الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الباب خال عن الفصل الثالث.
(9) باب
(الفصل الأول)
2679 -
(1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس
ــ
وقول من ناظره أنه قال له لم: أقل على الشك ولكني سكت كما سكت القوم قبلي. ومعنى كلامه أنه لا يشك في أن القرآن غير مخلوق ولكنه يقتدي بمن لم يخض في ذلك، ولما حكى الذهبي في الميزان قول الساجي: إنهم تركوا الأخذ عنه لمكان الوقف، قال بعده قلت: قل من ترك الأخذ عنه - انتهى. وهو تصريح منه بأن الأكثرين على قبول فحديثه لا يقل عن درجة الحسن، وروايته عند أبي داود تعتضد بالرواية المذكورة قبلها، وكذا تعتضد بما رواه الدارقطني عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز إملاء عن إسحاق بن أبي إسرائيل، وبما روى الدارقطني أيضًا عن أبي محمد بن صاعد عن إبراهيم بن يوسف الصيرفي عن أبي بكر بن عياش عن يعقوب بن عطاء عن صفية بنت شيبة، وبما رواه الدارمي والبيهقي من طريق عبد الله بن على المديني عن هشام بن يوسف. قال الزيلعي بعد ذكره كلام ابن القطان المتقدم ما نصه: وأخرجه الدارقطني في سننه (ص 277) والطبراني في معجمه عن أبي بكر بن عياش عن يعقوب بن عطاء عن صفية بنت شيبة به. وأخرجه الدارقطني والبزار في مسنده عن حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن صفية به. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه - انتهى. فتبين من جميع ما ذكر أن حديث ابن عباس في أن على النساء المحرمات إذا أردن قضاء التفث التقصير لا الحلق، أنه لا يقل عن درجة الحسن كما جزم النووي بأن إسناده عند أبي داود حسن، وقد رأيت اعتضاده بما ذكرنا من الروايات المتابعة له عند الدارمي والبيهقي والطبراني والدارقطني والبزار (وهذا الباب خال عن الفصل الثالث) كذا وقع في بعض النسخ، ولا يحتاج إلى الاعتذار، ولعله لدفع وهم الإسقاط.
(باب) قال القاري: بالتنوين والسكون، وفي نسخة ((باب جواز التقديم والتأخير في بعض أمور الحج)) .
2679 -
قوله (وقف) أي على ناقته كما في رواية صالح بن كيسان عند البخاري ومعمر عند مسلم وابن الجارود، ورواية يونس عند مسلم، ومعمر أيضا عند أحمد والنسائي بلفظ ((وقف على راحلته)) كلهم عن ابن شهاب الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو فرواية يحيى القطان عن مالك عن الزهري ((أنه جلس في حجة الوداع فقام رجل)) محمولة على أنه ركب ناقته وجلس عليها (بمنى للناس) أي لأجلهم ولم يعين مكان الوقوف بمنى ولا اليوم، ووقع في رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عند البخاري في العلم ((عند الجمرة)) وهو أول منى، وفي رواية ابن جريج عن الزهري عند
..............................................................................................
ــ
الشيخين وابن الجارود ((يخطب يوم النحر)) وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وأحمد ((أتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة)) قال عياض: جمع بعضهم بين هذه الروايات بأنه موقف واحد على أن معنى خطب أي علم الناس، لا أنها من خطب الحج المشروعة، قال: ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين: أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا ((خطب)) وإنما فيه ((وقف وسئل)) والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر، وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام الناس ما بقي عليهم من مناسكهم. قال النووي: هذا الاحتمال الثاني هو الصواب، قال الحافظ: فإن قيل: لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين الذي قبله فإنه ليس في شيء من طريق الحديثين حديث عبد الله بن عباس (الآتي بعد ذلك) وحديث عبد الله بن عمرو بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار، قلت: نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس (عند البخاري) إن بعض السائلين قال: رميت بعد ما أمسيت، وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك، على أن حديث عبد الله بن عمرو من مخرج واحد لا يعرف له طريق إلا طريق الزهري، عن عيسى عنه، والاختلاف من أصحاب الزهري، وغايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكر الآخر واجتمع من مرويهم ورواية ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة، وإذا تقرر أن ذلك كان بعد الزوال يوم النحر تعين أنها الخطبة التي شرعت لتعليم بقية المناسك، فليس قوله ((خطب)) مجازًا عن مجرد التعليم بل حقيقة، ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها، ففي حديث ابن عمر عند البخاري في آخر باب الخطبة أيام منى: أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى – انتهى. قلت: ولا يشكل عليه ما في حديث عبد الله بن عمرو أنه وقف بمنى للناس يسألونه، بناء على أن المتبادر منه أن وقوفه كان لتعليم الناس وسؤالهم لا للخطبة فإنه لا منافاة بين الأمرين، فكان أصل وقوفه للخطبة وكان وقت سؤال أيضًا فسأله في ذلك الوقت السائل عما فاته من حجه وعما أدرك وعما قدم وأخر، وسأله قوم عن المستقبل فعلمهم دينهم وأفتى وأجاب عن مسائلهم، وذكر ابن حزم في صفة حجة الوداع أن هذه الأسئلة عن التقديم والتأخير كانت بعد عوده إلى منى من إفاضته يوم النحر – انتهى. نعم يشكل على ما قال الحافظ من كون الخطبة يوم النحر بعد الزوال ما وقع في رواية رافع بن عمرو المزني الآتي في الفصل الثاني من باب خطبة يوم النحر بلفظ ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى)) – الحديث. فإنها تدل على أن هذه الخطبة كانت وقت الضحى من يوم النحر (يعني قبل طواف الإفاضة) ومشى على ذلك ابن القيم في الهدي ولم أقف على دليل صريح من الأحاديث في كون هذه الخطبة بعد الظهر بمنى بعد طواف الإفاضة كما ذهب إليه القائلون بمشروعية الخطبة يوم النحر،
يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح. فقال: " اذبح ولا حرج ".
ــ
ويمكن أن يجاب عن ذلك بالحمل على التعدد كما تقدم عن عياض أنه حكاه احتمالاً. وقال المحب الطبري بعد ذكر قول ابن حزم المتقدم، قلت: ويحتمل أن الأسئلة تكررت قبله أي قبل الزوال وبعده وفي الليل، والله أعلم (يسألونه) هو في محل النصب على الحال من الضمير الذي في وقف أو من الناس أي وقف لهم حال كونهم سائلين عنه، أو هو استئناف بيانًا لسبب الوقوف، ويؤيد الأخير رواية وقف على راحلته فطفق ناس يسألونه)) وفي رواية ((وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه)) (فجاءه) عطف على قوله وقف (رجل) قال الحافظ: لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده في قوله: فجاء آخر، والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدًا لكثرة من سأل إذ ذاك، وقال في موضع آخر: لم أقف على اسم هذا السائل بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة، لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره ((كان الأعراب يسألونه)) فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسماءهم – انتهى. ويدل على كون السائلين جماعة متفرقين اختلاف أسألتهم عن التقدم والتأخير كما سيأتي بيانها (لم أشعر) بضم العين من باب نصر أي لم أفطن، يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له، قيل: وعلى هذا يكون مؤدى الاعتذار النسيان، قال الباجي: يحتمل أن يريد به نسيت فقدمت الحلاق – انتهى، وقيل الشعور العلم وعلى هذا المعنى لم أعلم المسألة قبل هذا، ويؤيده لفظ يونس عند مسلم ((لم أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل أن أرمي، وقال آخر: لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر)) فبين يونس متعلق الشعور أي العلم ولم يفصحه مالك في روايته، وإلى الاحتمالين معًا أشار البخاري في صحيحه إذ ترجم على حديث ابن عباس ((باب إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلاً)) قال العيني: فإن قلت: قيد في الترجمة كونه ناسيًا أو جاهلاً وليس في الحديث ذلك، قلت: جاء في حديث عبد الله بن عمرو ذلك وهو قوله: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح – الحديث. فإن عدم الشعور أعم من أن يكون يجهل أو نسيان، فكأنه أشار إلى ذلك لأن أصل الحديث واحد وإن كان المخرج متعددًا – انتهى. وبالاحتمالين معًا فسره القاري حيث قال: لم أشعر أي ما عرفت تقديم بعض المناسك وتأخيرها فيكون جاهلاً لقرب وجوب الحج أو فعلت ما ذكرت من غير شعور لكثرة الاشتغال فيكون مخطئًا (فحلقت) أي شعر رأسي (قبل أن أذبح) أي الهدي وفي رواية ((قبل أن أنحر)) والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره (اذبح) وفي رواية ((أنحر)) أي الآن (ولا حرج) أي لا ضيق عليك، ثم من قال: بعدم الفدية بمخالفة الترتيب في وظائف يوم النحر حمل نفي الحرج على نفي الإثم والفدية معًا، قال عياض: قوله ((اذبح ولا حرج)) ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه، فالمعنى افعل متى شئت، ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي، وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا
فجاء آخر، فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. فقال: " ارم ولا حرج ". فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: " افعل ولا حرج ".
ــ
أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك – انتهى. ومن ذهب إلى وجوب الدم حمله على نفي الإثم فقط، قال الباجي: يحتمل أن يريد لا إثم عليك لأن الحرج الإثم، ومعظم سؤال السائل إنما كان ذلك خوفًا من أن يكون قد أثم، فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا حرج، إذ لم يقصد المخالفة وإنما أتى ذلك عن غير علم ولا قصد مع خفة الأمر – انتهى. وقال السندي الحنفي في حاشية ابن ماجة معناه عند الجمهور أنه لا إثم ولا دم، ومن أوجب الدم حمله على دفع الإثم وهو بعيد، إذ الظاهر عموم النفي لحرج الدنيا وحرج الآخرة، وأيضًا لو كان دم لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ترك البيان أو تأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم (فجاء) رجل (آخر فقال: لم أشعر) أي لم أفطن أو لم أعلم أن الرمي قبل النحر (فنحرت) الهدي (قبل أن أرمي) أي الجمرة (فقال ارم) أي الآن (ولا حرج) وفي رواية ابن جريج عن الزهري عند البخاري: فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، ونحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، لهن كلهن، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج. وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم كما سيأتي حلقت قبل أن أرمي، وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي أيضًا، فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمر والسؤال عن أربعة أشياء، الحلق قبل الذبح، والحلق قبل الرمي، والنحر قبل الرمي، والإفاضة قبل الرمي، والأولان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر، وفي حديث أبي سعيد عند الطحاوي، وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق، وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق، وفي حديث جابر الذي علقه البخاري ووصله ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك الآتي في الفصل الثالث السؤال عن السعي قبل الطواف، وقد تقدم في مسألة اشتراط الطهارة للسعي في شرح حديث عائشة في باب قصة حجة الوداع أن الجمهور القائلين بعدم إجزاء السعي قبل الطواف حملوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم قبل طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن، قيل: ولا إشكال في الحديث على مذهب الحنفية، فإنهم يحملونه كسائر الأحاديث الواردة في الباب على نفي الحرج بمعني نفي الإثم لعذر الجهل أو النسيان (فما سئل) بصيغة المجهول (النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية ((يومئذ)) (عن شيء قدم) بصيغة المجهول من التفعيل فيه وفي ((أخر)) أي وحقه التأخير (ولا أخر) أي ولا عن شيء أخر وحقه التقديم (إلا قال) صلى الله عليه وسلم في جوابه (افعل) الآن ما بقي وقد أجزأك فيما فعلت (ولا حرج) عليك في التقديم والتأخير.
..............................................................................................
ــ
وفي رواية يونس عند مسلم ((فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال: افعلوا ذلك ولا حرج)) قال الباجي: لا يقتضي هذا رفع الحرج في تقديم شيء ولا تأخيره غير المسألتين المنصوص عليهما، لأننا لا ندري عن أي شيء غيرهما سئل في ذلك اليوم، وجوابه إنما كان عن سؤال السائل فلا يدخل فيه غيره كما لا يدخل في قوله ((انحر ولا حرج، ارم ولا حرج) غير ذلك مما لم يسئل عنه – انتهى. وكذا قال ابن التين أن هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المنصوص عليهما يعني المذكورتين في رواية مالك لأنه خرج جوابًا للسؤال، ولا يدخل فيه غيره – انتهى. وتعقبه الحافظ فقال: كأنه غفل عن قوله في بقية الحديث ((فما سئل عن شيء قدم ولا أخر)) وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر، لكن قوله في رواية ابن جريج ((وأشباه ذلك)) يرد عليه، وقد تقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة صور وبقيت عدة صور لم تذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لكونها لم تقع، وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة، منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة، وهي وظائف يوم النحر بالاتفاق، وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم من المالكية استثني القارن فقال: لا يجوز له الحلق قبل الطواف، وكأنه لاحظ أنه في عمل العمرة، والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف، يعني أنه رأى أن القارن عمرته وحجه قد تداخلا، فالعمرة قائمة في حقه والعمرة لا يجوز الحلق فيها قبل الطواف، ورد عليه النووي بنصوص الأحاديث والإجماع المتقدم عليه، ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك حيث قال: وكأنه يريد بنصوص الأحاديث ما ثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا في آخر الأمر وقد حلق قبل الطواف، وهذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصي أعني كونه عليه السلام قارنًا، وابن الجهم بنى على مذهب مالك والشافعي ومن قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردًا، وأما الإجماع فبعيد الثبوت إن أراد به الإجماع النقلي القولي، وإن أراد السكوتي ففيه نظر، وقد ينازع فيه أيضًا – انتهى. قال الحافظ: واختلف العلماء في جواز تقديم بعضها على بعض فأجمعوا على الإجزاء في ذلك أي في التقديم والتأخير كما قاله ابن قدامة في المغني إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع، قال القرطبي: روي عن ابن عباس أن من قدم شيئًا على شيء فعليه دم. وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي – انتهى. وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع كما سيأتي، قال: وذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم لقوله للسائل: " لا حرج ". فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا، لأن إثم الضيق يشملهما – انتهى. وقال ابن دقيق العيد (ج 3: ص 48، 49) : إذا ثبت أن الوظائف في يوم النحر أربع فقد اختلفوا فيما لو تقدم بعضها على بعض، فاختار الشافعي جواز التقديم وجعل الترتيب مستحبًا، ومالك وأبو حنيفة يمنعان تقديم الحلق
.............................................................................................
ــ
على الرمي لأنه يكون حينئذ حلقًا قبل وجود التحللين، وللشافعي قول مثله، وقد بنى القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة محظور، فإن قلنا: إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره، لأنه يكون من أسباب التحلل، وإن قلنا إنه استباحة محظور لم يجز لما ذكرناه من وقوع الحلق قبل التحللين. قال: وفي هذا البناء نظر، لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكًا أن يكون من أسباب التحلل، وهذا مالك يرى أن الحلق نسك ويرى مع ذلك أنه لا يقدم على الرمي، إذ معنى كون الشيء نسكًا أنه مطلوب مثاب عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون سببًا للتحلل – انتهى. وقال الأوزاعي: إن أفاض قبل الرمي اهراق دمًا. وقال عياض: اختلف عن مالك في تقديم الطواف على الرمي، روى ابن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف، فإن توجه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم، قال ابن بطال: هذا يخالف حديث ابن عباس، وكأنه لم يبلغه. قال الحافظ: وكذا هو في رواية ابن أبي حفصة عن الزهري في حديث عبد الله بن عمرو، وكأن مالكًا لم يحفظ ذلك عن الزهري – انتهى. وقال الأبي: أما الإفاضة فاختلف قول مالك إذا قدمها قبل الرمي فقيل: يجزئه ويهدي، وقيل: لا يجزئه ويعيدها بعد الرمي وهو كمن لم يفض، وكلك اختلف في قوله إذا قدمها على الحلق فرمى ثم أفاض ثم حلق، فقال: مرة يجزئه وقال: مرة يعيدها بعد الحلق، وقال في الموطأ في باب التقصير: أحب إلى أن يريق دمًا، وكذلك اختلف قول مالك في النحر قبل الحلق، وقال في آخر ((باب ما جاء في الحلاق)) من الموطأ: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن أحدًا لا يحلق رأسه ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هديًا إن كان معه، وقال: في ((باب العمل في النحر)) : لا يجوز لأحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه، وارجع لشرح هذه الأقوال إلى المنتقى للباجي. وقال ابن قدامة:(ج 3: ص 446) : وفي يوم النحر أربعة أشياء: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق ثم الطواف، والسنة ترتيبها هكذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها، كذلك وصفه جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أنس ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق)) رواه أبو داود. فإن أخل بترتيبها ناسيًا أو جاهلاً بالسنة فيها فلا شيء عليه في قوله كثير من أهل العلم، منهم الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري. وقال أبو حنيفة: إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فإن كان قارنًا فعليه دمان، وقال زفر: عله ثلاثة دماء، لأنه لم يجد التحلل الأول فلزمه الدم كما لو حلق قبل يوم النحر، ولنا ما روى عبد الله بن عمرو قال: قال رجل: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح، قال:" اذبح ولا حرج ". فقال آخر: ذبحت قبل أن أرمي. قال: " ارم ولا حرج ". متفق عليه. وفي لفظ ((قال: فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح – وذكر الحديث – قال: فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعضها وأشباهها إلا قال: افعلوا ولا حرج عليكم)) رواه مسلم. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر وهو بمنى في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: لا حرج. متفق عليه، ورواه عبد الرزاق
..............................................................................................
ــ
عن معمر الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو، وفيه: فحلقت قبل أن أرمي. وتابعه على ذلك محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عيسى عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأتاه رجل – فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج. قال: وأتاه آخر فقال: إني أفضت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع. على أنه لا يلزم من سقوط الدم بفقد الشيء في وقته سقوطه قبل وقته. فإنه لو حلق في العمرة بعد السعي لا شيء عليه، وإن كان الحل ما حصل قبله، وكذلك في مسألتنا إذا قلنا إن الحل يحصل بالحلق فقد حلق قبل التحلل ولا دم عليه، فأما إن فعله عمدًا عالمًا بمخالفة السنة في ذلك ففيه روايتان: إحداهما لا دم عليه، وهو قول عطاء وإسحاق لإطلاق حديث ابن عباس، وكذلك حديث عبد الله بن عمرو، من رواية سفيان بن عيينة، والثانية عليه دم، روى نحو ذلك عن سعيد بن جبير وجابر بن زيد وقتادة والنخعي، لأن الله تعالى قال {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} (2: 196) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب وقال: خذوا عني مناسككم. والحديث المطلق قد جاء مقيدًا فيحمل المطلق على المقيد. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل حلق قبل أن يذبح؟ فقال: إن كان جاهلاً فليس عليه، فأما التعمد فلا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: لم أشعر، قيل لأبي عبد الله سفيان بن عيينة لا يقول: لم أشعر، فقال: نعم ولكن مالكًا والناس عن الزهري: لم أشعر. وهو في الحديث. وقال مالك: إن قدم الحلق على الرمي فعليه دم، وإن قدمه على النحر أو النحر على الرمي فلا شيء عليه، لأنه بالإجماع ممنوع من حلق شعره قبل التحلل الأول ولا يحصل إلا برمي الجمرة، فأما النحر قبل الرمي فجائز، لأن الهدي قد بلغ محله، ولنا الحديث، فإنه لم يفرق بينهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الحلق والنحر والتقديم والتأخير فقال: لا حرج، ولا نعلم خلافًا بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الأجزاء ولا يمنع وقوعها موقعها، وإنما اختلفوا في وجوب الدم على ما ذكرنا، والله أعلم، فإن قدم الإفاضة على الرمي أجزاه طوافه، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك: لا تجزئه الإفاضة فليرم ثم لينحر ثم ليفض، ولنا ما روى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: أفضت قبل أن أرمي؟ قال: " ارم ولا حرج ". وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قدم شيئًا قبل شيء فلا حرج ". رواهما سعيد في سننه، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج، فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج. رواه أبو داود والنسائي والترمذي – انتهى. وقد ظهر بما ذكرنا من كلام القرطبي وابن دقيق العيد وابن قدامة والحافظ أنه لم يقل بظاهر أحاديث الباب وعمومها أحد من الأئمة بل خالفتها المالكية والحنفية في بعض الأمور كما سيأتي، نعم عمل بعمومها الشافعية والحنابلة كما سيأتي أيضًا، قال الدردير: يفعل في يوم النحر أربعة أمور مرتبة الرمي فالنحر فالحلق فالإفاضة، فتقديم الرمي على الحلق والإفاضة
.............................................................................................
ــ
واجب وما عداه مندوب – انتهى. وحاصله أن تقديم الرمي على الحلق والإفاضة واجب يجبر بالدم وأما تقديمه على النحر أو تقديم النحر على كل واحد من الحلق والإفاضة أو تقديم الحلق على الإفاضة فمستحب، فالمراتب ستة، الوجوب في اثنين والندب في أربعة، ومذهب الحنفية على ما قال ابن عابدين هو أن الطواف لا يجب ترتيبه على شيء من الثلاثة، وإنما يجب ترتيب الثلاثة الرمي ثم الذبح ثم الحلق لكن المفرد لا ذبح عليه فيجيب عليه الترتيب بين الرمي والحلق فقط، وحاصله أنه لا يجب الدم بتقديم الطواف على الثلاثة، والمفرد ليس عليه الذبح، وإنما يجب الترتيب في الثلاثة على القارن والمتمتع، فإن قدم المفرد الحلق على الرمي فعليه دم ولو حلق القارن أو المتمتع دون المفرد قبل الذبح أو ذبح قبل الرمي فعليه دمان، دم للقران أو التمتع. ودم لهذه الجناية، سواء كان عامدًا أو جاهلاً أو ناسيًا. وقال النووي: الأعمال المشروعة يوم النحر أربعة: الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف، وهي على هذا الترتيب مستحبة، فلو خالف فقدم بعضها على بعض جاز وفاته الفضيلة، وقال أيضًا: السنة ترتيبها هكذا فلو خالف وقدم بعضها على بعض جاز ولا فدية عليه لهذه الأحاديث، وبهذا قال جماعة من السلف وهو مذهبنا – انتهى، وفي كشاف القناع من فروع الحنابلة: وإن قدم الحلق على الرمي أو على النحر أو طاف للزيارة قبل رميه أو نحر قبل رميه جاهلاً أو ناسيًا فلا شيء عليه، وكذا لو كان عالمًا، لكن يكره ذلك للعالم، وإن قدم طواف الإفاضة على الرمي أجزأه – انتهى. وكذا في منتهى الإرادات والروض المربع، هذا، وقد احتج لما روى الأثرم عن أحمد من تخصيص الرخصة بالناسي والجاهل دون العامد بقوله في رواية مالك: لم أشعر، كما تقدم، وبقوله في رواية يونس: فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض أو أشباهها إلا قال: افعلوا ولا حرج. وأجاب بعض الشافعية بأن الترتيب لو كان واجبًا لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي، قال: وأما ما وقع في حديث أسامة بن شريك (الآتي في الفصل الثالث) فمحمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن. قال الحافظ: ولم يقل بظاهر حديث أسامة إلا أحمد وعطاء فقالا: لو لم يطف للقدوم ولا لغيره وقدم السعي قبل طواف الإفاضة أجزأه. أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه – انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج 2: ص 433) : أما قوله: سعيت قبل أن أطوف. فيشبه أن يكون هذا السائل لما طاف طواف القدوم قرن به السعي، فلما طاف طواف الإفاضة لم يعد السعي، فأفتاه بأن لا حرج، لأن السعي الأول الذي قرنه بالطواف الأول قد أجزأه، فأما إذا لم يكن سعى إلى أن أفاض فالواجب عليه أن يؤخر السعي عن الطواف، لا يجزيه غير ذلك في قول عامة أهل العلم، إلا في قول عطاء وحده فإنه قال: يجزئه، وهو قول كالشاذ لا اعتبار له – انتهى.
.............................................................................................
ــ
قلت: وقد ذهب إليه ابن حزم أيضًا ورد على من فرق بين تقديم السعي وسائر ما قدم وأخر، وأما تأويل الخطابي وغيره فلا يخفى ما فيه من التعسف، وقال ابن دقيق العيد (ج 3: ص 79) بعد حكاية قول الإمام أحمد المذكور: وهذا القول في سقوط الدم عن الجاهل والناسي دون العامد قوي من جهة الدليل أن الدليل دل على وجوب إتباع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: " خذوا عني مناسككم ". وهذه الأحاديث المرخصة في التقديم لما وقع السؤال عنه إنما قرنت بقول السائل ((لم أشعر)) فيختص الحكم بهذه الحالة ويبقى حالة العمد على أصل وجوب إتباع الرسول في الحج، وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يجز إطراحه وإلحاق غيره مما لا يساويه، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذة والحكم علق به، فلا يمكن إطراحه وإلحاق العمد به إذ لا يساويه، فإن تمسك بقول الراوي ((فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج)) فإنه قد يشعر بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى في الوجوب، فجوابه أن الراوي لم يحك لفظًا عامًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي جواز التقديم والتأخير مطلقًا، وإنما أخبر عن قوله صلى الله عليه وسلم:" لا حرج ". بالنسبة إلى كل ما سئل عنه من التقديم والتأخير حينئذ، وهذا الإخبار من الراوي إنما تعلق بما وقع السؤال عنه. وذلك مطلق بالنسبة إلى حال السؤال وكونه وقع عن العمد أو عدمه، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد، والله أعلم – انتهى. وتعقبه الشنقيطي بأنه لا يتضح حمل الأحاديث على من قدم الحق جاهلاً أو ناسيًا وإن كان سياق حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه يدل على أن السائل جاهل، لأن بعض تلك الأحاديث ليس فيها ذكر النسيان ولا الجهل فيجب استصحاب عمومها حتى يدل دليل على التخصيص في النسيان والجهل. وقد تقرر أيضًا في علم الأصول أن جواب المسئول لمن سأله لا يعتبر فيه مفهوم المخالفة، لأن تخصيص المنطوق بالذكر لمطابقة الجواب للسؤال فلم يتعين كونه لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق. وقال الشوكاني: وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره به حتى يقال إنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور ولا يجوز إطراحها بإلحاق العمد بها، وبهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب – انتهى بقدر الضرورة، وقد عرفت مما قدمنا أن أحاديث الباب مخالفة للحنفية والمالكية في بعض الصور فاعتذروا عن ذلك بوجوه، منها: أن معنى الحرج في هذه الأحاديث الإثم وهو المنفي ها هنا، قال الأبي في الإكمال: قوله ((لا حرج)) محمول عندنا على نفي الإثم فقط – انتهى. وبذلك جزم الطحاوي وغيره من الحنفية أن المنفي هو الإثم فقط دون الفدية، وتعقبه الحافظ في الفتح فقال: العجب ممن يحمل قوله ((ولا حرج)) على نفي الإثم فقط، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم، فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج – انتهى. قلت: التعقب المذكور قوي متجه، وجوابه متعذر جدًا،
..............................................................................................
ــ
وقد اعترف بذلك بعض الحنفية حيث قال: يلزم على ما قررنا القول بوجوب الترتيب في الأعمال الأربعة من الرمي والنحر والحلق والطواف، وكلام أصحابنا صريح في نفي وجوبه مطلقًا في الطواف دون سائر الأعمال، ولم أجد إلى الآن مع البحث الشديد في الفرق بين الطواف وبين الأفعال الثلاثة وجهًا شافيًا، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا – انتهى. وقد تعرض الزرقاني للجواب عن التعقب المذكور فقال: إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل المحل مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي، وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي، ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنده زيادة ذلك فلا يلزمه زيادة غيره، وهو أثبت الناس في ابن شهاب، ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه. وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي، واختلف قول ابن معين في تضعيفه، وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه – انتهى. وحاصل هذا الجواب أن المراد في أحاديث الباب بنفي الحرج هو نفي الإثم فقط، وأما وجوب الدم في بعض الصور فإنما أوجبه مالك أو غيره لدلائل أخرى. قلت: لم يثبت بحديث مرفوع صحيح أو ضعيف وجوب الدم في شيء من التقديم والتأخير، وأما ما يذكر فيه من قول ابن عباس أو غيره فسيأتي الجواب عنه، وزيادة الثقة مقبولة إذا لم يعارض لرواية من هو أوثق منه، ولا معارضة ها هنا بين الروايات فيجب قبولها، وقال ابن دقيق العيد: من قال بوجوب الدم في العمد والنسيان عند تقديم الحلق على الرمي فإنه يحمل قوله عليه السلام: " لا حرج ". على نفي الإثم ولا يلزم من نفي الإثم نفي وجوب الدم، وادعى بعض الشارحين أن قوله عليه السلام لا حرج ظاهر في أنه لا شيء عليه، وعنى بذلك نفي الإثم والدم معًا، وفيما ادعاه من الظهور نظر وقد ينازعه خصومه فيه بالنسبة إلى الاستعمال العرفي فإنه قد استعمل ((لا حرج)) كثيرًا في نفي الإثم وإن كان من حيث الوضع اللغوي يقتضي نفي الضيق، نعم من أوجب الدم وحمل نفي الحرج على نفي الإثم يشكل عليه تأخير بيان وجوب الدم، فإن الحاجة تدعوا إلى بيان هذا الحكم فلا يؤخر عنها بيانه، ويمكن أن يقال: إن ترك ذكره في الرواية لا يلزم منه ترك ذكره في نفس الأمر – انتهى. قلت: ذكر هذا الإشكال الحافظ أيضًا فقال: تعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبًا لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذٍ لأنه وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره، وأجاب العيني عن هذا التعقب فقال: لا، ثم دليل أقوى من قوله تعالى {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} (2: 196) وبه احتج النخعي فقال: فمن حلق قبل الذبح اهراق دمًا، رواه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح – انتهى. وقد ورد الحافظ هذا الاحتجاج بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه
..............................................................................................
ــ
فيه وقد حصل، وإنما يتم ما أراد أن لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا – انتهى. وقال ابن حزم. أما قول إبراهيم في أن من حلق قبل الذبح والنحر فعليه دم واحتجاجه بقول الله تعالى {ولا تحلقوا رؤوسكم} فغفلة منه، لأن محل الهدي هو يوم النحر بمنى ذبح أو نحر أو لم يذبح ولا نحر، إذا دخل يوم النحر والهدي بمنى أو بمكة فقد بلغ محله فحل الحلق ولم يقل تعالى حتى تنحروا أو تذبحوا، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ذلك مباح ولا حجة في قول أحد سواه عليه السلام – انتهى. وأجاب عن هذا العيني بأنه ليس المراد الكلي مجرد البلوغ إلى المحل الذي يذبح فيه، بل المقصد الكلي الذبح، ولذا لو بلغ ولم يذبح يجب عليه الفدية – انتهى. وأجاب بعض الحنفية عن الإشكال المذكور بأنه قد يترك البيان في مثل تلك الحالة اعتمادًا على القواعد العامة المعلومة من الشرع، ويحسب أن فيها غنية عن بيان المسألة في ذلك الوقت بخصوصه، قال: ونظيره ما رواه البخاري في صحيحه من طريق هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: بد من قضاء. وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا. قال الحافظ: جزم هشام بالقضاء محمول على أنه استند فيه إلى دليل آخر، وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه – انتهى. قال هذا البعض: فالقضاء واجب في تلك الصورة عند جمهور الأمة ولكن لم يبينه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت مع احتياج الناس إليه، ولو بينه لنقل إلينا، وهكذا هو في حديث الباب قلت: لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بيان قاعدة عامة أو خاصة تدل على وجوب الدم في مثل تلك الحالة، وتغني عن البيان في ذلك الوقت أي في ابتداء الإسلام حينما كان الناس محتاجين إلى تقرير قواعد الحج فسكوته صلى الله عليه وسلم عن البيان حين ذاك دليل على عدم وجوب الفدية على من خالف الترتيب، وأما تنظير ذلك بما رواه البخاري من حديث أسماء فليس في محله، فإنه ليس فيه إثبات قضاء الصوم ولا نفيه، وإنما رجح الجمهور إيجاب القضاء فيه خلافًا لمجاهد والحسن وإسحاق وأحمد في رواية وابن خزيمة بأنه لو غم هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا، وأما ما نحن فيه فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم ذلك بقوله ((لا حرج)) وهو يدل دلالة لا لبس فيها على من قدم أو أخر لا شيء عليه من إثم ولا فدية، لأنه نكرة في سياق النفي ركبت مع لا فبقيت على الفتح والنكرة إذا كانت كذلك فهي صريح في العموم، فالأحاديث إذن نص صريح في عموم النفي لجميع أنواع الحرج من إثم وفدية. قلت: واستدل بعضهم على كون المراد بنفي الحرج في الحديث نفي الإثم فقط لا غيره بما وقع في حديث أسامة بن شريك الآتي من الاستثناء بقوله: إلا على رجل افترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك قالوا فيه: دلالة ظاهرة على أن الحرج المنفي في الحديث هو الإثم والفساد فقط لا الفدية ونحوها. ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن هذا الاستدلال إنما يتم إذا كان الاستثناء في هذا الحديث متصلاً، وأما إذا كان منقطعًا فلا كما لا يخفى فافهم
..............................................................................................
ــ
واحتج بعضهم لذلك أيضًا بأن ابن عباس روى مثل حديث عبد الله بن عمرو كما سيأتي، وأوجب الدم، فقد روى الطحاوي بسنده عنه أنه قال: من قدم شيئًا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دمًا، فلولا أنه فهم أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط دون الفدية لما أمر بخلافه، وفيه أنه قد روى عن ابن عباس مرفوعًا ما يعارضه فقد روى البيهقي (ج 5: ص143) عن أبي الحسن العلوي عن عبد الله بن محمد بن شعيب البزمهراني عن أحمد بن حفص بن عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم – الحديث. وفيه ((فما علمته سئل عن شيء يومئذٍ إلا أنه قال: لا حرج ولم يأمر بشيء من الكفارة)) قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وروى البيهقي أيضًا (ج 5 ص 143، 144) بسنده عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قدم من نسكه شيئًا أو أخر فلا شيء عليه ". قال الشيخ محمد عابد السندي في المواهب اللطيفة بعد ذكره: هذا مرفوع مقدم على موقوفه – انتهى. وأجاب ابن التركماني عن الرواية الأولى بأن الزيادة المذكورة وهي قوله ((ولم يأمر بشيء من الكفارة)) غريبة جدًا لم أجدها في شيء من الكتب المتداولة بين أهل العلم وشيخ البيهقي وشيخ شيخه لم أعرف حالهما بعد الكشف والتتبع إلى آخر ما قال. وأجاب بعضهم عن الرواية الثانية بأنه أي شيء يزيد فيه على حديثه المرفوع الذي سيأتي بلفظ لا حرج؟ فقوله ((لا شيء عليه)) أيضًا يحمل على ما حملنا عليه قوله ((لا حرج)) أي لا شيء عليه من الإثم وإعادة فعل فعله على غير ترتيب. قال: والظاهر أن حديث البيهقي مختصر من حديث الباب، قد اختصره بعض الرواة ورواه بالمعنى – انتهى، ومن الوجوه التي اعتذروا بها عن أحاديث الباب أن فتوى الراوي إذا كان مخالفًا لروايته يعمل بفتواه، وهذا ابن عباس الراوي لحديث الباب قد أفتى بوجوب الدم كما تقدم، وتعقب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف، وأيضًا قد روي عنه ما يعارض فتواه صريحًا كما تقدم أيضًا، وأيضًا قد روى البيهقي بسنده عن مقاتل أنهم سألوا أنس بن مالك عن قوم حلقوا من قبل أن يذبحوا، قال: أخطأتم السنة ولا شيء عليكم. وهذا كما ترى مخالف لفتوى ابن عباس وموافق لحديثه المرفوع، وأيضًا نحن متعبدون بما بلغ إلينا من الحديث ولم نتعبد برأي الراوي أو بما فهمه كما بسطه ابن القيم في الإعلام والعلامة القنوجي في حصول المأمول، ومنها أن أحاديث الباب معارضة لدلالة آية الأذى فإن الله تعالى إذ أوجب الفدية لعذر الأذى فكيف بدون العذر. قال ابن رشد في البداية: وعمدة مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم على من حلق قبل محله من ضرورة بالفدية فكيف من غير ضرورة – انتهى. وتعقبه ابن الهمام فقال: أما الاستدلال بدلالة قوله تعالى {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه} (2: 196) الآية فإن إيجاب الفدية للحلق قبل أوانه حالة العذر يوجب الجزاء مع عدم العذر بطريق أولى، فمتوقف على أن ذلك التأقيت الصادر عنه صلى الله عليه وسلم بالقول كان لتعيينه لا لاستنانه – انتهى. وأما ما قال مالك في باب الحلاق من موطأه: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن أحدًا لا يحلق رأسه ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هديًا إن كان معه ولا يحل من شيء حرم
..............................................................................................
ــ
عليه حتى يحل بمنى يوم النحر ذلك أن الله تعالى قال {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} فهو محمول على كراهة التنزيه والسنة والاستحباب على ما هو المشهور من مذهب مالك، ومنها ما قال ابن الهمام أن قول القائل لم أشعر ففعلت ما يفيد أنه ظهر له بعد فعله أنه ممنوع من ذلك فلذا قدم اعتذاره على سؤاله وإلا لم يسأل أو لم يعتذر، لكن قد يقال: يحتمل أن الذي ظهر له مخالفة ترتيبه لترتيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن أن ذلك الترتيب متعين فقدم ذلك الاعتذار وسأل عما يلزمه به فبين عليه الصلاة والسلام في الجواب عدم تعينه عليه بنفي الحرج وأن ذلك الترتيب مسنون لا واجب، والحق أنه يحتمل أن يكون كذلك، وأن يكون الذي ظهر له كان هو الواقع إلا أنه صلي الله عليه وسلم عذرهم للجهل وأمرهم أن يتعلموا مناسكهم، وإنما عذرهم بالجهل لأن الحال إذ ذاك كان في ابتداءه، وإذا احتمل كلا منهما فالاحتياط اعتبار التعيين والأخذ به واجب في مقام الاضطراب – انتهى. ومنها أن قوله ((ولا حرج)) يحتمل أن يراد به نفي الإثم والفدية معًا عن هؤلاء السائلين الذين جهلوا الحكم الشرعي بأعيانهم لكون الجهل عذرًا مقبولاً في حقهم إذ ذاك، وإن لم يكن عذر اليوم لشيوع الأحكام الشرعية وقدم العهد بها. روى الطحاوى عن أبي سعيد الخدري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي، قال: لا حرج، وعن رجل ذبح قبل أن يرمي، قال: لا حرج، ثم قال: عباد الله! وضع الله عز وجل الضيق والحرج، وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم. قال العيني: فدل ذلك على أن الحرج الذي رفعه الله عنهم إنما كان لجهلهم بأمر المناسك لا لغير ذلك، وذلك لأن السائلين كانوا أناسًا أعرابًا لا علم لهم بالمناسك فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لا حرج يعني فيما فعلتم بالجهل لا أنه أباح لهم ذلك فيما بعد – انتهى. وقال الطحاوي بعد رواية الحديث أفلا ترى أنه أمرهم بتعلم مناسكهم لأنهم كانوا لا يحسنونها فدل ذلك أن الحرج والضيق الذي رفعه الله عنهم هو لجهلهم بأمر مناسكهم لا لغير ذلك، وفيه أن حاصل هذا الاعتذار أن رفع الإثم والفدية عن السائلين الأعراب كان لجهلهم ويرجع ذلك إلى أن يكون الحكم المذكور خاصًا بهم ولا يخفى ما فيه، ومنها ما تقدم في كلام الباجي وابن التين أن ذلك لا يقتضي رفع الحرج في تقديم شيء ولا تأخيره غير المسألتين المنصوص عليهما يعني المذكورتين في رواية مالك، لأنا لا ندري عن أي شيء غيرهما سئل في ذلك اليوم، وجوابه إنما كان عن سؤال السائل فلا يدخل فيه غيره – انتهى. وتعقبه الحافظ فقال: كأنه غفل عن قوله في بقية الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر. وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر لكن قوله في رواية ابن جريج وأشباه ذلك يرد عليه وتقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة صور – انتهى. وأجاب عنه الزرقاني بأن مالكًا أوجب الدم في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره، لأنه أثبت الناس في ابن شهاب، وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل – انتهى. وفيه أن الإمام مالكًا معذور لكونه لم يبلغه ما
متفق عليه. وفي رواية لمسلم: أتاه رجل فقال: حلقت قبل أن أرمي. قال: " ارم ولا حرج ". وأتاه آخر، فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي. قال: " ارم ولا حرج ".
2680 – (2) وعن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى، فيقول:" لا حرج ". فسأله رجل فقال: رميت بعد ما أمسيت. فقال: " لا حرج ".
ــ
وقع عند غيره من أصحاب الزهري، وأما المالكية ومن وافقهم فلا عذر لهم في ترك القول والعمل بما رواه غيره من الرواة الثقات الأثبات عن الزهري زيادة على رواية مالك، وأما ما ذكر من التعليل لإيجاب الدم في تقديم الحلق على الرمي فهو مما لا يلتفت إليه بعد وروده نصًا في الحديث لكونه في مقابلة النص، وأيضًا إذا كان الحلق نسكًا كان هو من أسباب التحلل (متفق عليه) أخرجه البخاري في العلم والحج والنذور ومسلم في الحج بألفاظ مختلفة المذكور ها هنا أحدها، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 2: ص 160، 192، 202، 210) ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والطحاوي وابن الجارود (ص 174، 175) والدارمي والبيهقي (ج 5: ص 141، 142)(وفي رواية لمسلم) رواها من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري وكذا أخرجه من طريقه أحمد (ج 2: ص 210) وابن أبي حفصة هذا من رجال الصحيحين ومن أصحاب الزهري المشهورين، وثقه ابن معين وأبو داود وقال علي بن المديني: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وقال النسائي: ضعيف، وهذا جرح مبهم على أن النسائي متعنت فلا يلتفت إلى تضعيفه (أتاه رجل فقال: حلقت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، وأتاه آخر فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال:" ارم ولا حرج ". قد تقدم أن الترتيب بين الرمي والذبح والحلق للقارن والمتمتع، وبين الرمي والحلق للمفرد واجب عند الحنفية، وأما الترتيب بين الرمي والطواف وبين الحلق والطواف فليس بواجب عندهم، ففرقوا بين الطواف وبين الأشياء الثلاثة في ذلك مع أنه وقع في جملة الروايات السؤال عن جميع هذه الصور وورد الجواب في كلها بلفظ ((لا حرج)) وقد تقدم ما قال بعضهم أنه لم يجد مع البحث الشديد للفرق بين الطواف وبين الأفعال الثلاثة وجهًا شافيًا، ورواية مسلم هذه صريحة في الرد على المالكية إذ نفى فيها الحرج في تقديم الحلق والإفاضة على الرمي، وقد سبق ما أجاب به الزرقاني عنها.
2680-
قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل يوم النحر بمنى) أي عن التقديم والتأخير (فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: رميت بعد ما أمسيت. فقال: لا حرج) قد تقدم في شرح حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال الحافظ بعد ذكر رواية ابن عباس هذه: إنها تدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك - انتهى. وقال الشوكاني: قوله ((رميت بعد ما أمسيت)) فيه دليل على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه في ذلك. قلت: وقد تقدم في شرح حديث ابن عباس في الفصل الثاني من باب الدفع من