المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة ‌ ‌(الفصل الأول) 2628 - (1) عن - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: ‌ ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة ‌ ‌(الفصل الأول) 2628 - (1) عن

(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

(الفصل الأول)

2628 -

(1) عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: سئل أسامة بن زيد: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة

ــ

ولا يخفى أن الأحاديث الصحيحة الصريحة لا تكون إلا ظنية فما بالك بالأحاديث الضعيفة؟ ولا شك أن المسائل الاعتقادية لا تثبت إلا بالأدلة القطعية رواية ودراية، نعم يغلب على الظن رجاء عموم المغفرة لمن حج حجًا مبرورًا، وأين من يجزم بذلك في نفسه أو غيره وإن كان عالماً أو صالحاً في علو مقامه هنالك، فمن المعلوم أن غير المعصوم يجب أن يكون بين الخوف والرجاء - انتهى.

(باب الدفع من عرفة) أي الرجوع منها (والمزدلفة) عطف على الدفع، أي والنزول فيها، وفي بعض النسخ " إلى المزدلفة " ويجوز عطفه على عرفة أي وباب الدفع من المزدلفة ويؤيده نسخة " ومن المزدلفة إلى منى ".

2628-

قوله (عن هشام بن عروة) هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام أبو المنذر القرشي الأسدي المدني أحد تابعي المدينة المشهورين المكثرين من الحديث المعدودين في أكابر العلماء وجلة التابعين، ثقة ثبت حجة أمام فقيه، رأي ابن عمر ومسح رأسه ودعا له، وسهل بن سعد وجابر وأنسًا، وروى عن أبيه وعمه عبد الله بن الزبير وأخويه عبد الله وعثمان وامرأته فاطمة بنت المنذر بن الزبير وخلق، وروى عنه خلق كثير منهم شعبة ومالك بن أنس والسفيانان والحمادان. ولد سنة إحدى وستين ومائة، ومات ببغداد سنة خمس أو ست وأربعين ومائة، وله سبع وثمانون سنة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أحد الفقهاء السبعة وأحد علماء التابعين تقدم ترجمته (سئل أسامة بن زيد) ابن حارثة بن شراحيل الكلبي الصحابي المشهور، حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه وابن حِبه زيد بن حارثة تقدم ترجمته، وخص بالسؤال لأنه كان رديفه صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، وزاد في رواية مالك والبخاري وأبي داود وغيرهم " وأنا جالس معه " ولمسلم " سئل أسامة وأنا شاهد أو قال: سألت أسامة بن زيد " ولم يتعرض أحد من الشراح لتسمية السائل (حين دفع) أي حين انصرف من عرفة إلى المزدلفة، سمي دفعًا لازدحامهم إذا انصرف فيدفع بعضهم بعضًا (قال) أي أسامة (كان يسير العَنَق) بفتح المهملة والنون آخره قاف هو السير الذي بين الإبطاء والإسراع، قال في المشارق: هو سير سهل في سرعة، وقال القزاز: العنق سير سريع، وقيل المشي الذي يتحرك به عنق لدابة، وفي الفائق العنق الخطو الفسيح، وانتصب على المصدر المؤكد من لفظ الفعل كذا في الفتح، وقال السيوطي: نصبه على المصدر النوعي كرجعت القهقري. وقال القاري: انتصابه على المصدرية انتصاب القهقري أو الوصفية أي يسير السير العنق (فإذا وجد فجوة)

ص: 152

نص. متفق عليه.

2629 – (2) وعن ابن عباس، أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرًا شديدًا وضربًا للإبل، فأشار بسوطه إليهم،

ــ

بفتح الفاء وسكون الجيم فواو مفتوحة، والمكان المتسع بين الشيئين والجمع فجوات بفتحتين وفِجاء بكسر الفاء والمد، ورواه بعض الرواة في الموطأ بلفظ " فرجة " بضم الفاء وسكون الواو وهو بمعنى الفجوة (نص) بفتح النون وتشديد الصاد المهلة فعل ماض وفاعله النبي صلى الله عليه وسلم أي أسرع، قال أبو عبيد: النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها، وأصل النص منتهى الأشياء وغايتها ومبلغ أقصاها، ومنه نصصت الشيء رفعته. قال الشاعر:

ونص الحديث إلى أهله _

فإن الوثيقة في نصه

أي أرفعه إليهم وأنسبه، ثم استعمل في ضرب سريع من السير، وقال هشام بن عروة راوي الحديث كما في رواية البخاري وغيره: النص فوق العنق أي أرفع منه في السرعة. قال النووي: هما نوعان من إسراع السير وفي العنق نوع من الرفق. قال الطبري: وفي هذا دلالة على أن السكينة المأمور بها في الحديث بعده إنما هي من أجل الرفق بالناس، فإن لم يكن زحام سار كيف شاء، وذكر العيني عن الطبري أنه قال: الصواب في السير في الإفاضتين جميعًا ما صحت به الآثار إلا في وادي محسر فإنه يوضع لصحة الحديث بذلك فلو أوضع أحد في مواضع العنق أو العكس لم يلزمه شيء لإجماع الجميع على ذلك غير أنه يكون مخطئًا طريق الصواب. وقال ابن خزيمة: في هذا الحديث دليل على أن الحديث الذي رواه ابن عباس عن أسامة (عند أبي داود وغيره) أنه قال: فلما رأيت ناقته رافعة يديها حتى أتى جمعًا. محمول على حال الزحام دون غيره، ذكره الحافظ. وقال ابن عبد البر: ليس في هذا الحديث أكثر من معرفة كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة وهو مما يلزم أتمة الحاج فمن دونهم فعله لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة أي فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدمها لأجل الصلاة، فيه أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته وسكونه ليقتدوا به في ذلك (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي الجهاد وفي المغاري ومسلم في الحج، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 5: ص 205، 210) ومالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحميدي (ج 1: ص 248) والدارمي وأبو داود الطيالسي وابن خزيمة في صحيحة وأبو عوانة وابن جرير والبيهقي (ج 5: ص 119) .

2629-

قوله (دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم) أي أفاض معه (يوم عرفة) أي من عرفة إلى المزدلفة (زَجْرًا) بفتح الزاي وسكون الجيم بعدها راء أي صياحًا لحث الإبل وسوقًا لها برفع الأصوات (فأشار بسوطه إليهم) ليتوجهوا إليه ويسمعوا

ص: 153

وقال: " أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع ". رواه البخاري.

2630 – (3) وعنه، أن أسامة بن زيد كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة.

ــ

قوله (عليكم بالسكينة) أي في السير، والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة، يعني لازموا الطمأنينة والرفق وعدم المزاحمة في السير، وعلل ذلك بقوله (فإن البر) أي الخير (ليس بالإيضاع) الإيضاع الإسراع وحمل الخيل والركاب على سرعة السير، يعني الإسراع ليس من البر إذا كثر الناس في الطريق، فإن الإسراع في مثل هذه الحالة أي عند ازدحام الناس في الطريق يؤذيهم بصدمة الدواب والرجال، ولا خير في هذا بل الخير في الذهاب على السكون في مثل هذه الحالة. وقال الحافظ: قوله ((فإن البر ليس بالإيضاع)) أي السير السريع، ويقال هو سير مثل الخبب فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر أي مما يتقرب به، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة: ليس السابق من سبق بعيره وفرسه ولكن السابق من غفر له. وقال المهلب: إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء عليهم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة. وقيل إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك أي قوله ((عليكم بالسكينة)) في ذلك الوقت الذي لم يجد فجوة فلا ينافي الحديث السابق. وقال القاري: حاصل ما قال صلى الله عليه وسلم أن المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إلى المبرات مطلوبة لكن لا على وجه يجر إلى المكروهات وما يترتب عليه من الأذيات، فلا تنافي بينه وبين الحديث السابق (رواه البخاري) وكذا البيهقي (ج 5: ص 119) وأخرجه أيضًا أحمد (ج 1: ص 251، 269، 353) وأبو داود والبيهقي بنحوه.

2630-

قوله (وعنه) أي عن ابن عباس (أن أسامة بن زيد كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم) بكسر الراء وسكون الدال وهو الراكب خلف الراكب كالرديف والمرتدف (ثم أردف الفضل) أي ابن عباس يعني جعله رديفه (فكلاهما) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وفي البخاري ((قال (أي ابن عباس) فكلاهما)) أي الفضل بن عباس وأسامة بن زيد (قال) الضمير راجع للفظ فإن ((كلا)) مفرد لفظًا ومثنى معنى وهو أفصح من أن يقال فكلاهما قالا، قال تعالى {كلتا الجنتين آتت أكلها} (18: 33) أو المعنى كل واحد منهما قال (لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة) أي شرع في رمي الجمرة أو فرغ منه قولان، ويؤيد الثاني ما وقع في رواية ابن خزيمة كما سيأتي: فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة. ويؤيد الأول ما رواه البيهقي بإسناده عن عبد الله قال:((رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة)) . قال الحافظ: زاد ابن أبي شيبة من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل في هذا الحديث ((فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة)) . قال الحافظ: وفي هذا الحديث يعني حديث ابن عباس الذي نحن في شرحه أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح أنه كان يقول: التلبية شعار الحج فإن كنت حاجًا فلب حتى بدأ حلك وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة. وروى سعيد بن

ص: 154

..............................................................................................

ــ

منصور من طريق ابن عباس قال: حججت مع عمر إحدى عشرة حجة وكان يلبي حتى يرمي الجمرة، وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم، وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة، وقالت طائفة: يقطعها إذا راح الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث، وعن الحسن البصري مثله لكن قال: إذا صلى الغداة يوم عرفة وهو بمعنى الأول، وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حججت مع عبد الله فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي فقال رجل: أعرابي هذا؟ فقال عبد الله: أنسي الناس أم ضلوا؟ وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع، وجمع بذلك بين ما اختلف من الآثار، والله اعلم. واختلفوا أي الأولون: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال: أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة، قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى. وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها - انتهى كلام الحافظ. قال الشوكاني: والأمر كما قال ابن خزيمة، فإن هذه الزيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه - انتهى. قلت: لكن قال البيهقي في السنن الكبرى (ج 5: ص 137) بعد ذكر رواية جابر بلفظ ((فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها)) تكبيرة مع كل حصاة كالدلالة على قطعه التلبية بأول حصاة، وكذا قال في معرفة السنن. قال: وقوله ((يلبي حتى رمى الجمرة)) أراد به حتى أخذ في رمي الجمرة وأما ما في رواية الفضل من الزيادة فإنها غريبة أوردها ابن خزيمة واختارها وليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل بن عباس - انتهى. واعترض عليه ابن التركماني فقال: الغريب إذا صح سنده يعمل به. وقد أخرج ابن حزم هذا الحديث في كتاب حجة الوداع بسند جيد من حديث أبي الزبير عن أبي معبد مولى ابن عباس (1) . عن الفضل، ولفظه ((ولم يزل عليه السلام يلبي حتى أتم رمي جمرة العقبة)) ، وهذا صريح وهو يقوي الرواية التي رواها ابن خزيمة واختارها. ويدل على أنها ليست بغريبة، والعجب من البيهقي كيف يترك هذا الصريح ويستدل بقوله ((يكبر)) على قطع التلبية لأول حصاة مع أن التكبير لا يمنع التلبية، إذ الحاج له أن يكبر ويلبي ويهلل، وقد بين ذلك ابن مسعود بقوله ((فما ترك التلبية حتى رمى الجمرة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل)) . وقال أبو عمر في التمهيد: قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها.

(1) كذا وكأنه سقط ((عن ابن عباس)) .

ص: 155

متفق عليه.

2631 – (4) وعن ابن عمر، قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع، كل واحدة منهما بإقامة،

ــ

قالوا: وهو ظاهر الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، ولم يقل أحد من رواة هذا الحديث ((حتى رمى بعضها)) على أنه قد قال بعضهم في حديث عائشة: ثم قطع التلبية في آخر حصاة. وفي الإشراف لابن المنذر: وروى بعض أصحابنا ممن يقول بظاهر الأخبار خبر ابن عباس، ثم قال: قطع التلبية مع آخر حصاة – انتهى كلام ابن التركماني. وقال الشنقيطي: الأظهر أنه يقطع التلبية عند الشروع في رمي العقبة وأن قوله ((حتى رمى جمرة العقبة)) يراد به الشروع في رميها لا الانتهاء منه، ومن القرائن الدالة على ذلك ما ثبت في الروايات الصحيحة من التكبير مع كل حصاة، فظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير مع الحصاة لتتابع رمي الحصيات، وقال بعد ذكر قول ابن خزيمة المتقدم: وعلى تقدير صحة الزيادة المذكورة لا ينبغي العدول عنها. تنبيه: ما حكى الحافظ وابن عبد البر وغيرهما من الشراح ونقلة المذاهب كالنووي والعيني عن الإمام أحمد من قطع التلبية عند انتهاء الرمي والفراغ منه هي رواية عنه مرجوحة، لأن عامة فروعه مصرحة بقطعها مع أول حصاة موافقًا للجمهور، ففي نيل المآرب: تسن التلبية من حين الإحرام إلى أول الرمي أي رمي جمرة العقبة – انتهى. وقريب منه ما في الروض المربع. وقال في العدة شرح العمدة: ويقطعها عند أول حصاة يرميها لأنه قد روى في بعض ألفاظ حديث ابن عباس ((فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة قطع عند أول حصاة)) . رواه حنبل في المناسك – انتهى. وفي المغني والشرح الكبير تحت قول الخرقي: ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي، وممن قال يلبي حتى يرمي الجمرة ابن مسعود وابن عباس وميمونة، وبه قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لرواية الفضل بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة وكان ردفيه يومئذ، وهو أعلم بحاله من غيره، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على ما خالفه. ويستحب قطع التلبية عند أول حصاة للخبر، وفي بعض ألفاظه ((حتى رمى جمرة العقبة، قطع عند أول حصاة)) ، رواه حنبل في المناسك. وهذا بيان يتعين الأخذ به. وفي رواية من روى ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة)) دليل على أنه لم يكن يلبي – انتهى مختصرًا. (متفق عليه) وأخرجه أيضًا أحمد (ج 1: ص 214) ورواه هو مرارًا وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ مختصرًا ومطولاً وارجع إلى جامع الأصول (ج 4: ص 88) .

2631 – قوله (جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع) أي بالمزدلفة في وقت العشاء (كل واحدة منهما) بالرفع على الجملة الحالية وبالنصب على البدلية (بإقامة) قال القاري: أي على حدة، وبه قال زفر، واختاره الطحاوي وغيره من علمائنا. قلت: ورجحه ابن الهمام وقال الطحاوي بعد اختياره هذا القول: وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف

ص: 156

ولم يسبح بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما. رواه البخاري.

2632 – (5) وعن عبد الله بن مسعود، قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها، إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع،

ــ

ومحمد، وذلك أنهم يذهبون في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة إلى أن يجعلوا ذلك بأذان وإقامة واحدة – انتهى. ولم يذكر في حديث ابن عمر هذا الأذان وهو ثابت في حديث جابر وفي حديث ابن مسعود فلا بد من القول به وقد تقدم البسط في ذلك في شرح حديث جابر الطويل (ولم يسبح بينهما) أي لم يتنفل بين صلاة المغرب والعشاء (ولا على إِثْر كل واحدة منهما) بكسر الهمزة وسكون المثلثة بمعنى أثر بفتحتين أي ولا عقب كل واحدة منهما، لا عقب الأولى ولا عقب الثانية، وهذا تأكيد بالنظر إلى الأولى تأسيس بالنظر إلى الثانية فليتأمل قاله السندي (رواه البخاري) وكذا النسائي والبيهقي (ج 5: ص 120) وأخرج مسلم معناه، ولذا ذكره الحافظ عبد الغني في عمدته في ما اتفق عليه الشيخان، فالحديث متفق عليه.

2632 – قوله (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها) أي في وقتها، وفي رواية ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها)) (إلا صلاتين صلاة المغرب) نصبه على البدلية أو بتقدير أعني أي أعني بهما صلاة المغرب (والعشاء يجمع) قال القاري: أي صلاة المغرب في وقت العشاء أي وصلاة الظهر والعصر بعرفة فإنه صلى العصر في وقت الظهر ولعله روى هذا الحديث بمزدلفة، ولذا اكتفى عن ذكر الظهر والعصر، فلا بد من تقديرهما أو ترك ذكرهما لظهورهما عند كل أحد، إذا وقع ذلك الجمع في مجمع عظيم في النهار على رؤوس الأشهاد فلا يحتاج إلى ذكره في الاستشهاد بخلاف جمع المزدلفة، فإنه بالليل، فاختص بمعرفته بعض الأصحاب، والله تعالى اعلم. والحاصل أن في العبارة مسامحة وإلا فلا يصح قوله ((إلا الصلاتين)) المراد بهما المغرب والعشاء سواء اتصل الاستثناء كما هو ظاهر الأداة أو انقطع كما بنى عليه ابن حجر البناء، فإن صلاة العشاء في ميقاتها المقدر شرعًا إجماعًا – انتهى كلام القاري. وقال الولي العراقي: قوله ((صلاة المغرب والعشاء بجمع)) أي وكذا بعرفات أيضًا في الظهرين كما عند النسائي (أي في باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة) عن ابن مسعود ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع وعرفات)) فلم يحفظ راوي هذه الرواية ذكر عرفات وحفظه غيره، والحافظ حجة على الناسي – انتهى. وحينئذ فالمراد بقوله ((إلا صلاتين)) المغرب بمزدلفة فإنها أخرت والعصر بعرفة فإنها قدمت، فهاتان الصلاتان قد وقع فيهما التحويل عن وقتي أدائهما المعهودين في غير هذا اليوم حقيقة ثم استطرد بذكر الفجر لأنه متحولاً أيضًا عن وقته المستحب المعتاد في سائر الأيام وإن كان لم يتحول عن وقته الأصلي. وقال السندي في حاشية النسائي: هذا الحديث من مشكلات الأحاديث وقد

ص: 157

.............................................................................................

ــ

تكلمت عليه في حاشية صحيح البخاري (في باب من يصلي الفجر بجمع) والصحيح في معناه أن مراده ما رأيته صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها المعتاد لقصد تحويلها عن وقتها المعتاد وتقريرها في غير وقتها المعتاد لما في صحيح البخاري من روايته رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان. وهذا معنى وجيه، ويحمل قوله ((قبل ميقاتها)) على هذا على الميقات المعتاد، ويقال إنه غلس تغليسًا شديدًا يخالف التغليس المعتاد، لا أنه صلى قبل أن يطلع الفجر فقد جاء في حديثه وحديث غيره أنه صلى بعد طلوع الفجر، وعلى هذا المعنى لا يرد شيء سوى الجمع بعرفة، ولعله كان يرى ذلك للسفر، والله أعلم – انتهى. واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع، وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وابن عباس وغيرهم وتقدم في موضعه ما فيه كفاية، وأيضًا فالاستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به. وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق، وأيضًا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذا في الفتح. وقال النووي: قد يحتج أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث على منع الجمع بين الصلاتين في السفر، لأن ابن مسعود من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر أنه ما رآه يجمع إلا في هذه الليلة، ومذهب الجمهور جواز الجمع في جميع الأسفار المباحة التي يجوز فيها القصر. والجواب عن هذا الحديث أنه مفهوم وهم لا يقولون به ونحن نقول بالمفهوم ولكن إذا عارضه منطوق قدمناه على المفهوم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع ثم هو مترك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات – انتهى. وقال السندي في حاشية البخاري (ج 1: ص 201) : قد استدل به من ينفي جمع السفر كعلمائنا الحنفية، ورده النووي بأنه مفهوم وهم لا يقولون به ونحن نقول به إذا لم يعارضه منطوق كما ها هنا وتعقبه العيني فقال: لا نسلم أنهم لا يقولون بالمفهوم وإنما لا يقولون بالمفهوم المخالف – انتهى. قلت: (قائله السندي) وهذا عجيب منهما فإن استدلال الحنفية بصريح النفي الذي هو منطوق لا بالإثبات الذي يدل عليه الاستثناء بالمفهوم، ولو كان بالإثبات من باب المفهوم المخالف بالاتفاق فلم يكن لقول العيني وجه، بقي أن الاستدلال به فرع تصور معناه ومعناه ها هنا لا يخلو عن خفاء، إذ ظاهره يفيد أنه صلى الفجر قبل وقته، وهو مخالف للإجماع وقد جاء خلافه في روايات حديث ابن مسعود أيضًا وفي حديث جابر. أجيب بأن المراد أنه صلى قبل الوقت المعتاد بأن غلس، ورد بأن هذا يقتضي أن يكون المعتاد الإسفار وهو خلاف ما يفيده تتبع الأحاديث الصحاح الواردة في صلاة الفجر، أجيب بأن المراد التغليس الشديد، والحاصل أنه صلى يومئذ أول ما طلع الفجر والمعتاد أنه كان يصلي بعد ذلك بشيء، فيرد أنها صارت حينئذ لوقتها فكيف يصح عدها لغير وقتها حتى تستثني من قوله:" ما رأيت " إلخ. أجيب بأن المراد بقوله لغير وقتها المعتاد، قلت: فيلزم من

ص: 158

وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. متفق عليه.

2633 -

(6) وعن ابن عباس، قال: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.

ــ

اعتبار العموم فيه أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة في غير الوقت المعتاد أبدًا لا بتقديم شيء ولا بتأخيره، لا سفرًا ولا حضرًا سوى هاتين الصلاتين بل كان دائمًا يصلي في وقت واحد، وهذا خلاف ما يعرفه كل أحد بالبديهة وخلاف ما يفيده تتبع الأحاديث وخلاف ما أول به علماؤنا جمع السفر من الجمع فعلاً، فإنه لا يكون إلا بتأخير الصلاة الأولي إلى آخر الوقت، فلزم كونها في الوقت الغير المعتاد، ثم هو مشكل بجمع عرفة أيضًا، وحينئذ فلا بد من القول بخصوص هذا الكلام بذلك السفر مثلاً. ويبقى بعد جمع عرفة فيقال لعله ما حضر ذلك الجمع فما رأى. فلا ينافي قوله ما رأيت، أو يقال لعله ما رأى صلاة خارجة عن الوقت المعتاد غير هاتين الصلاتين فأخبر حسب ما رأى ولا اعتراض عليه ولا حجة للقائلين بنفي الجمع، والأحسن منه ما يشير إليه كلام البعض. ثم ذكر السندي ما تقدم من كلامه وتوجيهه في حاشيته على النسائي (وصلى الفجر يومئذ) أي بمزدلفة (قبل ميقاتها) أي قبل وقتها المعتاد فعلها فيه في الحضر لا أنه أوقعها قبل طلوع الفجر كما يتبادر من ظاهر اللفظ، ووقتها المعتاد أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه. قال النووي: المراد به قبل وقتها المعتاد لا قبل طلوع الفجر، لأن ذلك ليس بجائز بإجماع المسلمين والغرض أن استحباب الصلاة في أول الوقت في هذا اليوم أشد وآكد، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم كان في غير هذا اليوم يتأخر عن أول طلوع الفجر إلى أن يأتيه بلال، وفي هذا اليوم لم يتأخر لكثرة المناسك فيه فيحتاج إلى المبالغة في التبكير ليتسع له الوقت. قال الحافظ: ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها، بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسرائيل (عند البخاري) حيث قال: ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول: طلع الفجر وقائل يقول: لم يطلع (متفق عليه) . وأخرجه أيضًا أحمد (ج1: ص 384، 426) وأبو داود والنسائي والبيهقي (ج 5: ص 124) .

2633-

قوله (أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم) أي قدمه (ليلة المزدلفة) أي إلى منى (في ضعفة أهله) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف أي في الضعفاء من أهله وهم النساء والصبيان والخدم والمشائخ العاجزون وأصحاب الأمراض، وقال ابن حزم: الضعفة هم الصبيان والنساء فقط. والحديث يرد عليه لأنه أعم من ذلك. قال العيني: يدخل فيه المشائخ

ص: 159

متفق عليه.

2634 – (7) وعن الفضل بن عباس، وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

العاجزون لأنه روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة بني هاشم وصبيانهم بليل، رواه ابن حبان في الثقات وقوله " ضعفة بني هاشم " أعم من النساء والصبيان والمشائخ العاجزين وأصحاب الأمراض لأن العلة خوف الزحام عليهم – انتهى. قلت: ويؤيده رواية الطحاوي عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ليلة المزدلفة: اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس، قال: فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف، ولأبي عوانة من طريق أبي الزبير عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم العيال والضعفة إلى منى من المزدلفة. والحديث دليل على جواز الإفاضة من مزدلفة إلى منى في الليل قبل طلوع الفجر وقبل الوقوف بالمشعر الحرام للنساء والصبيان والضعفة من الرجال ولكن لا يجزئ في أول إجماعًا. قال ابن قدامة: لا بأس بتقديم الضعفة والنساء أي بعد نصف الليل، وممن كان يقدم ضعفة أهله عبد الرحمن بن عوف وعائشة وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا، ولأن فيه رفقًا بهم ودفعًا لمشقة الزحام عنهم وإقتداء بفعل نبيهم صلى الله عليه وسلم – انتهى. وأعلم أن ها هنا مسألتان خلافيتان اشتبهت إحداهما بالأخرى على شراح الحديث ونقلة المذاهب، إحداهما الوقوف بالمزدلفة بعد طلوع الفجر من صبيحة يوم النحر، والثانية المبيت بها ليلة النحر وربما أطلقت شراح الحديث وأصحاب الفروع إحداهما على الأخرى ولا يخفى ذلك على من طالع شرحي البخاري للحافظ والعيني وشرحي مسلم للنووي والأبي، وشرحي الموطأ للباجي والزرقاني والنيل للشوكاني والمغني لابن قدامة وشرح الهداية لابن الهمام والبداية لابن رشد وشرح المهذب للنووي وغير ذلك من كتب شروح الحديث والفقه والمناسك، وحاصل مسالك الأئمة الأربعة وأتباعهم أن المبيت بالمزدلفة إلى ما بعد النصف الأول واجب عن الشافعي على المعتمد وأحمد وهذا لمن أدركه قبل النصف وإلا فالحضور ساعة في النصف الأخير كاف، وعند مالك النزول بقدر حط الرحال واجب في أي وقت من الليل كان. وعند الحنفية المبيت سنة مؤكدة وهو قول للشافعي وركن عن السبكي وابن المنذر وأبي عبد الرحمن من الشافعية، وأما الوقوف بعد الفجر فواجب عند الحنفية وسنة عند الأئمة الثلاثة وفريضة عند ابن الماجشون وابن العربي من المالكية وإن شئت الوقوف على تفاصيل مذاهبهم مع الأدلة فارجع إلى الفتح للحافط والعمدة للعيني والمغني وأضواء البيان للشنقيطي (متفق عليه) . وأخرجه أيضًا أحمد مرارًا وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.

2634-

قوله (وعنه) أي عن ابن عباس أي عبد الله فإنه المراد به عند الإطلاق (عن الفضل بن عباس) أي أخيه شقيقه (وكان) أي الفضل (رديف النبي) وفي بعض النسخ " رديف رسول الله. كما في مسلم أي من المزدلفة إلى منى

ص: 160

أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: " عليكم بالسكينة ". وهو كاف ناقته حتى دخل محسرًا، وهو من منى قال: " عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة، وقال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة. رواه مسلم.

2635 – (8) وعن جابر، قال: أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من جمع، وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر،

ــ

والجملة معترضة (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال في عيشة عرفة) أي بناء على ما سمعه وهو غير رديفه (وغداة جمع) أي من مزدلفة يعني حال كونه رديفًا له (حين دفعوا) أي انصرفوا من عرفة والمزدلفة (عليكم بالسكينة) مقول القول، وهذا إرشاد إلى الأدب والسنة في السير من عرفة ومن مزدلفة ويلحق به سائر مواضع الزحام (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (كاف ناقته) بتشديد الفاء أي كان يكفها ويمنعها من الإسراع حين الزحام (حتى دخل محسِّرًا) بتشديد السين المكسورة أي يحرك دابته فيه (وهو) أي المحسر (من منى) فيه أن وادي محسر من منى وقيل هو من المزدلفة، والتحقيق أنه كالبرزخ بين المزدلفة ومنى، ومعنى قوله " هو من منى " أي موضع قريب من منى في آخر المزدلفة (عليكم بحصى الخذف) بخاء معجمة مفتوحة ثم ذال معجمة ساكنة بوزن الضرب تقول: خذفت الحصاة ونحوها خذفًا من باب ضرب، رميتها بطرفي الإبهام والسبابة. والمراد الحصى الصغار نحو الباقلا، وقد تقدم بيان ذلك في شرح حديث جابر الطويل (الذي يرمي به الجمرة) بالرفع على أنه نائب الفاعل، والمعنى يلزمكم أن ترفعوا حصى لترموا بها الجمرة، ثم اختلفوا في أنه يرفعها من الطريق وهو ظاهر الحديث، وجاء في بعض الروايات رفعها من المزدلفة وهذا منقول عن ابن عمر وسعيد بن جبير والمختار أنه يجوز أن يرفع من أي مكان شاء إلا الجمرات التي رمى بها، ويجوز بها أيضًا لكن الأفضل أن لا يرمى بها، ثم اختلفوا في أن ترفع سبع حصيات لرمى يوم النحر فقط. ونص الشافعي على استحباب ذلك، أو سبعين حصاة، سبعة ليوم النحر وثلاثًا وستين لما بعده من الأيام وظاهر إفراد الجمرة ينظر إلى القول الأول، والله أعلم. وارجع لمزيد التفصيل إلى المغنى (ج 3: ص 424) (وقال) أي الفضل (حتى رمى الجمرة) أي جمرة العقبة يوم النحر وعند ذلك قطع التلبية. والحديث يدل على أنه مستحب لمن بلغ وادي محسر إن كان راكبًا يحرك دابته، وإن كان ماشيًا أسرع في مشيه (رواه مسلم) . وأخرجه أيضًا أحمد (ج 1: ص 210) والنسائي والبيهقي (ج5: ص 127) .

2635 – قوله (من جمع) أي من المزدلفة (وعليه السكينة) جملة حالية (وأمرهم) أي الناس (وأوضع) أي أسرع السير بإبله، يقال وضع البعير يضع وضعًا وأوضعه راكبه إيضاعًا إذا حمله على سرعة السير (في وادي محسر) أي قدر رمية حجر. قال الشوكاني: حديث جابر هذا يدل على أنه يشرع الإسراع في وادي محسر. قال الأزرقي: وهو

ص: 161