الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب المحرم يجتنب الصيد
ــ
(باب) يجوز سكونه على الوقف ورفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف هو ((هذا)) ويحتمل الإضافة (المحرم يجتنب الصيد) أي اصطياده وقتله وإن لم يأكله، وأكله وإن ذكاه محرم آخر، قال القاري: والمراد بالصيد حيوان متوحش بأصل الخلقة بأن كان توالده وتناسله في البر، أما صيد البحر فيحل اصطياده للحلال والمحرم جميعًا مأكولاً أو غير مأكول لقوله تعالى {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة} (المائدة: الآية 96) قال الشنقيطي: ظاهر عموم قوله تعالى {أحل لكم صيد البحر} يدل على إباحة صيد البحر للمحرم بحج أو عمرة وهو كذلك كما بينه تخصيصه تعالى تحريم الصيد على المحرم بصيد البر في قوله {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} (المائدة: الآية 96) فإنه يفهم منه أن صيد البحر لا يحرم على المحرم كما هو ظاهر. وقال ابن قدامة (ج 3: ص 344) : يحل للمحرم صيد البحر لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} وأجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه، وصيد البحر الحيوان الذي يعيش في الماء ويبيض فيه ويفرخ فيه كالسمك والسلحفاة والسرطان ونحو ذلك، فإن كان جنس من الحيوان نوع منه في البحر ونوع في البر كالسلحفاة فلكل نوع حكم نفسه كالبقر منها الوحشي محرم والأهلي مباح - انتهى. وأما صيد البر فقد أجمع العلماء على منعه للمحرم بحج أو عمرة، وهذا الإجماع في مأكول اللحم الوحشي كالظبي والغزال ونحو ذلك وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد والدلالة عليه لحديث أبي قتادة الآتي. قال ابن قدامة (ج 3: ص 309) : لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم وقد نص الله تعالى عليه في كتابه فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (المائدة: الآية 95) وقال تعالى {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد والدلالة عليه، قال: ولا تحل له الإعانة عليه بشيء - انتهى. والصيد عند الشافعي هو مأكول اللحم فقط فلا شيء عنده في قتل ما لم يؤكل لحمه إلا المتولد من بين مأكول اللحم وغير مأكوله فلا يجوز اصطياده عنده، وإن كان يحرم أكله كالسِمْع وهو المتولد من بين الذئب والضبع، وقال: ليس في الرَّخْمة والخنافس والقردان والحلم وما لا يؤكل لحمه شيء لأن هذا ليس من الصيد لقوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} فدل على أن الصيد الذي حرم عليهم هو ما كان حلالاً لهم قبل الإحرام، وهذا هو مذهب الإمام أحمد. قال ابن قدامة (ج 3: ص 506) : والصيد (أي الذي يجب بقتله الجزاء) ما جمع ثلاثة أشياء وهو أن يكون مباحًا أكله لا مالك له، ممتنعًا، فيخرج بالوصف الأول كل ما ليس بمأكول لا جزاء فيه كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات. قال أحمد: إنما جعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله، وهذا قول أكثر أهل العلم، إلا أنهم أوجبوا الجزاء في المتولد بين المأكول وغيره كالسمع المتولد من الضبع والذئب تغليبًا لتحريم قتله،
......................................................................................
ــ
الوصف الثاني أن يكون وحشيًا وما ليس بوحشي لا يحرم على المحرم ذبحه ولا أكله كبهيمة الأنعام كلها، والخيل والدجاج ونحوها لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافًا، والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء، ولو توحش الأهلي لم يجب فيه شيء. وقال الحافظ: اتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي وأن لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد (أي بين المأكول وغيره) فألحقه الأكثر بالمأكول – انتهى. قال ابن قدامة (ج 3: ص 343) : ولا تأثير للإحرام ولا للحرم في تحريم شيء من الحيوان الأهلي كبهيمة الأنعام ونحوها لأنه ليس بصيد، وإنما حرم الله تعالى الصيد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح البدن في إحرامه في الحرم يتقرب إلى الله سبحانه بذلك، وقال: أفضل الحج العج والثج، يعني إسالة الدماء بالذبح والنحر وليس في هذا اختلاف. وقال البخاري في صحيحه: لم ير ابن عباس وأنس بالذبح (أي بذبح المحرم، وظاهر العموم يتناول الصيد وغيره، ولكن مراده الذبح في غير الصيد) بأسًا، وهو غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل. قال الحافظ: أثر ابن عباس وصله عبد الرزاق من طريق عكرمة أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورًا وهو محرم، وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق الصباح البجلي سألت أنس بن مالك عن المحرم يذبح؟ قال: نعم. وقوله ((وهو)) أي المذبوح، إلخ من كلام المصنف قاله تفقهًا، وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها – انتهى. وقال العيني قوله ((وهو غير الصيد)) إلخ. من كلام البخاري أشار به إلى تخصيص العموم الذي فهم من قوله بالذبح وقوله ((وهو)) أي الذبح أي المراد من الذبح المذكور في أثر ابن عباس وأنس هو الذبح في الحيوان الأهلي وهو الذي ذكره بقوله نحو الإبل إلى آخره، وهذا كله متفق عليه في غير ذبح الخيل، فإن فيه خلافًا معروفًا – انتهى. قال القاري: البري المأكول حرام اصطياده على المحرم بالاتفاق وأما غير المأكول فقسمه صاحب البدائع على نوعين، نوع يكون موذيًا طبعًا مبتدئًا بالأذى غالبًا، فللمحرم أن يقتله ولا شيء عليه نحو الأسد والذئب والنمر والفهد، ونوع لا يبتدئ بالأذى غالبًا كالضبع والثعلب وغيرهما، فله أن يقتله إن عدا عليه ولا شيء عليه، وهو قول أصحابنا الثلاثة، وقال زفر: يلزمه الجزاء وإن لم يعد عليه لا يباح له أن يبتدئه بالقتل، وإن قتله ابتداء فعليه الجزاء عندنا – انتهى. قلت: ليست الضبع مثل ما ذكر معها من الثعلب ونحوه لورود النص فيها لأنها صيد يلزم فيه الجزاء كما سيأتي، والراجح عندنا في المراد من الصيد هو ما قدمنا عن الشافعي وأحمد أنه الحيوان البري الوحشي المأكول اللحم فقط وهو ظاهر القرآن العظيم، هذا وقد علم مما تقدم من كلام ابن قدامة أنه لا يجوز للمحرم أكل الصيد إن صاده الحلال بأمره أو بإعانته أو بدلالته أو بإشارته، وهذا مما اتفق العلماء عليه واختلفوا فيما عدا ذلك على ثلاثة أقوال. أحدها: أنه لا يجوز له الأكل مطلقًا أي سواء صيد لأجله أو لا، وحكي هذا عن علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق بن راهويه وطاوس