المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أطافت يوم النحر؟ " قيل: نعم. قال: " فانفري ". - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: أطافت يوم النحر؟ " قيل: نعم. قال: " فانفري ".

أطافت يوم النحر؟ " قيل: نعم. قال: " فانفري ". متفق عليه.

(الفصل الثاني)

2694 -

(12) عن عمرو بن الأحوص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في حجة الوداع:" أي يوم هذا؟ " قالوا: يوم الحج الأكبر.

ــ

سبيل التلطف وقيل هما صفتان للمرأة يعني أنها تحلق قومها وتعقرهم أي تستأصلهم من شؤمها - انتهى. وقيل إنهما مصدران والعقر الجرح والقتل وقطع العصب، والحلق إصابة وجع في الحلق أو الضرب على الحلق أو الحلق في شعر الرأس لأنهن يفعلن ذلك عند شدة المصيبة، وحقهما أن ينونا لكن أبدل التنوين بالألف إجراء للوصل مجرى الوقف - انتهى. قال القاري: وفيه أنه لا يساعده رسمها بالياء، وقيل إنهما تأنيث فعلان، أي جعلها عقرى أي عاقرًا أي عقيمًا وحلقى أي جعلها صاحبة وجع الحلق، ثم هذا وأمثال ذلك مثل تربت يداه وثكلته أمه مما يقع في كلامهم للدلالة على تهويل الخبر وأن ما سمعه لا يوافقه لا للقصد إلى وقوع مدلوله الأصلي والدلالة على التماسه - انتهى. قال القرطبي وغيره: شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت معه في الحج: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية. قال الحافظ: وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله (كما ورد في رواية) فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة - انتهى (أطافت؟) أي صفية (يوم النحر) أي طواف الإفاضة (قيل: نعم) وفي رواية للبخاري ثم قال (أي النبي صلى الله عليه وسلم) : كنت طفت يوم النحر؟ قالت: نعم (قال: فانفري) بكسر الفاء أي اخرجي إلى المدينة من غير طواف الوداع فإن وجوبه ساقط بالعذر (متفق عليه) أخرجه البخاري في كتاب الحيض وفي الحج ومسلم في الحج، واللفظ المذكور للبخاري في باب الادلاج من المحصب، وأخرجه أيضًا أحمد ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن الجارود والبيهقي بألفاظ مختلفة.

2694-

قوله (عن عمرو) بفتح أوله (بن الأحوص) بمفتوحة وسكون حاء وبصاد مهملتين. هو عمرو بن الأحوص الجُشَمي بضم الجيم وفتح المعجمة، من بني جشم بن سعد، قال الحافظ في التقريب: صحابي، له حديث في حجة الوداع. ونسبه ابن عبد البر فقال: عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب الجشمي الكلابي. اختلف في نسبه، روى عنه ابنه سليمان بن عمرو بن الأحوص، حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة في حجة الوداع، وفي رمي الجمار أيضًا. يقال: إنه شهد حجة الوداع مع أمه وامرأته، وحديثه في الخطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح - انتهى. قال الحافظ: وقد شهد اليرموك في زمن عمر (يقول في حجة الوداع) أي يوم النحر كما سبق (أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الحج الأكبر) وفي

ص: 316

قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. ألا لا يجني جان على نفسه،

ــ

رواية ((قال: أي يوم أحرم؟ (أي أعظم وأشد حرمة وأكثر احترامًا) فقال الناس: يوم الحج الأكبر)) وفيه دليل لمن يقول: إن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وقد وردت في ذلك أحاديث أخرى ذكرها السيوطي في الدر المنثور والحافظ ابن كثير في تفسيره. منها ما رواه البخاري في باب الخطبة أيام منى تعليقًا من حديث ابن عمر قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بها وقال: هذا يوم الحج الأكبر. فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشهد. وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، ووصل هذا التعليق أبو داود وابن ماجة والطبراني. ومنها ما رواه البخاري أيضًا في باب كيف ينبذ إلى أهل العهد من كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى.... إلى أن قال: ويوم الحج الأكبر يوم النحر. واختار هذا القول الحافظ ابن جرير، وهو قول مالك والشافعي والجمهور، وسمي بذلك لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، وقال الحافظ: لأن فيه تتكمل بقية المناسك، وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاوس إلى أنه يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة. وفيه أقوال أخرى، ذكرها العيني والحافظ في الفتح في تفسير سورة براءة، والقول الأول أرجح وأما ما اشتهر على ألسنة العوام من أن يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة كان الحج حجًا أكبر يعني أن الحج الأكبر ما كان فيه الوقوف بعرفة يوم الجمعة، فهذا مما لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا هو المراد بالحج الأكبر المذكور في الكتاب والسنة، نعم له فضل ومزية كما يدل عليه ما ذكره رزين في تجريده عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلاً مرفوعًا، ولكن لا يعرف إسناده ولا من خرجه، وقد تقدم التنبيه على هذا في باب الوقوف بعرفة ثم قولهم ((يوم الحج الأكبر)) بظاهره ينافي جوابهم السابق ((والله ورسوله أعلم)) وقد تقدم وجه التوفيق فتذكر (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا) أي مكة أو الحرم المحترم وزاد في رواية ابن ماجة والترمذي في التفسير ((في شهركم هذا)) أريد بذلك أن دم كل واحد حرام عليه وعلى غيره. وأما في المال فالمراد أن مال كل واحد حرام على غيره لا عليه إلا في الباطل فقد يصير حرامًا عليه أن يصرفه فيه، قاله السندي (ألا) للتنبيه (لا يجني جان على نفسه) قال الطيبي: خبر في معنى النهي ليكون أبلغ يعني كأنه نهاه فقصد أن ينتهي فأخبر به، والمراد الجناية على الغير إلا أنها لما كانت سببًا للجناية على نفسه أنذرها في صورتها ليكون أدعى إلى الامتناع، ويدل على ذلك أنه روي في بعض طرق الحديث ((إلا على نفسه)) وحينئذ يكون خبرًا بحسب المعنى أيضًا، كذا في المرقاة، وقال في اللمعات: قوله ((ألا لا يجني جان على نفسه)) خبر بمعنى النهي. والمراد لا يجني أحدكم على الغير فيكون سببًا للجناية على نفسه اقتصاصًا ومجازاة، ولما كان هذا في

ص: 317

ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده. ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدًا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به ".

ــ

معنى النهي عن الجناية على الغير والغير أعم أردفه بذكر النهي عن الجناية على والد ومولود تخصيصًا بعد تعميم لاختصاصه بمزيد قبح وشناعة، وقد روى: ألا لا يجني جان إلا على نفسه، وحينئذ يكون خبرًا بحسب المعنى أيضًا انتهى. قلت: قوله ((لا يجني جان على نفسه)) هكذا وقع في جميع نسخ المشكاة، والذي في الترمذي وابن ماجة: لا يجني جان إلا على نفسه، وكذا وقع في المصابيح، فالظاهر أن ما وقع في المشكاة خطأ من المصنف أو الناسخ. قال السندي: لا يجني جان إلا على نفسه أي لا يرجع وبال جنايته من الإثم أو القصاص إلا إليه. وقال الجزري في النهاية: الجناية الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العذاب أو القصاص في الدنيا والآخرة، المعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده، فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الآخر كقوله تعالى:? {?ولا تزر وازرة وزر أخرى} انتهى (ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده) قال القاري: يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليه لاختصاصها بمزيد قبح، وأن يكون المراد تأكيد لا يجني جان على نفسه، فإن عادتهم جرت بأنهم يأخذون أقارب الشخص بجنايته. والحاصل أن هذا ظلم يؤدي إلى ظلم آخر، والأظهر أن هذا نفي فيوافق قوله تعالى:{? ولا تزر وازرة وزر أخرى} وإنما خص الولد والوالد لأنهما أقرب الأقارب، فإذا لم يؤاخذا بفعله فغيرهما أولى، وفي رواية ((لا يؤخذ الرجل بجريمة أبيه)) وضبط بالوجهين (ألا وإن الشيطان) هو إبليس الرئيس أو الجنس الخسيس (قد أيس) أي قنط (أن يعبد) قال القاري: أي من أن يطاع في عبادة غير الله تعالى، لأنه لم يعرف أنه عبده أحد من الكفار – انتهى. وقيل معناه إن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم، ولا يرد على هذا مثل أصحاب مسيلمة ومانعي الزكاة وغيرهم ممن ارتد لأنهم لم يعبدوا الصنم. ويحتمل معنى آخر وهو أنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن المصلين من أمتي لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصارى، ولك أن تقول: معنى الحديث أن الشيطان أيس من أن يتبدل دين الإسلام ويظهر الإشراك ويستمر ويصير الأمر كما كان من قبل، ولا ينافيه ارتداد من ارتد بل لو عبد الأصنام أيضًا لم يضر في المقصود فافهم، كذا في اللمعات مع زيادة (في بلدكم هذا) أي مكة، قال القاري: أي علانية، إذ قد يأتي الكفار مكة خفية، قلت: قوله ((في بلدكم هذا)) كذا وقع في رواية ابن ماجة، وللترمذي في الفتن ((في بلادكم هذه)) يعني مكة وما حولها من جزيرة العرب (ولكن ستكون له طاعة) أي انقياد أو إطاعة (فيما تحتقرون) من الاحتقار أي تحسبون ذلك حقيرة صغيرة، ويكون فيها طاعة ومرضاة للشيطان (من أعمالكم) أي دون الكفر من القتل والنهب ونحوهما من الكبائر وتحقير الصغائر (فسيرضى) بصيغة المعلوم أي الشيطان (به) أي بالمحتقر حيث لم يحصل له الذنب

ص: 318

رواه ابن ماجة، والترمذي وصححه.

2695 – (13) وعن رافع بن عمرو المزني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه،

ــ

الأكبر، ولهذا ترى المعاصي من الكذب والخيانة ونحوهما توجد كثيرًا في المسلمين وقليلاً في الكافرين لأنه قد رضي من الكفار بالكفر فلا يوسوس لهم في الجزئيات، وحيث لا يرضى عن المسلمين بالكفر فيرمهم في المعاصي، وروي عن علي رضي الله عنه: الصلاة التي ليس لها وسوسة إنما هي صلاة اليهود والنصارى. ومن الأمثال ((لا يدخل اللص في بيت إلا فيه متاع نفيس)) وقال الطيبي: قوله ((فيما تحتقرون)) أي مما يتهجس في خواطركم وتتفوهون عن هناتكم وصغائر ذنوبكم فيؤدي ذلك إلى هيج الفتن والحروب كقوله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان قد يئس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم، كذا في المرقاة، وقوله ((فيما تحتقرون)) إلخ. هو لفظ الترمذي، وفي ابن ماجة ((في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها)) والحديث دليل على مشروعية الخطبة يوم النحر، وقد سبق الكلام على ذلك (رواه ابن ماجة) في الحج (والترمذي) في تفسير سورة التوبة وفي كتاب الفتن، ونسبه في تنقيح الرواة للنسائي أيضًا (وصححه) أي الترمذي، وكذا صححه ابن عبد البر كما تقدم.

2695 – قوله (وعن رافع بن عمرو المزني) نسبة إلى قبيلة مزينة بضم الميم وفتح الزاي، وهو رافع بن عمرو بن هلال المزني أخو عائد بن عمرو، لهما ولأبيهما صحبة. قال ابن عبد البر: سكن رافع وعائذ جميعًا البصرة. روى عن رافع هذا عمرو بن سليم المزني وهلال بن عامر المزني. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: روى رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين أحدهما ((العجوة من الجنة)) عند ابن ماجة (من رواية عمرو بن سليم المزني عنه) والآخر شهوده حجة الوداع عند أبي داود والنسائي (من رواية هلال بن عامر المزني عنه) قال ابن عساكر: كان رافع في حجة الوداع خماسيًا أو سداسيًا – انتهى ورواية هلال بن عامر عنه تدل على أنه بقى إلى خلافة معاوية (يخطب الناس بمنى) أي أول النحر بقرينة قوله (حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء) أي بيضاء يخالطها قليل سواد، ولا ينافيه حديث قدامة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء، قاله القاري. قلت: وروى أحمد وأبو داود من حديث الهرماس بن زياد البهلي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى. قال الطبري بعد ذكر حديث الهرماس ورافع المزني: وهذه الخطبة الثالثة من خطب الحج، ولا تضاد بين الحديثين إذ قد يجوز أن يكون خطب على الناقة ثم تحول إلى البغلة ويجوز أن يكون الخطبتان في وقتين، وكانت إحدى الخطبتين تعليمًا للناس لا أنها من خطب الحج – انتهى فتأمل (وعلي يعبر عنه) من التعبير أي يبلغ حديثه من هو بعيد من النبي صلى الله عليه وسلم فهو رضي الله عنه وقف حيث يبلغه صوت

ص: 319

والناس بين قائم وقاعد. رواه أبو داود.

2696، 2697 – (14، 15) وعن عائشة، وابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل.

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم ويفهمه فيبلغه للناس ويفهمهم من غير زيادة ونقصان (والناس بين قائم وقاعد) أي بعضهم قاعدون وبعضهم قائمون وهم كثيرون حيث بلغوا مائة ألف وثلاثين ألفًا، كذا في المرقاة. وفي هذا الحديث أيضًا دليل على مشروعية الخطبة في يوم النحر (رواه أبو داود) وأخرجه أيضًا النسائي والبيهقي (ج 5: ص 140) وسكت عنه أبو داود والمنذري، وقال النووي في شرح المهذب: رواه أبو داود بإسناد حسن والنسائي بإسناد صحيح.

2696، 2697 – قوله (أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل) هذا يعارض ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع من أنه صلى الله عليه وسلم رمى ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، وكذا يعارض ما تقدم في باب الحلق من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى، واختلفوا في الجواب عن ذلك فذهب جماعة منهم ابن القطان الفاسي وابن القيم وابن حزم إلى تضعيف حديث عائشة وابن عباس هذا بل إلى تغليطه. قال ابن القطان: عندي أن هذا الحديث يعني حديث عائشة هذا ليس بصحيح، إنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نهارًا، وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية أبي الزبير هذه التي فيها أنه أخر الطواف إلى الليل، وهذا شيء لم يرو إلا من هذا الطريق وأبو الزبير مدلس لم يذكر ها هنا سماعًا عن عائشة – انتهى. وقال ابن القيم أفاض صلى الله عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكبًا فطاف طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة، ولم يطف غيره ولم يسع معه، هذا هو الصواب. وطائفة زعمت أنه لم يطف في ذلك اليوم، وإنما أخر طواف الزيارة إلى الليل وهو قول طاوس ومجاهد وعروة، واستدلوا بحديث أبي الزبير المكي عن عائشة المخرج في سنن أبي داود والترمذي قال الترمذي: حديث حسن، وهذا الحديث غلط بين خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم بحجته صلى الله عليه وسلم وقال ابن حزم: هذا أي حديث عائشة الذي نحن في شرحه حديث معلول لأنه يرويه أبو الزبير عن ابن عباس وعائشة، وهو يدلس فيما لم يقل فيه أخبرنا أو حدثنا أو سمعت فهو غير مقطوع إلا ما كان من رواية الليث عنه عن جابر فإنه كله سماع، ولسنا نحتج من حديثه إلا بما كان فيه بيان أنه سمعه، وليس في هذا بيان سماعه منهما – انتهى. وذهب بعضهم إلى ترجيح حديث ابن عمر وجابر وتقديمه على حديث عائشة وابن عباس، قال البيهقي بعد ذكر روايات ابن عمر وجابر وعائشة وابن عباس ما لفظه: أصح هذه الروايات حديث نافع عن ابن عمر وحديث جابر وحديث أبي سلمة عن عائشة يعني حديث البخاري بلفظ ((قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر)) وذهب جماعة منهم البخاري وابن

ص: 320

رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة.

ــ

حبان والنووي والسندي إلى الجمع بين هذه الروايات، قال البخاري في باب الزيارة يوم النحر: وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس: أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل، ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى، وقال لنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه طاف طوافًا واحدًا ثم يقيل ثم يأتي منى يعني يوم النحر، ورفعه عبد الرزاق قال: حدثنا عبيد الله ثم ذكر البخاري حديث أبي سلمة أن عائشة قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر – الحديث. قال الحافظ: كأن البخاري عقب هذا (أي حديث أبي الزبير عن عائشة وابن عباس) بطريق أبي حسان ليجمع بين الأحاديث بذلك فيحمل حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول، وحديث ابن عباس وعائشة هذا على بقية الأيام. قال الحافظ: وحديث أبي حسان عن ابن عباس وصله الطبراني (والبيهقي ج 5: ص 146) قال: ولرواية أبي حسان هذه شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة حدثنا ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة (يعني ليالي منى) . وقال النووي: قوله ((أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل)) محمول على أنه عاد للزيارة مع نسائه لا لطواف الإفاضة. قال: ولا بد من هذا التأويل للجمع بين الأحاديث وقال ابن حبان: يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم أفاض ثم رجع فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة ثم ركب إلى البيت فطاف طوافًا ثانيًا بالليل. قال الطبري بعد ذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى ما لفظه: هذا يؤيد أبي حاتم فلعل زيارته صلى الله عليه وسلم وقعت في تلك المرة ليلاً، ويجوز أن يكون هذا منشأ اختلاف الروايات فأراد بعضهم يوم النحر وبعضهم غير يوم النحر، وقد سمى الزيارة إفاضة لأن معنى الإفاضة الدفع بكثرة، ولم يذكر جميعهم أنه كان يوم النحر – انتهى. وقال السندي في حاشية ابن ماجة ((قوله أخر طواف الزيارة إلى الليل)) المعلوم الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم هو أنه طاف طواف الإفاضة وهو الطواف الفرض قبل الليل، فلعل المراد بهذا الحديث أنه رخص في تأخيره إلى الليل، أو المراد بطواف الزيارة غير طواف الإفاضة، أي إنه كان يقصد زيارة البيت أيام منى بعد طواف الإفاضة فإذا زار طاف أيضًا، وكان يؤخر طواف تلك الزيارة إلى الليل بتأخير تلك الزيارة إلى الليل ولا يذهب على مكة لأجل تلك الزيارة في النهار بعد العصر مثلاً. وقال القاري: قوله أخر طواف الزيارة أي جوز تأخيره يوم النحر إلى الليل إما مطلقًا أو للنساء لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم صلى الظهر بمكة أو منى. وقال شيخنا في شرح الترمذي: حديث ابن عباس وعائشة المذكور ضعيف كما ستعرف (وكما تقدم) فلا حاجة إلى الجمع الذي أشار إليه البخاري (وغيره) وأما على تقدير الصحة فهذا الجمع متعين، هذا وقد سبق شيء من الكلام في الجواب عن هذا الحديث في شرح حديث جابر الطويل في صفة الحج (رواه الترمذي) إلخ. وأخرجه أيضًا أحمد (ج 1: ص 288، 309)

ص: 321

2698 – (16) وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه. رواه أبو داود، وابن ماجة.

2699 – (17) وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء ".

ــ

والبيهقي (ج 5: ص 144) وذكره البخاري في صححه تعليقًا بصيغة الجزم كما تقدم. وقال الترمذي: هذا حديث حسن وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. وقال شيخنا في شرح الترمذي في كون هذا الحديث حسنًا نظر، فإن أبا الزبير ليس له سماع من ابن عباس وعائشة كما صرح به الحافظ ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل – انتهى. وقال الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند: أبو الزبير هو المكي محمد بن مسلم تدرس ثقة ولكن في سماعه من ابن عباس وعائشة شك، روى ابن أبي حاتم في المراسيل (ص 71) عن سفيان بن عيينة قال: يقولون: إن المكي لم يسمع من ابن عباس، وروى عن أبيه أبي حاتم قال: أبو الزبير رأى ابن عباس رؤية ولم يسمع من عائشة. قلت: وقال البيهقي (ج 1: ص 144) بعد رواية هذا الحديث: وأبو الزبير سمع من ابن عباس وفي سماعه من عائشة نظر، قاله البخاري.

2698 – قوله (لم يرمل) بضم الميم من باب نصر (في السبع الذي أفاض فيه) أي في طواف الزيارة يعني لا رمل في طواف الإفاضة كما في طواف الوداع، وإنما هو في طواف القدوم، ففيه دليل على أنه لا يشرع الرمل الذي سلفت مشروعيته في طواف القدوم في طواف الزيارة، قال الطبري: فيه دلالة على اختصاص الرمل بطواف القدوم أو بكل طواف يعقبه سعي وهما قولان للشافعي. وقال أيضًا في شرح حديث ابن عمر ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشى أربعة)) قوله ((الطواف الأول)) هو الذي يأتي به أول ما يقدم يعني طواف القدوم، وفيه دلالة على تخصيص الرمل بطواف القدوم وهو أظهر قولي الشافعي، والقول الآخر أنه يرمل في كل طواف يعقبه سعي بين الصفا والمروة – انتهى (رواه أبو داود وابن ماجة) وأخرجه أيضًا النسائي والبيهقي (ج 5: ص 84) كلهم من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، وقد سكت عنه أبو داود ثم المنذري.

2699 – قوله (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة) أي وحلق أو قصر، قاله القاري بناء على مذهب الحنفية أن المؤثر في التحلل هو الحلق (فقد حل له كل شيء) أي حرم بالإحرام، ومنه الحلق (إلا النساء) بالنصب على الاستثناء، أي وطئًا ومباشرة وقبلة ولمسًا بشهوة وعقد نكاح حتى يطوف طواف الإفاضة. والحديث يدل على أنه يحل كل محظور

ص: 322

رواه في شرح السنة، وقال: إسناده ضعيف.

2700 -

(18) وفي رواية أحمد، والنسائي عن ابن عباس، قال:" إذا رمى الجمرة، فقد حل له كل شيء إلا النساء ".

2701 -

(19) وعنها، قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه

ــ

من محظورات الإحرام إلا الوطئ ودواعيه بعد الرمي وإن لم يحلق لكن وقع في رواية لأحمد وغيره ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء)) وهو يدل على أنه بمجموع الأمرين رمي جمرة العقبة والحلق يحل كل محرم على المحرم إلا النساء، وقد بسطنا الكلام في ذلك في شرح حديث عائشة ((كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) وهو أول أحاديث الفصل الأول من باب الإحرام والتلبية (رواه) أي صاحب المصابيح (في شرح السنة) أي بسنده، وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والدارقطني (ص 279) والبيهقي (ج 5: ص 136) والطحاوي وسعيد بن منصور (وقال: إسناده ضعيف) لأن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف ومدلس، وقال المنذري: قد ذكر غير واحد من الحفاظ أنه لا يحتج بحديثه - انتهى. وأيضًا اضطرب هو في إسناده، ففي رواية قال عن أبي بكر بن حزم، وفي رواية قال: عن الزهري. ولم يسمع من الزهري شيئًا. وقال البيهقي بعد ذكر الاختلاف في سنده ومتنه: وهذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة - انتهى. لكن أخرج مثلها ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عائشة كما قال الحافظ في الدراية (ص 189) قلت: وذكر ابن الهمام إسناده فقال: أخرج ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها الحديث. وفي الباب عن ابن عباس كما سيأتي، وعن أم سلمة أخرجه أحمد (ج 6: ص 295، 303) وأبو داود والحاكم (ج 1: ص 489، 490) ، والبيهقي (ج 5 ص 136، 137) مطولاً وفيه قصة وزيادات، وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا فيصح الاحتجاج بها على أنه يحل بالرمي كل محرم من محرمات الإحرام سوى النساء.

2700 -

قوله (وفي رواية أحمد والنسائي) وابن ماجة والطحاوي والبيهقي (ج 5: ص 136) من طريق الحسن العرني (عن ابن عباس) مرفوعًا وموقوفًا (قال: إذا رمى الجمرة) أي جمرة العقبة (فقد حل له كل شيء إلا النساء) أي حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا أيضًا يدل على أن الرمي هو السبب للتحلل الأول كما هو مذهب المالكية، ويحمله الحنفية على إضمار الحلق أي إذا رمى وحلق جمعًا بينه وبين ما وقع في بعض الروايات من عطفه على الرمي وحديث ابن عباس هذا منقطع، لأن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس كما قاله الإمام أحمد وغيره، وقد تقدم شيء من الكلام في حديث ابن عباس هذا وحديث عائشة الذي قبله في شرح أول أحاديث باب الإحرام والتلبية.

2701-

قوله (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه) أي طاف طواف الإفاضة في آخر يوم النحر، وهو

ص: 323

حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة فلا يقف عندها. رواه أبو داود.

2702 -

(20) وعن أبي البداح بن عاصم بن عدي،

ــ

أول أيام النحر (حين صلى الظهر) فيه دلالة على أنه صلى الظهر بمكة موافقًا لما دل عليه حديث جابر الطويل وأنه وقع طوافه بعد الزوال بل بعد صلاة الظهر لقوله ((من آخر يومه، وهذا مخالف لما وقع في حديث ابن عمر وغيره أنه طاف قبل الظهر. وقال الطيبي: أي أفاض يوم النحر من منى إلى مكة حين صلى الظهر، فيفيد أنه صلى الظهر بمنى ثم أفاض وهو خلاف ما ثبت في الأحاديث لاتفاقها على أنه صلى الظهر بعد الطواف مع اختلافها أنه صلاها بمكة أو بمنى. قال القاري: لا يبعد أن يحمل على يوم آخر من أيام النحر بأن صلى الظهر بمنى ونزل في آخر يومه مع نسائه لطواف زيارتهن – انتهى. ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف والتعسف، وقد تفرد باللفظ المذكور محمد بن إسحاق ورواه بعن، فلا حاجة إلى الجمع (فمكث) بفتح الكاف وضمها، أي لبث وبات (بها) أي بمنى (إذا زالت الشمس) فيه دليل على أن وقت رمى الجمرات في غير يوم النحر بعد الزوال (كل جمرة) بالنصب على البدلية وبالرفع على الابتدائية (ويقف عند الأولى) أي أولى الجمرات الثلاث وهي التي تلي مسجد الخيف (والثانية) هي الوسطى (فيطيل القيام) للأذكار من التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والاستغفار (ويتضرع) أي إلى الله بأنواع الدعوات وعرض الحاجات (ويرمي الثالثة) هي جمرة العقبة التي رماها يوم النحر (فلا يقف عندها) أي للذكر والدعاء (رواه أبو داود) وأخرجه أيضًا أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي (ج 5: ص 148) وفي سنده عندهم محمد بن إسحاق وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث، والمدلس إذا قال ((عن)) ولم يتابعه أحد على روايته لا يحتج بروايته.

2702-

قوله (وعن أبي البداح) بفتح الموحدة وتشديد الدال المهملة فألف فحاء مهملة (بن عاصم بن عدي) بن الجد – بفتح الجيم – ابن العجلان بن حارثة بن ضبيعة القضاعي البلوي ثم الأنصاري، حليف لبني عمرو بن عوف من الأنصار. قال الواقدي: أبو البداح لقب غلب عليه، وكنيته أبو عمرو – انتهى. وكذا قال على بن المديني وابن حبان: كنيته أبو عمرو، وقيل كنيته أبو بكر وقيل أبو عمر. يقال: اسمه عدي. مات سنة (117) فيما ذكره جماعة، وقيل سنة (110) قال ابن عبد البر في الاستيعاب: اختلف فيه فقيل الصحبة لأبيه وهو من التابعين، وقيل له صحبة وهو الذي توفي عن سبيعة الأسلمية، وخطبها أبو السنابل بن بعكك ذكره ابن جريج وغيره، وهو الصحيح في أن له صحبة، والأكثر يذكرونه في الصحابة – انتهى. وذكره الحافظ في القسم الرابع من حرف الباء من الإصابة، وتعقب ابن عبد البر فقال: عليه

ص: 324

عن أبيه، قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة: أن يرملوا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرموه

ــ

مؤاخذات، الأولى أن مالكًا أخرج في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح حديثًا، وهذا يدل على تأخر أبي البداح عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يدرك العصر النبوي، وقد روى أيضًا عن أبي البداح أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابنه عبد الملك وغير واحد وأرخ جماعة وفاته سنة (117) وقال الواقدي: مات سنة (110) وله أربع وثمانون سنة، فعلى هذا يكون مولده سنة (26) بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة، وهذا كله يدفع أن يكون له صحبة، ويدفع قول ابن مندة: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن فتحون: قول أبي عمر ((توفي عن سبيعة)) وهم – انتهى. قال ابن سعد: كان أبو البداح ثقة قليل الحديث. وقال الحافظ في التقريب: ثقة من الثالثة، ووهم من قال: له صحبة (عن أبيه) عاصم بن عدي، كان سيد بني عجلان وهو أخو معن بن عدي يكنى أبا عمرو ويقال أبا عبد الله. قال الحافظ في الإصابة: اتفقوا على ذكره في البدريين، ويقال: إنه لم يشهدها بل خرج فكسر فرده النبي صلى الله عليه وسلم من الروحاء واستخلفه على العالية من المدينة وهذا هو المعتمد، وبه جزم ابن إسحاق، وأورد الواقدي بسنده إلى أبي البداح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عاصمًا على أهل قباء والعالية لشيء بلغه عنهم، وضرب له بسهمه وأجره (فكان كمن شهدها ولهذا ذكروه في البدريين) وقال شهد أحدًا وما بعدها، وله ذكر في الصحيح في قصة اللعان. قال ابن سعد وابن السكن وغيرهما: مات سنة (45) وهو ابن مائة وخمس عشرة، وقيل عشرين – انتهى (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جوز وأباح (لرعاء الإبل) بكسر الراء والمد جمع راع أي لرعاتها بضم الراء (في البيتوتة) مصدر بات أي رخص لهم في البيتوتة خارج منى أو في ترك البيتوتة، والمعنى: أباح لهم ترك البيتوتة بمنى ليالي أيام التشريق، لأنهم مشغولون برعي الأبل وحفظها، فلو أخذوا بالمقام والمبيت بمنى ضاعت أموالهم. قال الباجي: قوله ((رخص)) يقتضي أن هناك منع خص هذا منه لأن لفظ الرخصة لا تستعمل إلا فيما يخص من المحظور للعذر، وذلك أن للرعاء عذرًا في الكون مع الظهر الذي لابد من مراعاته، والرعي به للحاجة إلى الظهر في الانصراف إلى بعيد البلاد، فأبيح لهم ذلك لهذا المعنى – انتهى. وقد تقدم بيان اختلاف الأئمة في البيتوتة بمنى هل هو واجب أو سنة، وتقدم أيضًا أنهم اتفقوا على سقوطه للرعاء وأهل السقاية، واختلفوا في أنه يختص السقوط بالرعاء وبأهل السقاية أو يعم أهل الأعذار كلها من مرض أو شغل أو حاجة (أن يرموا يوم النحر) أي جمرة العقبة كسائر الحجاج، قال الباجي: أخبر أن رميهم يوم النحر لا يتعلق به رخصة ولا يغير عن وقته ولا إضافته إلى غيره (ثم يجمعوا رمي يومين) أي الحادي عشر والثاني عشر (فيرموه) أي رمي اليومين وقوله ((فيرموه)) هكذا في المشكاة والمصابيح والذي في الترمذي ((فيرمونه)) وكذا وقع عند أحمد وابن

ص: 325

في أحدهما.

ــ

ماجة، وهكذا نقله الجزري (في أحدهما) أي في أحد اليومين، ومعناه أنهم يجمعون رمي اليوم التالي ليوم النحر مع اليوم الذي يليه وهو يوم النفر الأول جمع تقديم فيرمون في اليوم التالي ليوم النحر ولا يرمون في يوم النفر الأول، أو جمع تأخير فيرمون في يوم النفر الأول ولا يرمون في اليوم التالي ليوم النحر. فظاهر الحديث أنهم بالخيار، إن شاءوا رموا يوم القر لذلك اليوم ولما بعده تقديمًا، وإن شاءوا أخروا فرموا يوم النفر الأول ليومين تأخيرًا، وإلى ذلك ذهب بعضهم كما حكاه الخطابي إذ قال: قال بعضهم: هم بالخيار إن شاءوا قدموا وإن شاءوا أخروا – انتهى. ويؤيد ذلك رواية النسائي بلفظ ((رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين الذين بعده يجمعونهما في أحدهما)) ورواية أحمد وابن ماجة بلفظ ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر فيرمونه في أحدهما، ورواية مالك في الموطأ (على ما في طبعات الهند) وفي مسند أحمد والمستدرك للحاكم بلفظ ((ثم يرمون من الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر (الآخر)) ) لكن الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة لم يقولوا بجمع التقديم فأولوا الحديث إلى جمع التأخير، فقال مالك كما في مسند أحمد: ظننت أنه في الآخر منهما وفسره في الموطأ بعبارة أوضح فقال: وتفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله لرعاء الإبل في رمي الجمار فيما نرى والله أعلم أنهم يرمون يوم النحر (جمرة العقبة كسائر الناس ثم ينصرفون لرعيهم فيغيبون عن منى في أول أيام التشريق، وهو اليوم الذي يلي يوم النحر) فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد (أي من غد هذا اليوم الذي يلي يوم النحر وهو اليوم الثالث من أيام النحر واليوم الثاني من أيام التشريق) وذلك يوم النفر الأول (لمن تعجل) فيرمون (أي في هذا اليوم) لليوم الذي مضى (أي لليوم الحادي عشر) ثم يرمون ليومهم ذلك (أي لليوم الثاني عشر) لأنه لا يقضي أحد شيئًا (مما يجب عليه قضاؤه) حتى يجب عليه، فإذا وجب عليه (الأداء) ومضى (وقته ولم يؤد فيه كان القضاء بعد ذلك، فإن بدا لهم النفر (بعد رمى يومين الذي رمى لهما في الثاني) فقد فرغوا (ويجوز لهم النفر) وإن أقاموا إلى الغد (أي إلى اليوم الثالث عشر رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا – انتهى. وقال الخطابي: قد اختلف الناس في تعيين اليوم الذي يرمون فيه، فكان مالك يقول يرمون يوم النحر، وإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول يرمون لليوم الذي مضى ويرمون ليومهم ذلك، وذلك أنه لا يقضي أحد شيئًا حتى يجب عليه. وقال الشافعي نحوًا من قول مالك – انتهى. وقال القاري في المرقاة: قال الطيبي: رخص لهم أن لا يبيتوا بمنى وأن يرموا يوم العيد جمرة العقبة ثم لا يرموا في الغد بل يرموا بعد الغد رمى اليومين القضاء والأداء، ولم يجوز الشافعي ومالك أن يقدموا الرمي في الغد – انتهى. قال القاري: وهو كذلك عند أئمتنا يعنى لم يجوزوا التقديم، ويؤيد تفسير مالك ومن واثقه رواية أحمد والبيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح عن عاصم بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص

ص: 326

..............................................................................................

ــ

للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يومًا وليلة ثم يرموا الغد. ولفظ الطحاوي من هذا الطريق: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتعاقبوا فكانوا يرمون غدوة يوم النحر ويدعون ليلة ويوماً ثم يرمون من الغد. ويؤيده أيضًا ما ورد في حديث الباب من طريق سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح عن أبيه عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا. قال الشوكاني: أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق، ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمى اليوم الثالث، وفيه تفسير ثان وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من أيام التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم، وكلاهما جائز – انتهى. فهذه الروايات ظاهرة بل صريحة في ما قال به الجمهور من جمع التأخير وموافقة لتفسير الموطأ المذكور وأما رواية مالك على ما في النسخ الهندية للموطأ وأحمد وغيرهما بلفظ ((ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين)) فقال في المحلى في تأويلها: قوله (ثم يرمون الغد) من يوم النحر، وهو اليوم الحادي عشر إن شاءوا، وذلك هو العزيمة (أو من بعد الغد ليومين) لذلك اليوم واليوم الماضي إن لم يرم من الغد من يوم النحر فقوله ((ليومين)) متعلق بقوله ((أو من بعد الغد)) وهذا المعنى على مذهب مالك والشافعي وغيره ممن لم يجوز تقديم الرمي على يومه لأنه لا قضاء حتى يجب وإلا فظاهر الحديث أنهم بالخيار إن شاءوا رموا يوم القر لذلك اليوم ولما بعده، وإن شاءوا أخروا فرموا يوم النفر الأول ليومين، وبه قال بعضهم – انتهى. وقال الزرقاني: ظاهر رواية الموطأ بلفظ ((ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين)) (على ما في النسخ المصرية) أنهم يرمون لهما في يوم النحر، وليس بمراد كما بينه الإمام مالك بعد – انتهى. وقال الباجي: يريد (ص) أنه يرمي لليومين الغد ومن بعد الغد، فذكر الأيام التي يرمي لها وهي الغد من يوم النحر وبعد الغد وهما أول أيام التشريق وثانيها ولم يذكر وقت الرمي وإنما يرمي لهما في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال ولذا جمع بينهما في اللفظ فقال ((ليومين)) وقد فسر ذلك مالك – انتهى. قلت: ويشكل على تفسير الموطأ وعلى ما وقع عند أحمد في آخر الحديث ((قال مالك: ظننت أنه في الآخر منهما)) ما حكاه الترمذي وابن ماجة عن مالك بعد قول عاصم بن عدي في الحديث فيرمونه في أحدهما ((قال مالك: ظننت أنه قال في الأول منهما ثم يرمون يوم النفر)) واختلفوا في دفع هذا الإشكال والاختلاف فذهب بعضهم إلى أن ما في الترمذي وابن ماجة سهو وخطأ من بعض الرواة والصحيح ما في مسند أحمد لأنه موافق لتفسير الموطأ الصريح الواضح، وذهب بعضهم إلى توجيه رواية الترمذي وتأويلها إلى ما في الموطأ والمسند فقال معنى قوله ((في الأول منهما)) أي بترك الرمي في الأول (أي في الحادي عشر) منهما (وقضائه في اليوم الثاني من أيام التشريق) وليس المراد الرمي في الأول منهما، ولا يخفى ما في هذا التأويل من التعسف، وقيل معناه أنهم يرمون في الأول منهما

ص: 327

..............................................................................................

ــ

أي في الحادي عشر كسائر الحجاج ثم يروحون إلى إبلهم في المراعي ولا يأتون اليوم الثاني من أيام التشريق أي اليوم الثالث من أيام النحر وهو يوم النفر الأول بل يأتون يوم النفر الآخر فيجمعون فيه بين رمي يومين أي رمي اليوم الثاني عشر ورمي الثالث عشر أي النفر الآخر. وفيه أن هذا شيء آخر لا يناسب ما في المسند والموطأ، وقيل في معنى رواية الترمذي غير ذلك، ثم إن الجمهور بعد ما اتفقوا على جمع التأخير ونفي جمع التقديم أي تقديم رمي يوم على ذلك اليوم اختلفوا في أنه هل يجب الدم في جمع التأخير أو لا يجب وهل هو أداء أو قضاء، فذهبت الأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى أنه لا يجب عليه دم. وقال أبو حنيفة: إذا طلع الفجر من الغد في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر فات وقت الأداء فيجب عليه القضاء مع الجزاء إلى غروب آخر أيام التشريق. قال ابن قدامة (ج 3: ص 455) : إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ولا شيء عليه إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث، وبذلك قال الشافعي وأبو ثور، لأن أيام التشريق وقت للرمي، فإذا أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شيء. قال القاضي: ولا يكون رميه في اليوم الثاني قضاء لأنه وقت واحد، والحكم في رمي جمرة العقبة إذا أخرها كالحكم في رمي أيام التشريق في أنها إذا لم ترم يوم النحر رميت من الغد. وقال أيضًا: آخر وقت الرمي آخر أيام التشريق فمتى خرجت قبل رميه فات وقته واستقر عليه الفداء الواجب في ترك الرمي، هذا قول أكثر أهل العلم – انتهى. وقال النووي في مناسكه: إذا ترك شيئًا من الرمي نهارًا فالأصح أنه يتداركه فيرميه ليلاً أو فيما بقي من أيام التشريق سواء تركه عمدًا أو سهوًا، وإذا تداركه فيها فالأصح أنه أداء لا قضاء، وإذا لم يتداركه حتى زالت الشمس من اليوم الذي يليه فالأصح أنه يجب عليه الترتيب فيرمي أولاً عن اليوم الفائت ثم عن الحاضر، ومتى تدارك فرمى في أيام التشريق فائتها أو فائت يوم النحر فلا دم عليه، ومتى فات ولم يتداركه حتى خرجت أيام التشريق وجب عليه جبره بالدم – انتهى. وقال الشيخ المواق في شرحه المختصر خليل بن إسحاق المالكي في الكلام على قوله ((والليل قضاء)) : قال ابن شاس: للرمي وقت أداء ووقت قضاء ووقت فوات، فوقت الأداء في يوم النحر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. قال: وتردد الباجي في الليلة التي تلي يوم النحر هل هي وقت أداء أو وقت قضاء، ووقت الأداء في كل يوم من الأيام الثلاثة من بعد الزوال إلى مغيب الشمس ويتردد في الليل كما تقدم – انتهى. وقال الدردير: في جملة ما يجب فيه الدم تأخير الرمي حتى خرجت أيام الرمي وتأخير رمي كل حصاة من العقبة أو غيرها أو تأخير جميع الحصيات عن وقت الأداء وهو النهار لليل وهو وقت القضاء فأولى لو فات الوقتان فدم واحد وقضاء كل من الجمار ولو العقبة ينتهي إلى غروب الرابع، والليل عقب كل يوم قضاء لذلك اليوم يجب به الدم، ووقت أداء كل من الزوال للغروب – انتهى. فعلم من هذا أن الرمي في الليل وفي ما بعد الليل قضاء على ما هو

ص: 328

رواه مالك، والترمذي، والنسائي، وقال

ــ

المشهور عند المالكية فيجب به الدم لكنه يرخص للرعاة مطلقًا أو رعاة الإبل خاصة في جمع التأخير ولا يجب عليهم دم. وقال في الغنية: لو لم يرم في الليل رماه في النهار، ولو قبل الزوال قضاء عند أبي حنيفة وعليه الكفارة للتأخير وأداء عندهما ولا شيء عليه – انتهى. قال القاري: والحاصل أن الرمي موقت عند أبي حنيفة وعندهما ليس بموقت فإذا أخر رمي يوم إلى يوم آخر فعنده يجب القضاء مع الدم، وعندهما يجب القضاء لا غير، لأن الأيام كلها وقت لها انتهى. وقال محمد في موطأه بعد رواية حديث عاصم بن عدي: من جمع رمي يومين في يوم من علة أو غير علة فلا كفارة عليه إلا أنه يكره أن يدع ذلك من غير علة حتى الغد. وقال أبو حنيفة: إذا ترك ذلك حتى الغد فعليه دم. وروى الطحاوي في المعاني حديث ابن عباس مرفوعًا ((الراعي يرعى بالنهار ويرمي بالليل)) ثم قال: ذهب أبو حنيفة إلى أن في هذا الحديث دلالة على أن الليل والنهار وقت واحد للرمي، فقال: إن ترك رجل رمي العقبة في يوم النحر ثم رماها بعد ذلك في الليلة التي بعده فلا شيء عليه، وإن لم يرمها حتى أصبح من غده رماها وعليه دم لتأخيره إياها إلى خروج وقتها وهو طلوع الفجر من يومئذ، وخالفه في ذلك أبو يوسف ومحمد فقال: إذا ذكرها في شيء من أيام الرمي رماها ولا شيء عليه غير ذلك من دم ولا غيره، وإن لم يذكرها حتى مضت أيام الرمي فذكرها لم يرمها وكان عليه في تركها دم. ثم احتج الطحاوي لهما بحديث الباب واستظهره بالنظر. وقد ظهر من هذا كله أنه يجب الدم في جمع التأخير عند أبي حنيفة ولا شك أن قوله بلزوم الجزاء أي الدم مخالف لحديث عاصم بن عدي. وقد أجاب بعض الحنفية عن ذلك بوجوه كلها مخدوشة واهية. والراجح عندنا أن أيام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي في حق الرعاة، فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر منها أجزأه ولا شيء عليه، والدليل على ذلك حديث عاصم بن عدي، فلو كان يجب الجزاء بتأخير رمي يوم عن ذلك اليوم لبينه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأما ما روي عن ابن عباس مرفوعًا ((من قدم شيئًا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دمًا)) فهو محمول على عدم العذر، والله أعلم. قال الشنقيطي بعد ذكر حديث عاصم بن عدي: التحقيق أن أيام الرمي كلها كاليوم الواحد، وأن من رمى عن يوم في الذي بعده لا شيء عليه لإذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء في ذلك ولكن لا يجوز تأخير يوم إلى يوم آخر إلا لعذر فهو وقت له ولكنه كالوقت الضروري والله تعالى أعلم (رواه مالك) في باب الرخصة في رمي الجمار بلفظ ((أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر)) وكذا رواه أبو داود والدارمي (والترمذي والنسائي) وأخرجه أيضًا أحمد (ج 5: ص450) والشافعي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي (ج 5: ص 450) وفي رواية للترمذي وأبي داود والنسائي وابن الجارود والحاكم قال: رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا (وقال

ص: 329