، وقوع المناسبة بين التمرة والجبل كذا قال التوربشتي. (حتى تكون) بالتأنيث أي الصدقة أو ثوابها أو تلك التمرة (مثل الجبل) أي في الثقل وفي رواية لمسلم: حتى تكون أعظم من الجبل، ولابن جرير: حتى يوافي بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد يعني التمرة، وهي عند الترمذي بلفظ: حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد. قال الحافظ: والظاهر إن المراد بعظمها إن عينها تعظم لتثقل في الميزان، ويحتمل أن يكون ذلك معبراً به عن ثوابها (متفق عليه) وأخرجه أحمد في عشرة مواضع والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي وأبوعوانة، ورواه مالك عن سعيد بن يسار مرسلاً لم يذكر أباهريرة.
1904-
قوله: (ما نقصت صدقة)"ما" نافية و "من" في قوله (من مال) زائدة أو تبعيضية أو بيانه أي ما نقصت صدقة مالاً أو بعض مال أو شيئاً من مال، بل تزيد إضعاف ما يعطي منه، بأن ينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية أو بالعطية الجلية في الدنيا أو بالمثوبة العلية المرتبة عليه في الآخرة. (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) يعني لو ظلم أحد أحداً، ويقدر المظلوم على الانتقام عن الظالم فيعفو عنه يزيد الله عزاه في الدنيا، بسبب هذا العفو. فإن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزه وإكرامه. أو المراد يزيد عزه في الآخرة بأن يعظم ثوابة وأجره هناك، أو المراد في الدنيا والآخرة جميعاً (وما تواضع أحد لله) بأن أنزل نفسه
إلا رفعه الله)) . رواه مسلم.
1905 -
(3) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنفق زوجين من شيء من
الأشياء في سبيل الله، دعي من أبواب الجنة،
ــ
عن مرتبة يستحقها لرجاء التقرب إلى الله دون غرض غيره (إلا رفعه الله) أما في الدنيا بأن يثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه عند الناس ويجل مكانه أو في الآخرة بأن يرفع درجته وثوابه فيها بتواضعه في الدنيا أو المراد رفعه في الدنيا والآخرة جميعاً. قال الطيبي: من جبلة الإنسان الشح ومتابعة السبعية من إيثار الغضب والانتقام والاسترسال في الكبر الذي هو من نتائج الشيطانية، فأراد الله تعالى أن يقلعها من سنخها فحث أولاً على الصدقة ليتحلى بالسخاء والكرم، وثانياً على العفو ليتعزز بعزم الحلم والوقار، وثالثاً على التواضع ليرفع درجته في الدارين - انتهى. (رواه مسلم) في البر والصلة والأدب وأخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص235) والترمذي في البر والصلة، والبيهقي في الزكاة وأخرجه مالك مرسلاً.
1905-
قوله: (من أنفق زوجين) أي شيئين (من شيء من الأشياء) أي من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد، وقد جاء مفسراً مرفوعاً بعيرين شاتين حمارين درهمين. قال الحافظ: الزوج يطلق على الواحد وعلى الاثنين وهو ههنا على الواحد جزماً. وقال في مجمع البحار: الزوج خلاف الفرد، وأراد أن يشفع كل ما يشفع من شيء بمثله إن كان دراهم فدرهمين أو دنانير فدينارين وكذا سلاحاً وغيره. قيل: ويحتمل أن يراد ي به تكرار الإنفاق مرة بعد مرة ففسر الإنفاق بما ينفقه، لأنه إذا أنفق درهماً في سبيل الله ثم عاد فأنفق آخر يصير زوجين. ومعنى كلام الإنفاق بعد الإنفاق أي يتعود ذلك ويتخذه دأباً. وقال القاضي قال الهروي: في تفسير هذا الحديث قيل: وما زوجان قال: فرسان أو عبدان أو بعيران. وقال ابن عرفة: كل شيء قرن بصاحبه فهو زوج يقال: زوجت بين الإبل إذا قرنت بعيراً ببعير. وقيل: درهم ودينار أو درهم وثوب. قال: والزوج يقع على الإثنين ويقع على الواحد وقيل: إنما يقع على الواحد إذا كان معه آخر، ويقع الزوج أيضاً على الصنف. وفسر بقوله تعالى:{وكنتم أزواجاً ثلاثة} [الواقعة: 7] والمطلوب تشفيع صدقة بأخرى والتنبيه على فضل الصدقة والنفقة في الطاعة الاستكثار منها وقال ابن الأثير: الأصل في الزوج الصنف والنوع من كل شيء، وكل شيئين مقترنين شكلين كانا أو صنفين فهما زوجان، وكل واحد منهما زوج، يريد من أنفق صنفين من ماله في سبيل الله (في سبيل الله) أي في طلب ثواب الله، وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات. وقيل: المراد به الجهاد خاصة وأول أصح وأظهر كذا قال القاضي عياض. (دعي) بضم الدال أي نودي، وقد ورد بيان الداعي من وجه آخر ولفظه دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب أي قل هلم أي خزنة كل باب فهو من المقلوب (من أبواب الجنة) كذا في جميع
وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة،
ــ
النسخ مقتصراً عليه، وهكذا وقع في المصابيح. وفي الصحيحين بعد هذا يا عبد الله! هذا خير. قيل معناه: لك هنا خير وثواب وغبطة. وقيل: معناه هذا الباب فيما نعتقده خير لك من غيره من الأبواب لكثرة ثوابه ونعيمه فتعال فادخل منه ولابد من تقدير ما ذكرناه إن كل مناد يعتقد ذلك الباب أفضل من غيره قاله النووي. وقال الحافظ: قوله هذا خير ليس اسم التفضيل بل المعنى هذا أخير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة، يعني إن لفظ "خير" بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل، وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك ففائدته ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب (وللجنة أبواب) أي ثمانية كما في الأحاديث الصحيحة (فمن كان من أهل الصلاة) أي المؤدين للفرائض المكثرين من النوافل وكذا ما يأتي فيما بعد (دعي من باب الصلاة) أي قيل يا عبد الله! أدخل الجنة من هذا الباب. قال الحافظ: ومعنى الحديث إن كان عامل يدعى من باب ذلك العمل وقد جاء ذلك صريحاً من وجه آخر، عن أبي هريرة لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل. أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح - انتهى. والحاصل إن من أكثر نوعاً من العبادة خص بباب يناسبها ينادي منها جزاء وفاقاً. وقال السندي: في حاشية مسلم قوله: فمن كان من أهل الصلاة الخ الظاهر من هذه الرواية إن من أنفق زوجين ينادي في الجنة من باب واحد، وهو الباب الذي غلب على المنفق عمل أهله، ففائدة الإنفاق هو تكريمه بالمناداة وإلا فهو يدخل الجنة من ذلك الباب بناء على أنه من أهله، وهذا هو الذي عليه التفضيل، وهو قوله:"فمن كان من أهل الصلاة" الخ وهو الذي يوافقه سؤال أبي بكر رضي الله عنه على الوجه المذكور في هذه الرواية. وأما حمل قوله: نودي على النداء من جميع الأبواب، وجعل قوله: فمن كان من أهل الصلاة الخ منقطعاً عن ذكر المنفق زوجين، بل هو بيان لأبواب الجنة وأهليها فذاك بعيد جداً في نفسه، ومع ذلك لا يناسبه سؤال أبي بكر على الوجه المذكور في هذه الرواية إلا أن يتكلف فيه. ويقال معنى وهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها أي غير المنفق زوجين، وهو مع بعده يستلزم بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: وأرجو أن تكون منهم، إن أبابكر ليس من المنفقين زوجين بل من غيرهم، فوجب حمل هذه الرواية على المناداة من باب واحد وحينئذٍ يظهر التنافي بحسب الظاهر بين هذه الرواية وبين الآية (يعني حديث أبي هريرة عند الشيخين بلفظ: من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي قل هلم: فقال أبوبكر: يا رسول الله! ذاك الذي لا توى عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكون منهم) فإنها تفيد إن المناداة من جميع الأبواب، وتفيد إن أبابكر ما سأل إن أحداً ينادي من تمام الأبواب أو لا، بل مدح الذي ينادي من تمام الأبواب. وهذه الرواية تخالف تلك في الأمرين كما لا يخفي فالخلاف إما لسهو وقع من بعض الرواة وهو الظاهر
ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبوبكر: ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة،
ــ
في مثل هذا، وإما لحمله على أنهما واقعتان في المجلسين أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه أولاً بالمناداة من باب واحد، وثانياً بالمناداة من تمام الأبواب فأخبر في كل مجلس بما أوحي إليه، وسأل أبوبكر في المجلس الأول عمن ينادي من تمام الأبواب، وفي المجلس مدح ذلك المنادي على ما اللائق بكل مجلس، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم في المجلسين بأن ينادي من تلك الأبواب والله تعالى أعلم بالصواب - انتهى كلام السندي. (ومن كان من أهل الجهاد) أي ممن يغلب عليه الجهاد (ومن كان من أهل الصدقة) أي المكثرين منها (ومن كان من أهل الصيام) أي الذي الغالب عليه الصيام، وإلا فكل المؤمنين أهل للكل (دعي من باب الريان) بفتح الراء وتشديد التحتانية، وزن فعلان. من الري. اسم علم لباب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين، لأنهم بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من باب الريان ليأمنوا من العطش. قال الحافظ: وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة وقد ثبت إن أبواب الجنة ثمانية وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك. وأما الثلاثة الأخرى فمنها، باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. رواه أحمد بن حنبل عن أشعث عن الحسن مرسلاً: إن لله باباً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة. ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب. وأما الثالث فلعله باب الذكر عند الترمذي ما يؤميء إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم، ويحتمل أن يكون المراد بالأبواب التي يدعي منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية، لأن الأعمال الصالحة أكثر عدداً من ثمانية - انتهى. وقال القاضي: قد جاء ذكر بقية أبواب الجنة الثمانية في حديث آخر في باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وباب الراضين. فهذه سبعة أبواب جاءت في الأحاديث وجاء في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب إنهم يدخلون من الباب الأيمن فلعله باب الثامن - انتهى. وروى الحاكم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للجنة باباً يقال له باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين كانوا يدامون على صلاة الضحى، هذا بابكم فادخلوه برحمة الله، ذكره ابن القيم في زاد المعاد (ج1 ص93)(ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة) بفتح الضاد وكلمة "ما" للنفي و "من" زائدة وهي اسم "ما" أي ليس ضرورة واحتياج على من دعي من باب واحد من تلك الأبواب إن لم يدع من سائرها لحصول
فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)) .
ــ
المقصود وهو دخول الجنة، وهذا نوع تمهيد قاعدة السؤال في قوله (فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها) أي سألت عن ذلك بعد معرفتي بأن لا ضرورة ولا احتياج لمن يدعي من باب واحد إلى الدعاء من سائر الأبواب إذ يحصل مراده بدخول الجنة (قال نعم) أي يكون جماعة يدعون من جميع تلك الأبواب تعظيماً وتكريماً لهم لكثرة صلاتهم وجهادهم وصيامهم وغير ذلك من أبواب الخير. قال الحافظ: في الحديث إشعار بقلة من يدعي من تلك الأبواب كلها، وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها، لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات. ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعي من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد وهو باب العمل الذي يكون أغلب عليه والله أعلم. وأما ما أخرجه مسلم عن عمر من توضأ ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله - الحديث. وفيه فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء فلا ينافي ما تقدم، وإن كان ظاهره إنه يعارضه؛ لأنه يحمل على أنها تفتح له على التكريم ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه كما تقدم - انتهى. (وأرجو أن تكون منهم) الرجاء من الله ومن نبيه صلى الله عليه وسلم واقع محقق ففيه إن الصديق من أهل هذه الأعمال كلها، ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه: قال أجل وأنت هو يا أبابكر: أي لأنه رضي الله عنه كان جامعاً لهذه الخيرات كلها. أما التعبير بعنوان الرجاء في حديث الباب فقيل: إنه خرج مخرج الأدب مع الله تعالى إذ لا يجب عليه سبحانه شيء وهو سبحانه أكرم من أن يخلف رجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. تنبيه الإنفاق في الصلاة والجهاد والعلم والحج ظاهر. وأما الإنفاق في غيرها فمشكل، ويمكن أن يكون المراد بالإنفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان. والإنفاق في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه. والإنفاق في العفو عن الناس يمكن أن يقع بترك ما يجب له من حق والإنفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المعصية، أو ينفق على من أصابه مثل ذلك طلباً للثواب. والإنفاق في الذكر على نحو من ذلك. وقيل: المراد بالإنفاق في الصلاة والصيام بذل النفس والبدن فيهما فإن العرب تسمى ما يبذله المرأ من نفسه نفقة. كما يقال أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي، وهذا معنى حسن، وأبعد من قال المراد بقوله زوجين النفس والمال لأن المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر إلا بالتأويل المتقدم وكذلك من قال النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والإنفاق عليه، لأن ذلك يرجع إلى باب الصدقة كذا في
متفق عليه.
1906-
(4) وعنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبوبكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرء إلا دخل الجنة)) . رواه مسلم.
1907-
(5) وعنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المسلمات
ــ
الفتح: (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصيام وفي فضائل أبي بكر، وأخرجه في الجهاد وبدء الخلق مختصراً. وأخرجه مسلم في الزكاة وأخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص268) ومالك والنسائي في الجهاد والترمذي في مناقب أبي بكر.
1906 – قوله: (من أصبح منكم اليوم صائماً) من استفهامية "وأصبح" بمعنى صار وخبره "صائماً" أو بمعنى دخل في الصباح فتكون تامة، وصائماً حال من ضميره (قال أبو بكر أنا) قال الطيبي: ذكر "أنا" هنا للتعيين في الأخبار لا للاعتداء بنفسه كما يذكر في مقام المفاخرة، وهذا هو الذي كرهه الصوفية، وقد ورد:{قل إنما أنا بشرٌ مثلكم} [الكهف:110] وما أنا من المتكلفين إلى غير ذلك وأما رده عليه الصلاة والسلام على جابر حيث أجاب بعد دق الباب بأنا، قائلاً أنا، أنا فلعدم العتيين في مقام الأخبار يعني سبب كراهة له الاقتصار عليه المؤدي إلى عدم تعريفه نفسه، ثم لو عرفه بصوته لما استفهمه. (ما اجتمن) أي ما وجدت هذه الخصال الأربعة وحصلت في يوم واحد (في امريء إلا دخل الجنة) أي بلا محاسبة وإلا فمجرد الإيمان يكفي لمطلق الدخول، أو معناه دخل الجنة من أي باب شاء كما تقدم والله تعالى أعلم. (رواه مسلم) في الزكاة وأخرجه أيضاً ابن خزيمة كما في الترغيب والبيهقي في الزكاة.
1907-
قوله: (يا نساء المسلمات) قال عياض: في إعرابه ثلاثة أوجه أصححها وأشهرها نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة وهي رواية المشارقة من إضافة الشيء إلى صفته كمسجد الجامع، وهو عند الكوفيين جائزة على ظاهره. وعند البصريين يقدرون فيه موصوفاً أي مسجد المكان الجامع، وتقدر هنا يا نساء الأنفس المسلمات أو الجماعات المسلمات. وقال السهيلي: وغيره جاء برفع الهمزة على أنه منادى مفرد ويجوز في المسلمات الرفع صفة على اللفظ على معنى يا أيها النساء المسلمات، والنصب صفة على الموضع كما يقال يا زيد العاقل برفع زيد ونصب
لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شأة)) متفق عليه.
1908-
1909- (6-7) وعن جابر وحذيفة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل معروف صدقة))
ــ
العاقل، وكسر التاء هنا علامة النصب. وروى بنصب الهمزة على أنه منادى مضاف وكسر التاء للخفض بالإضافة كقولهم مسجد الجامع وهو مما أضيف فيه الموصوف إلى الصفة في اللفظ فالبصريون يتأولونه على حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه نحو يا نساء الأنفس المسلمات أو يا نساء الطوائف المؤمنات، أي لا الكافرات. وقيل: تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي أفاضلهم. والكوفيون يدعون أن لا حذف فيه ويكتفون باختلاف الألفاظ في المغايرة. (لا تحقرن) بفتح حرف المضارعة وكسر القاف وبالنون الثقيلة أي لا تستحقرن إهداء شيء (جارة) مؤنث الجار (لجارتها) متعلق بمحذوف أي لا تحقرن جارة هدية مهداة لجارتها (ولو فرسن شأة) بكسر الفاء والسين المهملة بينهما راء ساكنة وآخره نون هو عظم قليل اللحم، وهو للبعير موضع الحافر للفرس. ويطلق على الشاة مجازاً ونونه زائدة. وقيل: أصلية وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن، لأنه لم يجر العادة بإهداءه أي لا تمتنع جارة من الهدية لجارتها لاستقلالها وإحتقارها الموجود عندها، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلاً فهو خير من العدم، وذكر الفرسن على سبيل المبالغة. ويحتمل أن يكون النهى للمهدي إليها وإنها لا تحتقر ما يهدى إليها ولو كان قليلاً، وحمله على الأعم من ذلك أولى. قال الطيبي: ويمكن أن يقال هو من باب النهى عن الشيء والأمر بضده وهو كناية عن التحابب والتوادد، كأنه قيل: لتحاب جارة جارتها بإرسال هدية ولو كانت حقيرة، ويتساوى فيه الفقير والغنى. وخص النهى بالنساء، لأنهن موارد الشنأن والمحبة ولأنهن أسرع إنفعالاً في كل منهما. وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة وإذهاب الشحناء، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة والهدية إذا كانت يسيرة فهي أول على المحبة وأسقط للمؤنة وأسهل على المهدي لاطراح التكلف والكثير قد لا يتيسر كل وقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير. وفي حديث عائشة يا نساء المؤمنين! تهادوا ولو فرسن شأة فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن (متفق عليه) أخرجه البخاري في أول الهبة وفي الأدب ومسلم في الزكاة، وأخرجه أيضاً أحمد في مواضع منها في (ج2:ص264-307) والترمذي في الهبة.
1908-
1909- قوله: (كل معروف صدقة) أي له حكمها في الثواب يعني ثوابه كثواب الصدقة بالمال، قال الراغب: المعروف اسم كل فعل يعرف حسنه بالشرع والعقل معاً، ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهى عن
متفق عليه
1910-
(8) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)) . رواه مسلم.
1911-
(9) وعن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على كل مسلم صدقة،
ــ
السرف. وقال ابن أبي جمرة: يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع إنه من أعمال البر سواء جرت به العادة أم لا. قال: والمراد بالصدقة الثواب فإن قارنته النية أجر صاحبه جزماً وإلا ففيه احتمال. قال: وفي هذا الكلام إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر في الأمر المحسوس منه فلا تختص بأهل اليسار مثلاً، بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة. وقال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرأ أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة، وقد فسر ذلك في حديث أبي موسى الأشعري المذكور بعد حديث أبي ذر، وزاد عليه إن الإمساك عن الشر صدقة وفي الحديث بيان إن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، وفيه إنه لا يحتقر شيئاً من المعروف وإنه ينبغي أن لا يبخل به بل ينبغي أن يحضره (متفق عليه) ظاهره يقتضى إلا كلاً من البخاري ومسلم أخرجه من حديث جابر، وحذيفة معاً. وليس كذلك فقد أخرجه البخاري في الهبة من حديث جابر ومسلم في الزكاة من حديث حذيفة، فحديث جابر من أفراد البخاري، وحديث حذيفة من أفراد مسلم. وأصل الحديث مع قطع النظر عن الروايتين متفق عليه. وأخرجه أبوداود في الأدب والبيهقي في الزكاة من حديث حذيفة. وأخرجه أحمد والترمذي في البر والصلة من حديث جابر مثله وزاد في آخره. ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وإن تفرغ من دلوك في إناء أخيك، وأخرجه أيضاً الدارقطني والحاكم من حديث جابر، وزاد وما انفق الرجل على أهله كتب له به صدقة وما وقى به المرأ عرضه فهو صدقة، ذكره الحافظ في الفتح.
1910-
قوله: (لا تحقرن) أي أنت يا أباذر (من المعروف) تقدم بيان معناه (شيئاً ولو إن تلقى أخاك بوجه طليق) الوجه الطليق الذي فيه بشاشة وفرح أي إفعل الخيرات كلها قليلها وكثيرها، ومن الخيرات أن يكون وجهك ذابشاشة وفرح إذا رأيت مسلماً، فإنه يوصل إلى قلبه سروراً إذا تركت العبوس وتطلقت عليه ولا شك إن إيصال السرور إلى قلوب المسلمين حسنه، وقوله "طليق" كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة وهكذا في المصابيح ووقع في نسخ مسلم طلق أي بحذف الياء. قال النووي روى طلق على ثلاثة أوجه إسكان اللام وكسرها وطليق بزيادة ياء ومعناه سهل منبسط وفيه الحث على فعل المعروف وما تيسر منه وإن قل حتى طلاقه الوجه عند اللقاء (رواه مسلم) في البر والصلة وأخرجه أيضاً أحمد (ج5:ص173) والبيهقي (ج4:ص188) .
1911-
قوله: (على كل مسلم صدقة) أي كل يوم كما في حديث أبي هريرة الآتي والمراد على سبيل
قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بيديه فينفع نفسه، ويتصدق. قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يفعله؟ قال: فيأمر بالخير.
ــ
الاستحباب المتأكد ولا حق في المال سوى الزكاة إلا على سبيل الندب ومكارم الأخلاق كما قاله الجمهور ذكره القسطلاني. وقال النووي: قال العلماء المراد صدقة ندب وترغيب لا إيجاب وإلزام. وقال الحافظ: قوله على كل مسلم صدقة أي على سبيل الاستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك. والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله عليه السلام "على المسلم ست خصال" فذكر منها ما هو مستحب إنفاقاً. كذا قال في الزكاة وقال في الأدب: قوله على كل مسلم صدقة أي في مكارم الأخلاق، وليس ذلك بفرض إجماعاً. قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرأ من ماله متطوعاً به، وقد يطلق على الواجب لتحرى صاحبه الصدق بفعله: ويقال: لكل ما يحابى به المرأ من حقه صدقة، لأنه تصدق بذلك على نفسه. (قالوا فإن لم يجد) أي ما يتصدق به كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء، فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف، وهل تلتحق هذه الصدقة؟ بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به. فيه نظر، الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة الآتي إنها شرعت بسبب عتق المفاصل، حيث قال في آخر هذا الحديث فإنه يمسى يومئذ. وقد زحزح نفسه عن النار قاله الحافظ (فليعمل) كذا في جميع النسخ الحاضرة والذي في البخاري في الزكاة يعمل وفي الأدب فيعمل وفي مسلم يعتمل (بيديه) بالتثنية (فينفع نفسه) بما يكسبه من صناعة وتجارة ونحوهما بإنفاقه عليها، ومن تلزمه نفقته ويستغنى بذلك عن السؤال لغيره (ويتصدق) فينفع غيره ويؤجر. قال القسطلاني: وقوله فيعمل فينفع ويتصدق، بالرفع في الثلاثة خبر بمعنى الأمر قاله ابن مالك قال ابن بطال: فيه التنبيه على العمل والتكسب ليجد المرأ ما ينفق على نفسه ويتصدق به ويغنيه عن ذل السؤال، وفيه الحث على فعل الخير مهما أمكن وإن من قصد شيئاً منها فتعسر فلينتقل إلى غيره (فإن لم يستطع) أي بأن عجز عن العمل (أو لم يفعل) ذلك عجزاً أو كسلاً والشك من الراوي (فيعين) أي بالفعل أو بالقول أو بهما (ذاالحاجة الملهوف) بالنصب صفة لذا الحاجة المنصوب على المفعولية، والملهوف، عند أهل اللغة يطلق على المتحسر وعلى المضطر وعلى المظلوم. يقال: لهف بكسر الهاء يلهف بفتحها لهفاً بإسكانها أي حزن وتحسر، وكذلك التلهف ذكره النووي. وقال الحافظ: الملهوف، المستغيث وأعم من أن يكون مظلوماً أو عاجزاً. وقيل: هو المكروب المحتاج (فإن لم يفعله) أي عجزاً أو كسلاً، وفي البخاري فإن لم يفعل. أي يحذف الضمير المنصوب (فيأمر بالخير) وهو يشمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإفادة العلمية والنصيحة العملية وفي البخاري في الأدب فيأمر بالخير أو قال بالمعروف، وفي مسلم يأمر بالمعروف أو الخير، وهذا شك من الراوي، وللبخاري في الزكاة فليعمل بالمعروف.
قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فيمسك عن الشر، فإنه له صدقة)) . متفق عليه.
1912-
(10) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سلامي
ــ
وزاد أبوداود الطيالسي في مسنده وينهى عن المنكر (فيمسك عن الشر) وفي رواية فليمسك أي نفسه أو الناس (فإنه) أي الإمساك عن الشر (له) أي للمسك (صدقة) أي على نفسه لأنه إذا أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك كالتصدق بالمال. وحاصل الحديث إن الشفقة على خلق الله متأكدة وهي إما بمال حاصل، وهو الشق الأول: أو بمقدور التحصيل. وهو الثاني: أو بغير مال وهو إما فعل وهو الإعانة والإغاثة أو ترك وهو الإمساك عن الشر. لكن قال الزين بن المنير: إن حصول ذلك للمسك إنما يكون مع نية القربة به بخلاف محض الترك، وقضية الحديث ترتيب الأمور الأربعة وليس مراداً، وإنما هو للتسهيل على من عجز عن واحد منها، وإلا فمن أمكنه فعل جميعها أو عدد منها معاً فليفعل. ومقصود الحديث إن إعمال الخير تنزل منزل الصدقات في الأجر ولاسيما في حق من لا يقدر عليها ويفهم منه إن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة. وقال ابن أبي جمرة: ترتيب هذا الحديث إنه ندب إلى الصدقة وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها، أو يقوم مقامها وهو العمل ولانتفاع، وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة، وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى، وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة فإن لم يطق فترك الشر وذلك آخر المراتب. قال: ومعنى "الشر" هنا ما منعه الشرع ففيه تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك عن غير إختيار. قال الحافظ: وأشار بالصلاة إلى ما وقع آخر حديث أبي ذر عند مسلم ويجزى عن ذلك كله ركعتا الضحى، وهو يؤيد ما قدمناه إن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض، لأن الزكاة لا تكمل الصلاة ولا العكس. فدل على افتراق الصدقتين، واستشكل الحديث مع ما تقدم ذكر الأمر بالمعروف وهو من فروض الكفاية فكيف تجزيء عنه صلاة الضحى وهي من التطوعات، والذي يظهر في الجواب أن المراد إن صلاة الضحى تقوم مقام الثلثمائة وستين حسنة التي يستحب للمرأ أن يسعى في تحصيلها كل يوم ليعتق مفاصله التي هي بعددها، لا إن المراد إن صلاة الضحى تغنى عن الأمر بالمعروف وما ذكر معه وإنما كان كذلك لأن الصلاة عمل بجميع الجسد فتتحرك المفاصل كلها فيها بالعبادة، وكأن صلاة الضحى خصت بالذكر لكونها أول تطوعات النهار بعد الفرض وراتبته. وقد أشار في حديث أبي ذر، وكذا في حديثي أبي هريرة وعائشة الآتيين إلى أن صدقة السلامي نهارية (متفق عليه) أخرجه البخاري في الزكاة وفي الأدب، ومسلم في الزكاة وأخرجه أيضاً أحمد (ج4:ص395-411) والنسائي في الزكاة والبيهقي فيه (ج4:ص188) .
1912-
قوله: (كل سلامي) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم مقصوراً، أي أنملة من أنامل
من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الإثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل
ــ
الأصابع أو مفصل من المفاصل الثلاثمائة وستين التي في كل أحد. وقيل: هي ما بين كل مفصلين من أصابع الإنسان. وقيل: كل عظم مجوف من صغاراً العظام مثل عظام الأصابع وقيل: كل عظم في البدن واحدة وجمعه سواء. وقيل: جمعه سلاميات وقوله كل سلامي مبتدأ مضاف وقوله (من الناس) أي من كل واحد منهم صفة لسلامي (عليه صدقة) جملة من المبتدأ والخبر خبر للمبتدأ الأول: وقوله عليه مشكل. قال ابن مالك: المعهود في كل إذا أضيف إلى نكرة من خبر وتمييز وغيرهما أن يجيء على وفق المضاف إليه، نحو قوله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} [الأنبياء:35] وهنا جاء على وفق كل سلامي عليه صدقة، وكان القياس أن يقول عليها صدقة. لأن السلامي مؤنثة لكن دل مجيئها في هذا الحديث على الجواز، أي جواز مطابقة المضاف، ويحتمل أن يكون ضمن السلامي معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه كذلك. والمعنى على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له، بأن جعل في عظامه مفاصل يتمكن بها من قبض أصابعه ويديه ورجليه وغير ذلك، وبسطها فإن هذه نعمة عظيمة. فإنه لو جعل أعضاءه بغير مفصل يكون كلوح أو خشب لا يقدر على القبض والبسط والقيام والقعود والاضطجاع. وأوجب الصدقة على السلامي مجازاً، وفي الحقيقة على صاحبها قال الطيبي: ولعل تخصيص السلامي وهي المفاصل من الأصابع بالذكر لما في أعمالها من دقائق الصنائع التي تتحير الأوهام فيها، ولذلك قال تعالى {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [القيامة:4] أي نجعل أصابع يديه ورجليه مستوية شيئاً واحداً، كخف البعير وحافر الحمار، فلا يمكن أن يعمل بها شيئاً مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل من فنون الأعمال دقتها وجلها، ولهذا السر غلب الصغار من العظام على الكبار-انتهى. (كل يوم) بالنصب على الظرفية أي في كل يوم (تطلع فيه الشمس) على صاحب السلامي وهي صفة تخصص اليوم عن مطلق الوقت بمعنى النهار. وقال السندي: وصف اليوم بذلك لإفادة التنصيص كما قالوا في قوله تعالى {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام:38] والحاصل إن الشيء إذا وصف بوصف يعم جميع أفراده يصير نصاً في التعميم. قال المنادي: وليس المراد هنا بالصدقة المالية فقط، بل كنى بها عن نوافل الطاعة كما يفيده قوله (يعدل) فأعله الشخص المسلم المكلف وهو في تأويل المصدر مبتدأ خبره صدقة، تقديره أن يعدل مثل قوله تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقد قال تعالى {ومن آيته يريكم البرق} [الروم:24] (بين الإثنين) متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين. وقيل: يعدل بين الإثنين أي يصلح بينهما بالعدل (صدقة) أي أجره كأجر الصدقة (ويعين) المسلم المكلف (الرجل) أي يساعده (على دابته) أي دابة الرجل أو المعين (فيحمل)
عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة)) . متفق عليه.
1913-
(11) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. فمن كبرالله، وحمدالله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفرالله، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظماً، أو أمر بمعروف، أو نهى عن المنكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)) . رواه مسلم.
ــ
بفتح التحتية وسكون المهملة وكسر الميم (عليها) المتاع أو نفس الرجل بأن يعينه في الركوب أو يحمله كما هو (أو يرفع عليها متاعه) شك من الراوي أو تنويع (والكلمة الطيبة) أي مطلقاً أو مع الناس (وكل خطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة وبالضم ما بين القدمين (يخطوها إلى الصلاة) ذاهباً وراجعاً (ويميط) بضم أوله أي يزيل وينحى (الأذى) أي ما يؤذى المارة من نحو شوك وعظم وحجر (متفق عليه) رواه البخاري بهذا اللفظ في باب من أخذ بالركاب من الجهاد، وأخرج في باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر بنحوه، وفي الصلح مختصراً وأخرجه مسلم في الزكاة أيضاً أحمد والبيهقي في الزكاة.
1913-
قوله: (من بنى آدم) بيان لإفادة التعميم (على ستين وثلاثمائة مفصل) بالإضافة وهو بفتح الميم وكسر الصاد، ملتقى العظمين في البدن (فمن كبرالله) أي عظمه أو قال الله أكبر قاله القاري:(وهلل الله) أي وحده أو قال لا إله إلا الله (وسبح الله) أي نزهه عما لا يليق به من الصفات، أو قال سبحان الله (وعزل) أي بعد ونحى (أو شوكة أو عظماً) أو للتنويع (أو أمر) وفي رواية، وأمر بالواو مكان أو (عدد تلك الستين) أي بعددها نصب بنزع الخافض متعلق بالأذكار وما بعدها أو بفعل مقدر، يعني من فعل الخيرات المذكورة ونحوها عدد تلك الستين. (الثلاث مائة) بإضافة ثلاث إلى مائة مع تعريف الأول وتنكير الثاني، والمعروف لأهل العربية عكسه، وهو تنكير الأول وتعريف الثاني. وأجيب بأن الألف واللام زائدتان، فلا اعتداد بدخولهما قال الطيبي: ولو ذهب إلى أن التعريف بعد الإضافة كما في الخمسة عشر بعد التركيب لكان وجهاً حسناً. وقيل: مائة منصوب على التمييز على قول بعض أهل العربية. (فإنه يمشي) بفتح الياء وبالشين المعجمة من المشى، وفي رواية يمسى بضمها وبالسين المهملة من الإمساء وكلاهما صحيح قاله النووي:(يؤمئذ) أي وقت إذ فعل ذلك (وقد زحزح نفسه) أي بعدها ونحاها (رواه مسلم) في الزكاة، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج4:ص188) .
1914-
(12) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيه وزر؟
ــ
1914-
قوله: (وكل تكبيرة) بالرفع على المبتدأ والخبر (صدقة) قال النووي: رويناه بوجهين رفع صدقة ونصبه، فالرفع على الاستيناف، والنصب عطف على اسم إن وعلى النصب، يكون كل تكبيرة مجروراً فيكون من العطف على عاملين مختلفين، فإن الواو قامت مقام الباء وكذا قوله (وكل تحميده صدقة وكل تهليلة صدقة) الخ. قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة إن لها أجراً كما للصدقة أجر، وإن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجود وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام. وقيل: معناه إنها صدقة على نفسه (وأمر بالمعروف صدقة) أسقط المضاف هنا إعتماداً على ما سبق ذكره الطيبي. وقال النووي: فيه إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر منه في التسبيح والتحميد والتهليل، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية. وقد يتعين ولا يتصور وقوعه نفلاً، والتسبيح والتحميد والتهليل نوافل، ومعلوم إن أجر الفرض أكثر من أجر النفل لقوله عزوجل وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه أخرجه البخاري (وفي بضع أحدكم صدقة) بضم الموحدة يطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، وكلاهما تصح إرادته هنا قاله النووي: وإدخال في إشارة إلى أن ذاته ليست صدقة. بل ما ضمنه من التحصين، وأداء حق الزوجة وطلب الولد الصالح والأمور المذكورة ذواتها صدقة. لأنها إذكار وقربات كذا في اللمعات، وقال الطيبي: الباء في قوله: "إن بكل تسبيحة صدقة" بمعنى "في " وإنما أعيدت في قوله وفي بضع أحدكم لأن هذا النوع من الصدقة أغرب. قال النووي: في هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعاً من النظر إلى حرام، أو الفكر فيه أوالهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة (أيأتي أحدنا شهوته) أي أيقضيها ويفعلها (ويكون له فيها أجر) والأجر غير معروف في المباح (أرأيتم) أي أخبروني (لو وضعها) أي شهوة بضعه (أكان عليه فيه) أي في الوضع (وزر) قال الطيبي: أقحم همزة الإستفهام على سبيل التقرير بين "لو" وجوابها تأكيداً للإستخبار في أرأيتم. (فكذلك) أي فعلى
فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) . رواه مسلم.
1915-
(13) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم الصدقة اللحقة
ــ
القياس (إذا وضعها في الحلال) وعدل عن الحرام مع أن النفس تميل إليه وتستلذ به أكثر من الحلال. فإن لكل جديد لذة، والنفس بالطبع إليها أميل، والشيطان إلى مساعدتها أقبل، والمؤنة فيها عادة أقل (كان له أجر) وفي بعض النسخ أجراً بالنصب. قال النووي: ضبطنا أجراً بالنصب والرفع وهما ظاهران. قال القاري فالأجر ليس في نفس قضاء الشهوة بل في وضعها موضعها كالمبادرة إلى الأفطار في العيد وكأكل السحور وغيرهما من الشهوات النفسية الموافقة للأمور الشرعية. ولذا قيل الهوى إذا صادف الهدى فهو كالزبد مع العسل ويشير إليه قوله تعالى {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [القصص:50] انتهى. (رواه مسلم) في الزكاة في حديث أوله أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: للنبي صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة الخ. وأخرجه في كتاب الصلاة بلفظ: يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، وبجزيء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى. وقد تقدم في باب صلاة الضحى، وحديث الباب أخرجه أحمد والبيهقي أيضاً.
1915-
قوله: (نعم الصدقة) بالرفع فاعل نعم وهذا لفظ البخاري في الأشربة، ووقع في الهبة بلفظ: نعم المنيحة بدل نعم الصدقة. قال: أهل اللغة. المنحة بكسر الميم، المنحية بفتحها مع زيادة الياء على وزن عظيمة هي العطية، وتكون في الحيوان وفي الثمار وهي قد تكون عطية للرقبة بمنافعها فيملكها المعطي له وهي الهبة وقد تكون عطية اللبن أو التمرة مدة، وتكون الرقبة باقية على ملك صاحبها ويردها إذا انقضى اللبن أو التمر الماذون فيه. قال أبوعبيدة المنحية. عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له، والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمناً، ثم يردها. والمراد بها في هذا الحديث عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها قال ابن التين: من روى نعم الصدقة روى بالمعنى لأن المنحة العطية. والصدقة أيضاً عطية. قال الحافظ لا تلازم بينهما فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة، وإطلاق الصدقة على المنيحة مجاز، ولو كانت المنحة صدقة لما حلت للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من جنس الهبة والهدية -انتهى. (اللقحة) بكسر اللام وسكون القاف بمعنى الملقوحة وهي الناقة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة. قال أهل اللغة اللقحة بكسر اللام وبفتحها، واللقوح الناقة الحلوب الغزيرة اللبن. قال العيني: اللقحة مرفوع لأنه صفة صدقة، وقال أبوالبقاء: هي المخصوصة
الصفى منحة، والشأة الصفي منحة تغدو بإناء وتروح بآخر)) . متفق عليه.
1916-
(14) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً،
ــ
بالمدح (الصفي) بفتح الصاد وكسر الفاء وتشديد التحتية أي الكريمة الغزيرة اللبن بمعنى مفعول أي مصطفاة مختارة وهي صفة ثانية للصدقة أو صفة للقحة واستعملت بغير هاء على الأشهر في الرواية، لأن الفعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وقال العيني: روى أيضاً الصفية بناء التأنيث (منحة) منصوب على التميز. قال ابن مالك: في التوضيح فيه وقوع التميز بعد فاعل نعم ظاهراً، وقد منعه سيبوية إلا مع إضمار الفاعل نحو بئس للظالمين بدلاً وجوزه المبرد وهو الصحيح -انتهى. وقال في المصابيح: يحتمل أن يقال إن فاعل نعم في الحديث مضمر، والمنيحة الموصوفة بما ذكر هي المخصوصة بالمدح ومنحة تمييز تأخر عن المخصوص فلا شاهد فيه على ما قال، ولا يرد على سيبوية حينئذٍ. قيل: هذا صحيح لكن يؤيد قول المبرد قول الشاعر:
تزود مثل أبيك زاداً فنعم الزاد زاد أبيك زاداً
فذلك جائز وإن كان قليلاً. والشاة الصفى صفة وموصوف عطف على ما قبله أي ونعم الصدقة الشاة الصفى (تغدو بإناء) أي من اللبن (وتروح بآخر) بالمد أي يحلب من لبنها ملء إناء وقت الغدوة وملء إناء آخر وقت الرواح وهو المساء، والجملة صفة مادحة لمنحة أو استئناف جواب عمن سأل عن سبب كونها ممدوحة. وفيه إشارة إلى أن المستعير لا يستأصل لبنها قاله الحافظ. (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب شرب اللبن من الأشربة، ورواه مسلم في الزكاة بلفظ: إلا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغد ويعس وتروح بعس، إن أجرها لعظيم، وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي (ج4 ص184) .
1916-
قوله: (ما من مسلم) أخرج الكافر لأنه رتب على ذلك، كون ما أكل منه يكون له صدقة، والمراد بالصدقة الثواب في الآخرة، وذلك يختص بالمسلم دون الكافر، لأن القرب إنما تصح من المسلم فإن تصدق الكافر أو فعل شيئاً من وجوه البر لم يكن له أجر في الآخرة، نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما ثبت دليله. وأما من قال يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج إلى دليل. ونقل عياض الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، لكن بعضهم أشد عذاباً من بعضهم بحسب جرائمهم. وأما حديث أبي أيوب عند أحمد مرفوعاً ما من رجل يغرس، وحديث ما من عبد فظاهرهما يتناول المسلم والكافر لكن يحمل المطلق على المقيد، والمراد بالمسلم الجنس فتدخل المرأة المسلمة (يغرس) بكسر الراء (غرساً) يقال غَرس الشجر يغرسه غَرساً وغِراسة وَغرسه أي أثبته في الأرض والغرس، بفتح المعجمة وسكون الراء
أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة، إلا كانت له صدقة)) . متفق عليه.
ــ
مصدر وبمعنى المغروس (أو يزرع) أو للتنويع لأن الزرع غير الغرس (زرعاً) نصبه، كذا نصب غرساً على المصدرية، أو على المفعولية (فيأكل منه) أي مما ذكر من المغروس أو المزروع (إنسان) ولو بالتعدي (أو طير أو بهيمة) أي ولو بإختياره (إلا كانت له صدقة) قال الطيبي: الرواية برفع الصدقة على أن كانت تامة - انتهى. قال القاري: وفي نسخة بالنصب على أن الضمير راجع إلى المأكول وأنث لتأنيث الخبر- انتهى. ولفظ الصحيحين: إلا كان له به صدقة. قال القسطلاني: بالرفع اسم كان وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها، ويحمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين، ويحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو نفع المسلمين بها، وتحصيل ثوابها، وفي رواية لمسلم إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة. ومقتضاه إن أجر ذلك يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه، ولو مات زارعه أو غارسه ولو انتقل ملكه إلى غيره. وظاهر الحديث إن الأجر يحصل لمتعاطي الزرع أو الغرس، ولو كان ملكه لغيره. لأنه أضاف إلى أم مبشر كما في رواية مسلم ثم سألها عمن غرسه. قال الطيبي: نكر مسلماً وأوقعه في سياق النفي، وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حراً أو عبداً، مطيعاً، أو عاصياً يعمل أي عمل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه وفيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي وما ورد في المنع منه حديث غير قوى أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعاً، لا يقل أحدكم زرعت، ولكن ليقل حرثت ألم تسمع لقول الله تعالى:{أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} [الواقعة: 64] ورجاله ثقات إلا أن مسلم بن أبي مسلم الجرمي. قال فيه ابن حبان: ربما أخطأ وروى عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي بمثله من قوله غير مرفوع كذا في الفتح واستدل به على أن الزراعة أفضل المكاسب وقال به كثيرون وقيل: الكسب باليد. وقيل: التجارة. وقد يقال كسب اليد أفضل من حيث الحل والزرع من حيث عموم الانتفاع، وحينئذٍ فينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الحال فحيث أحتيج إلى الأقوات أكثر تكون الزراعة أفضل للتوسعة على الناس، وحيث احتيج إلى المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة أفضل، وحيث أحتيج إلى الصنائع تكون أفضل قاله القسطلاني (متفق عليه) أخرجه البخاري في المزارعة وفي الأدب، ومسلم في المزارعة. وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي في الأحكام. وفي الباب أحاديث أخرة عن جماعة من الصحابة ذكرها المنذري، في باب الترغيب في الزرع وغرس الأشجار للثمرة، والهيثمي في أواخر الزكاة، وفي أوائل البيوع.
1917-
(15) وفي رواية لمسلم عن جابر، ((وما سرق منه له صدقة)) .
1918-
(16) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي، يلهث كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك، قيل: إن لنا في البهائم أجراً، قال: في كل ذات كبد رطبة أجر)) .
ــ
1917-
قوله: (وفي رواية لمسلم عن جابر وما سرق منه له صدقة) أي يحصل له مثل ثواب تصدق المسروق، والحاصل أنه بأي سبب يؤكل مال المسلم له الثواب، وفيه تسلية له بالصبر على نقصان المال.
1918-
قوله: (غفر) بضم أوله مبنياً للمفعول أي غفر الله (لامرأة) لم تسم وفي رواية للبخاري ومسلم إن الذي سقى الكلب رجل، وهذا يقتضي تعدد القصة (مومسة) أي مومسات بني إسرائيل، وهي بميم مضمومة فواو ساكنة، فميم مكسورة فسين مهملة، أي زانية من الومس، وهو الاحتكاك. والمومسة المرأة الفاجرة المجاهرة بالفجور (مرت بكلب) أي على كلب كائن (على رأس ركي) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية أي بئر. وقيل: بئر لم تطو. وقال الحافظ: الركي البئر مطوية أو غير مطوية، وغير المطوية يقال لها جب وقليب ولا يقال لها بئر حتى تطوى. وقيل: الركي البئر قبل أن تطوي فإذا طويت فهي الطوى- انتهى. (يلهث) بفتح الهاء وبالمثلثة أي يخرج لسانه عطشاً. يقال: لهث بفتح الهاء وكسرها يلهث بفتح الهاء لا غير لهثاً بإسكانها إذا أخرج لسانه من شدة العطش والحر والتعب وكذلك الطائر ولهث الرجل إذا أعيا. ويقال: إذا بحث بيده ورجليه. وقيل: اللهث إرتفاع النفس من الأعياء (كاد يقتله العطش) أي قارب أن يهلكه (فنزعت خفها) أي خلعته من رجلها (فأوثقته) أي شدته (بخمارها) بكسر الخاء المعجمة أي بنصفيها بدلا من الحبل (فنزعت) بهما (له) أي للكلب (من الماء) أي من ماء البئر يعني استقت للكلب بخفها من الركية (فغفر لها بذلك) أي بسبب سقيها للكلب وهذا تأكيد للخبر وفيه إن الله تعالى قد يتجاوز عن الكبيرة بالفعل اليسير من غير توبة تفضلاً منه (قيل إن) أي أأن (لنا في البهائم) أي في سقيها أو الإحسان إليها (أجراً) أتى بالاستفهام المؤكد للتعجب (في كل ذات كبد) بفتح الكاف وكسر الموحدة، ويجوز سكون الكاف وسكون الموحدة يذكر ويؤنث (رطبة) أي حية. والمراد رطوبة الحياة، أو لأن الرطوبة لازمة للحياة فهو كناية. وقيل: هو من باب وصف الشيء بما يؤل إليه أي كبد يرطبها السقي ويصيرها رطبة. والمعنى في كل كبد حري لمن سقاها حتى تصير رطبة
متفق عليه.
1919، 1920- (17، 18) وعن ابن عمر، وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عذبت امرأة في هرة أمسكتها حتى ماتت من الجوع، فلم تكن تطعمها ولا ترسلها فتأكل من خشاش الأرض)) .
ــ
(أجر) بالرفع مبتدأ قدم خبره. والتقدير أجر حاصل أو كائن أو ثابت في أرواء كل ذات كبد حية من جميع الحيوانات. وقيل: يحتمل أن تكون في سببية كقولك في النفس الدية. قال الداودي: المعنى في كل كبد حي أجر وهو عام في جميع الحيوانات. وقال أبوعبد الملك: قوله: " في كل كبد" مخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه، لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره. وكذا قال النووي: إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله، فيحصل الثواب بسقيه ويلتحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه. وقال ابن التين: لا يمتنع إجراءه على عمومه يعني فيسقي ثم يقتل، لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهيا عن المثلة وفي الحديث الحث على الإحسان إلى الناس لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقى المسلم، أعظم أجراً وأستدل به على جواز صدقة التطوع للمشركين، وينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم، فالمسلم أحق وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة، فالآدمي أحق كذا في الفتح (متفق عليه) واللفظ للبخاري في آخر بدأ الخلق قبل كتاب الأنبياء إلا أن قوله قيل إن لنا في البهائم الخ. ليس في هذه الرواية بل هو في قصة الرجل الذي سقى الكلب. والحديث أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل بلفظ: بينهما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به، وأخرجه مسلم في كتاب قتل الحيات.
1919-
1920- قوله: (عذبت) بضم العين وكسر المعجمة مبنياً للمفعول (إمرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها، ووقع في رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل، ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية فيكون نسبتها إلى بني إسرائيل. لأنهم أهل دينها وإلى حمير، لأنهم قبيلتها يعني نسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى (في هرة) أي في شأنها وبسببها ولأجلها ففي تعليلية سببية، والهرة أنثى السنور والهر الذكر (أمسكتها) أي ربطتها المرأة وحبستها ومنعتها من الصيد (حتى ماتت) أي الهرة (من الجوع) فيه دليل على تحريم قبل الهرة وتحريم حبسها بغير طعام وشراب (فلم تكن تطعمها) من الإطعام (فتأكل) بالنصب على جواب النفي (من خشاش الأرض) بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبمعجمتين بينهما ألف الأولى
متفق عليه.
1921-
(19) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مر رجل بغصن شجرة
ــ
خفيفة. والمراد حشرات الأرض وهو أمها من فارة ونحوها قال الطيبي: وذكر الأرض هنا كذكرها في قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض} [الأنعام-38] للاحاطة والشمول ثم ظاهر هذا الحديث إن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس وأختلف في أنها مؤمنة كانت أو كافرة. قال القرطبي وعياض: يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذاباً بسبب ظلمها على الهرة، واستحقت ذلك لكونها ليست مؤمنة تغفر صغائرها باجتناب الكبائر، ويحتمل أن تكون مسلمة وعذبت بسبب الهرة. وقال النووي: الصواب إنها كانت مسلمة وإنها دخلت النار بسببها كما هو ظاهر الحديث، وهذه المعصية ليست صغيرة، بل صارت بإصرارها كبيرة. وليس في الحديث أن تخلد في النار- انتهى. وهذا يدل على أنهم لم يطلعوا على نقل في ذلك. قال الحافظ: ويؤيد كونها كافرة ما أخرجه البيهقي في البعث والنشور وأبونعيم في تاريخ أصبهان من حديث عائشة. وفيه قصة لها مع أبي هريرة وهو بتمامة عند أحمد- انتهى. وقال الديرمي: كانت هذه المرأة كافرة كما رواه البزار في مسنده، وأبونعيم في تاريخ أصبهان، والبيهقي في البعث والنشور عن عائشة، فاستحقت التعذيب بكفرها وظلمها. وقال القاري: ليس في الحديث دلالة على إصرار هذه المرأة، ويجوز التعذيب على الصغيرة كما في العقائد سواء اجتنب مرتكبها الكبيرة أم لا، لدخولها تحت قوله تعالى:{ويفغر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء- 48] خلافاً لبعض المعتزلة فيما إذا اجتنب الكبائر لظاهر قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء-31] وعنه أجوبة عند أهل السنة ليس هذا محلها- انتهى. (متفق عليه) رواه البخاري عن ابن عمر بمعناه في باب فضل السقي من كتاب الشرب، وفي أواخر بدء الخلق، وفي ذكر بني إسرائيل. ورواه من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة في بدء الخلق نحوه، ولم يذكر لفظه بل أحال على حديث ابن عمر قبله بمعناه. وأما مسلم فرواه في كتاب قتل الحياة وغيرها، وفي الأدب عنهما من طرق بألفاظ مختلفة متقاربة، ليس اللفظ المذكور هنا واحداً منها كما لا يخفى على من نظر في طرق هذا الحديث، وألفاظها، فالمذكور هنا هو معنى ما رواه الشيخان، وقد أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة من ثمانية أوجه، منها في (ج2 ص261 و269 و286) ونسبه الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند لابن ماجه أيضاً، وقال: حديث عبد الله بن عمر في هذا ليس في المسند فيما رأيت مع أنه في الصحيحين.
1921-
قوله: (مر رجل بغصن شجرة) وفي رواية البخاري، غصن شوك والغصن بضم المعجمة مفرد
على ظهر طريق، فقال: لأنحين هذا عن طريق المسلمين لا يؤذيهم، فأدخلهم الجنة)) . متفق عليه.
1922-
(20) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)) . رواه مسلم.
1923-
(21) وعن أبي برزة، قال: يا نبي الله! علمن شيئاً أنتفع به. قال: ((أعزل الأذى عن طريق المسلمين)) .
ــ
الأغصان، والغصون وهي أطراف الشجرة ما دامت فيها ثابتة قاله ابن الأثير:(على ظهر طريق) أي ظاهره لا في جنبيه (لأنحين) بتشديد الحاء أي لأبعدن (لا يؤذيهم) بالرفع على أنه استئناف فيه معنى التعليل أي لكيلا يؤذيهم (فأدخل) ماض مجهول (الجنة) بالنصب على أنه مفعول ثان أي فنحاه فأدخل الجنة بهذا الخير. وقال الطيبي: يمكن إن إدخاله الجنة بمجرد النية الصالحة، وإن لم ينحه وأن يكون قذ نحاه- انتهى. وفي الحديث فضل إماطة ما يؤذي الناس عن طريقهم. وفيه إن قليل الخير يحصل به كثير الأجر. وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضرراً (متفق عليه) واللفظ لمسلم وقد أخرجه في الأدب وأخرجه في الأدب وأخرجه البخاري في المظالم في باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به بلفظ بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له. قال ابن المنير: وإنما ترجم به لئلا يتخيل إن الرمي بالغصن وغيره ما يؤذي تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيمتنع، فأراد أن يبين إن ذلك لا يمتنع لما فيه من الندب إليه. ثم ذكر حديث أبي برزة الآتي، والحديث أخرجه أيضاً أحمد في ستة مواضع، والترمذي في البر والصلة، وأبوداود وابن ماجه في الأدب، ورواه مالك بمعناه ضمن حديث مطول.
1922-
قوله: (لقد رأيت رجلاً يتقلب) أي يتردد ويتنعم في الجنة (في شجرة) أي لأجلها وبسببها (قطعها من ظهر الطريق) قال النووي: أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعة الشجرة من الطريق وإبعادها عنه (كانت تؤذي الناس) أي كانوا يتأذون بها. قال القاري: وفيه مبالغة على قتل المؤذي وإزالته بأي وجه يكون (رواه مسلم) في الأدب.
1923-
قوله: (علمني شيئاً) وفي رواية ابن ماجه دلني على عمل (انتفع به) قال القاري: روى مجزوماً جواباً للأمر، ومرفوعاً صفة لشيء أي انتفع بعمله (إعزل) بكسر الهمزة والزاي المعجمة بينهما عين مهملة ساكنة أي أبعد ونح (الأذى عن طريق المسلمين) أي إذا رأيت في ممرهم ما يؤذيهم كشوك وحجر فنحه عنهم، فإن