المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(الفصل الثاني) 2737 – (6) عن ابن عباس، أن رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: ‌ ‌(الفصل الثاني) 2737 – (6) عن ابن عباس، أن رسول الله

(الفصل الثاني)

2737 – (6) عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء. رواه........

ــ

2737 – قوله (أمر أصحابه أن يبدلوا) بالتشديد والتخفيف (الهدي الذي نحروا عام الحديبية) أي يذبحوا مكان ما ذبحوه هديًا آخر (في عمرة القضاء) يعني أمرهم بأن ينحروا الهدي في عمرة القضاء بدل ما نحروا عام الحديبية أي في السنة المتقدمة، واستدل بقوله ((عمرة القضاء)) من رأى القضاء على المحصر، قالوا: كانت عمرة العام المقبل قضاء العمرة التي صد عنها في العام الماضي، وهذا الاسم تابع للحكم، ومن لم ير القضاء قال: القضاء هنا من المقاضاة لأنه قاضى أهل مكة عليها لا أنه من قضى يقضي قضاء، ولهذا سميت عمرة القضية. قال الطيبي: يستدل بهذا الحديث من يوجب القضاء على المحصر إذا حل حيث أحصر، ومن يذهب إلى أن دم الإحصار لا يذبح إلا في الحرم فإنه أمرهم بالإبدال لأنه نحروا هداياهم في الحديبية خارج الحرم – انتهى. وقال الخطابي: أما من لا يرى عليه القضاء في غير الفرض فإنه لا يلزمه بدل الهدي، ومن أوجبه فإنما يلزمه البدل لقوله عز وجل {هديًا بالغ الكعبة} ومن نحر الهدي في الموضع الذي أحصر فيه وكان خارجًا من الحرم فإن هديه لم يبلغ الكعبة، فيلزمه إبداله وإبلاغه الكعبة، وفي الحديث حجة لهذا القول – انتهى. وقال في اللمعات: هذا أي الأمر بإبدال الهدي يدل على أن هدي الإحصار لا يذبح إلا في الحرم كما هو مذهب أبي حنيفة، وهذا إن قلنا إنهم نحروا في الحديبية في غير الحرم، وإن قلنا إنهم ذبحوها في الحرم فإن الحديبية أكثرها حرم، فالتبديل للاحتياط وإدراك الفضيلة ثانيًا، والأمر للاستحباب، والله أعلم. وقوله ((في عمرة القضاء)) تسميته عمرة القضاء ظاهر في مذهبنا، والشافعية يقولون إن المراد بالقضاء الصلح، والقضاء والمقاضاة يجيء بمعنى الصلح والمصالحة، وقد ذكروا في الصلح أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل. وقال البيهقي: لعله إن صح الحديث استحب الإبدال وإن لم يكن واجبًا كما استحب الإتيان بالعمرة وإن لم يكن قضاء ما أحصروا عنه واجبًا بالتحلل والله أعلم، ذكره المنذري في مختصر السنن والمحب الطبري في القرى (رواه....) قال القاري: هنا بياض في الأصل، وفي نسخة ألحق به ((أبو داود)) وزاد في نسخة ((وفيه قصة)) وفي سنده محمد بن إسحاق – انتهى. قلت: الحديث رواه أبو داود في باب الإحصار من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون عن أبي حاضر الحميري وهو عثمان بن حاضر، قال: خرجت معتمرًا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم، فنحرت الهدي مكاني ثم أحللت ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي فأتيت ابن عباس فسألته فقال: أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي، إلخ.

ص: 447

2738 – (7) وعن الحجاج بن عمرو الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كسر، أو عرج فقد حل

ــ

وقد سكت عنه أبو داود. قال المنذري: في سنده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام فيه – انتهى. قلت: قد تقدم أنه مدلس ولم يصرح في روايته لهذا الحديث بالتحديث والسماع ففي كون الحديث حسنًا نظر.

2738 – قوله (وعن الحجاج بن عمرو الأنصاري) هو الحجاج بن عمرو بن غزية – بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتانية – الأنصاري الخزرجي المازني، نسبة إلى جده مازن بن النجار، قال البخاري: له صحبة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، هذا أحدهما، وقد صرح بسماعه فيه من النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد من الليل بعد نومه. روى عنه ابن أخيه حمزة بن سعيد وكثير بن العباس وعبد الله بن رافع وعكرمة، وقيل عن عكرمة عن عبد الله بن رافع، والحجاج بن عمرو هذا هو الذي ضرب مروان بن الحكم يوم الدار حتى أسقطه وحمله أبو حفصة مولاه وهو لا يعقل، وقال أبو نعيم: شهد مع علي صفين (من كسر) بضم الكاف وكسر السين على بناء المجهول (أو عرج) بفتح المهملة على بناء المعلوم من باب نصر وضرب، أي أصابه شيء في رجله وليس بخلقة، فإذا كان خلقة قيل عرج بالكسر كفرح من باب سمع، قال في الصحاح: عرج في الدرجة والسلم يعرج عروجًا إذا ارتقى، وعرج أيضًا إذا أصابه شيء في رجله فخمع ومشى مشية العرجان، وليس بخلقة، فإذا كان ذلك خلقة قلت: عرج بالكسر فهو أعرج بين العرج، وفي القاموس عرج عروجًا ارتقى وأصابه شيء في رجله فخمع وليس بخلقة، فإذا كان خلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة – انتهى. وزاد أبو داود وابن ماجة في رواية ((أو مرض)) وقال المجد في المنتقى: وفي رواية ذكرها أحمد في رواية المروزي ((من حبس بكسر أو مرض)) يعني من حدث له بعد الإحرام مانع غير إحصار العدو (فقد حل) أي يجوز له أن يترك الإحرام ويرجع إلى وطنه، قاله القاري. وقال السندي: قوله ((من كسر أو عرج)) إلخ. أي من أحرم ثم حدث له بعد الإحرام مانع من المضي على مقتضى الإحرام غير إحصار العدو بأن كان أحد كسر رجله أو صار أعرج من غير صنيع من أحد يجوز له أن يترك الإحرام وإن لم يشترط التحلل، وقيده بعضهم (الشافعية والحنابلة) بالاشتراط، ومن يرى أنه من باب الإحصار (وهم الحنفية) لعله يقول: معنى ((حل)) كاد أن يحل قبل أن يصل إلى نسكه بأن يبعث الهدي مع أحد ويواعده يومًا بعينه يذبحها فيه في الحرم فيتحلل بعد الذبح – انتهى. وقال التوربشتي: إن قيل ما وجه قوله ((فقد حل)) والمتمسك بهذا الحديث يرى أن المحصر ليس له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، وعنده أن محله مكانه الذي يجب أن ينحر به وهو الحرم فكيف يقول ((فقد حل)) ولم يبلغ الهدي محله، قلنا: قد قيل إن وجه قوله ((فقد حل)) له أن يحل من

ص: 448

وعليه الحج من قابل ".

ــ

غير أن يصل إلى البيت، ومثله قولك للمرأة إذا انقضت عدتها ((قلت: قد حلت للرجل)) يعني أن يخبطها ويعقد عليها، ويجوز أن يكون بمعنى المقاربة، أي قرب له ذلك وحان فكان كقولك من بلغ ذات عرق فقد حج – انتهى. (وعليه الحج من قابل) وفي رواية ((وعليه حجة أخرى)) وللحديث تتمة من قول عكرمة وهو أحد الرواة عن الحجاج بن عمرو وذلك قوله ((فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس فقال صدق)) وفي رواية فحدثت بذاك ابن عباس وأبا هريرة فقالا: صدق. قال الخطابي: في الحديث حجة لمن رأى الإحصار بالمرض والعذر يعرض للمحرم من غير حبس العدو وهو مذهب الثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق: لا حصر إلا حصر العدو، وقد روي ذلك عن ابن عباس وعلل بعضهم حديث الحجاج بن عمرو بأنه قد ثبت عن ابن عباس خلافه وهو أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو وتأوله بعضهم على أنه إنما يحل بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضباعة، قالوا: ولو كان الكسر عذرًا لم يكن لاشتراطها معنى، ولا كانت بها إلى ذلك حاجة، وأما قوله ((وعليه الحج من قابل)) فإنما هذا فيمن كان حجه عن فرض، فأما المتطوع بالحج إذا أحصر فلا شيء عليه غير هدي الإحصار وهذا على مذهب مالك والشافعي، وقال أصحاب الرأي: عليه حجة وعمرة وهو قول النخعي، وعن مجاهد والشعبي وعكرمة عليه حجة من قابل – انتهى. باختصار يسير. وقال ابن القيم في مختصر السنن: إن صح حديث الحجاج بن عمرو فقد حمله بعض أهل العلم على أنه يحل بعد وفاته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض فقد روينا عن ابن عباس ثابتًا عنه أنه قال: لا حصر إلا حصر عدو، وقال غيره: معنى حديث الحجاج بن عمرو أن تحلله بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضباعة، قالوا: ولو كان الكسر مبيحًا للحل لم يكن للاشتراط معنى، قالوا: وأيضًا فلا يقول أحد بظاهر الحديث فإنه لا يحل بمجرد الكسر والعرج فلا بد من تأويله فنحمله على ما ذكرناه، قالوا: وأيضًا فإنه لا يستفيد بالحل زوال عذره أي التخلص من الأذى الذي به ولا الانتقال من حاله بخلاف المحصر بالعدو. وقوله ((وعليه الحج من قابل)) هذا إذا لم يكن حج الفرض، فأما إذا كان متطوعًا فلا شيء عليه غير هدي الإحصار. وقال البيهقي: وحديث الحجاج بن عمرو قد اختلف في إسناده، والثابت عن ابن عباس خلافه وأنه لا حصر إلا حصر العدو – انتهى. ونحو ذلك قرر ابن قدامة مذهب الجمهور، من شاء الوقوف عليه رجع إلى المغني (ج 3: ص 363) ، ثم قال ابن القيم: اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم فيمن منع الوصول إلى البيت بمرض أو كسر أو عرج هل حكمه حكم المحصر في جواز التحلل؟ فروي عن ابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم: أنه لا يحلله إلا الطواف بالبيت، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في المشهور من مذهبه، وروي عن ابن مسعود أنه كالمحصر بالعدو وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي وأبي ثور وأحمد في الرواية الأخرى

ص: 449

..............................................................................................

ــ

عنه ومن حجة هؤلاء حديث الحجاج وأبي هريرة وابن عباس، قالوا: وهو حديث حسن يحتج بمثله، قالوا: وأيضًا ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أن الحصر يكون بالمرض فإن لفظ الإحصار إنما هو للمرض، يقال: أحصره المرض وحصره العدو، فيكون لفظ الآية صريحًا في المريض وحصر العدو ملحق به، فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل؟ قال الخليل وغيره: حصرت الرجل حصرًا: منعته وحبسته، وأحصر هو عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه، قالوا: وعلى هذا خرج قول ابن عباس ((لا حصر إلا حصر العدو)) ولم يقل لا إحصار إلا إحصار العدو فليس بين رأيه وروايته تعارض، ولو قدر تعارضهما فالأخذ بروايته دون رأيه لأن روايته حجة ورأيه ليس بحجة. وأما قولكم: إن معناه أنه يحل بعد وفاته بما يحل به من يفوته الحج لغير مرض ففي غاية الضعف، فإنه لا تأثير للكسر ولا للعرج في ذلك، فإن المفوت يحل صحيحًا كان أو مريضًا، وأيضًا فإن هذا يتضمن تعليق الحكم بوصف لم يعتبره النص وإلغاء الوصف الذي اعتبره، وهذا غير جائز، وأما قولكم: إنه يحمل على الحل بالشرط. فالشرط إما أن يكون له تأثير في الحل عندكم أو لا تأثير له، فإن كان مؤثرًا في الحل لم يكن الكسر والعرج هو السبب الذي علق الحكم به، وهو خلاف النص، وإن لم يكن له تأثير في الحل بطل حمل الحديث عليه، قالوا: وأما قولكم: إنه لا يقول أحد بظاهره، فإن ظاهره أنه بمجرد الكسر والعرج يحل، فجوابه أن المعنى: فقد صار ممن يجوز له الحل بعد أن كان ممنوعًا منه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم ". وليس المراد به أنه أفطر حكمًا وإن لم يباشر المفطرات، بدليل إذنه لأصحابه في الوصال إلى السحر، ولو أفطروا حكمًا لاستحال منهم الوصال. ولقوله تعالى {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره} (سورة البقرة: الآية 230) فإذا نكحت زوجًا آخر حلت، لا بمجرد نكاح الثاني، بل لا بد من مفارقته وانقضاء العدة وعقد الأول عليها، قالوا: وأما قولكم: إنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله التي هو عليها ولا التخلص من أذاه، بخلاف من حصره العدو. فكلام لا معنى تحته، فإنه قد يستفيد بحله أكثر مما يستفيد المحصر بالعدو، فإنه إذا بقى ممنوعًا من اللباس وتغطية الرأس والطيب مع مرضه تضرر بذلك أعظم الضرر في الحر والبرد، ومعلوم أنه قد يستفيد بحله من الترفه ما يكون سبب زوال أذاه، كما يستفيد المحصر بالعدو بحله، فلا فرق بينهما، فلو لم يأت نص بحل المحصر بمرض لكن القياس على المحصر بالعدو يقتضيه، فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه؟ والله أعلم – انتهى كلام ابن القيم. قلت: وأما قول الجمهور: أنه ولو كان التحلل جائزًا بدون شرط لم يكن للاشتراط معنى، ولو كان المرض ونحوه من الأعذار يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط فقد أجاب عنه بعض الحنفية بأنه ليس المراد بنفي الاشتراط وعدم الاحتياج في التحلل إليه كون الاشتراط لغوًا وعبثًا وأنه لا فائدة فيه أصلاً، بل فيه فائدة عظيمة وإن لم يتغير به حكم، والفائدة فيه تسكين قلب ضباعة وتسلية نفسها حيث كانت مريضة

ص: 450

...................................................................................

ــ

تخاف من عدم إتمام ما أحرمت به فلو حدث لها مفاجئة ما يعوقها من الإتمام لكان أشق عليها وأبلغ في التفجيع لها كما شق على الصحابة التحلل في الحديبية وكما شق عليهم فسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع بخلاف ما إذا اشترطت وصرحت بتعليق الإتمام على الشرط واستحضرت من أول الأمر أنها في خيرة من تركه عندما يتفق لها من الموانع، فهذا مما لا شك فيه أنه لا يحصل في قلبها ضيق وحرج في التحلل عند حدوث عارض يمنعه من الإتمام والإكمال، ويكون شروعها في أعمال الحج أهون عليها وأسهل وأيسر، وهذه فائدة لا يمكن إنكارها مع جواز التحلل من غير اشتراط، على أنه روي عن أبي حنيفة كما في المغني أن الاشتراط يفيد سقوط الدم مع كون التحلل ثابتًا عنده بكل إحصار، وأما ما ذكره الجمهور من قول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو. فقد تقدم الجواب عنه في كلام الآلوسي أيضًا فتذكر. وقال التوربشتي: قد نقل عنه في معنى الإحصار برواية الثقات ما يؤيد حديث الحجاج، وروي عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، فإن أحصرتم، قال: من حبس أو مرض، قال إبراهيم: حدثت به سعيد بن جبير فقال: هكذا قال ابن عباس. ولو ثبت عنه أيضًا لا حصر إلا حصر العدو، فالسبيل أن يؤول لئلا يخالف حديث حجاج عن النبي صلى الله عليه وسلم وليوافق حديث سعيد بن جبير عنه، ورأيت التأويل الجامع أن نقول: لا حصر إلا حصر العدو بمثابة قول من قال: لا هم إلا هم الدين، وذلك أن الحصر بالعدو من أعظم أسباب الحصر لأنه متعلق بالعموم وغيره متعلق بالخصوص والأفراد كما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين صد عن البيت وأحصر بالعدو، أحصر هو وسائر من معه، ولو مرض أحد القوم لم يكن كذلك، فهذا معنى قوله: لا حصر إلا حصر العدو – انتهى. قلت: والقول الراجح عندي في معنى الإحصار أنه يكون من كل حابس يحبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك كما ذهب إليه الحنفية وكثير من الصحابة. قال الأمير اليماني في السبل: القول بتعميم الإحصار هو أقوى الأقوال وليس في غيره من الأقوال إلا آثار وفتاوي للصحابة – انتهى. قلت: وإليه مال البخاري في صحيحه إذ ذكر في باب المحصر بعد آية الإحصار: قال عطاء: الإحصار من كل شيء يحبسه. قال الحافظ: وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار – انتهى. وإليه ذهب ابن حزم حيث قال في المحلى: كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته من عدوٍّ أو مرض أو خطأ طريق أو خطأ في رؤية الهلال فهو محصر. قلت: ويدل عليه عموم قوله تعالى: {فإن أحصرتم} (الآية) وإن كان سبب نزولها إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالعدو، فالعام لا يقصر على سببه. قال الشوكاني في السيل الجرار (ج 2: ص 231) هذه الآية وإن كان سببها خاصًا فالاعتبار بعموم اللفظ كما تقرر في الأصول، وبنحو ذلك قال الأمير اليماني في السبل: وقال ابن جرير في تفسيره بعد تفصيل طويل: وأولى التأويلين للصواب في قوله تعالى: {فإن أحصرتم} تأويل من تأوله بمعنى فإن أحصركم خوف أو مرض أو علة عن

ص: 451

رواه الترمذي، وأبو دواد، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وزاد أبو داود في رواية أخرى:" أو مرض ". وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وفي المصابيح: ضعيف.

2739 – (8) وعن عبد الرحمن بن يعمر الديلي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: " الحج عرفة،

ــ

الوصول إلى البيت أي صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة فلذا قيل ((أحصرتم)) إلى آخر ما قال. قلت: ويدل على التعميم أيضًا حديث الحجاج بن عمرو بل هو مع الآية المذكورة نص على كون الإحصار عامًا للعدو والمرض، وفيهما بيان قاعدة كلية خرجت مخرج التشريع العام فلا تترك بما ورد مما يخالفها من الآثار والوقائع الجزئية التي تحتمل محامل من الخصوصية وغيرها، والله أعلم (رواه الترمذي وأبو داود) إلخ. وأخرجه أيضًا أحمد (ج 3: ص 450) وابن خزيمة والحاكم (ج 1: ص 483) والبيهقي (ج 5: ص 220) والدارقطني (ص 279)(وقال الترمذي: هذا حديث حسن) وقد سكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وقرره، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري وأقره الذهبي (وفي المصابيح: ضعيف) لعل البغوي ضعفه للاختلاف في سنده كما بينه الترمذي والبيهقي والحافظ في الفتح وغيرهم، والحق أن الاختلاف الواقع في سنده لا يضر ولا يستلزم ضعفه كما حققه الحافظ، ولذلك حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود وأقر المنذري تحسين الترمذي والذهبي تصحيح الحاكم.

2739 -

قوله (وعن عبد الرحمن بن يعمر) بفتح المثناة التحتية وسكون العين المهملة وفتح الميم ويضم، غير منصرف (الديلي) بكسر الدال وسكون التحتانية، منسوب إلى الديل – بمكسورة وسكون ياء – وقيل الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة مكان الياء، وحينئذ تكتب بصورة الواو وقد تكسر الدال مع فتح همزة وقد تضم مع كسر همزة. قال الحافظ في التقريب: عبد الرحمن بن يعمر الديلي صحابي نزل بالكوفة، ويقال: مات بخراسان. وقال في الإصابة: قال ابن حبان في الصحابة: مكيّ سكن الكوفة، يكنى أبا الأسود، مات بخراسان، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ((الحج عرفة)) وفيه قصة، وحديث النهي عن الدباء والمزفت، وصحح حديثه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرقه إليه (الحج عرفة) مبتدأ وخبر على تقدير مضاف من الجانبين أي معظم الحج أو ملاكه الوقوف بعرفة لفوت الحج بفواته. وقال الطيبي: تعريفه للجنس وخبره معرفة فيفيد الحصر نحو: ذلك الكتاب. وقال التوربشتي: أي معظم الحج وملاكه الوقوف بعرفة وذلك مثل قولهم: المال الإبل، وإنما كان ذلك ملاكه وأصله لأنه يفوت بفواته ويفوت الوقوف لا إلى بدل، وقيل: تقديره: إدراك الحج إدراك وقوف عرفة، والمقصود أن إدراك الحج يتوقف على إدراك الوقوف بعرفة، وأن من أدركه فقد أمن حجه من الفوات، وقال

ص: 452

من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج. أيام منى ثلاثة، فمن تعجل

ــ

الشوكاني: أي الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة. وقال المحب الطبري: معناه أن فوات الحج متعلق بفوات وقته، وغيره من الأركان وقته ممتد – انتهى. وفي الحديث قصة، وهي أن ناسًا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه فأمر مناديًا فنادي: الحج عرفة. هذا لفظ الترمذي وفي رواية أبي داود قال (عبد الرحمن بن يعمر) : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم (ولأحمد والنسائي ((شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ) وهو بعرفة فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الحج؟ (أي كيف حج من لم يدرك يوم عرفة كما بوب عليه أبو داود) فأمر رجلاً فنادي الحج الحج يوم عرفة (بتكرير لفظ الحج، وزاد في رواية ((ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك)) ) وفي رواية للدارقطني والبيهقي: الحج عرفات الحج عرفات، وفي المنتقي لابن الجارود: الحج عرفات ثلاثًا، وعند أحمد (ج 4: ص 309، 310) ((الحج يوم عرفة أو عرفات)) وكلاهما اسم للموضع الذي يقف به الحاج، وكل ذلك خارج عن الحرم (من أدرك عرفة) أي الوقوف بها (ليلة جمع) أي ولو ليلة المبيت بالمزدلفة وهي ليلة العيد (قبل طلوع الفجر) أي قبل طلوع فجر يوم النحر، وفيه رد على من زعم أن الوقوف يفوت بغروب الشمس يوم عرفة، ومن زعم أن وقته يمتد إلى ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس قاله القاري. وقوله ((من أدرك عرفة ليلة جمع)) كذا وقع في المشكاة والمصابيح، وهكذا في المنتقي لابن الجارود، وفي رواية الحميدي ((من أدرك عرفة قبل الفجر)) وللنسائي ((من أدرك ليلة عرفة)) وفي أخرى له ((من جاء ليلة جمع قبل صلاة الصبح)) ولفظ الترمذي ((من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر)) ولفظ أبي داود ((من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع)) وهكذا وقع عند أحمد (ج 4: ص 309، 335) وابن ماجة، والمعني: من جاء عرفة ووقف ليلة المزدلفة قبل طلوع فجر يوم النحر، ولأحمد أيضًا (ج 4: ص 309) والدارمي من أدرك ليلة جمع قبل صلاة الصبح (فقد أدرك الحج) أي لم يفته وأمن من الفساد، وهذا لفظ الترمذي والحميدي والدارمي وابن الجارود وأحمد في رواية ولأبي داود والنسائي وابن ماجة، وأحمد في رواية ((فقد تم حجه)) قال السندي: أي أمن من الفوات، وإلا فلابد من الطواف، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه على النسائي أي قارب التمام. وقال الخطابي: قوله ((فقد تم حجه)) يريد به معظم الحج وهو الوقوف بعرفة، لأنه هو الذي يخاف عليه الفوات، فأما طواف الزيارة فلا يخشى فواته وهكذا كقوله: الحج عرفة، أي معظم الحج هو الوقوف بعرفة – انتهى (أيام منى) مرفوع على الابتداء وخبره قوله (ثلاثة) أي ثلاثة أيام، وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار، وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر وليس يوم النحر منها لإجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر، ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانيه (فمن تعجل) أي استعجل بالنفر

ص: 453

في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه ".

ــ

أي الخروج من منى (في يومين أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها. قال الألوسي: النفر في أول منها لا يجوز فظرفية اليومين له على التوسع باعتبار أن الاستعداد له في اليوم الأول، والقول بأن التقدير في أحد يومين إلا أنه مجمل فسر باليوم الثاني أو في آخر يومين خروج عن مذاق النظر (فلا إثم عليه) في تعجيله (ومن تأخر) أي عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث (فلا إثم عليه) في تأخيره، وقيل: المعنى: ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه، والتخيير ها هنا وقع بين الفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل، فإن قيل: إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به؟ فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وتعجل فلا إثم عليه في العمل بالرخصة ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه في ترك الرخصة، كذا في النيل، وقال التوربشتي: إن قيل ما وجه التخيير بين الأمرين وأحدهما أفضل من الآخر؟ وما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر؟ والمتأخر أخذ بالأسد والأفضل؟ قلنا: قد ذكر أهل التفسير أن أهل الجاهلية كانوا فئتين، فإحداهما ترى المتعجل آثمًا والأخرى ترى المتأخر آثمًا، فورد التنزيل بنفي الحرج عنهما، وهذا قول مطابق لسياق الآية لو كان له في أسباب النزول أصل ثابت، والظاهر أن الإعلام الذي جاءهم من قبل الله إنما جاء ليعلموا أن الأمر موسع عليهم فلهم أن يأخذوا من الأمرين بأيهما شاءوا)) ونظيره التخيير بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل. وأما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر في نفي الجرح فهو أن من الرخص ما يقع من العامل موقع العزيمة، ويكون الفضل في إتيانه دون إتيان ما يخالفه، وذلك مثل قصر الصلاة للمسافر، فمنهم من يراه عزيمة ولا شك أنه في الأصل رخصة، والذي يراه أيضًا رخصة يرى إتيان هذه الرخصة أفضل، ولما كان التعجل في يومين رخصة والرخصة محتملة للمعاني التي ذكرناها وقع قوله ((فلا إثم عليه)) موضع البيان في إتيان الرخصة، وقوله ((ومن تأخر)) موقع البيان لترك الرخصة، وإذا كانت الرخصة من هذا القبيل الذي لن يبين لنا فضله على ما يخالفه فلا شك أن الإتيان بالأتم والأكمل أولى وأفضل – انتهى. والحديث فيه دليل على أن الوقوف بعرفة في وقته ركن لا يصح الحج إلا به وقد أجمع العلماء على ذلك، حكى هذا الإجماع غير واحد من شراح الحديث ونقلة المذاهب، منهم ابن قدامة وابن رشد وغيرهما. ودل الحديث أيضًا على أن وقت الوقوف ممتد إلى ما قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة وقد أجمعوا عليه أيضًا لكنهم اختلفوا في وقت الفرض والواجب للوقوف كما ستعرف، قال ابن قدامة (ج 3: ص 410، 413) : الوقوف ركن لا يتم الحج إلا به إجماعًا، ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن يعمر ثم قال: ويجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غابت الشمس كما تقدم في حديث جابر (الطويل) وفي حديث علي وأسامة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع حين غابت الشمس)) .

ص: 454

...................................................................................

ــ

فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح في قول جماعة الفقهاء إلا مالكًا. قال: لا حج له، قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك، وحجته ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل، ولنا ما روى عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة – الحديث، وفيه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) فأما خبره فإنما خص الليل لأن الفوات يتعلق به إذا كان يوجد بعد النهار، فهو آخر وقت الوقوف كما قال عليه السلام:" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ". وعلى من دفع قبل الغروب دم في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ومن تبعهم، وقال ابن جريج: عليه بدنة. وقال الحسن البصري: عليه هدي من الإبل، ولنا أنه واجب لا يفسد الحج بفواته فلم يوجب البدنة كالإحرام من الميقات، فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهارًا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه. وبهذا قال مالك والشافعي، وقال الكوفيون وأبو ثور: عليه دم لأنه بالدفع لزمه الدم فلم يسقط برجوعه، كما لو عاد بعد غروب الشمس. ولنا أنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه، فإن لم يعد حتى غربت الشمس فعليه دم لأن عليه الوقوف حال الغروب وقد فاته بخروجه – انتهى. قلت: وما نسب إلى الكوفيون من وجوب الدم فيما إذا دفع قبل الغروب ثم عاد نهارًا فوقف حتى غربت الشمس، وهو قول مرجوح للحنفية، والراجح سقوط الدم كما ذهب إليه الجمهور، قال القاري: إن دفع قبل الغروب فإن جاوز حد عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه اتفاقًا، وإن جاوزه قبل فعليه دم، فإن لم يعد أصلاً أو عاد بعد الغروب لم يسقط الدم، وإن عاد قبل الغروب فدفع بعد الغروب سقط الدم على الصحيح – انتهى. ثم قال ابن قدامة (ج 3: ص 415) : ومن لم يدرك جزءًا من النهار ولا جاء عرفة حتى غابت الشمس فوقف ليلاً فلا شيء عليه، وحجه تام لا نعلم مخالفًا فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك عرفات بليل

" ولأنه لم يدرك جزءًا من النهار فأشبه من منزله دون الميقات إذ أحرم منه، ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر. لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن آخر الوقت طلوع فجر يوم النحر. قال جابر: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع. قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم. رواه الأثرم، وأما أوله فمن طلوع الفجر يوم عرفة. وقال مالك والشافعي أول وقته زوال الشمس من يوم عرفة، واختاره أبو حفص العكبري، وحكى ابن عبد البر ذلك إجماعًا، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس ((من شهد صلاتنا هذه

ص: 455

...................................................................................

ــ

ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) ولأنه من يوم عرفة فكان وقتًا للوقوف كبعد الزوال، وترك الوقوف لا يمنع كونه وقتًا للوقوف كبعد العشاء، وإنما وقفوا في وقت الفضيلة ولم يستوعبوا جميع وقت الوقوف – انتهى. وقد ظهر من كلام ابن قدامة أنهم اختلفوا في فرض الوقت للوقوف على ثلاثة أقوال، الأول: قول أحمد: إنه من طلوع الفجر من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة النحر من غير فرق بين الليل والنهار، وبه جزم عامة أهل الفروع من الحنابلة، والثاني: قول مالك: إنه ليلة النحر من الغروب إلى طلوع الفجر. فالمعتمد عنده في الوقوف بعرفة ليلة النحر، والنهار من يوم عرفة تبع، والأفضل الجمع بينهما، فإن أفرد الليل جاز، وإن عكس لم يجزه، والحاصل أن الوقوف بجزء من الليل ركن عنده فمن خرج من عرفات قبل الغروب ولم يرجع حتى يتداركه بجزء من الليل فاته الحج وعليه الحج من قابل، ومن وقف ليلاً ولم يقف بالنهار فعليه دم. قال الدردير: الركن الرابع للحج حضور عرفة ساعة ليلة النحر، وتدخل بالغروب، وأما الوقوف نهارًا فواجب ينجبر بالدم ويدخل وقته بالزوال – انتهى. وظاهر الحديث حجة على مالك، والقول الثالث: قول الشافعي وأبي حنيفة إنه من زوال عرفة إلى فجر النحر، وهو مختار اللخمي وابن العربي وابن عبد البر من المالكية، وأما الوقت الواجب للوقوف فاختلفوا فيه على قولين، الأول: أن يجمع في وقوفه بين الليل والنهار في أي جزء منهما، وهو قول مالك. قال الدردير: أما الوقوف نهارًا فواجب ينجبر بالدم ويدخل وقته بالزوال ويكتفي فيه أي جزء منه، قال الدسوقي: أي يكفي في تحصيل الوقوف الواجب الوقوف في أي جزء من ذلك – انتهى. وهو مختار صاحب الروض المربع من الحنابلة، وبه جزم النووي في مناسكه، والثاني: قول الحنفية وعامة الحنابلة أن الواجب أن يمتد الوقوف إلى ما بعد الغروب كما تقدم عن ابن قدامة وعلي القاري إذا وقف بالنهار وإن لم يتفق له الوقوف بالنهار فلا امتداد، وقال الشنقيطي: اعلم أن العلماء أجمعوا على أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه، وأنهم أجمعوا على أن الوقوف ينتهي وقته بطلوع فجر يوم النحر، فمن طلع فجر يوم النحر وهو لم يأت عرفة فقد فاته الحج إجماعًا، ومن جمع في وقوف عرفة بين الليل والنهار وكان جزء النهار الذي وقف فيه من بعد الزوال فوقوفه تام، ومن اقتصر على جزء من الليل دون النهار صح حجه ولزمه دم عند المالكية خلافًا لجماهير أهل العلم القائلين بأنه لا دم عليه، ومن اقتصر على جزء من النهار دون الليل لم يصح حجه عند مالك، وهو رواية عن أحمد، وعند الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى: حجه صحيح وعليه دم. والدليل على أن الوقوف بعرفة ركن وأن وقته ينتهي بطلوع الفجر ليلة النحر ما رواه أحمد وأصحاب السنن غيرهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي، ودليل الإجماع على أن من جمع في وقوفه بعرفة بين جزء من الليل وجزء من النهار من بعد الزوال أن وقوفه تام هو ما ثبت في الروايات الصحيحة

ص: 456

...................................................................................

ــ

أن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) فمن الروايات الصحيحة الدالة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد صرح فيه بأنه جمع في وقوفه بين النهار من بعد الزوال، وبين جزء قليل من الليل مع قوله:" لتأخذوا عني مناسككم ". ودليل القائلين بأن من اقتصر في وقوفه بعرفة على جزء من الليل دون النهار فقد تم حجه: حديث عبد الرحمن بن يعمر المذكور، فإن فيه من تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أدرك عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، و ((جمع)) هي المزدلفة، وليلتها هي الليلة التي صبيحتها يوم النحر، ودليل من ألزموه دمًا مع وقوفه بعرفة في جزء من الليل وهم المالكية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالليل بل وقف معه جزءًا من النهار، فتارك الوقوف بالنهار تاركًا نسكًا، وفي الأثر المروي عن ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الديلي ((فقد تم حجه) لا يساعد على لزوم الدم، لأن لفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم، فهو يؤيد مذهب الجمهور، والعلم عند الله تعالى، ودليل من قال: بأن من اقتصر في وقوفه بعرفة على النهار دون الليل أن وقوفه صحيح وحجه تام: حديث عروة بن مضرس، فإن فيه ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) قال المجد في المنتقى بعد أن ساق هذا الحديث: رواه الخمسة وصححه الترمذي، وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف – انتهى. وقد قدمنا إجماع أهل العلم على أن وقت الوقوف ينتهي بطلوع الفجر ليلة جمع، وإجماعهم على أن ما بعد الزوال من يوم عرفة وقت للوقوف، وأما ما قبل الزوال من يوم عرفة فجمهور أهل العلم على أنه ليس وقتًا للوقوف، وخالف أحمد الجمهور في ذلك قائلاً إن يوم عرفة كله من طلوع فجره إلى غروبه وقت للوقوف، واحتج لذلك بحديث عروة بن مضرس فإن فيه ((وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) فقوله صلى الله عليه وسلم ((ليلاً أو نهارًا)) يدل على شمول الحكم لجميع الليل والنهار، وقد قدمنا قول المجد في المنتقى بعد أن ساق هذا الحديث: وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف، وحجة الجمهور هي أن المراد بالنهار في حديث عروة خصوص ما بعد الزوال بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله، قالوا: ففعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه من بعده مبين للمراد من قوله ((أو نهارًا)) والحاصل أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج إجماعًا، وأن من جمع بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام إجماعًا، وأن من اقتصر على الليل دون النهار فوقوفه تام ولا دم عليه عند الجمهور خلافًا للمالكية القائلين بلزوم الدم، وأن من اقتصر على النهار دون الليل لم يصح وقوفه عند المالكية، وعند جمهور العلماء حجه صحيح، منهم الشافعي وأبو حنيفة وعطاء الثوري وأبو ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد. ولكنهم اختلفوا في وجوب الدم، فقال أحمد وأبو حنيفة يلزمه دم، وعن الشافعية قولان: أحدهما لا دم عليه وصححه النووي وغيره، والثاني: عليه دم، قيل وجوبًا وقيل استنانًا، وقيل

ص: 457

رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ــ

ندبًا والأصح أنه سنة على القول به كما جزم به النووي، وأن ما قبل الزوال من يوم عرفة ليس وقتًا للوقوف عند جماهير العلماء خلافًا لأحمد وقد رأيت أدلة الجميع. قال الشنقيطي: أما من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار أو النهار من بعد الزوال دون الليل فأظهر الأقوال فيه دليلاً عدم لزوم الدم، أما المقتصر على الليل فلحديث عبد الرحمن بن يعمر فإن قوله صلى الله عليه وسلم فيه ((فقد تم حجه)) مرتبًا ذلك على إتيانه عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر نص صريح في أن المقتصر على الوقوف ليلاً حجة تام، وظاهر التعبير بلفظ التمام عدم لزوم الدم، ولم يثبت ما يعارضه من صريح الكتاب أو السنة، وعلى هذا جمهور أهل العلم خلافًا للمالكية، وأما المقتصر على النهار دون الليل فلحديث عروة بن مضرس فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) فقوله ((فقد تم حجه)) مرتبًا له بالفاء على وقوفه بعرفة ليلاً أو نهارًا يدل على أن الواقف نهارًا يتم حجه بذلك والتعبير بلفظ التمام ظاهر في عدم لزوم الجبر بالدم ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحدث، وعدم لزوم الدم للمقتصر على النهار، هو الصحيح من مذهب الشافعي لدلالة هذا الحديث على ذلك كما ترى، وأما الإكتفاء بالوقوف يوم عرفة قبل الزوال فقد قدمنا أن ظاهر حديث ابن مضرس المذكور يدل عليه لأن قوله صلى الله عليه وسلم ((أو نهارًا)) صادق بأول النهار وآخره كما ذهب إليه أحمد، ولكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده كالتفسير للمراد بالنهار في الحديث المذكور وأنه بعد الزوال، وكلاهما له وجه من النظر، ولا شك أن عدم الاقتصار على أول النهار أحوط، والعلم عند الله تعالى. وحجة مالك في أن الوقوف نهارًا لا يجزئ إلا إذا وقف معه جزءًا من الليل هي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك وقال:" لتأخذوا عني مناسككم ". فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا الجمع في الوقوف بين الليل والنهار، ولا يخفى أن هذا لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح في محل النزاع الذي فيه ((وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) كما ترى – انتهى كلام الشنقيطي مختصرًا بقدر الضرورة. (رواه الترمذي) إلخ، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 4: ص 309، 310، 335) والحميدي (ج 2: ص 399) وأبو داود الطيالسي وابن حبان والحاكم (ج 1: ص 464) وقال: حديث صحيح الإسناد كما في نصب الراية، وقال الذهبي: صحيح. والبزار والبيهقي (ج 5: ص 116) والدارقطني (ص 264) وابن الجارود صلى الله عليه وسلم (165)(وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) كذا في جميع نسخ المشكاة، وإني لم أجد كلام الترمذي هذا في جامع الترمذي ولا ذكره الزيلعي في نصب الراية (ج 3: ص 92) والحافظ في التلخيص (ص 216) والمنذري في مختصر السنن (ج 2: ص 408، 409) والمناوي في كشف المناهج وفيض القدير، ولا ذكره المجد في المنتقى والشوكاني في النيل، بل سكتوا كلهم كما سكت عليه أبو داود، فهو حديث صالح قابل للاحتجاج عندهم. وقال النووي

ص: 458