المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال: فلما وجبت جنوبها، قال فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: قال: فلما وجبت جنوبها، قال فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها

قال: فلما وجبت جنوبها، قال فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها فقلت: ما قال؟ قال، قال:" من شاء اقتطع ". رواه أبو داود. وذكر حديث ابن عباس وجابر، في باب الإضحية.

(الفصل الثالث)

2667 – (17) عن سلمة بن الأكوع، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء ".

ــ

أعلم القرب والدنو من الهلاك، وإنما سميت المزدلفة لاقتراب الناس فيها إلى منى بعد الإفاضة من عرفات (قال) أي عبد الله (فلما وجبت جنوبها) أي سقطت على الأرض لأنها تنحر قائمة كما تقدم. قال الخطابي: معناه زهقت أنفسها فسقطت على جنوبها، وأصل الوجوب السقوط (قال) أي عبد الله، وهو تأكيد، وقال الطيبي: أي الراوي (فتكلم) أي النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاري: فيلزم منه أن يقال بزيادة الفاء، وعندي أن ضمير ((قال)) راجع إليه صلى الله عليه وسلم، وقوله ((فتكلم بكلمة خفيفة)) عطف تفسير لقال – انتهى. قلت: ولفظ البيهقي ((فلما وجبت جنوبها تكلم بكلمة خفية لم أفهمها)) وهذا واضح لا يحتاج إلى تأويل (لم أفهمها) قال القاري: أي لخفاء لفظها (فقلت) أي للذي يليني (ما قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أي المسؤل (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (من شاء اقتطع) قال الخطابي: فيه دليل على جواز هبة المشاع، وفيه دلالة على أخذ النثار في عقد الأملاك، وأنه ليس من باب النهبى، وإنما هو من باب الإباحة وقد كره بعض العلماء خوفًا أن يدخل فيما نهي عنه من النهبى (رواه أبو داود) وأخرجه أيضًا البيهقي (ج 5: ص 241) كلاهما من طريق ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن عبد الله بن عامر بن لحي عن عبد الله بن قرط. وسكت عنه أبو داود والمنذري، وقال المنذري: وأخرجه النسائي أي في الكبرى وذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة عبد الله بن قرط، وعزاه لأبي داوود والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: قال الطبراني تفرد به ثور بن يزيد (وذكر حديث ابن عباس) وقع في بعض النسخ ((حديثا ابن عباس)) وهو الظاهر ويريد بحديث ابن عباس قوله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي الجزور عشرة (وجابر) أي البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة (في باب الإضحية) الأظهر أنه اعتراض من صاحب المشكاة بأنه حولهما عن هذا الباب، لأنهما أنسب إلى ذلك الباب، ويحتمل أن يكون اعتذارًا منه بأنه أسقطهما عن تكرار، والله أعلم. والحديثان قد تقدم البسط في شرحهما في باب الأضحية، وقد بينا هناك أن حديث جابر أنسب لباب الهدي.

2667 – قوله (من ضحى) بتشديد الحاء (فلا يصبحن) بالصاد المهملة الساكنة والموحدة المكسورة (بعد ثالثة) من الليالي من وقت التضحية (وفي بيته) قال القسطلاني: ولأبي ذر ((وبقى في بيته)) (منه) أي من الذي ضحى به (شيء) من لحمة لحرمة ادخار شيء من لحم الأضحية في هذا العام لأجل القحط الذي وقع فيه حتى امتلأت المدينة من أهل البادية

ص: 242

فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله! نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: " كلوا وأطعموا

ــ

فأمر أهلها بإخراج جميع ما عندهم من لحوم الأضاحي التي اعتادوا ادخار مثلها في كل عام (فلما كان العام المقبل) أي الآتي بعده (قالوا) أي بعض الأصحاب (نفعل) بتقدير الاستفهام (كما فعلنا العام الماضي؟) من ترك الادخار، قال ابن المنير: وكأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الدافة، وإذا ورد العام حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال، فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم صلى الله عليه وسلم أنه خاص بذلك السبب، ويشبه أن يستدل بهذا من يقول: إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، إلا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا، ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا، فسؤالهم يدل على أنه ذو شأنين، وهذا اختيار الإمام الجويني. وحاصل كلام ابن المنير أن وجه قولهم ((هل نفعل كما كنا نفعل)) مع أن النهي يقتضي الاستمرار لأنهم فهموا أن ذلك النهي ورد على سبب خاص فلما احتمل عندهم عموم النهي أو خصوصه من أجل السبب سألوا، فأرشدهم إلى أنه خاص بذلك العام من أجل السبب المذكور، واستدل به على أن العام إذا ورد على سبب خاص ضعفت دلالة العموم حتى لا يبقى على أصالته، لكن لا يقتصر فيه على السبب، كذا في الفتح (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (كلوا) بصيغة الأمر من الأكل. قال الحافظ: تمسك به من قال بوجوب الأكل من الأضحية، ولا حجة فيه لأنه أمر بعد حظر، فيكون للإباحة. وقال النووي: يستحب الأكل من الأضحية، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا، حكاه عنه الماوردي لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل مع قوله تعالى {فكلوا منها} وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الإباحة، لا سيما وقد ورد بعد الحظر كقوله تعالى {وإذا حللتم فاصطادوا} (5: 2) وقد اختلف الأصولين والمتكلمون في الأمر الوارد بعد الحظر، فالجمهور من أصحابنا وغيرهم على أنه للوجوب، وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم: إنه للإباحة، وسيأتي مزيد الكلام في ذلك (وأطعموا) بهمزة قطع وكسر العين المهملة، وفي حديث عائشة وأبي سعيد ((تصدقوا)) قال الخطابي: استدل بإطلاق الأحاديث على أنه لا تقييد في القدر الذي يجزئ من الإطعام. ويستحب للمضحي أن يأكل من الأضحية شيئًا ويطعم الباقي صدقة وهدية، وعن الشافعي يستحب قسمتها أثلاثًا لقوله ((كلوا وتصدقوا وأطعموا)) قال ابن عبد البر: وكان غيره يقول: يستحب أن يأكل النصف ويطعم النصف، وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الأضاحي (وأحمد) من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رفعه ((من ضحى فليأكل من أضحيته)) ورجاله ثقات لكن قال أبو حاتم الرازي: الصواب عن عطاء مرسل، قال النووي: مذهب الجمهور أنه لا يجب الأكل من الأضحية، وإنما الأمر فيه للأذن. وذهب بعض السلف إلى الأخذ بظاهر الأمر، وحكاه المارودي عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية، وأما

ص: 243

.............................................................................................

ــ

الصدقة منها فالصحيح أنه يجب التصدق من الأضحية بما يقع عليه الاسم، والأكمل أن يتصدق بمعظمها، ولنا وجه أنه لا تجب الصدقة بشيء منها، كذا في الفتح. وقال ابن حزم في المحلى: فرض على كل مضح أن يأكل من أضحيته، ولا بد ولو لقمة، وفرض عليه أن يتصدق أيضًا منها بما شاء قل أو أكثر ولا بد، ومباح له أن يطعم منها الغني والكافر وأن يهدي منها إن شاء ذلك – انتهى. وقال ابن قدامة في المغني (ج 8: ص 632) قال أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله ((يأكل هو الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق على المساكين بالثلث)) قال علقمة: بعث معي عبد الله بهدية فأمرني أن آكل ثلثًا وأن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث وأن أتصدق بثلث. وعن ابن عمر قال: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين. وهذا قول إسحاق وأحد قولي الشافعي. وقال في الآخر: يجعلها نصفين، يأكل نصفًا ويتصدق بنصف لقول الله تعالى {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} (22: 28) وقال أصحاب الرأي: ما كثر من الصدقة فهو أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلى من لحمها وحسيا من مرقها ونحر خمس بدنات أو ست بدنات وقال:من شاء فليقتطع ولم يأكل منهن شيئًا. ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث. رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال: حديث حسن، ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر، ولم نعرف لهما مخالفًا في الصحابة، فكان إجماعًا، ولأن الله تعالى قال {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} والقانع السائل يقال: قنع قنوعًا إذا سأل، وقنع قناعة إذا رضي، والمعتر الذي يعتريك أي يتعرض لك لتطعمه فلا يسأل، فذكر ثلاثة أصناف، فينبغي أن يقسم بينهم ثلاثًا، قال: والأمر في هذا واسع، فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز، وقال أصحاب الشافعي: يجوز أكلها كلها. ولنا أن الله تعالى قال {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} وقال {وأطعموا البائس الفقير} والأمر يقتضي الوجوب. وقال بعض أهل العلم: يجب الأكل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للأمر بالأكل منها – انتهى مختصرًا. وقال في الدر المختار: يأكل من لحم الأضحية ويؤكل غنيًا ويدخر، وندب أن لا ينقص التصدق عن الثلث وندب تركه لذي عيال توسعة عليهم، وفي البدائع ((يستحب أن يأكل من إضحيته والأفضل أن يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقربائه وأصدقائه ويدخر الثلث، وله أن يهبه جميعًا، ولو تصدق بالكل جاز، ولو حبس لنفسه الكل جاز؛ لأن القربة بالدم والتصدق باللحم تطوع)) – انتهى ملخصًا. قلت: اختلفوا في قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} وفي قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} أن حكم الأكل المأمور به في الآيتين هل هو الوجوب لظاهر صيغة الأمر أو الندب والاستحباب؟ فجمهور أهل العلم على أن الأمر بالأكل فيهما للاستحباب لا للوجوب، والقرينة الصارفة عن الوجوب هي ما زعموا من أن المشركين كانوا لا

ص: 244

وادخروا، فإن ذلك العام

ــ

يأكلون هداياهم فرخص للمسلمين في ذلك، وعليه فالمعنى: فكلوا إن شئتم ولا تحرموا الأكل على أنفسكم كما يفعله المشركون. وقال ابن كثير في تفسيره: إن القول بوجوب الأكل غريب وعزا للأكثرين أن الأمر للاستحباب. قال: وهو اختيار ابن جرير في تفسيره. وقال القرطبي في تفسيره: ((فكلوا منها)) أمر معناه الندب عند الجمهور، ويستحب للرجل أن يأكل من هديه وإضحيته وأن يتصدق بالأكثر مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل. وشذت طائفة فأوجبت الأكل والإطعام بظاهر الآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم:" فكلوا وادخروا وتصدقوا " – انتهى كلام القرطبي. ورجح الشنقيطي الوجوب حيث قال: أقوى القولين دليلاً وجوب الأكل والإطعام من الهدايا والضحايا، لأن الله تعالى قال:{فكلوا منها} في موضعين، فأمر بالأكل من الذبائح مرتين، ولم يقم دليل يجب الرجوع إليه صارف عن الوجوب، وكذلك الإطعام هذا هو الظاهر بحسب الصناعة الأصولية. قال: ومما يؤيد أن الأمر في الآية يدل على وجوب الأكل وتأكيده أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر مائة من الإبل فأمر بقطعة من لحم من كل واحدة منها فأكل منها وشرب من مرقها، وهو دليل واضح على أنه أراد أن لا تبقي واحدة من تلك الإبل الكثيرة إلا وقد أكل منها أو شرب من مرقها. وهذا يدل على أن الأمر في قوله {فكلوا منها} ليس بمجرد الاستحباب والتخيير إذ لو كان كذلك لاكتفى بالأكل من بعضها وشرب مرقة دون بعض. وكذلك الإطعام، فالأظهر فيه الوجوب – انتهى. وقال أبو حيان في البحر المحيط: والظاهر وجوب الأكل والإطعام، وقيل باستحبابهما. وقيل باستحباب الأكل ووجوب الإطعام، والأظهر أنه لا تحديد للقدر الذي يأكله، والقدر الذي يتصدق به، فيأكل ما شاء ويتصدق بما شاء، وقد قال بعض أهل العلم: يتصدق بالنصف ويأكل النصف. واستدل لذلك بقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} قال: فجزأها نصفين، نصف له ونصف للفقراء، وقال بعضهم: يجعلها ثلاثة أجزاء، يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، واستدل بقوله تعالى:{فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} فجزأها ثلاثة أجزاء، ثلث له وثلث للقانع وثلث للمعتر، هكذا قوله، وأظهرها الأول، والعلم عند الله تعالى (وادخروا) بتشديد الدال المهملة وأصله من ذخر بالمعجمة، دخلت عليها تاء الافتعال ثم أدغمت، ومنه قوله تعالى:{وادكر بعد أمة} (12: 45) أي اجعلوا ذخيرة، وهو أمر إباحة. قال الحافظ: يؤخذ من الإذن في الادخار الجواز خلافًا لمن كرهه. وقد ورد في الادخار ((كان يدخر لأهله قوت سنة)) وفي رواية ((كان لا يدخر للغد)) والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه ويدخر لعياله، أو أن ذلك كان لاختلاف الحال فيتركه عند حاجة الناس إليه ويفعله عند عدم الحاجة – انتهى. (فإن ذلك العام) أي الواقع فيه النهي علة لتحريم الادخار السابق وإيماء إلى أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا

ص: 245

كان بالناس جهد، فأردت أن تعينوا فيهم ". متفق عليه.

2668 – (18) وعن نبيشة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّا كنّا نهينا عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، جاء الله بالسعة

ــ

(كان بالناس جهد) بفتح الجيم أي مشقة من جهة قحط السنة (فأردت) أي بالنهي عن الادخار (أن تعينوا فيهم) بالعين المهملة من الإعانة: قال الطيبي: أي توقعوا الإعانة فيهم – انتهى. قال القاري: فجعله من باب التضمين كقول الشاعر:

يجرح في عراقيبها نصلي

ومنه قوله تعالى حكاية: {وأصلح لي في ذريتي} (46: 15) ويمكن أن يكون التقدير: أن تعينوني في حقهم فإن فقرهم كان صعبًا عليه صلى الله عليه وسلم. قلت: قوله ((أن تعينوا فيهم)) هكذا وقع في جميع نسخ المشكاة، وكذا ذكره الجزري في جامع الأصول (ج 4: ص 156) وهو خطأ، والصواب ((أن تعينوا فيها)) كما وقع في البخاري، يعني تعينوا الفقراء في المشقة، والضمير في ((تعينوا فيها)) للمشقة المفهومة من الجهد. قال الحافظ: قوله ((أن تعينوا فيها)) كذا هنا من الإعانة وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه ((فأردت أن يفشو فيهم)) أي بالفاء والشين، وللإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي عاصم: فأردت أن تقسموا فيهم كلوا وأطعموا وادخروا. قال عياض: الضمير في تعينوا فيها للمشقة المفهومة من الجهد أو من الشدة أو من السنة لأنها سبب الجهد، وفي ((يفشو فيهم)) أي في الناس يعني يشيع لحم الأضاحي في الناس المحتاجين إليها. قال في المشارق: ورواية البخاري أوجه. وقال في شرح مسلم: ورواية مسلم أشبه. قال الحافظ: قد عرفت أن مخرج الحديث واحد، ومداره على أبي عاصم وأنه تارة قال هذا وتارة قال هذا، والمعني في كل صحيح فلا وجه للترجيح – انتهى. (متفق عليه) أخرجاه في الأضاحي، وهو الحديث الثامن عشر من ثلاثيات الإمام البخاري رواه عن أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع. قال القاري: لا يظهر وجه إيراد المصنف هذا الحديث في هذا الباب كما لا يخفي، ولعله أراد به تفسير الحديث جابر في آخر الفصل الأول. والحديث أخرجه البيهقي في الأضاحي (ج 9: ص 292) .

2668-

قوله (وعن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة، وهو نبيشة الخير الهذلي، تقدم ترجمته (إنا كنا نهيناكم عن لحومها) أي الأضاحي أو الهدايا، فيظهر وجه المناسبة للباب قاله القاري. قلت: وقع في رواية لأحمد ((إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي)) (أن تأكلوها) بدل اشتمال (فوق ثلاث) أي ليال (لكي تسعكم) من الوسع أي ليصيب لحومها كلكم من ضحى ومن لم يضح (جاء الله) وفي بعض نسخ أبي داود ((فقد جاء الله)) وهكذا وقع في مسند أحمد بالسعة بفتح السين، ومنه قوله تعالى:{لينفق ذو سعة من سعته} (65: 7) استئناف مبين لتغير الحكم، أي أتي الله

ص: 246

فكلوا وادخروا وائتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله ". رواه أبو داود.

ــ

بالخصب وسعة الخير وأتى بالرخاء وكثرة اللحم، فإذا كان الأمر كذلك (فكلوا وادخروا وائتجروا) افتعال من الأجر أي اطلبوا الأجر بالتصدق، قال المنذري: افتعلوا من الأجر يريد الصدقة التي يتبعها أجرها وثوابها، وليس من باب التجارة، لأن البيع في الضحايا فاسد. قلت: وقع في بعض نسخ أبي داود ((واتجروا)) بتشديد التاء، وكان أصله ائتجروا، ثم أدغم كما في ((اتخذ)) قال الخطابي:((واتجروا)) أصله

ايتجروا على وزن افتعلوا، يريد الصدقة التي يبتغي أجرها وثوابها، ثم قيل اتجروا كما قيل اتخذت الشيء، وأصله ايتخذته، وهو من الأخذ، فهو من الأجر، وليس من باب التجارة، لأن البيع في الضحايا فاسد، إنما تؤكل ويتصدق منها – انتهى (ألا) للتنبيه (وإن هذه الأيام) أي أيام منى وهي أربعة، قاله القاري (أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها فيحرم الصيام فيها، وقد علل ذلك علي رضي الله عنه بأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه، رواه البيهقي بسند مقبول، ومن ثم قال جمع: سر ذلك أنه تعالى دعا عباده إلى زيارة بيته، فأجابوه وقد أهدى على كل قدر وسعه، وذبحوا هديهم فقبله منهم وجعل لهم ضيافة وهي ثلاثة أيام، فأوسع زواره طعامًا وشرابًا ثلاثة أيام، وسنة الملوك إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار، والكعبة هي الدار، وسائر الأقطار باب الدار، فعم الله الكل بضيافته فمنع صيامها، ذكره الزرقاني (ذكر الله) أي كثرة ذكره تعالى لقوله تعالى:{فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا} (2: 200) ولقوله عز وجل: {واذكروا الله في أيام معدودات} (2: 203) قال الزرقاني: وعقب الأكل والشرب بقوله ((وذكر الله)) لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى حقوق الله تعالى. قال الطيبي: هذا من باب التتميم، فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا لهما، لأن الناس أضياف الله فيها، فتدارك بقوله ((وذكر الله)) لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية، ونظيره في التتميم للصيانة أي الاحتراس قول الشاعر:

فسقي ديارك غير مفسدها _

صوب الربيع وديمة تهمى

قال الخطابي: قوله ((هذه الأيام أيام أكل وشرب)) فيه دليل على أن صوم أيام التشريق غير جائز لأنه قد وسمها بالأكل والشرب كما وسم يوم العيد بالفطر ثم لم يجز صيامه فكذلك أيام التشريق، وسواء كان ذلك تطوعًا من الصائم أو نذرًا أو صامها الحاج عن التمتع – انتهى. قلت: رواه مسلم في كتاب الصوم بلفظ ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله)) وقد ذكره المصنف في باب صيام التطوع، وتقدم هناك الكلام في صيام أيام التشريق مفصلاً (رواه أبو داود) في الأضاحي وسكت عليه. قال المنذري: وأخرجه النسائي بتمامه، وأخرجه ابن ماجه مختصرًا على الإذن في الادخار فوق ثلاث، وأخرج مسلم الفصل الثاني في ذكر الأكل والشرب والذكر – انتهى. قلت: وأخرجه أيضًا مطولاً أحمد (ج 5: ص 75، 76) والبيهقي (ج 9: ص 292) .

ص: 247