المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(الفصل الثالث) 2610 - (26) عن ابن عمر، قال: ما تركنا - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: ‌ ‌(الفصل الثالث) 2610 - (26) عن ابن عمر، قال: ما تركنا

(الفصل الثالث)

2610 -

(26) عن ابن عمر، قال: ما تركنا استلام هذين الركنين: اليماني والحجر، في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما. متفق عليه.

2611 -

(27) وفي رواية لهما: قال نافع: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

2612 -

(28) وعن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: " طوفي من وراء الناس

ــ

2610 -

قوله (اليماني) بتخفيف الياء وتشديدها مجرورًا (والحجر) أي الأسود (في شدة) أي زحام (ولا رخاء) أي خلاء، قال الحافظ: الظاهر أن ابن عمر لم ير الزحام عذرًا في ترك الاستلام. وقد روى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى، ومن طريق أخرى أنه قيل له في ذلك، فقال: هوت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم. وروى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة، قال: لا يؤذي ولا يؤذى (متفق عليه) أخرجه أيضًا أحمد (ج 2: ص 3) والدارمي والبيهقي (ج 5: ص 76) .

2611 -

قوله (وفي رواية لهما) واللفظ لمسلم (يستلم الحجر بيده ثم قبل يده) لعل هذا في وقت الزحام حيث لا يقدر على تقبيل الحجر (منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله) قال القاري: أي الاستلام المطلق أو المخصوص، إذ ثبت الاستلام والتقبيل عنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين - انتهى. وقيل: الظاهر أن الضمير للاستلام مطلقًا، ويجوز أن يكون للاستلام على الوجه المخصوص المذكور وهو أنه استلم الحجر بيده ثم قبل يده، والأول هو الوجه فافهم - انتهى. قلت: الظاهر بل الأظهر عندي هو الثاني، وهذه الرواية أخرجها أيضًا أحمد (ج 2: ص 108) والبيهقي (ج 5: ص 75) .

2612 -

قوله (وعن أم سلمة) أم المؤمنين والدة زينب بنت أبي سلمة الراوية عنها هذا الحديث (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أوان الخروج من مكة إلى المدينة (أني أشتكى) أي أتوجع، وهو مفعول ((شكوت)) والشكوى والشكاية إخبار عن مكروه أصابه، وهو المراد بقولها شكوت، ويجيء بمعنى المرض وهو المراد بقولها ((أني أشتكي)) فيكون المعنى ((شكوت إليه صلى الله عليه وسلم أني مريضة)) ومقصودها أنها لا تستطيع الطواف ماشية لضعفها من تلك الشكوى التي كانت بها (طوفي من وراء الناس) إنما أمرها أن تطوف من وراء الناس ليكون استر لها ولا تقطع صفوفهم ولا يتأذون

ص: 124

وأنت راكبة ". فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت،

ــ

بدابتها، ولأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف، وقال الباجي: طواف النساء وراء الرجال لهذا الحديث ولم يكن لأجل البعير، فقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره يستلم الركن بمحجن، وهذا يدل على اتصاله بالبيت، لكن من طاف غيره من الرجال على بعير فيستحب له إن خاف أن يؤذي أحدًا أن يبعد قليلاً، وإن لم يكن حول البيت زحام، وأمن أن يؤذي أحدًا فليقرب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وأما المرأة فإن من سنتها أن تطوف وراء الرجال. انتهى. وفي الحديث جواز الطواف للراكب إذا كان لعذر ويلتحق بالراكب المحمول وقد تقدم الكلام في ذلك (وأنت راكبة) أي على بعيرك كما في رواية هشام عند البخاري عن عروة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ". ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت – انتهى. وقد علم من هذه الرواية أن القصة لطواف الوداع، ويدل عليه أيضًا رواية النسائي عنها قالت " يا رسول الله والله ما طوفت طواف الخروج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة فطوفي ". قال القاري: فيه دلالة على أن الطواف راكبًا ليس من خصوصياته عليه الصلاة والسلام (فطفت) أي راكبة من وراء الناس (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) أي بالناس صلاة الصبح كما تدل عليه رواية البخاري المذكورة (إلى جنب البيت) أي متصلاً إلى جدار الكعبة، وفيه تنبيه على أن أصحابه صلى الله عليه وسلم كانوا متحلقين حولها، وفيه دلالة على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بأصحابه بالجماعة كانت بفناء الكعبة وأن طوافها كان وراء المصلين، وفيه أن من طاف راكبًا يتوخى خلوة المطاف لئلا يهوش على الطائفين، واستدل بالحديث المالكية على طهارة بول ما يؤكل لحمه وهو المشهور عن أحمد خلافًا لما ذهب إليه الحنفية والشافعية قال ابن بطال: في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب. وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز مع الحاجة أي في غيرها ولا على عدم الجواز مع عدم الحاجة فيها. قال الحافظ: بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول، وقد قيل: إن ناقته صلى الله عليه وسلم كانت منوقة أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث، وهي سائرة، فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك، والله أعلم. وقال النووي: هذا الحديث لا دلالة فيه (أي على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه كما هو مذهب مالك وأحمد) لأنه ليس من ضرورة أنه يبول أو يروث في حال الطواف وإنما هو محتمل، وعلى تقدير حصوله ينظف المسجد منه كما أنه صلى الله عليه وسلم أقر إدخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم بل قد وجد ذلك، ولأنه لو كان ذلك محققًا لنزه المسجد منه، سواء كان نجسًا أو طاهرًا لأنه مستقذر – انتهى. وقال الشوكاني: ويرد ذلك (أي استدلال أصحاب مالك وأحمد بهذا الحديث على طهارة بول مأكول اللحم وروثه) بوجوه: أما أولاً فلأنه لم يكن إذ ذاك قد حوط المسجد كما تقدم. وأما ثانيًا فلأنه ليس من لازم الطواف على البعير أن يبول. وأما ثالثًا فلأنه يطهر

ص: 125

يقرأ بالطور وكتاب مسطور.

ــ

منه المسجد كما أنه صلى الله عليه وسلم أقر إدخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم. وأما رابعًا فلأنه يحتمل أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له – انتهى (يقرأ بالطور وكتاب مسطور) أي بهذه السورة في ركعة واحدة كما هو عادته عليه الصلاة والسلام. والحديث قد يستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضًا على الأعيان إلا أن يقال إن أم سلمة كانت شاكية فهي معذورة، أو الوجوب يختص بالرجال، كذا في الفتح. اعلم أنه اتفق الجمهور على كراهة ابتداء الطواف ومنعه عند إقامة المكتوبة، وأما قطع الطواف للمكتوبة أو لصلاة الجنازة أو لغيرهما من الأعذار فاختلف العلماء فيه. قال ابن قدامة (ج 3: ص 395) : إذا تلبس بالطواف أو بالسعي ثم أقيمت المكتوبة فإنه يصلي مع الجماعة في قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر وسالم وعطاء والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وروي ذلك عنهم في السعي. وقال مالك: يمضي في طوافه ولا يقطعه إلا أن يخاف أن يضر بوقت الصلاة، لأن الطواف صلاة فلا يقطعه لصلاة أخرى. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. والطواف صلاة فيدخل تحت عموم الخبر، وإذا ثبت ذلك في الطواف بالبيت مع تأكده ففي السعي بين الصفا والمروة أولى مع أنه قول ابن عمرو ومن سميناه من أهل العلم، ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفًا. وإذا صلى بنى على طوافه وسعيه في قول من سمينا من أهل العلم. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف في ذلك إلا الحسن، فإنه قال: يستأنف. وكذلك الحكم في الجنازة إذا حضرت يصلى عليها ثم يبني على طوافه لأنها تفوت بالتشاغل عنها، قال أحمد: ويكون ابتداؤه من الحجر يعني أنه يبتدئ الشوط الذي قطعه من الحجر حين يشرع في البناء – انتهى. قلت: وما ذكر عن مالك من المضي في الطواف وعدم قطعه هو مخالف لما في كتب فروع المالكية، فإنهم نصوا بوجوب القطع للمكتوبة، وكذا حكى عامة شراح البخاري عن مالك قطعه للمكتوبة موافقًا للجمهور. وقال النووي في مناسكه: وإذا أقيمت الجماعة للمكتوبة وهو في الطواف أو عرضت حاجة ماسة قطع الطواف لذلك فإذا فرغ يبني، والاستئناف أفضل، ويكره قطعه بلا سبب حتى يكره قطع الطواف المفروض لصلاة جنازة أو صلاة نافلة – انتهى. قال ابن حجر في شرحه: وحيث قطعه فالأولى أن يقطعه عن وتر، وأن يكون من عند الحجر الأسود – انتهى. وقال ابن عابدين: إذا حضرت الجنازة أو المكتوبة في أثناء الشوط هل يتمه أو لا؟ لم أر من صرح به عندنا، وينبغي عدم الإتمام إذا خاف فوت الركعة مع الإمام. وإذا عاد البناء هل يبني من محل انصرافه أو يبتدئ الشوط من الحجر؟ والظاهر الأول قياسًا على من سبقه الحدث في الصلاة وهو ظاهر قول الفتح بنى على ما كان طافه – انتهى. وعد صاحب اللباب الطواف عند إقامة المكتوبة في المكروهات. قال القاري: فإن ابتداء الطواف حينئذ مكروه بلا شبهة، وأما إذا كان يمكنه إتمام الواجب عليه وإلحاقه بالصلاة وإدراك الجماعة فالظاهر أنه هو الأولى من قطعه – انتهى. وقال الدردير: ابتدأ طوافه لبطلانه واجبًا كان أو تطوعًا انقطع

ص: 126

متفق عليه.

2613 – (29) وعن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول: إني لأعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ما قبلتك.

ــ

لجنازة ولو قل الفصل، لأنها فعل آخر غير ما هو فيه فلا يجوز القطع لها اتفاقًا ما لم تتعين، فإن تعينت وجب القطع إن خشى تغيرها وإلا فلا يقطع، وإذا قلنا بالقطع فالظاهر أنه يبني كالفريضة كذا قالوا، وقطعه وجوبًا ولو ركنًا للفريضة أي لإقامتها للراتب، ودخل معه إن لم يكن صلاها أو صلاها منفردًا، والمراد بالراتب إمام مقام إبراهيم على الراجح وأما غيره فلا يقطع له لأنه كجماعة غير الراتب، وندب له كمال الشوط إن أقيمت عليه أثناءه ليبني من أول الشوط، فإن لم يكمله ابتدأ من موضع خرج، وندب أن يبتدئ ذلك الشوط، كما قاله ابن حبيب – انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في صفة الصلاة وفي الحج وفي التفسير، ومسلم في الحج، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 6: ص 319) ومالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن الجارود (ص 161) والبيهقي (ج 5: ص 68، 101) .

2613 -

قوله (وعن عابس) بموحدة فمكسورة ثم مهملة (بن ربيعة) النخعي الكوفي، ثقة مخضرم من كبار التابعين. قال الحافظ: روى عن عمر وعلي وحذيفة وعائشة، وعنه أولاده عبد الرحمن وإبراهيم وأسماء وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم بن جرير النخعي. قال الآجري عن أبي داود: جاهلي سمع من عمر. وقال النسائي ثقة، وقال ابن سعد: هو من مذحج، وكان ثقة، وله أحاديث يسيرة – انتهى. وليس هو عابس بن ربيعة الغطيفي الصحابي الذي شهد فتح مصر، قال الحافظ في التقريب في ترجمة عابس بن ربيعة الغطيفي: وهم من خلطه بالذي قبله أي بعابس بن ربيعة النخعي. وقال في تهذيب التهذيب: فرق ابن ماكولا بين الغطيفي والنخعي وهو الصواب (يقبل الحجر) أي الأسود (ويقول) مخاطبًا له ليسمع الناس (إني لأعلم أنك حجر ما تنفع) قال القاري: وفي نسخة ((لا تنفع)) (ولا تضر) أي بذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب. فمعناه أنه لا قدرة له على نفع ولا ضر، وأنه حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع (ولولا أني رأيت رسول الله يقبل) كذا وقع في أكثر النسخ، وفي نسخة المرقاة ((يقبلك)) والذي في صحيح مسلم عن عابس بن ربيعة ((قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول: إني لأقبلك وأعلم أنك حجر. ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك)) وفي البخاري: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: ((إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)) . قال الطيبي: إنما قال ذلك لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين قد ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها ورجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها فخاف أن يراه بعضهم يقبله فيفتن به فبين أنه لا ينفع ولا يضر وإن كان امتثال ما شرع فيه باعتبار الجزاء والثواب. وليسمع

ص: 127

متفق عليه.

ــ

في الموسم فيشتهر في البلدان المختلفة. وفيه الحث على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تقبيله وتنبيه على أنه لولا الاقتداء لما فعله. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: إنما قال ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال بأن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله فأراد عمر أن يعلم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل والوقوف عند أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله بتعظيمها وأن استلامه مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم الأصنام لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، فنبه عمر على مخالفة هذا الاعتقاد، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا من يملك الضرر والنفع وهو الله جل جلاله. وقال المحب الطبري: إن قول عمر ((إنك حجر لا تضر ولا تنفع)) طلب منه للآثار وبحث عنها وعن معانيها، ولما رأى أن الحجر يستلم ولا يعلم له سبب يظهر للحس ولا من جهة العقل ترك فيه الرأي والقياس وصار إلى محض الإتباع كما صنع في الرمل. وقال الخطابي: في قول عمر من العلم أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة. وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها إلا أن معلومًا في الجملة أن تقبيل الحجر إنما هو إكرام له وإعظام لحقه، وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل بعض البقاع والبلدان على بعض وكما فضل بعض الليالي والأيام والشهور على بعض، وباب هذا كله التسليم، وهو أمر سائغ في العقول جائز فيها غير ممتنع ولا مستنكر. قال الحافظ في الفتح: في قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الإتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه. وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته. وفيه بيان السنن بالقول والفعل وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك. وفيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله. فائدة: روى الخطيب وابن عساكر عن جابر مرفوعًا ((الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده)) . وروى الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعًا ((الحجر يمين الله فمن مسحه فقد بايع الله)) وروى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا ((الحجر يمين الله يصافح بها خلقه)) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وقال: يخطئ وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. قال الخطابي: ومعنى ((أنه يمين الله في الأرض)) أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد، فكان كالعهد تعقده الملوك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به، وكما يصفق على أيدي الملوك للبيعة، وكذلك تقبيل اليد من الخدم للسادة والكبراء فهذا كالتمثيل بذلك والتشبيه به يعني فخاطبهم بما يعهدونه. وقال المحب الطبراني: معناه أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد قبل يمينه، ولما كان الحاج والمعتمر أول ما يقدمان يسن لهما تقبيله نزل منزلة يمين الملك ويده، ولله المثل الأعلى وكذلك من صافحه كان له عند الله عهد كما أن الملوك تعطي العهد بالمصافحة، والله أعلم (متفق عليه) وأخرجه

ص: 128

..............................................................................................

ــ

أيضًا أحمد (ج 1: ص 16، 21، 26، 34، 46، 51، 54) وأبو داود والنسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم. تنبيه: ذكر بعض شراح البخاري عن بعض العلماء جواز تقبيل قبره صلى الله عليه وسلم ومنيره وقبور الصالحين لأجل التبرك بذلك قياسًا على تقبيل الحجر الأسود، ولا يوافقهم على هذا أحد ممن يتبع السنة، بل ما ورد فيه نص صحيح صريح عن الشارع قبلناه وعملنا بمقتضاه وما لا فلا، نعم ورد أن بعض الصحابة قبل يد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم قبل جهته وقبل بعض التابعين يد بعض الصحابة وعلى هذا فيجوز تقبيل يد الصالحين ومن ترجى بركتهم، قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة، وقال أبو سعيد المتولي: لا يجوز – انتهى. وأما تقبيل قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبور الصالحين فلم يرد أن أحدًا من الصحابة أو التابعين فعل ذلك، بل قد ورد النهي عنه. فقد روى أبو داود بسند حسن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا وصلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". وقد تقدم هذا الحديث في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع بيان معناه وله شواهد من أوجه مختلفة. واتفق الأئمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبله. وهذا كله محافظة على التوحيد. فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد كما قالت طائفة من السلف في قوله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا} (71: 23) قالوا: هؤلاء كانوا قومًا صالحين في قوم نوح. فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على صورهم تماثيل، ثم طال عليهم الأمد فعبدوها. وروى أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنو على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل يوم القيامة ". وما جر المصائب على عوام الناس وغرس في أذانهم أن الصالحين من أصحاب القبور ينفعون ويضرون حتى صاروا يشركونهم مع الله في الدعاء ويطلبون منهم قضاء الحوائج ودفع المصائب إلا تساهل معظم المتأخرين من العلماء، وذكر هذه البدع في كتبهم ولا أدري ما الذي ألجأهم إلى ذلك وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذر منه؟ أكان هؤلاء أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها تبركًا. وما أمر عمر رضي الله عنه بقطعها إلا خوفًا من الافتتان بها. وثبت عنه رضي الله عنه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا: قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا. وكره الإمام مالك تتبع الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه من المدينة إلى مكة سنة حجة الوداع والصلاة فيها تبركًا بأثره الشريف إلا في مسجد قباء، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبًا وماشيًا، وبني مالك مذهبه على سد الذرائع فرأى أن التساهل في هذا وإن كان جائزًا يجر إلى مفسدة

ص: 129

2614 -

(30) وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكل به سبعون ملكًا - يعني الركن اليماني - فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} . قالوا: آمين. رواه ابن ماجة.

ــ

بعد تقادم العهد، فالاحتياط سد هذا الباب وعدم التساهل فيه فإن الراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وحاصل الكلام أن لا نفعل ولا نقول ولا نعتقد إلا ما دلت عليه السنة الثابتة، ونحترز من التساهل في ذلك مما يجر إلى ارتكاب البدع وفساد العقيدة والعمل.

2614-

قوله (يعني) أي يريد بمرجع الضمير (الركن اليماني) فهو تفسير لضمير ((به)) والقائل بعض الرواة دون أبي هريرة بطريق الاعتراض بين الكلامين، وليس هذا التفسير في ابن ماجة. وقال السندي: قوله ((وكل به)) أي بالتأمين لمن دعا عنده، قيل: والظاهر أنه إذا كان فضل الركن اليماني إلى هذه المرتبة كان فضل الركن الأسود أكثر وأعلى من ذلك إلا أن يكون هذه الخاصية مخصوصة به، ويكون للحجر الأسود فضائل وخواص أخر أوفر وأعظم، والله أعلم (اللهم إني أسألك العفو) أي عن الذنوب (والعافية) أي عن العيوب (في الدنيا والآخرة) ويمكن أن يكون لفًا ونشرًا مشوشًا (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) إلخ. قال القاري: لا تنافي بينه وبين ما سبق من قوله بين الركنين لأنه إذا وصل إلى الركن اليماني وشرع في هذا الدعاء وهو مار فلا شك أنه يقع بينهما إذ لا يجوز الوقوف للدعاء في الطواف كما يفعله جهلة العوام – انتهى. (قالوا آمين) أي ودعاء الملائكة يرجى استجابته منه (رواه ابن ماجة) بسند ضعيف كما ستعرف وأعلم أن هذا الحديث والحديث الذي يليه أي قوله ((من طاف بالبيت سبعًا)) إلخ. هما في الأصل حديث واحد رواه ابن ماجة بإسناد واحد جعله المؤلف حديثين وفرقهما، وهكذا فعل المجد في المنتقى. قال ابن ماجة في باب فضل الطواف: حدثنا هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش ثنا حميد بن أبي سوية قال: سمعت ابن هشام يسأل عطاء بن أبي رباح عن الركن اليماني وهو يطوف بالبيت فقال عطاء: حدثني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكل به سبعون ملكًا فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية.. " إلخ. فلما بلغ الركن الأسود قال: يا أبا محمد ما بلغك في هذا الركن الأسود؟ فقال عطاء؟ حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من فاوضه "(أي قابله بوجهه، قاله السندي. وقال الطبري: أي لابس وخالط، ومن مفاوضة الشريكين) فإنما يفاوض يد الرحمن. قال له ابن هشام: يا أبا محمد فالطواف؟ قال عطاء: حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من طاف بالبيت سبعًا ولا يتكلم إلا.. " – الحديث. قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه ابن ماجة عن إسماعيل بن عياش حدثني حميد بن أبي سوية وحسنه بعض مشائخنا – انتهى. ولم يتكلم البوصيري في الزوائد على إسناده. قال السندي: وذكر الدميري ما يدل على أنه حديث غير محفوظ – انتهى. وذكره الحافظ في

ص: 130

2615 – (31) وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من طاف بالبيت سبعًا ولا يتكلم إلا بسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، محيت عنه عشر سيئات، وكتب له عشر حسنات، ورفع له عشر درجات، ومن طاف فتكلم، وهو في تلك الحال

ــ

التلخيص وقال: إسناده ضعيف. قلت: هشام بن عمار من رجال الستة. قال الحافظ عنه: صدوق مقرئ، كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح، وأما إسماعيل بن عياش الشامي الحمصي فهو صدوق في روايته عن أهل بلده أي الشاميين مخلط في غيرهم، وهذا الحديث من غير أهل بلده، وهو حميد بن أبي سوية ويقال ابن أبي سويد المكي. قال الحافظ في التقريب: إنه مجهول، وقال في تهذيب التهذيب: ذكره ابن عدي وقال: حدث عنه ابن عياش بأحاديث عن عطاء غير محفوظات، منها حديث فضل الدعاء عند الركن اليماني. قال الحافظ: أخرج ابن ماجة في الحج في فضل الطواف وغيره عن هشام ابن عمار عن إسماعيل فقال: في روايته حميد بن أبي سوية، وأخرجه ابن عدي فقال: في روايته حميد بن أبي سويد مصغرًا بدال بدل الهاء في آخره، وصوبه المصنف وترجمه ابن عدي فقال: حميد بن أبي سويد مولى بني علقمة، وقيل: حميد بن أبي حميد حدث عنه إسماعيل بن عياش منكر الحديث، وقد ظهر بهذا كله أن الحديث ضعيف من وجهين: لكونه من رواية ابن عياش عن غير أهل بلده، ولجهالة حميد بن أبي سوية المكي. وفي فضل الدعاء عند استلام الركن اليماني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مررت بالركن اليماني إلا وعنده ملك ينادي يقول: آمين، آمين، فإذا مررتم به فقولوا: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ". أخرجه أبو ذر. قال الطبري: ولا تضاد بين الحديثين يعني حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة، فإن السبعين موكلون به لم يكلفوا قول آمين دائمًا وإنما عند سماع الدعاء، والملك كلف أن يقول آمين دائمًا سواء سمع الدعاء أم لم يسمعه، وعن علي بن أبي طالب أنه كان إذا مر بالركن اليماني قال: بسم الله الله أكبر، السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً لابن المسيب بإسناد ضعيف أخرجهما الأزرقي.

2615-

قوله (من طاف بالبيت سبعًا) أي سبع مرات من الأشواط (ولا يتكلم إلا بسبحان الله) هو واجب النصب فمحله مجرور (والحمد لله) مرفوع على الحكاية (ولا حول) عن معصيته (ولا قوة) على طاعته (محيت) بتاء التأنيث في جميع النسخ وهكذا وقع في ابن ماجة (عشر سيئات) أي بكل خطوة أو بكل كلمة أو بالمجموع (وكتب) بالتذكير في جميع النسخ وكذا في المنتقى أي أثبت. وفي ابن ماجة ((كتبت)) بالتأنيث وهكذا وقع في الترغيب للمنذري (ورفع له) بالتذكير في جميع النسخ وكذا في ابن ماجة (ومن طاف فتكلم) أي بتلك الكلمات (وهو في تلك الحال) أي

ص: 131